الأربعاء، 22 يناير 2014

فى هجوم لها على محلية (السنطة) بولاية جنوب دارفور الاثنين قبل الماضي قتلت قوات تابعة للجبهة الثورية شخصين وأصابت بجراح اثنين آخرين. كما ألحقت أضراراً وتخريباً ببعض المنشآت العامة فى المنطقة مثل محطة الكهرباء وأبراج الاتصالات والمدارس والمستشفى الحكومي.
وجاء الهجوم فى خضم الصراع الدامي الدائر فى دولة الجنوب، والذي فيما يبدو بات يهدد وجود الجبهة الثورية ومستقبلها فى المنطقة. ومن المؤكد أن الهجوم -بحسب ما خلفه من نتائج على الأرض- كان يعتريه قدر من التوتر، والعجلة إذ أنه وبحسب شهود عيان تحدثوا لـ(سودان سفاري) من محلية السنطة أواخر الأسبوع الماضي فإن رتلاً من حوالي 17 عربة محملة بالمدافع هاجمت ونهبت حوالي 5 عربات وأطلقت النار على المنشآت العامة.
وبهذا يمكننا أن نقرأ عناصر الحدث كما يلي: أولاً، القوى المهاجمة قصدت من وراء الهجوم فرقعة إعلامية الهدف منها إعطاء انطباع بأن الجبهة الثورية -رغم  ما يجري من صراع فى الجنوب- ما تزال حية بل وقادرة على الفعل.
وأكثر ما يدلل على هذه الحقيقة السرعة التى تمت بها العملية والعشوائية فى اطلاق النيران بما يشير الى أن الأيدي مرتعشة والمهاجمون فى عجلة كبيرة من أمرهم.
الأمر الثاني أن الهجوم استغرق دقائق معدودة بما يؤكد أن الهدف هو فرقعة الهجوم ودويِّه بأكثر من أي شيء آخر فالقوة المهاجمة لديها العلم بأن الجيش السوداني –الذي تتهيبه وتتحاشى ملاقاته بأي حال من الأحوال– ربما يسارع بمواجهتها ومن ثم تطالها هزيمة ماحقة، وبذلك تفشل فى إيصال الرسالة. ولهذا كانت السرعة فى إطلاق النار وتوسيع نطاق الضرب هو الأهم بالنسبة لهم.
الأمر الثالث أن الاستيلاء على بعض العربات -فى ظروف كهذه- معناه أن الجبهة الثورية تتحسب بطريقة أو أخرى لمآلات الصراع الجنوبي الجنوبي وما يمكن أن يسفر عنه من ترجيح كف الطرف الأقوى ومن ثم ربما يتأثر وجودها فى المنطقة أو ربما تفقد الملاذ الذي يتوفر لها فى دولة الجنوب.
ويستشف من هذا -وهذا هو الأكثر أهمية ودلالة- أن الثورية فقدت أو بدأت تفقد الأمل فى دولة الجنوب، أياً كانت مآلات الصراع فيها.
الأمر الرابع أن الثورية عانت فى الفترة الماضية وحتى قبل اندلاع الحرب بين الفرقاء الجنوبيين من هزائم متلاحقة من قبل الجيش السوداني وقد أثر ذلك في معنويات منسوبيها وأصاب روحها المعنوية فى مقتل ومن ثم فهي تحاول على أية حال -بهذا الهجوم- أن تعطي نفسها بعض الأمل فى الزعم بأنها موجودة ولا زالت تقاتل.
وعلى كل فإن مثل هذه الهجمات لن تتوقف وفى الوقت نفسه لن تسفر عن نتائج جدية لمسار عمليات الثورية، وإن منحتها بعض البريق سرعان ما يزوي ويخبو!

قدم السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الأصل مؤخراً ما قيل إنها مبادرة وطنية تضمنت رؤى سياسية محددة لكيفية معالجة الأوضاع في السودان. المبادرة فى مجملها رغم أنها لم تقدَم حتى الآن بواسطة مطلقها بصفة رسمية لا تتجاوز وضع ترتيبات سياسية معينة لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة.
وبصرف النظر هنا عن تفاصيل المبادرة، أو موقف القوى السياسية -حاكمة ومعارضة- منها فإن مجرد النظر بإمعان فى مستقبل الحراك السياسي فى السودان ومحاولة وضع أطر عملية له، هو في حد ذاته عمل مطلوب ولا غبار عليه،إذ أن الأمر هنا لا يتعلق بما إذا كانت أطر هذه المبادرة محل اتفاق أم محل اختلاف بين القوى المعنية بها، ولكن من المؤكد أن البحث عن آفاق جديدة لخير هذا البلد هو دون شك خطوة جيدة للأمام .
ولعل الغريب هنا أن المبادرة وُوجِهت برفض عنيف -دون تروٍ أو نظر- من قبل تحالف قوى المعارضة وقال القيادي فى التحالف كمال عمر إن رفضهم لها -رغم عدم توفرهم على دراستها- قائم على فرضية عدم نصها على إسقاط النظام!
وجه الغرابة هنا أن المبادرة لو كانت من الأساس (دعوة لإسقاط النظام) فهي بلا شك لا يمكن وصفها بأنها مبادرة! لأن المبادرة هي رؤية سياسية شاملة ومتكاملة تأخذ فى الاعتبار ما قائم على الأرض وتحدد ما هو ممكن دون إقصاء طرف أو التقليل من شأن طرف؛ ولهذا لا يستقيم عقلاً بالطبع أن يخط قيادي أو سياسي مبادرة تهدف الى إسقاط نظام ما!
ولو كان كمال عمر يشتهي مبادرة كهذي فإن الرجل الآن قيادي فى حزب معارض، وتحالف المعارضة عمره عقد من الزمان فلماذا لم يقدم حزبه وتحالف المعارضة الذين ينتمي إليهما مبادرة لإسقاط النظام؟
لقد ظللنا طوال السنوات الماضية نسمع فى كل محفل يتحدث فيه قادة التحالف (عن قرب) إسقاط النظام ثم ما تلبث أن تجري مياه كثيرة وكثيرة جداً تحت الجسر، وتتقلب السنوات وتطول السنوات وكمال عمر يعيد ويردد ذات مبادرته المهيبة.
إذا كانت السياسة كما يفهمها الجميع -باستثناء تحالف المعارضة- هي فن الممكن فإن المبادرة المطروحة يمكن قراءتها فى هذا السياق، فإما أن جزء منها أو جلها قابل للقبول والتنفيذ أو أنها غير قابلة للتنفيذ بحسب ما تخرج به رؤى الذين تلقوها؛ أما أولئك الذين ظلوا يصمون آذان الناس - صباح مساء- بقرب سقوط النظام ويمارسون (فن المستحيل) فإن من المؤكد أنهم لن يقبلوا بمبادرة تسحب البساط من بين أرجلهم حيث ظلوا يقفون –فى مكانهم الواحد هذا– منذ عشرات السنين بلا حراك.
من الطبيعي أن من يقف فى (محل واحد) غير قادر على التقدم إلى الأمام ولو شبراً لا يقبل ولا يمكنه أن يقبل بسحب البساط الذي يقف عليه من تحت أرجله.

فضيحة مالية فى تحالف المعارضة السودانية!

فضيحة مالية فى تحالف المعارضة السودانية!

الثلاثاء الماضي إتهم تحالف المحامين بولاية نهر النيل، ممثلين لتحالف المعارضة (قوى الإجماع) -دون تسميتهم بالاسم- فى التصرف فى أموال كانت قد خصصت لترتيب مشاركة المحامين فى انتخابات اتحاد المحامين التى جرت أواخر ديسمبر الماضي.
تحالف المعارضة فى مدينة عطبرة حاضرة ولاية نهر النيل دعا الهيئة العامة لقوى الإجماع –التى يرأسها فاروق أبو عيسى– لإجراء تحقيق فى هذا الأمر ولم تتوفر أنباء بعد ما إذا كان التحقيق المطلوب قد تم الشروع فيه، أو أن الشخص (المتهم) باستلام المبلغ قد سارع برده.
والواقع إن هذه الوقائع رغم ما قد يبدو عليها من ملامح عادية بقيام (شخص) بتحويل بلغ من المال لمنفعته الشخصية بعيداً عن الوجهة التى كان ينبغي أن يوجه إليها المال إلا أن أموراً عدة استوقفتنا فى هذا الصدد، تصعب الإجابة عليها ويصعب معها فهم (مغزى هذه اللعبة)!
فمن جانب أول فإن من المستغرب بداية أن يتم تسليم شخص عادي مبلغاً وصفه الخطاب المرسل الى هيئة تحالف المعارضة بأنه (كبير) للقيام بمهمة إسكان المحامين القادمين من ولاية نهر النيل؛ وجه الغرابة هنا له شقين: الشق الأول أن المؤسسية هنا غابت تماماً مع أن تحالف المعارضة (أنى وجد) كثير الحديث عن المؤسسية وضبط الحسابات وترتيب الأمور بطريقة قانونية صحيحة، إذ كان من الطبيعي جداً أن يتم تكليف محامين من بين هؤلاء المحامين (الديمقراطيين) ليحضروا الى الخرطوم فى شكل لجنة للقيام بهذه المهمة؛ ولهذا يثور التساؤل هنا عن (مدى توفر الثقة) فيما بين تحالف المحامين المعارضين هناك للدرجة التى لم يقوموا برعاية شأنهم بأنفسهم!
أما الشق الثاني فيثير تساؤل عما إذا كان المال المستولى عليه خاص بأولئك المحامين -أي من جيوبهم وعرقهم الخاص- أم أنه من (جهة أخرى)! لأنه لو كان من جيوبهم فإن من الصعب أن يوصف بأنه (مبلغ كبير) وأن الغرض منه إيجار شقق مفروشة فى الخرطوم لمدة يومين أو ثلاثة فى ظل كساد مهنة المحاماة، في السنوات الأخيرة وبدليل حضور المحامين في يوم الانتخابات ونزولهم فى نزل عادية مع بعض الزملاء.
من جانب ثاني، فإن الأمر الطبيعي إذا كان المبلغ مجرد (اشتراك) من قبل المحامين فى ولاية نهر النيل و (من جيوبهم) أن يلجئوا فى حالة تصرف الشخص الذي تسلمه ولم يقم بما هو مطلوب الى مقاضاته أمام الجهات العدلية بطريقة مباشرة وهم بهذه المثابة (من أهل مكة) ومن ثم فهم أدرى بشعابها؛ وما كانت ستكون هناك حاجة على الإطلاق لإرسال خاطب الى سكرتارية قوى الإجماع طالبين منها التحقيق.
من جهة ثالثة فإن مجرد إرسال خطاب من سكرتارية هيئة التحالف المعارضة فى عطبرة، معناه أن الأموال التى تم الاستيلاء عليها لها صلة -بطريقة أو أخرى- بسكرتارية تحالف المعارضة سواء كانت هي التى قامت بإرسالها أو أن لديها صلة ما فى صرفها وتريد أن تعلم الهيئة بالمركز بما حدث.
من جهة رابعة من المؤكد أن الشخص الذى تصرف فى الأموال يعلم (من أين جاءت) وهو بهذه الطريق يضمن صعوبة مقاضاته وصعوبة سلوك أي طريق متاح لاسترداد المبلغ. وأخيراً -وهذا هو الأكثر أهمية وخطورة- أن المبلغ المستولى عليه والذي تم وصفه فى الخطاب بأنه (كبير) يثير علامات استفهام حول مصدر المال من جهة؛ ويثير أيضاً علامات استفهام حول حدود العلاقة بين الفئات المهنية والجهات الحزبية، ذلك أن تحالف المعارضة مشكوك أصلاً فى مصادر أمواله وبالتالي فإن دخول أي قدر من المال فى عملية كهذه معناه أن هذا المال -وأكثر مما هو ظاهر للعيان- مستجلب من جهة ما سواء فى الخارج، أو (ما يشبه الخارج)!
وهكذا فإن الفضيحة الداوية هنا لا تقف عند حدود (عدم مشروعية المال من الأساس) وكونه (مجهول الأبوين) ولكنها تتجاوزها الى تصرف منسوبي تحالف المعارضة فى (المال المجهول) لصالحهم الشخصي ربما لإدراك المتصرف أن المعركة الانتخابية خاسرة خاسرة!

مؤشرات لتكامل سوداني جنوبي!