الأربعاء، 28 أغسطس 2013

كل قوات حفظ السلام فى السودان جزء من الأزمة وليست جزء من الحل!

لو كانت لقوات حفظ السلام الدولية المنتشرة فى أرجاء من السودان سواء فى دارفور (اليوناميد) أو فى أبيي المتنازع عليها بين الخرطوم وجوبا (يونسيفا) من إيجابية واحدة، فهي أنها (جزء من الأزمة) وليست جزء من الحل. فقد أشار تقرير صادر عن لجنة التحقيق الوطنية الخاصة بالتحقيق فى أحداث أبيي التى لقي فيها ناظر دينكا نقوك كوال دينق مصرعه الى أن المتورط فى العملية هي قوات حفظ السلام نفسها (اليونسيفا).
فقد قال التقرير بوضوح ملخِّصاً الحادث في عبارة مفتاحية جامعة (إن جميع القتلى والجرحى فى الحادثة أصيبوا برصاص القوات الإثيوبية) وأضاف التقرير إن اليونسيفا استخدمت أنواعاً مختلفة من الأسلحة بغية السيطرة على الأوضاع، الشيء الذي اسقط حوالي 17 قتيلاً من المسيرية.
وعلى ذلك فإن التقرير بهذه المثابة قفل الباب مبدئياً عن أي تكهنات أخرى قد تثير الشكوك حول الجاني الحقيقي وراء الحادثة. ولهذا فإن السؤال المشروع هنا ليس فقط كيف توصلت اللجنة الوطنية الى هذه النتيجة وطبيعة الأدلة التى اعتمدت عليها، ولكن السؤال يمتد لأكثر من ذلك الى كيفية معالجة الموقف حتى لا يتكرر مستقبلاً؟
الواقع إن تقرير اللجنة الوطنية لم يفصح كثيراً – ربما لاعتبارات خاصة – عن الأدلة التى بنت عليها نتائجها، ولكن من السهل -بقراءة التقرير- وبشيء من التقصي معرفة ذلك. أولاً، استجوبت اللجنة فيما يبدو عدداً من شهود الحادثة سواء من القوات الإثيوبية أو غيرهم وهذه نقطة جوهرية ومهمة فمسرح الحادثة هو نفسه ناطق بما حدث ولعل هذه الفرضية ملاحظة بوضوح من سياق الحقائق التى وردت فى التقرير فهى تشي بأنها نتاج شهادات أخذت.
الأمر الثاني أن مسرح الحادثة نفسه يمكن أن يعاد رسمه بحيث تعاد المشاهد من بدايتها ويعاد وضع الصورة بكاملها فيه، وهذا يعطي تفسيراً منطقياً للتسلسل الطبيعي للأحداث، فمكان وقوف السلطان القتيل ومكان وقوف المسيرية والقوات الإثيوبية يحدد ما حدث.
الأمر الثالث أن الرصاص الفارغ هو الآخر أكبر مؤشر على طبيعة السلاح الذى أطلق وعياره ونوعيته ومع من يوجد؛ إذ مما لا شك فيه أن السلاح الموجود لدى المسيرية يختلف تماماً -نوعاً وعياراً- عن طبيعة السلاح الذي تتسلح به القوات الإثيوبية إذ مما هو متعارف عليه دولياً أن القوات المكلفة بحفظ السلام عادة يتم منحها أسلحة بنوعيات محددة وبعيارات محددة يندر تطابقها مع قوات أخرى والنادر لا حكم له.
الأمر الرابع من المؤكد أن لجنة التحقيق اطلعت على ورقة التشريح الخاصة بالقتلى من المسيرية والسلطان كوال وورقة التشريح هي الأخرى تحدد طبيعة المقذوف الناري الذي أصيبوا به وإذا ما تم معرفة طبيعة المقذوف الموجود لدى الإثيوبيين فإن هذا يقطع بنتيجة التحقيق.
وعلى ذلك فإن الأهم من ذلك هو كيفية معالجة الموقف، فالقوات المكلفة بحفظ السلام فى السودان أصبحت فى الواقع عبء أمني بأكثر مما هي وسيلة لحل مشكلة، فاليوناميد فى دارفور ظلت تعرِّض نفسها لهجمات وظلت تحرز فشلاً تلو الآخر فى حماية نفسها على الأقل دعك من حماية المدنيين، مهمتها الأصلية التى جاءت من أجلها.
أما اليونسيفا فهي (بالغت) فى حماية نفسها بدلاً من حفظ الأمن فى المنطقة إذ أن إطلاق النار بكثافة وبدون اكتراث دافعه الأساسي فى الغالب حماية القوات بأكثر مما هو عملية حفظ سلام.

تحالف المعارضة.. (100 يوم) كزمن رسمي زائداً الزمن الإضافي!

مُنِحت قوى المعارضة السودانية زمناً اضافياً على الزمن الذى حددته بـ100 يوم لإسقاط النظام ويكاد الزمن الإضافي نفسه ينقضي ولم نشهد ندوة محضورة أو مسيرة مشهودة أو عملاً بطولياً من أي شاكلة كان.
والراجح أن أزمة المعارضة ليست فقط أزمة توافق داخلي ورؤى وبرامج غائبة وتنافر فطري فيما بينها، ولكنها أزمة مصداقية وعجز منحت خلاله أكثر من عقدين من الزمان وليس فقط (100) يوم، ولكن كل الزمن المحدد انقضى وقوى المعارضة فى حالها إلا من (المنح) و(الهدايا) الغالية، باهظة الثمن.
وكما رأينا كيف (خجلت) المعارضة من نفسها وهي عاجزة عن إدانة ما جرى فى الشقيقة مصر من انقلاب على الديمقراطية ولم تتفوه بموقف مبدئي صادح وعالي النبرات، فإننا نعايش أيضاً كساحاً وقعوداً عن الاستعدادات للانتخابات المقبلة ولئن وصف المسئول السياسي (غير الموفق) فى حزب المؤتمر الشعبي كمال عمر التقاء الشعبي بالوطني بأنها (أحلام ظلوط) فى إشارة لاستحالتها؛ فإن ذات هذه الأحلام بوصفها هذا تنطبق على قوى التحالف فى سعيها لإسقاط النظام، ولعل الأمر المستغرب حقاً أن تحالف المعارضة يعلم علم اليقين أن الوطني ليس هو الوحيد الحاكم الآن إذ يوجد بجانبه أكثر من 14 حزباً سياسياً، ومع ذلك يكرس التحالف كل وقته لمهاجمة الوطني والسعي لإسقاطه.
فالإتحادي الأصل وعدد من الأحزاب الاتحادية وأحزاب الأمة هي الآن شريكة فى إدارة الدولة وتعمل فى تناغم تام وانسجام مع الوطني ولم يحدث قط أن اشتكى حزب من هذه الأحزاب من تهميش أو تقليص للدور أو بخس للعطاء وقد انقضت أكثر من ثلاثة سنوات حتى الآن على ذلك وما يزال العطاء مستمراً، فيا ترى لِمَ تتجاهل قوى المعارضة هذه الأحزاب التى كانت وإلى عهد قريب تجلس فى مقاعد المعارضة؟
من المؤكد أن قوى المعارضة لو كانت قوية راسخة ولديها هدف وبرنامج جاد ومؤثر لما فارقها من فارقها من الأحزاب، إذ أن حزباً مثل الاتحادي الأصل بزعامة الميرغني شديد الأهمية وثقيل الوزن تحتاجه قوى التحالف؛ فلماذا تركها وفضل المشاركة فى إدارة الدولة؟
حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي رأينا كيف شرع فى القيام بأنشطته الخاصة بعيداً عن التحالف.. لماذا لم يَرُق التحالف للأمة القومي وهو حزب له وزنه وثقله السياسي؟ الشعبي نفسه، بكل ما يمثله من خميرة عكننة فى الساحة السياسية السودانية، لماذا عاد وبدأ يقترب أو يتقرّب الى الوطني رغم أنف كمال عمر مسئوله السياسي الذى أوردهم موارد الهلاك لسنوات وما يزال؟
إن برنامج الـ100 يوم الذى تحدث عنه تحالف المعارضة فى الواقع ليس سوى برنامج الاقتراب والاقتران بالسلطة الحاكمة، هذا هو التفسير المنطقي الوحيد، فقد تفرقت السبل بالقوى المعارضة وأصبح كل حزب بما لديه فَرِح وصارت المصلحة الحزبية الخاصة لكل واحد منهم هي الأهم وهي الأعلى، وهذا أمر طبيعي فى سوق السياسة قلنا ورددنا ذلك أكثر من مرة وقلنا إن التحالف يحمل بذور فنائه بداخليه وأنه لا مستقبل له وزاد طينه بلاً تحالفه مع الثورية وأصبحت مراهناته على بندقيتها.
لقد انقضت مائة يوم ومائة أخرى والتحالف يتحالف مع الوطني، فلربما كان ذلك هو التغيير المنشود والإسقاط المرجوّ!

مع السفير الأمريكي بعيداً عن ويكيليكس!

في موعده المحدد حضر السيد جوزيف ستافورد القائم بأعمال السفارة الأمريكية بالخرطوم إلي صحيفة (السوداني) مسبوقاً بإجراءات أمنية احترازية أقل من المتوقع.
الرجل يحرص على التواصل مع دوائر التأثير في المجتمع السوداني، صحف ومنظمات مجتمع مدني وطرق صوفية، وأثارت الهدية التي تلقاها من جماعة أنصار السنة وهي عبارة عن مصحف شريف جدلاً إعلامياً واسعاً، وطالب البعض الجماعة باستعادة المصحف من السفير!
وقتها لم يكن واضحاً بالنسبة لي أن كان الاعتراض فقهياً أم سياسياً وإن كان التحفظ على شخص السفير وهويته القطرية – باعتباره مسيحياً؟
المهم في الأمر جاء الرجل إلى الصحيفة للتعارف والحوار، ألقي مجموعة من الأسئلة وجد مقابلها من الإجابات، طرحنا عليه مجموعة من التساؤلات وفر لها إجابات أقل صراحة وأكثر دبلوماسية!
سأل عن الحريات الصحفية، قلنا له في هذه الفترة أفضل نسبياً من الماضي، وأنها تتأثر بالتوترات الأمنية والعسكرية التي تواجه الحكومة، فهي تتمدد في ظروف السلم وتنكمش مع اشتداد الحرب!
طرح أسئلة سياسية وجد إجابات متعددة من زملائي في اللقاء، طرحنا عليه حزمة من التساؤلات أكثر من التي بادر بها وأغلبها أميل لانتقاد السياسة الأمريكية في المنطقة وتجاه السودان.
قلنا له: أمريكا متناقضة تحارب القاعدة في أفغانستان وتتعاطف معها في سوريا، غامضة في أجندتها تجاه السودان لا يعرف إن كانت تسعي لتغيير النظام أن لتعديل سلوكه السياسي، وهل تساند خيارات أستخدم السلاح كوسيلة للتغيير أم تقف ضدها؟!
جاءت إجاباته على ما هو معهود ومحفوظ لم يضف جديداً ولكنه كان أكثر حماساً في الدفاع حينما انتقدنا ضعف المساهمة الأمريكية في أزمة السيول والأمطار والتي لم تتجاوز الـ 50 ألف دولار.
وبان عليه قدر من الاستياء حينما قلنا له إنكم تتعاملون مع الأزمات الإنسانية في السودان على أساس التمييز الجغرافي بين المناطق؟!
نفي استفاورد ذلك وشرع في تقديم تبريرات لهزالة المساهمة، وقال إنهم لا يفرقون بين مناطق السودان لا على الأسس الجغرافية أو الدينية أو الاثنية، وعدنا بالرد التفصيلي على تساؤلاتنا في حوار صحفي خارج الزيارة!
لا أعرف لماذ يتوجس البعض من الزيارات التي يقوم بها هذا السفير، أليس من الأفضل أن يتعرف على المجتمع السوداني من خلال اللقاءات المباشرة والحوارات لا عبر التقارير الرسمية ونشرات المنظمات ومن الميديا العالمية؟!
القلق من زيارات السفير الأمريكي دليل خوف وشعور بالضعف لا يليق بأي جهة لها ثقة في نفسها أ

واشنطن وأفلام الخيال العلمي السياسي فى الجنوب!

تماماً كما يحدث في ما بات يُعرف بأفلام الخيال العلمي فإن دولة الجنوب (كصناعة أمريكية) باتت وحشاً سياسياً تصعب السيطرة عليه، ففي أفلام الخيال العلمي التى بدأت تعج بها السينما الأمريكية والتي غالباً ما تتناول سلاحاً ما أو صناعة لوحش ما بغية استخدامه فى الحروب لصالح الطرف المصنِّع؛ فإن دعم واشنطن للدولة الجنوبية الوليدة وخلقها خلقاً مثلما يجري فى معامل وكالة المخابرات المركزية (تحت الأرض) بات يشكل هاجساً لواشنطن نفسها.
ولعل فشل واشنطن الواضح الآن في التعاطي مع الشأن الجنوبي الذى بات محيراً لها مردّه إلى عدة اعتبارات مهمة؛ أولها أن واشنطن تجاهلت تماماً وهي تدفع بالجنوب للانفصال عن الشمال أن تقاطع مصالح الاثنيات والقبائل فى دولة الجنوب أشد وأعنف مما هو عليه فى ظل السودان الواسع الفسيح الذاخر بالتنوع.
تجاهلت واشنطن حقيقة أن دولة الجنوب لا تحتمل مقومات الدولة فيما يخص التجانس القبلي والبوتقة الوطنية؛ إذ ليس كافياً لإنشاء دولة وجود أرض وشعب وحكومة فهذه هي عناصر الدولة المعروفة في علوم النظم السياسية ولكن بالمقابل هنالك عناصر أخرى مهمة فى مقدمتها مقدار التجانس وإمكانية التعايش بين القبائل دون اقتتال وبطريقة لا تعيق مسيرة الدولة ولا تؤثر على أمنها.
الآن بدأت نذر الصراع بين القبائل الجنوبية من القمة، حيث دخل الرئيس الجنوبي سلفا كير فى صراع مبكر للغاية مع نائبه د. رياك مشار ثم امتد الصراع لأمين عام الحركة الشعبية باقان أموم ثم شمل تعبان دينق وألور وكل واحد من هؤلاء القادة يمثل إثنية ومن ثم كل واحد من هؤلاء لديه قوات تدين له بالولاء فى الجيش الشعبي وهذا ما يقلق وسيظل يقلق واشنطن.
الأمر الثاني أن واشنطن اعتقدت أن بإمكانها – وفى نزهة سياسية عادية – أن تدير مصالحها فى دولة الجنوب بعيداً عن أي مؤثرات أمنية أخرى فالجنوبيين سيكونون فرحين بتحقيق استقلالهم وسيغضّوا الطرف عن ما قد تفعله واشنطن فى بلادهم وهذا صحيح ولكن نسيت واشنطن أن إمكانية إدارة مصالحها هي نفسها فى حد ذاتها فى ظل حالة عدم الانسجام القبلي مهمة مستحيلة، فالحرب الأهلية المرشحة للاندلاع فى دولة الجنوب سوف تقضي على أخضر ويابس مصالح واشنطن هناك وسيشمل عنصر النفط القاسم الأعظم المشترك الأكبر فى إدارة الصراع وقد يصل الأمر الى حد تدمير المنشآت النفطية حتى ولو اضطرت واشنطن لحراستها هي شخصياً، ففي النهاية فإن النيران حين تشب فى منطقة فإنها لا تتوقف ويمكنها أن تقضي على كل شيء.
الأمر الثالث أن واشنطن هي نفسها لعبت وتلاعبت بالقضية الجنوبية مبكراً حتى قبل الانفصال حين أخرجت -بطريقة أو بأخرى- الزعيم الجنوبي الراحل د. جون قرنق من اللعبة فى حادثة تحطم طائرته المريبة فلو كان هناك قائد بإمكانه لمّ شمل الجنوبيين وإدارة قضاياه مع السودان بحنكة فهو الدكتور قرنق الذى ربما كانت تقديرات الذين أخرجوه من الملعب مبكراً أنه يمثل خطراً على مصالحهم فى المستقبل ولكن هاهو الخطر الآن يأتي إلى واشنطن من حيث لم تحتسب!

لماذا وقفت الخرطوم هذا الموقف من القاهرة؟

كان ولا يزال بوسع الحكومة السودانية اتخاذ الموقف الذى تراه وفق مصالحها وإستراتيجيتها حيال الأزمة الجارية فى الشقيقة مصر أسوة ببلدان ودول عديدة فعلت ما رأته صواباً، ولكن الخرطوم اختارت –بعناية تامة– النأي بنفسها عن الولوج فى ساحة متفجرة ولم يضر الخرطوم أن أعاب عليها البعض صمتها أو وقوفها المحايد إزاء الصراع الناشب هناك.
فيا ترى ما الذي جعل الخرطوم تلتزم هذا الموقف وهي قابضة على جمر؟ الأرجح أن الخرطوم -وفق إستراتيجية خارجية شديدة الأهمية- التزمت وبصرامة شديدة بمبدأ عدم التدخل فى الشأن الداخلي لأي دولة، ولهذا فإن من المستغرب أن يعيب عليها البعض هذا الموقف، فهو معروف فى القانون الدولي بالضرورة. وهو أحد أهم المبادئ التى تقوم عليها العلاقات الدولية، ولو حدث أن تدخلت الخرطوم فى الصراع الدائر لقامت الدنيا من حولها ولم تقعد، وعلى ذلك فإن ذات الذين انتظروا تدخلها – بالطريقة من الطرق – غضبوا لعدم تدخلها لأنها –ببساطة– فوتت عليهم استثماراً سياسياً نادراً!
الأمر الثاني أن الخرطوم نفسها عانت وما تزال تعاني من التدخلات الدولية فى شئونها الداخلية (جنوب السودان ودارفور) ثم لاحقاً (جنوب كردفان والنيل الأزرق) ومن الطبيعي أن من يعاني من داء ما أن يحول دون نقله الى آخر.
الأمر الثالث أن المصالح الإستراتيجية للسودان لا تتأثر ولا ينبغي لها أن تتأثر البتة لما سيستجد من أمور فى الشقيقة مصر وهذا الموقف من الضروري فهمه حتى على مستوى قوى المعارضة السودانية، لأن الدولة كجسم متكامل شيء، والحكومات كأجسام جزئية للدولة شيء آخر، المهم هو أن تظل العلاقات -بأبعادها الإستراتيجية- بين الدولتين ثابتة وراسخة ولهذا لم تمانع الخرطوم من استقبال وزير الخارجية المصري نبيل فهمي وكان بإمكانها أن تمانع دون إبداء أسباب كعرف دبلوماسي سائر ومعمول به، فالأوضاع فى حالة سيولة فى القاهرة وفى مثل هذه الأحوال من حق أي دولة أن تغلق بابها عليها وتجلس لتراقب الذي يجري ولكن الخرطوم استقبلت الوزير المصري بما يليق واستمعت إليه وبادلته الآراء كأمر طبيعي ومطلوب.
وعلى ذلك فإن كل من راهن من قادة المعارضة على أن الخرطوم قد تتورط فى الشأن المصري استشعر حرجاً وألماً بالغين، ففي النهاية فإن بناء علاقات متطورة مع مصر الدولة هو الذي يترسخ ويسود، ولعل هذا يلفت نظر بعض دول الجوار ومن بينها مصر نفسها -مستقبلاً- لكي تنأى بنفسها عن التدخل فى الشأن الداخلي السوداني سواء باستضافة القوى المعارضة المسلحة، أو الوقوف بجانب طرف من الأطراف التى تصارع الخرطوم جرياً على مبدأ المعاملة بالمثل، فقد بادر السودان – وهو يعرف مدى فداحة الجرح فى مصر –لالتزام جانب الحيطة والحذر أملاً فى أن تحذو الدول الأخرى القريبة منه والبعيدة ذات الشيء بشأن ما يجري فيه!

شخصيات سودانية معارِضة سادت ثم بادت!

تساقط فى خضم الساحة السياسية الفوارة الكثير من الساسة الذين بنوا عملهم السياسي على فرضية (فعل أي شيء، والتحالف مع الشيطان) لإسقاط النظام . الساحة السياسية زاخرة بالعديد من النماذج فحين تغيب المبدئية وتصبح السلطة هماً وهدفاً فى حد ذاتها ويغيب البعد الوطني والأخلاقي فإن المعارضة تصبح عملاً من أعمال الحرب ضد السياسي نفسه.
الدكتور يوسف الكودة واحد من النماذج المعاصرة اللافتة فالرجل انطلق من منصة السلفيين (أنصار السنة المحمدية) وكان ملء السمع والبصر بصرف النظر عن مواقفه ومدى صحتها ولكنه على كلٍ كان يعمل في ما يمكن أن اعتباره (سياجاً وطنياً) بل يمكن اعتباره نموذجاً فى ذلك الحين، الشاب الشهير الباحث عن (الطريق الوطني الخالص) وسواء كان الانقسام الشهير داخل جماعته بسبب المشاركة فى الحكومة بسببه هو أم لأسباب أخرى، فإن الكودة على أية حال حتى ذلك الحين كان لا يزال يحتفظ بمساحة معتبرة من الثبات على المبدأ والمرونة فى الحركة.
غير أن الطامة الكبرى التى أودت بالدكتور الكودة كانت من جانب آخر مختلف تماماً، فالشاب النابه اعتقد أن (الأوان قد حان) لركوب القافلة المتجهة الى السلطة وهي قافلة كانت تقودها جماعات مسلحة هي التى تتشكل منها ما يسمى بالجبهة الثورية. لقد كانت قاصمة الظهر للدكتور الكودة توقعيه على وثيقة الفجر الجديد بكل ما حملته وما عنته هذه الوثيقة الشؤم من جنوح نحو العلمانية وتقسيم السودان وتغيير هويته.
منذ اللحظة التى جلس فيها الكودة الى كلٍ من عقار وعرمان والحلو خط بقلمه إمضاؤه على ما اعتبروه هم نصراً له بإجتذابهم واستقطابهم لسياسي شاب سلفي الهوى وناشط لا يخلو من مرونة فى الحركة، كان د. الكودة يمحو تاريخه وإسمه من السجلات السياسية الرسمية فى السودان.
ويقول قريبون من الرجل طلبوا عدم الإشارة إليهم إن الكودة خدعته المظاهر المتمثلة فى البريق الإعلامي، واستهوته سرعة (سيارات الدفع الرباعي) المحملة بالبنادق و اجتياحها المدن واعتقد أن دخولها الخرطوم مسألة وقت وعليه أن يحجز مقعداً متقدماً له.
كانت كارثة الكودة التى لم يستطع الفكاك عنها انه فقد الاثنين معاً، فقد عشيرته السياسية الداخلية والذين كانوا منحوه ثقتهم فى حزب الوسط الإسلامي ثم خسر حلفاؤه فى الثورية الذين لم يستطيعوا أن يستفيدوا فائدة سياسية كبيرة من توقعيه، فقد كان هدفهم هو الغرر به بإعتباره ذا تجربة متواضعة فى المضمار السياسي وكانوا يتخذون منه غطاءً سياسياً ودينياً يباهون به ولكن الكودة الذي لم يكن يحتمل (النضال) ولا كان مهيئاً لمواجهات مع الشارع السياسي العام والسلطة الحاكمة جعلته تجربة السجن يعض بنان الندم على هذه الكبوة.
كان من الممكن أن يصحح الرجل خطؤه أو يتراجع أو يراجع، ففي السياسة كل هذه الخيارات متاحة، ولكنه آثر الابتعاد والانزواء بعيداً هنالك فى سويسرا فيما اعتبرها البعض (اختياراً للحياد) باعتبار أن سويسرا دولة محايدة دولياً.
إن اختيار د. الكودة العيش فى سويسرا ولو الى حين معناه أن الرجل نادم على المواجهة على ما أقدم عليه ولوث تاريخه ولم يعد قادراً على المواجهة وإحتمال النتائج، وهذا المصير ينتظر كل من مبارك الفاضل ونصر الدين الهادي والتوم هجو، فحين يقع السياسي فريسة لوحوش كاسرة فإن نجاته من بين أظافرهم تعتبر في حد ذاتها نصراً. هم نموذج لساسة سادوا ثم بادوا!

أسباب مخاوف جوبا الأمنية مؤخراً!

أصدر وزير داخلية جنوب السودان – الأسبوع الماضي – قراراً يحظر حمل أي نوع من السلاح وإلغاء تراخيص حمل السلاح، عدا تلك التى تحمل خاتم وزارة الداخلية.
قد يعتقد البعض أن هذه الخطوة لا صلة لها بالسودان وأنها محض شأن جنوبي داخلي تسعى بموجبه الحكومة الجنوبية -لأسباب قدّرتها أو عانت منها- لاستتباب الأمن فى الدولة الوليدة. ولكن الأمر له صلة بالعلاقات السودانية الجنوبية بطريقة غير مباشرة.
فالقرار الجنوبي لم يأت من فراغ لأن الحكومة الجنوبية الحالية جديدة يبدو أنها جاءت بإستراتيجية أمنية جديدة، كما يبدو وليس بمستبعد أن تكون للحكومة هناك مخاوفها وهواجسها من ردة فعل محتملة حيال خطة الرئيس الجنوبي -الصعبة- بإحالة كبار مساعديه وتحويل بعضهم للتحقيق، ولكن من الجانب الآخر فإن الخطوة الجنوبية فيها إشارة ضمنية الى شعور جوبا (بعدم الأمان) وهذه نقطة هامة وجوهرية فى الموضوع كله!
شعور جوبا بعدم الأمان أسبابه عديدة وتأتي فى مقدمتها مخاوفها من ردة فعل المقالين من الحكومة ومناصريهم، فقد لزموا الصمت حتى الآن وهو دون شك صمت ليس من المتوقع أن يستمر طويلاً والى الأبد. فى الواقع مخاوف جوبا بعدم الأمان هي مخاوف مردها الى تورطها السابق والقائم حالياً فى دعم مجموعات سودانية مسلحة تنشط ضد الخرطوم، ففي الغالب فإن شعور دولة ما بأنها متورطة فى شأن داخلي لدولة أخرى يجعلها تعيش ذات الهاجس الأمني الذي تعبث به مع الدولة الأخرى.
بمعنى؛ الآن جوبا باتت أكثر تخوفاً –عن أي وقت مضى– من انتشار السلاح داخل المدن وداخل العاصمة تحديداً لأنه من غير المعروف عماذا سيسفر انتشاره. وهذا بدوره نابع من أنها تخشى في الواقع هجمات مباغتة هنا أو هناك، بعدما كانت بالأمس القريب تنعم بالأمن وتصدِّر الاختلال الأمني الى الحدود السودانية والمدن السودانية القريبة منها.
إن جوبا أيضاً (ليست واثقة) من ما إذا كانت قادرة على إيقاف دعم المسلحين السودانيين فى ظل صراعها الداخلي أم لا؛ فإذا كانت قادرة على ذلك فإن عليها -كخطوة أولى- أن تفك ارتباطها بهم نهائياً وبصورة جذرية قاطعة، فهي على الأقل تعيش الآن حالة من الارتباك الأمني المشوب بالحذر، والهواجس هي نتيجة طبيعية لما اقترفته أيديها فى حق السودان لسنوات خلت.
الأمر الثالث أن من غير المستبعد تماماً – وجوبا مرتع خصب للاستخبارات الدولية – أن تشهد فوضى أمنية عارمة تطيح بحكومة الرئيس كير ومن ثم تصبح خسارتها مزدوجة، خسرت نفسها وأمنها وخسرت رهانها الخاسر أصلاً فى كف يدها عن العبث بأمن السودان.
وأخيراً ربما تخوفت جوبا أيضاً من الثورية، فالثورية بالنسبة لجوبا بدت مثل الأسلحة الأمريكية التى يتم تصنيعها فى معامل خاصة (تحت الأرض) وبعناية خاصة ولكنها تفقد السيطرة عليها فتصبح وحشاً كاسراً ينقضّ أول ما ينقض عليها هي. الثورية ربما تم توظيفها فى وقت ما – تتخوف منه جوبا – لتوجيه سلاحها الى جوبا أولاً قبل الخرطوم فأمثال أموم ودينق ألور بجراحهم النازفة لا يتورعون عن القيام (بأي شيء) لاسترداد كرامتهم وماء وجههم المراق!

الأربعاء، 21 أغسطس 2013

أورنيك 8 سياسي!

كان أمراً غريباً -من الوجهة القانونية والسياسية- أن يستدعي أجنبياً مواطناً من رعايا دولة أخرى بأمر منه ويستجيب المواطن للاستدعاء ويجهل الكل ما دار بين الاثنين!
إستدعاء الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت لياسر عرمان الأسبوع قبل الماضي كان على وجه الخصوص المثال الأغرب من بين أمثلة عديدة تعيشها السوح السياسية لغرابتها. ولعل أول مكمن الغرابة أن الرئيس الجنوبي -وهو واثق مما يفعل- وجّه أمراً لياسر عرمان للحضور لمقابلته فى جوبا. عرمان من جانبه -وهو يثق فى رئيسه لبى النداء بسرعة!
قد يقول قائل إن الأمر يصب فى مصلحة السودان إذ ربما أراد الرئيس الجنوبي – فى سياق ترتيبه لبيته الداخلي – إجراء ترتيبات فى ذات البيت ولكن هذه المرة (من الخارج) أي على الحوائط الخارجية والسور وحديقة الشارع.
المؤسف فى هذه القصة المحزنة أن مواطناً سودانياً تجاوز وازعه الوطني وأصبح (خادماً) لدولة أجنبية يستجيب لما تقرره وتأمر به، والأكثر حزناً أن شاب مثل عرمان لديه ما لديه من الخضوع ليقبل (تعليمات) صادرة عن رئيس دولة أجنبية حتى ولو كانت هذه التعليمات تتمثل فى رفع يد جوبا عن دعم عرمان ورفاقه. إذ من المؤكد أن عرمان الذى رضخ من قبل -رغم صفة العناد المعروفة عنه- لقرار الرئيس كير بالانسحاب من الترشيح لرئاسة الجمهورية فى العام 2010، قابل للرضوخ لإملاءات جديدة، فسيادة عرمان الوطنية يستمدها من جوبا بدلاً عن الخرطوم!
مؤدى هذا الواقع أن عرمان ليست لديه لا هو ولا رفاقه فى قطاع الشمال أو الثورية قضايا وطنية سودانية حقيقية مطروحة.
عرمان ورفاقه يأتمرون بأمر الرئيس كير. والغريب هنا أن الرئيس كير الذي (فاجأهم) من قبل بالانعطاف يميناً وهو يلقي بالإشارة يساراً حين دفع مواطنيه نحو الانفصال وأعملَ معوله فى هدم السودان الجديد، ما يزال يمارس سطوته عليهم، إذ لم يكف الخداع الذى مارسه عليهم وها هو يمارس عليهم سطوة من نوع فريد.
الأمر الثاني الأكثر مدعاة للأسف أن الرئيس كير إذا كان عازماً على رفع يده عن القطاع فالأمر لا يحتاج لاستدعاء (مواطن سوداني) معارض ليقوم بالمهمة السهلة. باستطاعة الرئيس كير الذى أقال حكومة بكاملها فيها من فيها من غلاة القادة المسنودين بقائل مؤثرة، أن يفعل ذات الشيء فى مواجهة القطاع دون الحاجة لاستدعاء أو تشاور أو اجتماع مغلق.
الأمر الثالث فيما يبدو أن الرئيس كير (يثق) في أن عرمان لديه (موهبة القيام بالمهام القذرة) فكل قائد يعرف قدرات ومواهب مرؤوسيه، فقد أختاره دون عقار والحلو ليتشاور معه حتى يقوم عرمان بما هو مطلوب، وليس سراً فى هذا الصدد أن الرئيس كير بخلفيته الاستخبارية ربما أراد إيقاع الفتنة بين قادة الثورية والقطاع بحيث يكون حديثه مع عرمان قابلاً للتأويل وإثارة القلق لدى بقية الرفاق، ففي ذلك المزيد من إحكام السيطرة على القطاع والثورية طالما أن الخيوط بيد الرئيس سلفا.
وعلى ذلك فإن من المؤكد أن عرمان من جانبه سعد باللقاء المخصوص فهو على  الأقل يتيح له الاحتفاظ بأسرار تقلق بقية رفاقه، وأما الرئيس كير فهو سعد باللقاء لأنه أحكم السيطرة على الجميع، ففي الواقع فإن الرئيس كير أراد منح عرمان (أورنيك 8 سياسي) لمداواة جراح المبعدين أمثال مشار ودينق ألور وأموم، فهم مصابين فى حادث جلل ارتجت له أرجاء جوبا على أن ينجح عرمان فى التعامل مع القضية بالطريقة المطلوبة.

الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

تبرع أمريكي

لو أردتم معرفة مدي العلاقة بيننا والولايات المتحدة الأمريكية، فدونكم ((تبرعهم)) السخي بخمسين ألف دولار، تنقص ولا تزيد، بمناسبة كارثية السيول والفيضان والأمطار التي ضربت عموم السودان .. فلابد أن سفارتهم عندنا والقائم بأعمالهم، الذي زار من قبل الشيوخ والقباب ورجال الطرق الصوفية، ضربت أخماسها في أسداسها وتعاملت معنا مع سعر (دولارهم) المستعر والصاعد، ومن ثم فإن الخمسين ألف دولار في عرفهم الاقتصادي والتجاري هي على أرض الواقع ثلاثمائة وخمسين ألف جنيه سوداني .. وليتهم أعلنوها بالجنيه ((ليكبروا كومهم)) ويعلو من شأنهم، ويرفعوا من قدرهم، فلابد إن تلك ((فاتت)) عليهم، لكن لا بأس، فعلي الأقل على حكومتنا السنية إدراك حجم معزتها عند حكومة (العم سام)، وهي في كل الحالات تشكر على المبادرة والمبادأة في وقت لم تتحرك فيه دولة عربية أو أفريقية أو إسلامية سوى ((قطر)) التي فتحت جسراً جوياً، كعهدها دائماً في مثل هذه (الملمات).. وتبعتها الجارتان أثيوبيا ومصر.
ولو كان عندي القرار في حكومة بلدنا لرددت الخمسين ألف دولار الأمريكية إلى سفارة أمريكا في الخرطوم، مع بطاقة شكر واضحة (سعيكم مشكور لكنه مرفوض) .. فماذا تفعل (حفنة) دولارات في صد مأساة إنسانية، وكارثة حقيقية لها ضحايها من الأموات ومن المشردين ومن فقدوا المأوى والسند والحياة الطبيعية .. لكن سفارة أمريكا في السودان ((عقليتها)) فيما يبدو اختلط عليها البقر، وهي قمة المأساة التي فشلت في إدراكها وتداركها حتى لو بعثنا لها بمذكرة تفسيرية أو (تصحيحية) أو .. (توضيحية.
فمن حقنا أن نجرؤ على مخاطبة أمريكا بأن (بضاعتها قد ردت إليها)!!

المفاوضات المستحيلة!

مع أن السياسة ربما كانت لا تعرف المستحيلات باعتبار أن المستحيلات أموراً نسبية فى أغلب الأحيان؛ إلا أن من الناحية العملية فإن إمكانية جلوس الحكومة السودانية مع قطاع الشمال فى جولة مفاوضات جديدة على المدى القريب تبدو مستحيلة، ويمكننا فى هذا الصدد تعداد العديد من الأسباب.
أولاً، الخطأ القاتل والمميت الذي وقع فيه قطاع الشمال -ولا يزال يرزح تحته- هجومه وهو يتزيّا بزيّ الجبهة الثورية على كردفان. الهجوم أسفر فيه القطاع – بقصد أو بغير قصد – عن وجه إنتقامي متشفيّ، اقتص واقتنص فيه المدنيين الأبرياء.
هذا الهجوم نزع عن القطاع امكانية إعادة إدماجه فى الصف الوطني فهو عمل أخرق، أعطى انطباعاً سياسياً مؤثراً بأن القطاع يسعى (لأكل الكيكة) السودانية بكاملها وأن الخطة أكبر من مجرد قطاع ثائر له مظالم سياسية، وهذه بدورها أقامت حاجزاً نفسياً بينه وبين كافة المكونات الشعبية السودانية، ففي حالة الحركة الشعبية مثلاً كان هناك خيار الانفصال باعتباره علاجاً شافياً لمرض الجنوب، وأما فى الحالة الراهنة فإن من الصعب القبول بقطاع -نفسياً وسياسياً- يسعى لتفتيت بنية الدولة السودانية لصالح قوى دولية بمالها وعتادها.
ثانياً الحكومة السودانية أدركت أن القطاع يسعى لتكرار ما كانت تفعله الحركة الشعبية فى السابق وأنه ربما يكون مقتفياً لذات أثرها ومن الطبيعي أن أي سياسي حصيف لا يكرر تجربة واحدة مرتين.
ثالثاً، القطاع نفسه ليست لديه أطروحات وطنية جادة قابلة للتنفيذ، فالطرح العلماني أمر لم يعد مستساغاً البتة فى السودان، وطرح هوية الدولة – من جديد لم يعد أمراً قابلاً للتفاوض بعد كل هذه التضحيات التى قدمها السودان والثمن الباهظ الذى دفعه من وحدته، والقطاع يسعى لذات هذه الأطروحات عن عمد وسعياً لتقسيم السودان.
رابعاً التفاوض نفسه يحتاج لمعطيات على الأرض وقطاع الشمال حالياً لا يملك على الأرض سوى استناده على جوبا والقوى الدولية. ليس للقطاع أثر يذكر على الأرض، وليست هنالك قاعدة جماهيرية من أي نوع للقطاع فهو حتى فى ظل وجود الحركة الشعبية فى الفترة الانتقالية كان يعاني ما يعاني.
وأخيراً فإن أصدق ما يؤكد استحالة التفاوض أن الوسيط المشترك نفسه لم يبدِ حماساً لتحديد موعد جديد للمفاوضات. وبصرف النظر عن الأسباب فإن الرجل يعلم أن المعطيات الماثلة لا تشير الى إمكانية إحراز نجاح والأمر الأكثر خطورة أن الوسيط المشترك يعلم أن القطاع لا يتحرك وحده وإنما يلبس ملابس الثورية ويجرّ معه حركات دارفورية، وهذا سوف يعقد أي تقدم يمكن إحرازه فسوف يعود القطاع – بعد أي مفاوضات – إلى الثورية ويواصل عمله المسلح فيصبح الأمر مثل ساقية جحا!

حركة جبريل إبراهيم.. البحث عن مسرح!

العدوان الذي نفذته حركة جبريل إبراهيم مؤخراً على قافلة تحمل وقوداً فى طريقها الى أبيي إنما يندرج تحت عنوان عريض، وهو محاولة للبحث عن مسرح لافت، شديد الأثر، كثيف الضوء. فالوقود المعتدي عليه يخص قوات حفظ السلام فى أبيي (يونسيفا) وهي قوات تعمل تحت إمرة الأمم المتحدة والوقود يخص المنظمة الدولية ومن المعروف فى هذا الصدد انه لا يجوز التسامح مع أي معتدي على قوات دولية أو عتادها أو متعلقاتها، والسؤال هو هل كان العدوان لمجرد الاستيلاء على شحنة الوقود أم لأهداف أخرى أبعد أثراً؟
الواقع إن العدوان استهدف أهدافاً عدة، أولاً ولعل هذا هو الأهم – أنه أراد لفت الأنظار بصورة حادة فمنطقة أبيي مثار اهتمام دولي كبير نظراً للنزاع الكبير الناشب حولها بين السودان وجنوب السودان، وهي مسرح مضيء ومحط أنظار الجميع وحركة جبريل إبراهيم على وجه الخصوص انزوت فى الآونة الأخيرة وانحسرت عنها الأضواء تماماً، خاصة بعد ذوبانها فى ما يسمى بالثورية وانسلاخ عدد هائل من خيرة قادتها بلغ مدي تأثير انسلاخهم حد اضطرارها لتصفيتهم. حركة جبريل باتت تواجه شبح الموت المحتم، ولهذا فقد بحثت عن مسرح يضعها أمام المتفرجين.
ثانياً وهذا أيضاً لا يقل أهمية عن الأول، فإن حركة جبريل فى حاجة ماسة جداً للدعم والتشوين والعدة والعتاد فهي لا تملك جهات داعمة، وفى الوقت نفسه لا تملك ما يعينها على الحياة، وما توفره لها الثورية قليل من جهة، ويقع ضمن نطاق سيطرة الثورية خاصة قادة قطاع الشمال وحدهم، الأمر الذي يجعل من إمكانية حصولها وحريتها فى الحصول على الدعم من رابع المستحيلات ولهذا فإن الاعتداء وفر لها قدراً من الدعم الذي هي فى حاجة إليه سواء كثر أو قل. ثالثاً اختارت حركة جبريل منطقة أبيي ربما لسببين: الأول علمها بأن المنطقة منطقة اشتعال ولكنه اشتعال لم يبدأ ومن ثم يسودها هدوء وإن كان هدوء حذر.
السبب الثاني استعبادها لفرضية وجود قوة من الجيش السوداني تضعها فى مواجهة، فالمنطقة منزوعة السلاح إلا من قوات اليونسيفا، وهي قوة منتشرة داخل المنطقة وتقوم بمهمة المراقبة وبسط الأمن. حركة جبريل اختارت منطقة مناسبة للانقضاض على القافلة دون أن تلاحقها اليونسيفا ودون تواجه قوة من الجيش السوداني، وهذا يستخلص منه -للأسف الشديد- أن الحكومة الجنوبية – بطريقة أو بأخرى – عملت على تسهيل مهمة حركة جبريل لأن من غير المتصور أن تسلك طريقاً محفوفاً بالمخاطر داخل الأراضي السودانية.
الأرجح أنها دخلت الى المنطقة من الجانب الجنوبي والجانب الجنوبي لا يضره استراتيجياً حدوث حدث كهذا بل على العكس قد يخدم إستراتيجيته فى إشعال المنطقة وإظهارها بمظهر المنطقة غير المستقرة حتى يفكر المجتمع الدولي فى وضعها تحت الوصاية الدولية.

آخر أحلام المعارضة.. الاستثمار فى الأمطار!

مع أن مستوى أداء المعارضة السودانية طوال ربع القرن المنصرم أداء شديد التواضع بحيث أزهد الكثيرين فى الحديث عن المعارضة، إلا أن قوى المعارضة ما تزال ترفد الساحة السياسية فى كل يوم بجديد أكثر إثارة للشفقة والحزن!
إذ أنه وبُعيد الأمطار الكثيفة التى هطلت فى أجزاء متفرقة من السودان وألحقت أضراراً بالمواطنين والمنازل والمنشآت العامة طالبت قوى المعارضة الحكومة السودانية بالاستقالة!
كمال عمر الأمين السياسي للشعبي ومسئول الإعلام فى تحالف المعارضة قال إن على الحكومة السودانية أن تستقيل جراء ما لحق بالبلاد من أضرار سببها السيول والفيضانات!
ومن المؤكد أن مثل هذه المطالبة -البائسة واليائسة- هي فى حد ذاتها تعبير واضح عن مدى عجز وضعف المعارضة رغم كل تحالفاتها المختلفة بحركات مسلحة، فقد انتقلت فجأة من خانة إسقاط النظام بشتى السبل الى خانة مطالبته بالاستقالة!
هذا الانتقال لم يثر أدنى قدر من الحياء لدى القوى المعارضة، فهي من الأساس سعت ولا تزال تسعى لإسقاط النظام، ووصل بها الحال فى بعض الأحيان الى درجة (التحضير لمرحلة ما بعد الإسقاط) أما الآن فهي تطالب باستقالته! والمطالبة بالاستقالة سببها - حسب هذه القوى - هو فشل الحكومة السودانية فى درء آثار الأمطار!
إن السودان ليس استثناء من العديد من دول العالم التى تضربها مثل هذه الكوارث من حين لآخر. الولايات المتحدة الدولة العظمى والأنموذج الأسطع فى كل شيء ضربها أكثر من فيضان وألحق بها أضرار لا أول لها ولا آخر على الرغم من أنها – بأجهزة الرصد المتقدمة – استعدت وأعدت العدة لمواجهتها، فهذه الكوارث طبيعية – من السماء الى الأرض، لا مجال فيها لإلقاء اللوم على أحد.
الصين عانت من ذات الشيء، واندونيسيا هي الأخرى واجهت مصيراً مشابهاً؛ وهكذا ففي كل عام هنالك بلدان تسقط ضحية لكوارث طبيعية والسودان شأنه شأن الدول التى واجهت هذه الكوارث يعمل فى حدود إمكاناته على التخفيف منها ودرء آثارها.
صحيح أن هنا وهناك بعض الأخطاء الهندسية فى مجال تصريف المياه، وصحيح أيضاً أن بعض الإنشاءات لم تكتمل بالسرعة المطلوبة مثل مشروعات الصرف الصحي، ولكن بالمقابل ما من شيء يمكن فعله إزاء كارثة طبيعية ماحقة كهذه، كما لا يمكن إلقاء اللوم على الحكومة السودانية وحدها وهناك الآلاف من المواطنين الذين يفضلون السكنى فى المناطق المنخفضة ومجاري السيول.
والغريب هنا، أن السلطات السودانية حين تمنع ساكني المنخفضات -عشوائياً- من السكنى فيها فإن الصحافة السودانية تنبري للدفاع عن المواطنين وتملأ صفحات الصحف بقضايا حقوقية وإثارة واسعة النطاق إنّ من حق هؤلاء المواطنين التمتع بحق السكنى!
إن كان هنالك من إهمال فى بعض الجوانب، فهو ليس إهمال السلطة الحاكمة وحدها، هناك الآلاف ممن يتحمّلون المسئولية جراء تشييدهم لمنازلهم -دون تصديق من السلطة المرخصة- فى مجاري السيول، وكلنا يعلم أن هذا الأمر ظل يتكرر فى حالات مشابهة عديدة، فما أن ينجلي الخريف ويعود كل شيء الى طبيعته حتى يسارع المواطنين لتشييد مساكنهم فى ذات المكان.
إن على المعارضة السودانية أن تستثمر -إن أرادت الاستثمار- فى قضايا وطنية جادة عميقة، لا أن تستثمر فى الأمطار!

من عملَ على إنهيار وتدمير دولة الجنوب؟

من الطبيعي أن يلجأ الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت لاتهام السودان بالسعي لانهيار دولة الجنوب، فالرجل يتعامل بذات عقلية التآمر التى أدمنها ضد السودان منذ تسلمه السلطة فى جوبا.
عملت حكومته طوال أكثر من عامين على زعزعة استقرار السودان. قدم دعماً تجاوز المليار دولار للقوى السودانية المسلحة الناشطة ضد الخرطوم، هاجم منشآت نفطية فى منطقة هجليج وألحق خسائر بمئات الملايين من الدولارات.
احتلت قواته ثلاثة مناطق غير متنازع عليها بين الدولتين. الرئيس الجنوبي فعل كل ذلك على أمل أن ينهار السودان وينفتح الطريق واسعاً أمام حركته الشعبية لتحكم الخرطوم وبذا تصبح جوبا قد كسبت الدولتين بضربة واحدة.
الرئيس كير عرقل تنفيذ اتفاقيات التعاون المشترك بين الدولتين لأكثر من عام خلا، كان يمكن أن تكون هذه الاتفاقيات حتى الآن قد حققت الكثير للدولتين. نعم لقد فعل الرئيس كير كل ما هو ضار بالسودان حتى ولو قال هو أو قال قائل إن (من هم حوله ممن انقلب عليهم الآن) هم الذين دفعوه الى ذلك فنحن هنا أمام مسئولية مباشرة للرئيس فى دولة تتبع النظام الرئاسي الذى تتركز فيه السلطة التنفيذية فى يد الرئيس ونحن حيال دولة متخلفة ناشئة لتوها؛ الرئيس فيها هو صاحب القرار وفق العرف القبلي الذي الذى ما يزال يحكم وسيظل يحكم دولة الجنوب لعقود وقرون مقبلة.
دولة الجنوب ليست دولة مؤسسات حتى يمكن تجزئة المسئولية السياسية فيها بدليل أن الرئيس كير نفسه ولأسباب تخصه ولا تخص الموقف مع السودان، استطاع إقالة حكومته بأسرها بما فى ذلك نائبه د. رياك مشار، وبما في ذلك والي منتخب هو اللواء تعبان دينق حاكم ولاية الوحدة.
فعل الرئيس الجنوبي كل ذلك بين عشية وضحاها ثم أعمل سكينه الحادة فى جسم الحركة الشعبية نفسها فأطاح وقطّع أمانتها العامة وأطاح بأمينها العام باقان أموم. رجل فعل كل ذلك فى سويعات قمين بأن يكون مسئولاً مسئولية مباشرة وكاملة عن كل الأضرار التى ألحقها بالسودان فى فترة الثلاثة أعوام الماضية ولهذا وحين يعود الرئيس الجنوبي قد وجد نفسه (بين الحطام) لإلقاء اللوم على السودان فهو دون شك يهزأ بنفسه وبحكومته وحركته الشعبية.
يهزأ بها لأنه لو كان بوسع السودان أن يعمل على انهيار وتدمير الجنوب بهذه المهارة والسرعة لما انتظر ثلاثة أعوام عانى فيها السودان ما عاني من ظلم ذوي القربى الذين كانوا قبل أعوام قلائل جزء أصيل من نسيج السودان الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي.
إن انهيار دولة جنوب السودان المحتوم إن هو إلا نتاج سياسات ومواقف خرقاء اتبعتها حكومة الرئيس كير دون تبصر ودون نظر الى المستقبل وحين كُنّا نتحدث –لأكثر من ثلاثة أعوام – عن ضرورة انتباه الحركة الشعبية لما فعلته ضد السودان وأن الحريق الذى تشعله ربما يمسك بتلابيبها لم تكن جوبا تسمع أو تصغي أو ترى، كانت غارقة فى وهمها الجميل بأن مهمتها الثورية فى قضم ما تبقى من السودان باتت قاب قوين أو أدنى، ولم يكن الرئيس سلفا كير يهتمّ بما يجري مع أن النموذج الإثيوبي الارتري قريب منه فالدولة الأم هي الأرسخ والأقوى دائماً من الدولة الوليدة.
ولذا فإن العبرة الآن ليست بما حدث من خلاف وصراع على السلطة في الجنوب بذر بذرة دمار محتمل هنا، وإنما العبرة بما إذا كان الدرس قد أصبح بليغاً وملء سمع وبصر القادة الجنوبيين أم لا؟

الأحد، 4 أغسطس 2013

سلفا كير يشكل حكومة جديدة

شكل رئيس جنوب السودان سيلفا كير الذي أقال كل أعضاء حكومته الأسبوع الماضي، حكومة جديدة أمس ويبقى عليه تعيين نائبا للرئيس، حسبما جاء في مرسوم أذيع عبر الإذاعة الرسمية. ومن بين الوزراء الجدد حاكم ولاية جونجلي المضطربة كول مانيانج الذي تولى حقيبة الدفاع، بحسب المرسوم.
وكان سيلفا كير صرح أمس الأول بأنه يعتزم تشكيل حكومة جديدة أصغر، وذلك بعد أكثر من أسبوع من قيامه بحل الحكومة السابقة. وقال كير “الحد من الوزارات في الحكومة سوف يوجد تعاونا ويسمح بتدفق الأموال لمشاريع التنمية ذات الأولوية كما سوف يتيح إدارة أفضل من جانب العاملين المخلصين”. وكان كير قد عزل نائبه ريك مشار بالإضافة إلى تجميد نشاط أمين عام الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان باجان أموم كما حل الحكومة بأكملها في 23 يوليو الجاري. ولم يحدد موعدا لتعيين حكومة بدلا منها. وردا على الاتهامات التي وجهت لكير بأنه أدى لإيجاد فراغ سياسي أشار إلى أن وكلاء الوزراء في الوزارات والشرطة والجيش والأجهزة الحكومية الأخرى ما زالوا يعملون.

وقال مشار أمس الأول “الرئيس كير هو الوحيد الذي يحكم البلاد وهو يتحول لديكاتور”. لكن سيلفا كير كشف أسباب إقالته مشار، مبيناً أنه طلب من الأخير الاستقالة، بعد انتقاده المستمر للحكومة، ولكنه رفض لذلك تمت إقالته، وشدد على أن إقالة الحكومة جاءت تلبية لطلب شعب جنوب السودان. وقال ميادريت في كلمته التي ألقاها، مساء أمس، في إطار احتفالات جنوب السودان بذكرى رحيل الزعيم الجنوبي جون قرنق، إن إقالة الحكومة كانت مطلباً شعبياً، وكثيراً ما كان يشكو أبناء الجنوب من وزراء هذه الحكومة، ويطالبون بإقالتها نظراً لأنها لم تحقق التنمية المطلوبة، ولم توفر متطلباتهم الحياتية.

ورأى أن تحقيق التنمية يتطلب أموالاً «لكن من أين نأتي بهذه الأموال في ظل الرواتب التي تدفع لما يزيد على 50 مسؤولاً، هم الوزراء ونوابهم، علاوة على مستشاري الحكومة، ورئيس البلاد ونائبه، لهذا كان قرار تقليص الوزراء إلى 17 وزيراً، علاوة على وزيرين لمكتب الرئيس، ليصبح عدد الوزراء 19 وزيراً». وأشار رئيس الجنوب، إلى أنه كان يتابع ما يجري داخل الحكومة لكن «لكل شيء أوانه» ـ حسب تعبيره ـ، مؤكداً أن الحكومة الجديدة ستُشكل في القريب العاجل، وستلبّي طموحات أبناء جنوب السودان.

وفيما يتعلق بأمين عام الحركة الشعبية لتحرير السودان، أوضح رئيس جنوب السودان، رئيس الحركة الشعبية، أن التحقيقات مع أموم تأتي بشأن مخالفات ارتُكبت داخل الحزب، ويعلمها أموم، وجميع أعضاء الحركة، وكذلك بسبب حديثه عن أسرار الحركة لوسائل الإعلام، وأضاف أن التحقيقات تجري مع أموم، وأنه في انتظار نتائج هذه التحقيقات.

وفيما يخص العلاقات مع السودان، أشار ميارديت إلى أنه لا يود الحديث في كل مناسبة عن الخلافات مع السودان، لكنه قال إنه علم أن السودان يعتزم إغلاق خط النفط في 22 أغسطس القادم، وأوضح أن وزارة البترول والتعدين في جنوب السودان، اتخذت الاحتياطات الكفيلة بمنع أي ضرر لخط النفط أو معدات الضخ، إذا كانت الخرطوم جادة في موعدها. وأضاف أن بلاده ستستمر في المفاوضات مع الخرطوم لمنع إغلاق خط النفط. وأوضح أنه أكد للمسؤولين في الخرطوم، أنه لا نية لديه لخوض حرب ضدها، والعودة بالبلاد إلى الوراء. وأشار إلى أن الحوار هو الحل الوحيد لأي خلافات مع السودان، مضيفاً أن بلاده لن تدخل الحرب، ليس لأنها لا تجيدها، ولكن لأن من يلجأ إلى الحرب هو من يفقد كافة السبل السلمية لحل النزاع، ونحن مازال لدينا الكثير من الطرق السلمية لحل الخلافات مع السودان. ووجّه ميارديت، رسالة إلى قوات الجيش والشرطة، دعاهم فيها إلى العمل من أجل جلب الاستقرار واحترام المواطنين، وقال إن هناك اتهامات بارتكاب مخالفات من جانب هذه القوات، ويتعين جلب هؤلاء الأشخاص وتقديمهم للمحاكمة خاصة في بيبور وبور في ولاية جونقلي. وأردف قائلاً، إذا كان المواطن من قبيلة المورلي (في جونقلي) يفر من مسؤول حكومي، فبكل تأكيد هناك خطأ ارتكبه هذا المسؤول».

من ناحية أخرى، اعتبر نافع علي نافع، نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، مساعد رئيس السودان عمر البشير، ما تشهده دولة الجنوب من تطورات سياسية “مؤشرا على حزم الحكومة هناك لأمرها في التوجه نحو إصلاح العلاقات مع السودان”. ونقل المركز السوداني للخدمات الصحفية قوله: “نعتقد أن الجنوب حزم أمره لإصلاح علاقاته مع السودان، ونعتقد أن الذي يحدث سوف يعينهم على تطوير علاقتهم مع السودان وتنفيذ اتفاقية التعاون تماما، وهذا ما نرجوه ونأمل أن تكون هناك علاقات قوية جدا ومستقرة وتعاونية بين الشمال والجنوب”.

أحزاب لمعارضة السودانية.. مأساة الواقع السياسي السوداني!

لنقرّ صراحة ان للأحزاب السودانية المعارضة خصومة سياسية مع الحزب الوطني الحاكم، ولندع الأسباب جانباً. ولنقر أيضاً ان هدف هذه الأحزاب في خاتمة المطاف إزاحة الوطني عن السلطة والحلول محله، ولندع أيضاً الطرق والوسائل جانباً.
ولنقر أن أفضل وسيلة لإدارة بلد مثل السودان هي طريقة الاحتكام الى صندوق الاقتراع وعن طريق التداول السلمي للسلطة. السؤال هو هل أحزاب المعارضة الموجود  حالياً في الساحة – بتحالفاتها المختلفة – جاهزة لإدارة البلاد إذا قدر لها ان تستلم السلطة؟
من المؤكد إن أي حزب معارض سوف يسخر من هذا السؤال، ولكنه فى الواقع هو السؤال الجوهري والمحوري الذي لا بد من الإجابة عليه بمنتهي الصدق والأمانة.
نحن أمام أحزاب فقدت الوازع الوطني لسبب أو لآخر، ففي قمة مواجهة الوطني لهجمات عسكرية طالت مواطنين أبرياء، وقفت هذه الأحزاب بعيداً جداً عن السياج الوطني وبدت مثل دولة بعيدة عن خارطة المنطقة، بل حتى الدول البعيدة عن السودان تدين وتشجب وعلى سبيل المجاملة إعتداء قوى مسلحة على مواطنين أبرياء.
هذه النزعة الوطنية في ابسط صورها لم نلمسها قط في أحزاب المعارضة وقد رأيناها تهلل –سراً وجهراً– ممنية نفسها بقرب قطف الثمرة. نحن أمام أحزاب معارضة فقدت تواصلها مع قواعدها، ففي الأنحاء التى تجري فيها هجمات عسكرية يموت ويسقط كثيرون من منسوبيها ولكنها تخشى أو تخجل من إدانة ذلك!
وما حدث في أبو كرشولا خير دليل على ذلك. العشرات من منسوبي هذه الأحزاب قضوا نحبهم برصاص الثورية وطلقاتها الموتورة ولكن قيادة هذه الأحزاب لزمت الصمت وستظل تفعل ذلك وهي لا تدري ان هذه المواقف تبعدها بعيداً جداً عن قواعدها أو ما تبقي منها.
نحن حيال أحزاب ارتضت لنفسها القبول (بعلمانية الدولة) عبر وتوقيعها لميثاق الفجر الجديد. ميثاق اجترحته قوى موتورة مسلحة لها أجندات معروفة لم تجد أحزاب المعارضة بأساً من مسايرتها والقبول بالدنية فى أطروحاتها السياسية.
حزب مثل الشعبي زعيمه كثير الحديث والتنظير عن الإسلام كنظام حكم شامل يقبل بعلمانية الدولة! نحن أمام أحزاب متناهية الصغر بحيث لم يسجل لها التاريخ السياسي السوداني بطوله وعرضه (وجوداً في أي محفل ديمقراطي) إلا في حدود لا ترى بالعين المجردة السياسية (الشيوعي نموذجاً). بعضها لم يعرف له وجود قط مثل البعث بشقيه والأغرب من ذلك ان البعث (الميت) تسبب فى إحراج حزب عريق مثل حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي من التحالف. أي أن الحزب (الصغير) لم يكن فقط (مجرد عالة) على التحالف ولكنه أصبح (شوكة) في حلق التحالف يشق صفه ويخرج الكبار من الحلبة!
نحن أمام أحزاب ما تزال تجري وتلهث وراء الجبهة الثورية، والأخيرة لها رؤى يكذب من يقول إنها تتسق معها ولكنهم بدافع الخلاص من الوطني يجرون وراء الثورية كمتسولين أعطتهم أو منعتهم!
هذه كلها فى الواقع مثالب وتعقيدات تعيشها قوانا الحزبية، لا تعرف غير ماضي مضي لن يعود ولا تعرف وسيلة غير وسيلة القوة لإزاحة الخصم وتدخل نفسها في مأزق تلو المأزق مما يجري حولها كما حدث فى مصر، حين عجزت عن إدانة الانقلاب ولفت ودارت حول الموضوع حتى تتخلص من الورطة!
كيف لمواطن سوداني ينتظر المستقبل من أحزاب تدعي العمل السلمي نهاراً وتسعى للانقلاب والإطاحة بالسلطة الحاكمة عبر السلاح ليلاً؟ إن هذه فى حقيقة الأمر هي مأساة السودان التى لم تنتبه لها هذه الأحزاب بعد، فهي ما تزال تعتقد أنها قوية وأنها قدرة وأنها الخيار الأفضل على طريقة الباعة المتجولين الذين ينادون على بضائع منتهية الصلاحية بثمن باهظ!

الجنائية الدولية.. حينما تشتري العدالة

اتهم مقال بصحيفة لوموند الفرنسية المحكمة الجنائية الدولية بممارسة العنصرية في إقامة عدالتها الي جانب تورط أجهزة مخابرات في شراء وتوفير شهود للمحكمة عبر شبكة من الوسطاء التابعين للمنظمات غير الحكومية وانتقدت لوموند في عددها الصادر أمس الأول المحكمة الجنائية واتهمتها بأنها لا تتخذ إجراءات العدالة ضد الأفارقة مما جعل الاتحاد الإفريقي حسب الصحيفة الفرنسية يصفها بأنها نوع من المطاردة العنصرية ونشرت لوموند مقالاً بعنوان المحكمة الجنائية الدولية عدالة البيض أشارت فيه الي القمة الإفريقية الأخيرة التي انعقدت بمناسبة مرور خمسين عاماً علي تأسيس الاتحاد الإفريقي والتي ناقش فيها الزعماء الأفارقة الإستراتيجية التي يتبعها الاتحاد الإفريقي ضد المحكمة،وأشارت الصحيفة الي الاتهام الذي أصدرته المحكمة ضد الرئيس الكيني المنتخب يوهور كنياتا والذي اعتبره الأفارقة تهديداً للسلم والأمن الإفريقيين وانه اتهام القي بظلاله علي مجريات الأمور في القارة الإفريقية التي صارت كلما انتخب رئيس لاحقته الجنائية الدولية بالمذكرات علي حسب قول الصحيفة الفرنسية التي انتقدت أداء المدعي العام السابق للجنائية الدولية لويس اوكامبو الذي اتهمته لوموند بالاعتماد علي تقارير قدمتها منظمات غير حكومية وتقارير الأمم المتحدة وبملفات بنيت بطريقة سيئة الي جانب ان المذكرة ضد الرئيس عمر البشير رسخت مفهوم ةان الجنائية الدولية تختار أهدافها لأغراض سياسية وتقوم بتنفيذ عدالة الدول العظمي، واتهمت الصحيفة الفرنسية المحكمة الجنائية الدولية بالعمل بواسطة وسطاء وشبكات تعمل في مجال المعلومات وقالت: أن بالمحكمة أعضاء يعملون في منظمات غير حكومية وموظفين تابعين لأجهزة المخابرات التي تقوم بشراء الشهود .
صدور مثل هذا الاتهام،. اعتبره نقيب المحامين عبد الرحمن الخليفة انتصارا للسودان وقال للخرطوم : ان خبر الصحيفة يؤكد بأن تلك المحكمة قامت بشراء شهود يتبعون للحركات المسلحة في دارفور وتم تهريبهم عبر دول مجاورة للإدلاء بشهادات زور وهي أداة سياسية لدول أوروبا التي ينتشر فيها الفساد عبر منظماتها التي تقوم بتمويل الشهود ،ولهذا بدأت هذه المحكمة تتهاوي بعد ان انكشف عوارها من قبل صحيفة مرموقة تصدر في أوروبا.
شماعة المحكمة
العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية والاتحاد الإفريقي أصبحت خربة بعد إن أجس ذلك المارد الأسود بأن هنالك من يريد زعزعة استقرار مناطقه التي ترزح في الصراعات القبلية والتخلف والإمراض والفقر عبر ملاحقة رؤساء الدول الإفريقية وبالرغم من ذلك استطاعت أن تخوض تجارب ديمقراطية عبر أحزاب منظمة ومعارك سياسية ساهمت في تطور الوعي الإفريقي تجاه التداول السلمي للسلطة بالرغم من عدم تبرئتها من عيوب التزوير ولكنها تخطت المراحل في وقف النزيف الدموي مثل ما حدث في الانتخابات الكينية الأخيرة والتي حبست دماء الكينيين في عروقهم بعد أن حسمت المحكمة الأمر ووافق المرشحون للرئاسة علي نتيجة الانتخابات الكينية وفاز جومو كينياتا رئيساً لدولة كينيا مما مهد لاستقرار سياسي لتلك الدولة التي شهدت الانتخابات الماضية فيها حوادث دموية راح ضحيتها عدد من الأبرياء ومن اجل الحفاظ علي هذا الأرض تحرك الاتحاد الإفريقي لإصدار قرارات متتالية تنص علي عدم التعاون مع المحكمة كان أخرها في قمة الاتحاد في مايو 2013 بأديس أبابا حيث صوتت 53 دولة في الاتحاد الإفريقي ضد قرار المحكمة الخاص بكينيا مقابل صوت وحيد لبتسوانا مؤيد للقرار ودعا الاتحاد الي عدم التعاون مع المحكمة والي حد ما التزمت الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي بهذه الدعوة ومن بينها حكومة السودان ودول افريقية أخري مثل جيبوتي وكينيا وتشاد التي رفضت توقيف البشير عندما زار هذه البلدان كل علي حدة.
لقي الموقف الإفريقي المعادي لمحكمة الجنايات الدولية اهتماما كبيراً في القمة العادية الثامنة عشر للقادة والزعماء الأفارقة التي عقدت في يناير 2012 بأديس أبابا وأثناء القمة شدد قادة الاتحاد الإفريقي علي قرارهم عدم التعاون مع المحكمة وخصوصاً فيما يتعلق بمذكرة اعتقال البشير وذلك انطلاقا من القناعة السائدة بضرورة تطبيق مبدأ المحاسبة علي جميع قادة العالم وليس علي القادة الأفارقة لوحدهم.
وبالرغم من ان موقف الاتحاد الإفريقي تجاه المحكمة لم يحظ بإجماع الدول الإفريقية إلا أن هذا الموقف قد كسب دعماً جديداً وضخت فيه دماء جديدة عن طريق الدبلوماسية الصامتة التي تتبعها الحكومة الكينية بعد فوز كل من الرئيس الكيني اوهار ونائبه روثو بمنصب الرئيس ونائب الرئيس وهما المتهمان من طرف المحكمة الجنائية الدولية.
وفي مؤتمر القمة الذي عقد في يناير 2012 اتخذ القادة الأفارقة قراراً بعدم التعاون مع المحكمة الدولية إلا أن هذا القرار قوبل بتحفظ من طرف بعض الدول الإفريقية إذ  عبرت بوتسوانا عن رفضها المعلن لقرار الاتحاد الإفريقي بعدم التعاون مع محكمة الجنايات الدولية متذرعة بالتزاماتها الدولية كدولة عضو في نظام روما الأساسي وعبرت جنوب إفريقيا عن نفس الموقف، وقد كانت بوتسوانا الدولة الوحيدة التي صمدت في دعمها لمحكمة الجنايات الدولية كونها الدولة الوحيدة التي عارضت قرار قمة الاتحاد الإفريقي بخصوص عدم التعاون مع المحكمة بعيد انتخاب مواطنتها نكوسازانا دياميني زاما كرئيسة لمفوضية الاتحاد الإفريقي في يوليو 2012 حيث ألقت بثقلها وراء موقف الاتحاد الإفريقي في قمة مايو 2013 وهو أمر مهم نظراً للوزن الكبير لجنوب أفريقيا داخل القارة وشمل التغير أيضاً موقف مالاوي التي عارضت صراحة موقف الاتحاد الإفريقي من المحكمة بعيد انتخاب الرئيسة الجديدة جويسي باندا، قبل استضافتها للقمة 19 للاتحاد الإفريقي التي كان من المقرر أن تعقد في العاصمة المالاوية ليلونغوي في يوليو 2012 وأعلنت مالاوي انه وبموجب عضويتها في نظام روما الأساسي ستكون مجبرة علي اعتقال الرئيس عمر البشير في حال حضوره أعمال القمة مما أثار حفيظة الاتحاد الإفريقي وقرر نقل القمة الي أديس أبابا.
تعارض السياسة مبادئ القانون
الدكتور صفوت فانوس المحاضر الأكاديمي قال: إن الشخوص المطالبين لدي المحكمة الجنائية اغلبهم من إفريقيا ما عدا الرئيس الصربي السابق ميلوزيفيتش وهذه المحكمة لا تخضع لها الدول الكبرى مثل بريطانيا وأمريكا وروسيا والصين وهي دول حجمها كبير وسط المجتمع الدولي ولكن المحكمة اتجهت لتلك الدول الضعيفة وكذلك فإن المواد الجنائية التي تستخدمها المحكمة هي ذات طابع سياسي والسياسة من معيارها القوة عكس القانون الذي يعتمد علي معيار ولا يمكن أن تتداخل السياسة مع مبادئ القانون.

وما يزال التحقيق مستمراً!

قالت الأنباء أواخر الأسبوع الماضي إن 3 جنرالات من الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيقاد من المقرر ان يكونوا قد وصلوا الخرطوم في مهمة سياسية هامة. المهمة كما كشفت عنها الخارجية السودانية -منتصف الأسبوع الماضي- تتعلق بالتحقيق فى الاتهامات الموجهة من الخرطوم الى جوبا بشأن دعم الأخيرة لمتمردين ناشطين ضد الخرطوم.
الوفد المحقق وفقاً لوكيل الخارجية السودانية السفير رحمة الله سيزور جوبا والخرطوم وسيقف على الحدود بين البلدين. والخطوة في ظاهرها تبدو لا غبار عليها إذ على الأقل يصبح بوسع (طرف محايد) وضع تقرير مفصل عن التعقيدات الأمنية الناشبة بين الجارين، ولكن من الصعب القول إن هذه الخطوة ومهما كان مقدار جديتها قادرة على حلحلة الأزمة.
فالأمر بالنسبة للخرطوم كما ظللنا نردد دائماً يتعلق بعمل متواصل واستضافة لا مجال لنكرانها من جانب جوبا لمتمردين سودانيين لديهم معسكرات تدريب فى مدن رئيسية فى دولة الجنوب، ولديهم عتاد حربي يأتيهم من جوبا وينطلقون من قواعد فى دولة الجنوب، ليعودون إليها بعد ملاحقة الجيش السوداني لهم.
هذه الوقائع ليست مثبتة فحسب ولكن جوبا نفسها وعلى مستوى رئيسها الفريق كير أقرت واعترفت بها بعد أن قاد السودان وفداً مكوناً من وزير الخارجية على كرتي ورئيس جهاز المخابرات الفريق أول عطا المولى ليسلما الرئيس كير -تحت الكاميرات والفلاشات- أدلة مادية اقلها تسجيلات صوتيه لعملية الدعم وأحاديث القادة مع المتمردين فى الثورية. الفريق كير لم يجد حينها مناصاً من الإقرار بالعملية! وهو إقرار لا يعدو كونه (تحصيل حاصل) إذ لم يكن يملك الرئيس الجنوبي مفراً من الإقرار بهذه الحقيقة الدامغة.
الآن مهمة الجنرالات الثلاثة ومهما كانت لن تتجاوز هذه النقطة، ولهذا فإن الأمر فى مجمله يبدو كمن يقرّ بارتكاب جريمة – فى محكمة – ثم يطالب بعد إقراره واعترافه بالعودة الى مسرح الحادثة لرفع البصمات وتحريز المعروضات.
وبذلك فإن جوبا – بهذه الخطوة – تعمل على كسب الوقت وتمييع الأزمة وانتظار التقارير ومن ثم مناقشتها والمغالطة بشأنها! ليس من المنطق ولا المنصف ان تظل جوبا تمارس كل هذا القدر من خداع النفس حيال أمر ثبت مثل ضوء الشمس في رابعة النهار! ويُستفاد من هذا الوضع ان جوبا ستظل على موقفها الداعم للحركات المسلحة دون توقف مهما كلفها ذلك، فقد كان يكفي البناء على إقرار الرئيس سلفا كير بالدعم، وكان يكفي أيضاً الاستناد الى أدلة الخرطوم والتي حرص مجلس الأمن الدولي – رغم شكوى السودان إليه – على تجنب الخوض فيها أو مناقشتها لا من قريب ولا من بعيد.
وعلى ذلك فإن القضية لم تعد قضية إثبات والتحقيق فى ماذا كانت جوبا تدعم مسلحين سودانيين؛ القضية تبدأ وتنتهي بما إذا كانت جوبا جادة وعازمة حقيقةً على نفض يديها مما تفعل لتنساب العلاقة بين البلدين أم لا؟

الخميس، 1 أغسطس 2013

جنوب بلا قطاع شمال !

قديماً كرر السودانيون من شطري السودان الحالي هتاف (لا شمال بلا جنوب ولا جنوب بلا شمال) باعتبار الوجود المتكامل وليس المتناقض أو المتماهي بالضرورة ،بيد أن ذلك أصبح الآن من مذكرات التاريخ ،ولم يبق للجنوب صلة بالشمال إلا عبر قطاع الشمال الذي هو جزء من الشمال ويتبع للجنوب في الوقت ذاته ،بما يناقض سنن الله الكونية في الطبيعة حيث لا يمكن أن تكون قطبية الشمال والجنوب جزءاً من قطب واحد في النهاية حتى في (المغناطيس الطبيعي ذي القطبين الشمالي والجنوبي) ،لعب قطاع الشمال دوراً حثيثاً من أجل إيجاد نقيضه الجغرافي المسمى بالجنوب الجديد الذي يشمل المناطق الثلاث جنوب كردفان والنيل الأزرق وأبيي ،وسعى لأن يجعل منه جنوباً عصياً على السودان (الشمالي) من خلال تمرد جديد ومحاولات لتفادي المواثيق السابقة التي تحكم التعامل معها من خلال بروتوكولاتها إلى التمرد والتصعيد القتالي المفضي إلى فتح مسارات تفاوضية جديدة، وبالتالي القفز فوق الحقائق السابقة والتعامل بسياسة الأمر الواقع من أجل سقوف تفاوضية جديدة تستنسخ قطاع الشمال بإعتباره حركة شعبية جديدة مثيلة بتلك التي أفرزتها نيفاشا تصبح شريكاً مشاسكاً للمؤتمر الوطني من خلال محاصصة على السلطة والثروة وشرعنة على الصعيد القومي لا تكتسبها بأية خصائص ذاتية وإنما بشريعة القتال والتسوية فقط فتصبح معبراً عن التيار الليبرالي الشمالي وتحالف المعارضة داخل الحكومة وخارجها في الوقت نفسه ،وهو ما فطنت له الحكومة منذ البداية ورفضت أن تتحاور مع قطاع الشمال إلا على المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق وبإعتماد مرجعية بروتوكولات نيفاشا الخاصة بهما ،إذن فشل قطاع الشمال حتى الآن في تحقيق أي هدف ذي بال من أهدافه الإستراتيجية ،لكنه نجح لحد ما في تحقيق بعض الأهداف التكتيكية المتعلقة بتوتير علاقة دولة الجنوب مع السودان وذرع مسار التفاوض بحقل ألغام تجعله لا يتقدم في كل جولة إلا وتأخر من خلال تحالف القطاع مع مجموعة أولاد قرنق وأبيي ويساريي الحركة الشعبية في الجنوب وعلى رأسهم باقان أموم ،فحققت أهدافها تجاه السودان مرحلياً في استمرار الحرب واستنزاف الموارد بل وحرمانه من عائدات معالجة وتمرير نفط الجنوب ما أزم الوضع الاقتصادي ليكون ذلك أحد أهم المعطيات للمعارضة في اسقاط النظام بحجج الغلاء وتدهور الوضع المعيشي ،لكن هؤلاء لم يفطنوا إلى المجازفة التي ينطوي عليها هذا العمل بالنسبة للجنوب الذي هو بمثابة دولة وليدة وليس مجرد حركة نضالية تتبع حرب الغوريلا ،فمصالح الشعب والدولة تقتضي مسلكاً مختلفاً لا يهدد عرش الحكم أو كيان الدولة ويعطيها الموارد.