الاثنين، 7 أكتوبر 2013

"العربية".. عندما يصبح القرف "قناة"

إلي قناة العربية لجأ بعض المشاهدين مضطرين نسبة للتشويش المعتمد علي قناة الجزيرة.. ووجد المشاهدين الفرق الواسع بين قناة محترمة ومحايدة ومهنية قياساً بقناة العربية.
ولدي كثيرين قناعة بأن رسالة ومنفيستو قناة العربية مكتوب في تل أبيب.. وأن استهدافها لثورات الربيع العربي الحقيقية سواء في تونس أو مصر أو اليمن يصب في مصلحة إسرائيل.. فليس هناك من دولة ارتجفت من رأسها الي أخمص قدميها من الربيع العربي مثل إسرائيل.. لقد بكت تل أبيب علي مبارك وعهده ورجاله.. بالدم بدل  الدمع.. ومثلها كانت تفعل قناة العربية.
إن الذي يري التغطية السالبة للقناة للشأن المصري طوال عهد مرسي يكاد يوقن بأن لهذه القناة ثاراً شخصياً ضد كل ما هو إسلامي.
وتحولت التغطية بعد عزل الدكتور مرسي إلي ما هو  أسوأ من القرف.. وبدت الشماتة والتحريض  والتحرش سمة ملازمة لشاشة القناة التي أسفرت عن وجهها الحقيقي بلا مساحيق ولا رتوش.
ثم لما هدأت الأمور بمقياس العربية في القاهرة.. حولت اهتمامها جنوباً.. من خلال  تغطية لأحداث ما قبل رفع الدعم وزادت سعاراً بعد تفجر الأحداث وكانت العربية تكاد تفرك يديها سعادة لكل حادث يؤذي السودان.
وإليكم فحوي الرسالة التي تريد العربية أن تؤذي بها البلاد حكومة وشعباً.
العمل علي تأجيج روحية الحرب وإحباط المعنويات للجيش السوداني.. إبراز تنامي الصراع المذهبي بالبلاد.
فضلاً عن إيراد العربية أخباراً كاذبة من أصلها حيث تعمدت قبل عام تقريباً التركيز علي خبر من كوستي يفيد بأن النائب الأول اضطر لمغادرة إستاد كوستي بعد اندلاع عنف  كلامي في وقت لم يغادر فيه الأستاذ علي عثمان مدينته الخرطوم بالأساس.
وفي خضم الأحداث الأخيرة قامت القناة عمداً بتجاهل أخطر خطاب للرئيس البشير ولكنها ركزت علي وجود انتفاضة حقيقية وسلمية لآلاف من جماهير العاصمة تمثل ضربة البداية للربيع العربي في الخرطوم أو هكذا تتوهم العربية كذباً وبهتاناً.
وفي حيث انشغلت قناة العربية بتضخيم أعداد الضحايا والمصابين غضت الطرف عامدة عن أحداث التخريب والحرق وترويع الأبرياء.
وطفقت القناة وهي تجد لنفسها استراحة  من عناء التغطية والتعمية علي أخبار البحرين والمنامة بالتركيز علي الخرطوم وأبو حمامة.. وكانت تعمي تماماً من أي حرائق بدوار الغزالة في البحرين ولانشغال بما يجري بين النيلين.. وكلنا ندعو أن يحفظ الله البحرين وبلاد النيلين من كل سوء.
قناة العربية تبحث عن انتفاضة في الخرطوم بأي ثمن ولذلك تتجاهل بشكل مخجل إعطاء أي فرصة لأي رأي منصف أو توجه وطني شريف.. وتمنح الفرص تباعاً للمعارضين ممن يسرها أن يسمعوها أحاديث الانتفاضة الظاهرة والثورة الكاسرة والإنقاذ التي تستعد لمصير أحبابها بن علي ومبارك والقذافي وشاويش اليمن.
إن انفجار أي إطار لركشة بأم درمان يعني إطلاق الشرطة رصاصها علي الضحايا.. وأي صوت احتراف للوقود داخلي لسيارة بنزين بالخرطوم تعني إطلاق نار كثيف بالقيادة العامة.
وكأن الشعب السوداني الذي نال استقلاله منذ العام 1956م بحاجة الي ظهور قناة العربية مطلع الألفية لتعطيه دروساً بالعصر في فنون العمل الثوري الذي لا تعرف عنه إلا كما تعرف البقر عن علم الهيئة والعروض.
إن ثقتنا بلا حدود في حكومة المملكة العربية السعودية الداعم الأهم لهذه القناة.. ونري أنها لا تشرف المملكة في كثير ولا قليل.. وقد أحسن أبو ملاذ حين نصح في مقابله بعدد الأربعاء بأن تغير العربية اسمها إلي مسمي آخر حتي لا نكره أسماً نحبه من أجل سواد عيون الأستاذ العمير وقناته التي يسميها أهل السودان بغير اسمها أسوة بتلك الصحيفة التي كان يعمل بها ويسميها أهلها أنفسهم خضراء الدمن.

قناة العربية.. والقرف

مثل كثيرين سعدت بانطلاق قناة العربية عساها لتكون مع نظيرتها الجزيرة في قطر جناحين يحلق بهما الإعلام العربي من قبضة الإعلام الحكومي.. إلي رحاب المهنية والحرية وشرق المهنة.
وعلمنا لاحقاً أن إطلاق العربية جاء عملاً ضاراً وضراراً لمهنية الجزيرة وصدقيتها وصيتها الذائع.
ويمكن للمرء أن يلاحظ  الفارق شاسع والمدى واسع بين قناة الجزيرة ونظيرتها العربية. فرق في المهنية وفرق في الحيادية.. ومساحة الحرية.
وظلت العربية لزمن طويل برغم التمويل الهائل والميزانية المفتوحة تكابد للوصول إلي عقول المشاهدين في بلدان الخليج والمنطقة العربية.. فقد ظلت برغم سمتها وادعاء الاستقلالية مجرد أداة حكومية لا فرق بينهما وبين أي قناة فضائية خليجية برغم كل المساحيق والجمال اللبناني والأزياء شبه الفاضحة.
وصلت قناة الجزيرة الي كل بيت في المعمورة فمن لم يصله البث العربي وصلته الجزيرة الإنجليزية مع بقناة رائعة من القنوات التوثيقية والرياضية.. وسرقت بذكاء شديد كل جمهور قنوات (أي.. آر...تي) السعودية وصار شعار الجزيرة هو الأشهر علي الإطلاق وتفوقت علي (بي بي سي) الفضائية ووضعت (سي إن إن) خلف ظهرها.
وهذا الموقع المتقدم الذي وصلته الجزيرة سينقضي عمر الصحفي الفاشل (العمير) ولا تبلغ العربية ربعه.
بتجربة فطيرة في جريدة الشرق الأوسط ومجموعة هشام ومحمد علي حافظ والتي آلت من بعد إلي أحد شيوخ النفط يحاول الصحفي المغمور عثمان العمير أن يضع قناة العربية ضمن أندية القنوات ذات المشاهدة العالية.
وبدعم مالي كبير وتأييد من حسني مبارك وبن علي وكل عملاء أمريكا ووكلاء إسرائيل بالمنطقة تقدمت العربية خطوة علي الطريق.. خصوصاً بعد أن مهد الحلف المناوئ للديمقراطية بالمنطقة الطريق لقناة العربية وذلك عبر التشويش الهائل والمنظم الطريق علي  قناة الجزيرة.. برغم كل محاولات تبديل الترددات.. ولأن صاحب الحاجة أرعن فإن حاجة المشاهد العربي للأخبار جعلته يلجأ مرغماً ومضطراً لقناة العربية... مع علم المشاهد العربي من الخليج الهادر للمحيط الثائر بأن هذه القناة هي رأس الرمح في إسقاط ثورات الربيع العربي وهي الفصيل المتقدم في الدفاع عن البقية الباقية من الدكتاتوريات والطغاة.
قناة العربية هي قلعة الدفاع عن حسني مبارك والبلطجية وبن علي وكل العملاء والوكلاء لإسرائيل وأمريكيا بالمنطقة.

الأحد، 29 سبتمبر 2013

قوة الحق، حق القوة.. أيهما أقوى؟

بصرف النظر عن كل شيء، فقد نجح السودان الأسبوع الماضي فى حشر واشنطن – بكل صولجانها وقضّها وقضيضها فى زاوية حرجة للغاية، حين قرر الرئيس البشير أن يطأ أرضها ويحل ضيفاً على المبنى الزجاجي الأنيق فى نيويورك التابع للمنظمة الدولية.
الرئيس البشير كان يمارس عملاً من أعمال السيادة الوطنية يلامس به سيادة الدولة الأمريكية، ذلك أن الولايات المتحدة الدولة العظمى التى لم تكف عن إمساك الأوراق وتسديد الضربات لخصومها، خاصة فيما يعرف بدول العالم الثالث لم تكن تدري أن (ضربة حرة مباشرة) كانت باتجاه شباكها، ومرماها، على أرضها وبين جمهورها.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يكن فى حاجة لما يزيد من (تعاسته) وهو يلعق جراح إجهاض الضربة السورية، وجراح أحداث مبنى المشاة البحرية (المارينز) فإذا بالسودان هو الآخر يضع أمامه خيارين لا ثالث لهما؛ أما منح التأشير –وفقاً لمقتضيات القانون الدولي والاتفاقية الموقعة مع الامم المتحدة بهذا الخصوص، ومن ثم خسران واشنطن (لورقة لاهاي) التى ما انفكت كل ما اهترأت تعيد تجديدها وخسران العالم الغربي بأسراه؛ وإما الامتناع عن منح التأشيرة ومن ثم الدخول فى (نزاع جانبي خطير) مع الامم المتحدة بمخالفة واشنطن الصريحة للاتفاقية الموقعة بين الطرفين.
لعلها المرة الأولى فى تاريخ الدولة العظمي التى تجد نفسها أمام خيارين فقط، كل خيار بمذاق مرارة الآخر. ولعل سائل قد يسأل عما إذا كان السودان يهدف الى هدف معين من وراء هذا الموقف.
بالطبع الإجابة نعم، فلو لم يكن للسودان هدف من وراء كل هذا الموقف ووضع واشنطن فقط فى هذا المأزق كفاه ذلك هدفاً نبيلاً تسير بقصته الركبان... ولكن السودان حقق عدة أشياء من وراء هذا الموقف نوجزها في:
أولها أنه أعطى واشنطن (درساً) فى القانون الدولي، ومن المؤكد أن أساطين القانون الدولي فى جامعة هارفارد يعكفون الآن على قراءة القصة المثيرة فى محاولة للخروج (برؤية مستقبلية) هي دون شك مربكة ومحيرة!
الأمر الثاني أن السودان (تحدى) واشنطن عملياً في عقر دارها بأنه قادر على أن يطأ أرضها دون أن تملك المساس به، إذ بصرف النظر هنا عن كل ما ترتب على الموقف فإن الرئيس البشير أثبت لواشنطن أنه -عملياً وفعلياً- لا يخشى منها لا ومن حلفائها طالما أنها دولة عظمى (ظاهراً) ولكنها أصغر من ذلك بالنظر الى القانون والعدالة.
الأمر الثالث أن السودان انتزع حقوقه انتزاعاً من  العالم وهو يؤكد على أن من حق الرئيس المشاركة فى كافة المحافل الدولية كحق أصيل يمارسه بنفسه ويتمنع عن ممارسته لتقديرات تخصه، وهذه النقطة الأخيرة شديدة الأهمية لأن الاعتقاد الذى ساد لسنوات أن دول القارة الأفريقية لا تستطيع الدخول فى تحدي مع الدولة الكبرى، عليها فقط أن تنصت وتقبل وتتقبل .
إن المشهد الذي خلفته هذه الواقعة الجليلة لن ينسى، فالسودان -بقوة الحق- أقوى مئات المرات من الولايات المتحدة بحق القوة!

الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

الوطني يشدد على إنفاذ البرنامج الإصلاحي الاقتصادي حزمةً متكاملةً

أقرَّ المؤتمر الوطني بأن الاقتصاد السوداني يمر بمرحلة حرجة، مشدداً على ضرورة إنفاذ البرنامج الإصلاحي حزمةً متكاملةً لإعادة الاقتصاد السوداني لسابق عهده، وحذَّر من تجزئة التنفيذ، في وقت استعجل فيه المالية اتخاذ إجراءات تقشفية لخفض الإنفاق الحكومي. وفي غضون ذلك هاجمت الخبيرة الاقتصادية عابدة المهدي المالية واتهمتها بالتسبب في التدهور الاقتصادي، لافتةً لفشلها في إدارة عائدات البترول وإهمالها الزراعة والصناعة.
وقال محافظ بنك السودان السابق القيادي بالوطني صابر محمد الحسن في ندوة الإصلاح الاقتصادي أمس  بقاعة الشارقة، إن برنامج الإصلاحات الاقتصادية برنامج شامل يستهدف استعادة الاستقرار وتحريك القطاع الحقيقي ويشمل سياسات مالية ونقدية، بجانب سياسات اجتماعية لتوفير حماية للفئات الضعيفة في المجتمع.
ومن جهته قال أمين الأمانة الاقتصادية بالوطني حسن أحمد طه، إن التدهور الأمني جزء أساس في القضية، الأمر الذي جعل الإنفاق الحكومي يزداد وينخفض خاصة في منطقة النيل الأزرق وجنوب كردفان، بجانب الاعتداء على هجليج وأبو كرشولا.
وفي ذات الاتجاه بدأ المؤتمر الوطني في العد التنازلي استعدادًا للانتخابات العام «2015» وكشف أنَّ عملية البناء سوف تبدأ مطلع العام المقبل فيما توقَّع البداية الحقيقيَّة في شهر أبريل في نفس العام فيما استبعد أن تؤثر الإصلاحات الاقتصاديَّة التي أقرَّتها الدولة في أعداد عضويته، وقال إنه يثق في وطنيَّة الشعب السُّوداني.
وأكَّد رئيس القطاع التنظيمي بالوطني مهندس حامد صديق عقب اجتماع القطاع أمس أن قضيَّة الإصلاحات الاقتصاديَّة قضيَّة وطنيَّة ولذلك تم عرضها على كل القوى السياسية، وحول موقف حزب الأمة قال: الرأي الفني موافق على الإصلاحات غير إن الرأي السياسي يختلف معنا ورأى ضرورة معالجة الاقتصاد كحزمة واحدة في كل محاورها وشدَّد على أن رفع الدعم يجب أن تصاحبه المعالجات وتطبَّق معه في وقت واحد

لماذا عادت جوبا مسرعة لأحضان الخرطوم؟

نجح الرئيسان الجنوبي سلفا كير والسوداني البشير فى وضع لبنة بناء علاقات واقعية على الأقل بين بلديهما فى الزيارة الأخيرة للرئيس ميارديت الى الخرطوم فى الثالث من سبتمبر 2013، ولعل من مفارقات القدر أن الزيارة تجيء قبل أن يكتمل عام – فى السابع  العشرين من سبتمبر الجاري – على ما عُرف فى تاريخ البلدين باتفاقية التعاون المشترك الموقعة فى 27 سبتمبر 2012 بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
ويوم أن وقعت اتفاقية التعاون المشترك بين الرئيسين كان الأمل داعب كليهما فى علاقات وثيقة قائمة على التعاون والاحترام المتبادل لعلاقات حسن الجوار، ولو كان للبلدين حسن حظ وقتها لكانت هذه الزيارة احتفاءً واحتفالاً باستكمال كافة مشاكلهما لعام كامل قبل أن تندفع جوبا باتجاه الخرطوم باحثة عن آفاق جديدة لعلاقتها بها فى مقدمتها قضية النفط أحد أهم ما ركزت عليه.
نجاح الرئيسين كير والبشير فى اللقاء فى حد ذاته كان مؤشراً على رغبة وإرادة البلدين فى حلحلة قضاياهما، فلأول مرة تسبق الزيارة عملية تحضير جيدة عبر وفد المقدمة الذى رابط فى الخرطوم ليومين، قطع فيهما فى العديد من القضايا والملفات المهمة بين الدولتين.
عملية التحضير وفقاً لمصادر تحدثت لـ(سودان سفاري) فى الخرطوم كانت بناءة ومختلفة تماماً عن عمليات التحضير السابقة ففي السابق كان غلاة المتشددين فى الحركة الشعبية يبالغون فى الأمور ويعملون على وضع القنابل الموقوتة فى طريق التعبيد، وحين يلتقي الرئيسان فإنهما يتفاجآن بأن الأمور ليست كما ينبغي.
لقد خادع الأمين السابق المقال للحركة الشعبية باقان أموم كثيراً ورتب لأمور بينما بلاده تفكر فى أمور أخرى الأمر الذي أدخل علاقات البلدين فى نفق مظلم. الزيارة الجنوبية الى الخرطوم وإن كانت قصيرة الوقت -ليوم واحدة- مع أنها كانت مقررة أن تستمر ليومين استطاعت أن تضع كل خلافات البلدين تحت المنشار، إذ ليس هناك فى العلاقات الدولية ما يمكن أن يستعصي على الحل طالما توفرت الإرادة السياسية لكل طرف فإلى أي مدى يا ترى توفرت الإرادة السياسية لطرفين هذه المرة؟
بلا شك كان الطرف الذى تعوذه الإرادة السياسية دائماً عن الطرف الجنوبي. الطرف الجنوبي نفسه لم تكن تعوذه الإرادة السياسية بقدر ما كانت تتلاعب به أهواء سياسية غير منطقية من شاكلة تمكين قطاع الشمال من الوصول الى السلطة ليسهل الحل.
لم يكن سراً أن مساعدي الرئيس الجنوبي أمثال أموم ودينق ألور كانوا يزينون له أن الحل السهل للقضايا الخلافية بين البلدين لا يتم مع الحكومة الحالية، إذ يجب أولاً إسقاط هذه الحكومة عن طريق دعم الحركات المسلحة ومن ثم يكون سهلاً سواء في ما يخص الحدود أو المناطق المتنازع عليها مثل أبيي والنفط الاتفاق مع سلطة وثيقة الصلة بالحركة الشعبية الجنوبية.
الآن مضى عامان على هذه المحاولات ولم تنجح وقد جربت جوبا كافة أشكال الدعم للحركات المسلحة ولكن لم ينجح مخططها فى بناء تحالف قوى يطيح بالحكومة السودانية ويحل محلها، ولهذا فإن الإرادة السياسية لجوبا لم تتوفر هذه المرة فحسب بقدر ما أنها صارت لديها قناعة بأن الطريق الى الحل هو بإلتقاء الجانب السوداني والتعامل مع السلطة الحاكمة الحالية بقدر من الصدق والجدية.
السودان من جانبه –مع إدراكه لهذه الحقيقة– سعى لكي يسهل مهمة جوبا فى الخرطوم حيث جرت عملية تمديد لإمدادات النفط وتصديره مما أرضى جوبا وأشعرها أن بالإمكان الاتفاق والتوافق!

طه والشباب .. هل آن أوان التغيير؟!

التصفيق الحار والهتافات الداوية التي قابل بها الشباب اول من امس تأكيدات النائب الاول لرئيس الجمهورية باتاحة الفرصة لهم لتولي المواقع القيادية بالدولة ،وقوله»عندما نتحدث عن التغيير والتجديد واتاحة الفرصة للشباب فهذه ليست مناورة ،انها قناعة،إنها قناعة،إنها قناعة»..يوضح ان نفوس الشباب تهفو نحو تغيير حقيقي يعبر بالبلاد من ازماتها الراهنة ،وترديد النائب الاول لمفردة قناعة ثلاث مرات يؤكد ان قيادة الدولة تدرك حتمية التغيير لانقاذ مايمكن انقاذه.
وبعيدا عن جدلية التغيير في منهج الحكم ام الوجوه ،كل المؤشرات والمعطيات تذهب ناحية ان شكل الدولة السودانية واسلوب ادارتها سيختلف في الفترة المقبلة عما كان عليه خلال العقدين الاخيرين ،ليس لارتفاع اصوات شباب الحزب الحاكم الناغمة،ولا لبروز تيارات اصلاحية داخل المؤتمر الوطني وحسب ،بل لأن الازمات التي تمر بها البلاد اوضحت بحسب القوى السياسية المعارضة انها تعود للنهج الخاطئ لحكم الاسلاميين ،والذي كشفت قيادات في الحركة الاسلامية بانه بات من الماضي ولابد ان يطاله التغيير بعد ان افرز الكثير من السلبيات والقليل من الايجابيات، ويعتقد مراقبون ان الحكومة والمؤتمر الوطني وصلا لقناعة ان متطلبات الوضع الراهن بالبلاد يحتم اجراء مراجعات تتبعها معالجات حقيقية.
وكان النائب الاول لرئيس الجمهورية قد وعد في الندوة الفكرية التي اقامها الاتحاد الوطني للشباب السوداني باتاحة الفرصة امام الشباب لتولي المواقع القيادية بالدولة في اطار التغيير والتجديد الذي دعت له قيادات المؤتمر الوطني ، وزاد» نقولها بكل صدق وصراحة بكم ومعكم نشيد المستقبل وسنكون سندا ودعما ،والمواقع متداولة ،وغدا ستأخذون مواقعكم ،حيث الان نحن موجودون،وقال»وعندما نتحدث عن التغيير والتجديد واتاحة الفرصة للشباب فهذه ليست مناورة ،انها قناعة،إنها قناعة،إنها قناعة».
والفرحة الكبيرة التي قابل بها الشباب تأكيدات النائب الاول لرئيس الجمهورية، يصفها المحلل السياسي محمد علي اونور، بالحقيقية ويراها رسالة واضحة للقيادة العليا للدولة والحزب الحاكم تشير الى ان المرحلة المقبلة تحتم منحهم المزيد من الفرص حتى يتمكنوا من الاسهام في تغيير الواقع الذي تمر به البلاد، وزاد»وفرحتهم تعني ايضا انهم غير راضيين عن الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تمر بها البلاد والتي تحتم حسب رؤية الشباب ان تكون هناك اصلاحيات حقيقية».
مشاركة الشباب وهي بطبيعة الحال تتعلق باولئك المنتسبين للحزب الحاكم ، وبرغم التأكيد على انها ستصبح واقعا ، الا ان هناك من يستبعد حدوثها بالشكل الذي ينشده الشباب ،ليس لانها ربما تشهد مقاومة من الحرس القديم ،ولكن لأنها ستبعد وجوها ظلت تسيطر على مقاليد الامور بالدولة والحزب منذ المفاصلة الاولى في الرابع من رمضان نهاية العقد الماضي ،معتبرين ان حدث مثل هذا اذا وقع ستترتب عليه الكثير من التوابع التي لا يمكن التنبوء بمالاتها.
ويشكك المحلل السياسي الدكتور صلاح الدين الدومة في موافقة الحرس على ترك السلطة ،متوقعا ان يعملوا على مقاومة كل خطوة تصب في هذا الاتجاه ،ويعتقد الدومة في حديث «للصحافة» ان تنزيل المبادرة على ارض الواقع تتوقف على رئيس الجمهورية ومدى ارادته في اصلاح حقيقي يضع حدا لمشكلات السودان ،ويتوقع البروفسير الدومة ان يعمل الحرس القديم على اجهاض المبادرة بشتى السبل خوفا على السلطة، وقال ان هناك من له مصالح في استمرار النظام بوضعه الراهن.
بالمقابل يعتبر المحلل السياسي محمد علي اونور ترديد النائب الاول لمفردة قناعة فى حديثه عن التغيير والتجديد «ثلاث مرات» تعبير عن توصل الحزب الحاكم الى ان قناعة الاصلاح وتغييرالنهج الذى تدار به البلاد، اصبح خيارا مقدسا مثل التقديس الذى عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم تجاه الام بتكريره كلمة «امك ثلاث مرات» كما ورد فى الحديث الشريف، وقال اونور ان الحزب الحاكم لم يعد امامه غير طريق واحد وهو احداث تغيير جذري واتاحة الفرصة امام الشباب.
الا ان هناك من يرى ضرورة اقتصار مشاركة الشباب على نسبة لاتتجاوز 25% في اجهزة الدولة ،وذلك لضعف خبرتهم وافتقادهم للحكمة واندفاعهم ،وهذا مايشير اليه المحلل السياسي الدكتور عبده مختار ،والذي رغم تأكيده على ضرورة اشراك الشباب من اجل اكتسابهم لخبرات العمل التنفيذي،الا انه وفي حديث «للصحافة» يؤكد اهمية مواصلة بعض من يصنفون في خانة الحرس القديم للاستفادة من خبراتهم، واعمالا لمبدأ عملية تواصل الاجيال ،وقال انه يفضل الدفع بالقيادات الوسيطة التي تنحصر اعمارها بين العقدين الرابع والخامس ،والا تتجاوز نسبة مشاركة من هم دون الاربعين ال 25%،ورغم ذلك يعتبر المحلل السياسي ان الشباب اقرب لضمير الشعب وانهم على ادراك عال باتجاهات الرأي العام ،وزاد: هم يختلفون عن القيادات التي انعزلت عن الجماهير وباتت كأنها في ابراج عاجية ،والدفع بالشباب يجب ان يأتي متدرجا حتى يمكن ان يسهموا في احداث التغيير المنشود.

(تخالف) المعارضة... عطاء لتوريد قادة جدد..!!

لا زال الخلاف بين مكونات ما يسمى بتحالف قوى الإجماع المعارض هو سيدا للموقف وتتجدد مظاهر هذا الخلاف يومياً بشهادة قادة المعارضة أنفسهم وآخر تلك التصريحات والإعترافات ما جاء على لسان رئيس حزب الامة القومي في مؤتمره الصحفي الأخير حين قال أنه لا يوجد تنسيق ولا مشاورات مع تحالف الإجماع الوطني فيما يتعلق بالمواقف المختلفة.
وبحسب الشواهد فإن خلافات عميقة تعتري المعارضة السودانية، تتفاوت ما بين الضعف التنظيمي الذي تعاني منه الأحزاب التقليدية، الأمة والاتحادي، وعدم تجاوب الشعب السوداني مع الأحزاب اليسارية، الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي، بسبب تأصل المكون الديني وسط الشعب، إضافة إلى عدم شعبية المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه حسن الترابي،

ويعزو البعض الاختلاف وسط مكونات المعارضة إلى اختلاف الرؤى حول كيفية إسقاط النظام تارة، وحول شكل الحكم الجديد الذي يجب أن يسود بعد انهيار النظام الحالي. وبالعودة إلى علاقة حزب الأمة بأحزاب التحالف، نجد أن هناك اختلافات أساسية بين الجانبين، ومرارات تاريخية وصلت حد وصف المهدي للمعارضة بالعجز والفشل، مما دعا بعض قادة الأحزاب إلى محاسبة المهدي كما فعل حزب "البعث"، وهو ما لم يتم؛ لأن بعض قيادات التحالف حاولت لملمة الخلافات والمضي قدما، كما أن بعضها كان يريد الحفاظ على حزب الأمة حتى يظل في منظومة الأحزاب المعارضة.

إلا أن البعض يرى أن ما يحدث من صراع بين الجانبين هو مجرد خلاف "شكلي"، خاصة فيما يتعلق بالاختلاف حول وسيلة إسقاط النظام. إلا أن آخرين يؤكدون أن ما يبرز من صراع بين التحالف وحزب الأمة القومي ليس بعيدا عن صراع داخلي يتم داخل الحزب نفسه، ومن ثم تصل إفرازاته إلى جسم التحالف، ودللوا على ذلك بالخلافات التي تظهر بين الفينة والأخرى حول من يشغل منصب الأمين العام للحزب.

ويقول مراقبون أن التجربة اثبتت أن المعارضة لا تزال تعاني من مشكلة جوهرية واحدة، وهى كيف تقود نفسها. وفقدان القائد الملهم والمجمع عليه ففي أحزاب قوى الإجماع وقد إمتدت بها سنوات العمر لم تستطع حتى الآن أن تستقر على قيادة بعينها؛ ويشهد على ذلك التنازع الأخير بين فاروق أبو عيسي و الصادق المهدي ثم عاد فاروق نفسه لينازع هالة عبد الحليم ثم محاولة أحزب اليسار أن تتسيد قيادة المعارضة ولكن لم يُكتب لها النجاح حتي الآن، بحيث يمكن القول إن قوي الإجماع هذه عاجزة عن الاجماع على قيادة أو حتى هياكل قيادية أو نظام سياسي أو برنامج سياسي أو الحد الأدنى من الرؤية الوطنية التى يمكن أن تجمع بينهم.فالوقائع والشواهد السياسية إذن نحن أمام داء سياسي فتاك يعبث بأجساد هذه المكونات السياسية فى السودان والتي تعاني أول ما تعاني من وحدة الهدف ووحدة القيادة وإنعدام السند الجماهيري، لهذا فإن من غير المنظور ولعشر سنوات قادمة أن تحقق هذه القوى المعارضة أدني قدر من ما تهدف إليه. والواقع يقول أن أحزاب المعارضة غير قادرة على توحيد نفسها، وقد رأينا كيف ماتت جبهة الخلاص الوطني التى كُونت قبل نحوٍ من ثلاثة أو أربع سنوات بقيادة أحمد إبراهيم دريج، وحركة العدل والمساواة، وبعض الحركات الدرافورية المسلحة، كما رأينا كيف ماتت الجبهة العريضة التى روّج لها قبل نحو أربعة أعوام على محمود حسنين فى العاصمة البريطانية لندن، وأعطاها زخماً وكأنها الطوفان القادم لاقتلاع السودان بأسره وليس فقط الحكومة السودانية ؛ فهذه المسميات لا تعدو كونها مسميات وهياكل فارغة وهشة، ومن السهولة بمكان أن تهتزّ فى أول اختبار لها. إذناً فأزمة التحالفات المعارضة فى السودان إنها قائمة على الأحلام وقدر من الأوهام، وفى نفس الوقت تستهين بالسلطة الحاكمة ولا تضع اعتباراً لرأى المواطن السوداني الذى يتمتع بقدر مهول من الذكاء ولديه الخبرة الكافية بشأن هذه القوى المعارضة التى جرّب معظمها الحكم وأخفق وفشل، ومن الصعب أن يمنحها المواطن السوداني الثقة التى نزعها عنها.

وبعد مرور نحو أربعة وعشرون عاما من قيام ثورة الإنقاذ ورغم مرور مياه كثيرة وتحولات سياسية عديدة جرت تحت جسر الإنقاذ لا زالت المعارضة تضع خطط إسقاط الحكومة على الورق، وعبر نقاط محددة ويجري التداول فيها في اجتماع حزبي معلن! ولعل الأمر الغريب في هذا الصدد، أن المتحدث باسم البعث محمد ضياء قال أن هناك آلية جرى تضمينها في خطة الإسقاط بغرض استخدامها في عملية الإسقاط لم يكشف عنها هل هي آلية سلمية سياسية أم عسكرية؟

إذاَ فالتجارب والمواقف تذهب إلى القول بأن السودانيين أياً كانت مواقفهم من الحكومة الحالية ، لازالوا يتندرون بمواقف المعارضة السياسية الضعيفة ، وآخرها موقف بعضاً منها المؤسف عقب هجوم دولة الجنوب واعتداءها على الأراضي السودانية ، عموماً فالتجارب والمواقف تقول إن قادة المعارضة لا تزال في مرحلة المراهقة السياسية الراشدة رغم بلوغ كثير من قادتها من الكبر عتياً ، ولكأن أهداف هؤلاء القادة هي فقط إعداد خطط إسقاط الحكومة وعرضها نهاية كل شهر مع إمساكهم بطرق إسقاط حكومة تضم أكثر من (14) حزباً سياسياً؟!