الأربعاء، 28 أغسطس 2013

واشنطن وأفلام الخيال العلمي السياسي فى الجنوب!

تماماً كما يحدث في ما بات يُعرف بأفلام الخيال العلمي فإن دولة الجنوب (كصناعة أمريكية) باتت وحشاً سياسياً تصعب السيطرة عليه، ففي أفلام الخيال العلمي التى بدأت تعج بها السينما الأمريكية والتي غالباً ما تتناول سلاحاً ما أو صناعة لوحش ما بغية استخدامه فى الحروب لصالح الطرف المصنِّع؛ فإن دعم واشنطن للدولة الجنوبية الوليدة وخلقها خلقاً مثلما يجري فى معامل وكالة المخابرات المركزية (تحت الأرض) بات يشكل هاجساً لواشنطن نفسها.
ولعل فشل واشنطن الواضح الآن في التعاطي مع الشأن الجنوبي الذى بات محيراً لها مردّه إلى عدة اعتبارات مهمة؛ أولها أن واشنطن تجاهلت تماماً وهي تدفع بالجنوب للانفصال عن الشمال أن تقاطع مصالح الاثنيات والقبائل فى دولة الجنوب أشد وأعنف مما هو عليه فى ظل السودان الواسع الفسيح الذاخر بالتنوع.
تجاهلت واشنطن حقيقة أن دولة الجنوب لا تحتمل مقومات الدولة فيما يخص التجانس القبلي والبوتقة الوطنية؛ إذ ليس كافياً لإنشاء دولة وجود أرض وشعب وحكومة فهذه هي عناصر الدولة المعروفة في علوم النظم السياسية ولكن بالمقابل هنالك عناصر أخرى مهمة فى مقدمتها مقدار التجانس وإمكانية التعايش بين القبائل دون اقتتال وبطريقة لا تعيق مسيرة الدولة ولا تؤثر على أمنها.
الآن بدأت نذر الصراع بين القبائل الجنوبية من القمة، حيث دخل الرئيس الجنوبي سلفا كير فى صراع مبكر للغاية مع نائبه د. رياك مشار ثم امتد الصراع لأمين عام الحركة الشعبية باقان أموم ثم شمل تعبان دينق وألور وكل واحد من هؤلاء القادة يمثل إثنية ومن ثم كل واحد من هؤلاء لديه قوات تدين له بالولاء فى الجيش الشعبي وهذا ما يقلق وسيظل يقلق واشنطن.
الأمر الثاني أن واشنطن اعتقدت أن بإمكانها – وفى نزهة سياسية عادية – أن تدير مصالحها فى دولة الجنوب بعيداً عن أي مؤثرات أمنية أخرى فالجنوبيين سيكونون فرحين بتحقيق استقلالهم وسيغضّوا الطرف عن ما قد تفعله واشنطن فى بلادهم وهذا صحيح ولكن نسيت واشنطن أن إمكانية إدارة مصالحها هي نفسها فى حد ذاتها فى ظل حالة عدم الانسجام القبلي مهمة مستحيلة، فالحرب الأهلية المرشحة للاندلاع فى دولة الجنوب سوف تقضي على أخضر ويابس مصالح واشنطن هناك وسيشمل عنصر النفط القاسم الأعظم المشترك الأكبر فى إدارة الصراع وقد يصل الأمر الى حد تدمير المنشآت النفطية حتى ولو اضطرت واشنطن لحراستها هي شخصياً، ففي النهاية فإن النيران حين تشب فى منطقة فإنها لا تتوقف ويمكنها أن تقضي على كل شيء.
الأمر الثالث أن واشنطن هي نفسها لعبت وتلاعبت بالقضية الجنوبية مبكراً حتى قبل الانفصال حين أخرجت -بطريقة أو بأخرى- الزعيم الجنوبي الراحل د. جون قرنق من اللعبة فى حادثة تحطم طائرته المريبة فلو كان هناك قائد بإمكانه لمّ شمل الجنوبيين وإدارة قضاياه مع السودان بحنكة فهو الدكتور قرنق الذى ربما كانت تقديرات الذين أخرجوه من الملعب مبكراً أنه يمثل خطراً على مصالحهم فى المستقبل ولكن هاهو الخطر الآن يأتي إلى واشنطن من حيث لم تحتسب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق