من
غرائب تحالف المعارضة الذي يحلو لمنسوبيه إطلاق مسمى (قوى الإجماع) عليه،
أنه (غير مجمع) على شيء! وبالطبع لا نقول هذا من باب السخرية أو التندر
فالمثال الذي توفر لنا مثال قريب لا تتعدى أيامه أسبوعاً واحداً. فحين
وجّه المؤتمر الوطني الدعوة للتحالف لحضور وثيقة الإصلاح عبر الخطاب الذي
يلقيه الرئيس البشير عشية الاثنين الماضي فإن التحالف -وفقط لمجرد تلبية
دعوة سياسية كهذه- سرعان ما انقسم فى على نفسه ما بين رافض رفضاً بائناً
للمشاركة، وما بين متأمل فى الدعوة، وما بين مستجيب!
كما هو معروف فإن
الذين استجابوا هم أحزاب الأمة القومي والشعبي والعدالة، أما بقية (العقد
الفريد) فقد استعصموا بمواقفهم المتصلبة. المفارقة لم تقف عند هذا الحد
ولكنها سرعان ما اتخذت وجهة حادة خطيرة حين ترامى الى المسامع فرضية اتخاذ
موقف ضد الذين خالفوا قرار هيئة التحالف وتسوّروا حائط حظيرة التحالف
وخرجوا لحضور الخطاب! مكمن الاختلال هنا أولاً، لا يُعرف حتى الآن -مع أن التحالف عمره أكثر من 7 سنوات- الكيفية التى يتم بها اتخاذا القرار داخل التحالف، بل لا يعرف ما إذا كانت هناك آلية ديمقراطية يتم بموجبها مناقشة أمر ما ثم اتخاذ قرار يراعي المعطيات السياسية ويضع فى الاعتبار أن الجميع بصدد عمل سياسي يتطلب الأخذ والرد، والتجربة والمحاولة، أم أن هنالك (رئيس واحد) يتخذ القرارات بهزة من رأسه، أو إيماءة من جبينه.
لقد شهدنا حالات عدة مماثلة فى هذا الصدد، كان الخلاف ينشب بطريقة مفاجئة ومباغتة، وبمنتهى الفوضى والعشوائية، وليس موضوع وثيقة الفجر الجديد الشهيرة ببعيد عن الأذهان.
ثانياً، يثور التساؤل أيضاً عن الأساس الذي بُنيَ عليه التحالف وما إذا كانت هنالك خطوط طول وعرض وحدود دنيا وحدود قصوى وما إذا كان أيضاً الأحزاب الكبيرة توضع لها اعتبارات أم أن الكل (سواسية) ولا نقول (سواسيو) أمام التحالف! ذلك أن مجرد تلبية دعوة لأطروحة سياسية يملك الذي وُجهت له الدعوة كامل الحق في قبول الأطروحة أو رفضها، ليس أمراً يتطلب كل هذا الخلاف فكما حدث بالنسبة للكثيرين ممن شاركوا فإن الخصومة السياسية فى مثل هذه الحالات يتم تنحيتها جانباً، والنظر (بموضوعية) فى متن الطرح والخطاب وأخذ ما هو موافق، وترك ما لا يتوافق.
أمر فى غاية البداهة و البساطة ولكن (قوى الإجماع) لم تستطع الإجماع عليه أو الإجماع على (طريقة مناسبة) لعبور الجسر.
ثالثاً، لندع كل ما أوردناه أعلاه جانباً ولنتساءل ببراءة وبغض النظر عن رأينا فى كل من الترابي والمهدي، أليس هذين الرجلين أكثر دربة وخبرة فى هذا المسار الوعر من بقية المكونات السياسية المكونة للتحالف؟ ذلك لان المساواة بين المكونات السياسية فى تقديرنا إنما يتم فى حالات التصويت على أمر من الأمور ولكن فى القضايا السياسية المطروحة فإن الاعتبار للآراء والمواقف المنطقية، إذ أن حزب عريق وعتيق وقيادته تملك قدراً من الخبرة لا يقاس بحزب آخر لا يعرفه أحد ولم يدخل من قبل فى مضمار السباق الانتخابي ولم تطأ قدمه لا أعتاب الوزارة ولا عرصات البرلمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق