الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

آخر أحلام المعارضة.. الاستثمار فى الأمطار!

مع أن مستوى أداء المعارضة السودانية طوال ربع القرن المنصرم أداء شديد التواضع بحيث أزهد الكثيرين فى الحديث عن المعارضة، إلا أن قوى المعارضة ما تزال ترفد الساحة السياسية فى كل يوم بجديد أكثر إثارة للشفقة والحزن!
إذ أنه وبُعيد الأمطار الكثيفة التى هطلت فى أجزاء متفرقة من السودان وألحقت أضراراً بالمواطنين والمنازل والمنشآت العامة طالبت قوى المعارضة الحكومة السودانية بالاستقالة!
كمال عمر الأمين السياسي للشعبي ومسئول الإعلام فى تحالف المعارضة قال إن على الحكومة السودانية أن تستقيل جراء ما لحق بالبلاد من أضرار سببها السيول والفيضانات!
ومن المؤكد أن مثل هذه المطالبة -البائسة واليائسة- هي فى حد ذاتها تعبير واضح عن مدى عجز وضعف المعارضة رغم كل تحالفاتها المختلفة بحركات مسلحة، فقد انتقلت فجأة من خانة إسقاط النظام بشتى السبل الى خانة مطالبته بالاستقالة!
هذا الانتقال لم يثر أدنى قدر من الحياء لدى القوى المعارضة، فهي من الأساس سعت ولا تزال تسعى لإسقاط النظام، ووصل بها الحال فى بعض الأحيان الى درجة (التحضير لمرحلة ما بعد الإسقاط) أما الآن فهي تطالب باستقالته! والمطالبة بالاستقالة سببها - حسب هذه القوى - هو فشل الحكومة السودانية فى درء آثار الأمطار!
إن السودان ليس استثناء من العديد من دول العالم التى تضربها مثل هذه الكوارث من حين لآخر. الولايات المتحدة الدولة العظمى والأنموذج الأسطع فى كل شيء ضربها أكثر من فيضان وألحق بها أضرار لا أول لها ولا آخر على الرغم من أنها – بأجهزة الرصد المتقدمة – استعدت وأعدت العدة لمواجهتها، فهذه الكوارث طبيعية – من السماء الى الأرض، لا مجال فيها لإلقاء اللوم على أحد.
الصين عانت من ذات الشيء، واندونيسيا هي الأخرى واجهت مصيراً مشابهاً؛ وهكذا ففي كل عام هنالك بلدان تسقط ضحية لكوارث طبيعية والسودان شأنه شأن الدول التى واجهت هذه الكوارث يعمل فى حدود إمكاناته على التخفيف منها ودرء آثارها.
صحيح أن هنا وهناك بعض الأخطاء الهندسية فى مجال تصريف المياه، وصحيح أيضاً أن بعض الإنشاءات لم تكتمل بالسرعة المطلوبة مثل مشروعات الصرف الصحي، ولكن بالمقابل ما من شيء يمكن فعله إزاء كارثة طبيعية ماحقة كهذه، كما لا يمكن إلقاء اللوم على الحكومة السودانية وحدها وهناك الآلاف من المواطنين الذين يفضلون السكنى فى المناطق المنخفضة ومجاري السيول.
والغريب هنا، أن السلطات السودانية حين تمنع ساكني المنخفضات -عشوائياً- من السكنى فيها فإن الصحافة السودانية تنبري للدفاع عن المواطنين وتملأ صفحات الصحف بقضايا حقوقية وإثارة واسعة النطاق إنّ من حق هؤلاء المواطنين التمتع بحق السكنى!
إن كان هنالك من إهمال فى بعض الجوانب، فهو ليس إهمال السلطة الحاكمة وحدها، هناك الآلاف ممن يتحمّلون المسئولية جراء تشييدهم لمنازلهم -دون تصديق من السلطة المرخصة- فى مجاري السيول، وكلنا يعلم أن هذا الأمر ظل يتكرر فى حالات مشابهة عديدة، فما أن ينجلي الخريف ويعود كل شيء الى طبيعته حتى يسارع المواطنين لتشييد مساكنهم فى ذات المكان.
إن على المعارضة السودانية أن تستثمر -إن أرادت الاستثمار- فى قضايا وطنية جادة عميقة، لا أن تستثمر فى الأمطار!

من عملَ على إنهيار وتدمير دولة الجنوب؟

من الطبيعي أن يلجأ الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت لاتهام السودان بالسعي لانهيار دولة الجنوب، فالرجل يتعامل بذات عقلية التآمر التى أدمنها ضد السودان منذ تسلمه السلطة فى جوبا.
عملت حكومته طوال أكثر من عامين على زعزعة استقرار السودان. قدم دعماً تجاوز المليار دولار للقوى السودانية المسلحة الناشطة ضد الخرطوم، هاجم منشآت نفطية فى منطقة هجليج وألحق خسائر بمئات الملايين من الدولارات.
احتلت قواته ثلاثة مناطق غير متنازع عليها بين الدولتين. الرئيس الجنوبي فعل كل ذلك على أمل أن ينهار السودان وينفتح الطريق واسعاً أمام حركته الشعبية لتحكم الخرطوم وبذا تصبح جوبا قد كسبت الدولتين بضربة واحدة.
الرئيس كير عرقل تنفيذ اتفاقيات التعاون المشترك بين الدولتين لأكثر من عام خلا، كان يمكن أن تكون هذه الاتفاقيات حتى الآن قد حققت الكثير للدولتين. نعم لقد فعل الرئيس كير كل ما هو ضار بالسودان حتى ولو قال هو أو قال قائل إن (من هم حوله ممن انقلب عليهم الآن) هم الذين دفعوه الى ذلك فنحن هنا أمام مسئولية مباشرة للرئيس فى دولة تتبع النظام الرئاسي الذى تتركز فيه السلطة التنفيذية فى يد الرئيس ونحن حيال دولة متخلفة ناشئة لتوها؛ الرئيس فيها هو صاحب القرار وفق العرف القبلي الذي الذى ما يزال يحكم وسيظل يحكم دولة الجنوب لعقود وقرون مقبلة.
دولة الجنوب ليست دولة مؤسسات حتى يمكن تجزئة المسئولية السياسية فيها بدليل أن الرئيس كير نفسه ولأسباب تخصه ولا تخص الموقف مع السودان، استطاع إقالة حكومته بأسرها بما فى ذلك نائبه د. رياك مشار، وبما في ذلك والي منتخب هو اللواء تعبان دينق حاكم ولاية الوحدة.
فعل الرئيس الجنوبي كل ذلك بين عشية وضحاها ثم أعمل سكينه الحادة فى جسم الحركة الشعبية نفسها فأطاح وقطّع أمانتها العامة وأطاح بأمينها العام باقان أموم. رجل فعل كل ذلك فى سويعات قمين بأن يكون مسئولاً مسئولية مباشرة وكاملة عن كل الأضرار التى ألحقها بالسودان فى فترة الثلاثة أعوام الماضية ولهذا وحين يعود الرئيس الجنوبي قد وجد نفسه (بين الحطام) لإلقاء اللوم على السودان فهو دون شك يهزأ بنفسه وبحكومته وحركته الشعبية.
يهزأ بها لأنه لو كان بوسع السودان أن يعمل على انهيار وتدمير الجنوب بهذه المهارة والسرعة لما انتظر ثلاثة أعوام عانى فيها السودان ما عاني من ظلم ذوي القربى الذين كانوا قبل أعوام قلائل جزء أصيل من نسيج السودان الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي.
إن انهيار دولة جنوب السودان المحتوم إن هو إلا نتاج سياسات ومواقف خرقاء اتبعتها حكومة الرئيس كير دون تبصر ودون نظر الى المستقبل وحين كُنّا نتحدث –لأكثر من ثلاثة أعوام – عن ضرورة انتباه الحركة الشعبية لما فعلته ضد السودان وأن الحريق الذى تشعله ربما يمسك بتلابيبها لم تكن جوبا تسمع أو تصغي أو ترى، كانت غارقة فى وهمها الجميل بأن مهمتها الثورية فى قضم ما تبقى من السودان باتت قاب قوين أو أدنى، ولم يكن الرئيس سلفا كير يهتمّ بما يجري مع أن النموذج الإثيوبي الارتري قريب منه فالدولة الأم هي الأرسخ والأقوى دائماً من الدولة الوليدة.
ولذا فإن العبرة الآن ليست بما حدث من خلاف وصراع على السلطة في الجنوب بذر بذرة دمار محتمل هنا، وإنما العبرة بما إذا كان الدرس قد أصبح بليغاً وملء سمع وبصر القادة الجنوبيين أم لا؟

الأحد، 4 أغسطس 2013

سلفا كير يشكل حكومة جديدة

شكل رئيس جنوب السودان سيلفا كير الذي أقال كل أعضاء حكومته الأسبوع الماضي، حكومة جديدة أمس ويبقى عليه تعيين نائبا للرئيس، حسبما جاء في مرسوم أذيع عبر الإذاعة الرسمية. ومن بين الوزراء الجدد حاكم ولاية جونجلي المضطربة كول مانيانج الذي تولى حقيبة الدفاع، بحسب المرسوم.
وكان سيلفا كير صرح أمس الأول بأنه يعتزم تشكيل حكومة جديدة أصغر، وذلك بعد أكثر من أسبوع من قيامه بحل الحكومة السابقة. وقال كير “الحد من الوزارات في الحكومة سوف يوجد تعاونا ويسمح بتدفق الأموال لمشاريع التنمية ذات الأولوية كما سوف يتيح إدارة أفضل من جانب العاملين المخلصين”. وكان كير قد عزل نائبه ريك مشار بالإضافة إلى تجميد نشاط أمين عام الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان باجان أموم كما حل الحكومة بأكملها في 23 يوليو الجاري. ولم يحدد موعدا لتعيين حكومة بدلا منها. وردا على الاتهامات التي وجهت لكير بأنه أدى لإيجاد فراغ سياسي أشار إلى أن وكلاء الوزراء في الوزارات والشرطة والجيش والأجهزة الحكومية الأخرى ما زالوا يعملون.

وقال مشار أمس الأول “الرئيس كير هو الوحيد الذي يحكم البلاد وهو يتحول لديكاتور”. لكن سيلفا كير كشف أسباب إقالته مشار، مبيناً أنه طلب من الأخير الاستقالة، بعد انتقاده المستمر للحكومة، ولكنه رفض لذلك تمت إقالته، وشدد على أن إقالة الحكومة جاءت تلبية لطلب شعب جنوب السودان. وقال ميادريت في كلمته التي ألقاها، مساء أمس، في إطار احتفالات جنوب السودان بذكرى رحيل الزعيم الجنوبي جون قرنق، إن إقالة الحكومة كانت مطلباً شعبياً، وكثيراً ما كان يشكو أبناء الجنوب من وزراء هذه الحكومة، ويطالبون بإقالتها نظراً لأنها لم تحقق التنمية المطلوبة، ولم توفر متطلباتهم الحياتية.

ورأى أن تحقيق التنمية يتطلب أموالاً «لكن من أين نأتي بهذه الأموال في ظل الرواتب التي تدفع لما يزيد على 50 مسؤولاً، هم الوزراء ونوابهم، علاوة على مستشاري الحكومة، ورئيس البلاد ونائبه، لهذا كان قرار تقليص الوزراء إلى 17 وزيراً، علاوة على وزيرين لمكتب الرئيس، ليصبح عدد الوزراء 19 وزيراً». وأشار رئيس الجنوب، إلى أنه كان يتابع ما يجري داخل الحكومة لكن «لكل شيء أوانه» ـ حسب تعبيره ـ، مؤكداً أن الحكومة الجديدة ستُشكل في القريب العاجل، وستلبّي طموحات أبناء جنوب السودان.

وفيما يتعلق بأمين عام الحركة الشعبية لتحرير السودان، أوضح رئيس جنوب السودان، رئيس الحركة الشعبية، أن التحقيقات مع أموم تأتي بشأن مخالفات ارتُكبت داخل الحزب، ويعلمها أموم، وجميع أعضاء الحركة، وكذلك بسبب حديثه عن أسرار الحركة لوسائل الإعلام، وأضاف أن التحقيقات تجري مع أموم، وأنه في انتظار نتائج هذه التحقيقات.

وفيما يخص العلاقات مع السودان، أشار ميارديت إلى أنه لا يود الحديث في كل مناسبة عن الخلافات مع السودان، لكنه قال إنه علم أن السودان يعتزم إغلاق خط النفط في 22 أغسطس القادم، وأوضح أن وزارة البترول والتعدين في جنوب السودان، اتخذت الاحتياطات الكفيلة بمنع أي ضرر لخط النفط أو معدات الضخ، إذا كانت الخرطوم جادة في موعدها. وأضاف أن بلاده ستستمر في المفاوضات مع الخرطوم لمنع إغلاق خط النفط. وأوضح أنه أكد للمسؤولين في الخرطوم، أنه لا نية لديه لخوض حرب ضدها، والعودة بالبلاد إلى الوراء. وأشار إلى أن الحوار هو الحل الوحيد لأي خلافات مع السودان، مضيفاً أن بلاده لن تدخل الحرب، ليس لأنها لا تجيدها، ولكن لأن من يلجأ إلى الحرب هو من يفقد كافة السبل السلمية لحل النزاع، ونحن مازال لدينا الكثير من الطرق السلمية لحل الخلافات مع السودان. ووجّه ميارديت، رسالة إلى قوات الجيش والشرطة، دعاهم فيها إلى العمل من أجل جلب الاستقرار واحترام المواطنين، وقال إن هناك اتهامات بارتكاب مخالفات من جانب هذه القوات، ويتعين جلب هؤلاء الأشخاص وتقديمهم للمحاكمة خاصة في بيبور وبور في ولاية جونقلي. وأردف قائلاً، إذا كان المواطن من قبيلة المورلي (في جونقلي) يفر من مسؤول حكومي، فبكل تأكيد هناك خطأ ارتكبه هذا المسؤول».

من ناحية أخرى، اعتبر نافع علي نافع، نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، مساعد رئيس السودان عمر البشير، ما تشهده دولة الجنوب من تطورات سياسية “مؤشرا على حزم الحكومة هناك لأمرها في التوجه نحو إصلاح العلاقات مع السودان”. ونقل المركز السوداني للخدمات الصحفية قوله: “نعتقد أن الجنوب حزم أمره لإصلاح علاقاته مع السودان، ونعتقد أن الذي يحدث سوف يعينهم على تطوير علاقتهم مع السودان وتنفيذ اتفاقية التعاون تماما، وهذا ما نرجوه ونأمل أن تكون هناك علاقات قوية جدا ومستقرة وتعاونية بين الشمال والجنوب”.

أحزاب لمعارضة السودانية.. مأساة الواقع السياسي السوداني!

لنقرّ صراحة ان للأحزاب السودانية المعارضة خصومة سياسية مع الحزب الوطني الحاكم، ولندع الأسباب جانباً. ولنقر أيضاً ان هدف هذه الأحزاب في خاتمة المطاف إزاحة الوطني عن السلطة والحلول محله، ولندع أيضاً الطرق والوسائل جانباً.
ولنقر أن أفضل وسيلة لإدارة بلد مثل السودان هي طريقة الاحتكام الى صندوق الاقتراع وعن طريق التداول السلمي للسلطة. السؤال هو هل أحزاب المعارضة الموجود  حالياً في الساحة – بتحالفاتها المختلفة – جاهزة لإدارة البلاد إذا قدر لها ان تستلم السلطة؟
من المؤكد إن أي حزب معارض سوف يسخر من هذا السؤال، ولكنه فى الواقع هو السؤال الجوهري والمحوري الذي لا بد من الإجابة عليه بمنتهي الصدق والأمانة.
نحن أمام أحزاب فقدت الوازع الوطني لسبب أو لآخر، ففي قمة مواجهة الوطني لهجمات عسكرية طالت مواطنين أبرياء، وقفت هذه الأحزاب بعيداً جداً عن السياج الوطني وبدت مثل دولة بعيدة عن خارطة المنطقة، بل حتى الدول البعيدة عن السودان تدين وتشجب وعلى سبيل المجاملة إعتداء قوى مسلحة على مواطنين أبرياء.
هذه النزعة الوطنية في ابسط صورها لم نلمسها قط في أحزاب المعارضة وقد رأيناها تهلل –سراً وجهراً– ممنية نفسها بقرب قطف الثمرة. نحن أمام أحزاب معارضة فقدت تواصلها مع قواعدها، ففي الأنحاء التى تجري فيها هجمات عسكرية يموت ويسقط كثيرون من منسوبيها ولكنها تخشى أو تخجل من إدانة ذلك!
وما حدث في أبو كرشولا خير دليل على ذلك. العشرات من منسوبي هذه الأحزاب قضوا نحبهم برصاص الثورية وطلقاتها الموتورة ولكن قيادة هذه الأحزاب لزمت الصمت وستظل تفعل ذلك وهي لا تدري ان هذه المواقف تبعدها بعيداً جداً عن قواعدها أو ما تبقي منها.
نحن حيال أحزاب ارتضت لنفسها القبول (بعلمانية الدولة) عبر وتوقيعها لميثاق الفجر الجديد. ميثاق اجترحته قوى موتورة مسلحة لها أجندات معروفة لم تجد أحزاب المعارضة بأساً من مسايرتها والقبول بالدنية فى أطروحاتها السياسية.
حزب مثل الشعبي زعيمه كثير الحديث والتنظير عن الإسلام كنظام حكم شامل يقبل بعلمانية الدولة! نحن أمام أحزاب متناهية الصغر بحيث لم يسجل لها التاريخ السياسي السوداني بطوله وعرضه (وجوداً في أي محفل ديمقراطي) إلا في حدود لا ترى بالعين المجردة السياسية (الشيوعي نموذجاً). بعضها لم يعرف له وجود قط مثل البعث بشقيه والأغرب من ذلك ان البعث (الميت) تسبب فى إحراج حزب عريق مثل حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي من التحالف. أي أن الحزب (الصغير) لم يكن فقط (مجرد عالة) على التحالف ولكنه أصبح (شوكة) في حلق التحالف يشق صفه ويخرج الكبار من الحلبة!
نحن أمام أحزاب ما تزال تجري وتلهث وراء الجبهة الثورية، والأخيرة لها رؤى يكذب من يقول إنها تتسق معها ولكنهم بدافع الخلاص من الوطني يجرون وراء الثورية كمتسولين أعطتهم أو منعتهم!
هذه كلها فى الواقع مثالب وتعقيدات تعيشها قوانا الحزبية، لا تعرف غير ماضي مضي لن يعود ولا تعرف وسيلة غير وسيلة القوة لإزاحة الخصم وتدخل نفسها في مأزق تلو المأزق مما يجري حولها كما حدث فى مصر، حين عجزت عن إدانة الانقلاب ولفت ودارت حول الموضوع حتى تتخلص من الورطة!
كيف لمواطن سوداني ينتظر المستقبل من أحزاب تدعي العمل السلمي نهاراً وتسعى للانقلاب والإطاحة بالسلطة الحاكمة عبر السلاح ليلاً؟ إن هذه فى حقيقة الأمر هي مأساة السودان التى لم تنتبه لها هذه الأحزاب بعد، فهي ما تزال تعتقد أنها قوية وأنها قدرة وأنها الخيار الأفضل على طريقة الباعة المتجولين الذين ينادون على بضائع منتهية الصلاحية بثمن باهظ!

الجنائية الدولية.. حينما تشتري العدالة

اتهم مقال بصحيفة لوموند الفرنسية المحكمة الجنائية الدولية بممارسة العنصرية في إقامة عدالتها الي جانب تورط أجهزة مخابرات في شراء وتوفير شهود للمحكمة عبر شبكة من الوسطاء التابعين للمنظمات غير الحكومية وانتقدت لوموند في عددها الصادر أمس الأول المحكمة الجنائية واتهمتها بأنها لا تتخذ إجراءات العدالة ضد الأفارقة مما جعل الاتحاد الإفريقي حسب الصحيفة الفرنسية يصفها بأنها نوع من المطاردة العنصرية ونشرت لوموند مقالاً بعنوان المحكمة الجنائية الدولية عدالة البيض أشارت فيه الي القمة الإفريقية الأخيرة التي انعقدت بمناسبة مرور خمسين عاماً علي تأسيس الاتحاد الإفريقي والتي ناقش فيها الزعماء الأفارقة الإستراتيجية التي يتبعها الاتحاد الإفريقي ضد المحكمة،وأشارت الصحيفة الي الاتهام الذي أصدرته المحكمة ضد الرئيس الكيني المنتخب يوهور كنياتا والذي اعتبره الأفارقة تهديداً للسلم والأمن الإفريقيين وانه اتهام القي بظلاله علي مجريات الأمور في القارة الإفريقية التي صارت كلما انتخب رئيس لاحقته الجنائية الدولية بالمذكرات علي حسب قول الصحيفة الفرنسية التي انتقدت أداء المدعي العام السابق للجنائية الدولية لويس اوكامبو الذي اتهمته لوموند بالاعتماد علي تقارير قدمتها منظمات غير حكومية وتقارير الأمم المتحدة وبملفات بنيت بطريقة سيئة الي جانب ان المذكرة ضد الرئيس عمر البشير رسخت مفهوم ةان الجنائية الدولية تختار أهدافها لأغراض سياسية وتقوم بتنفيذ عدالة الدول العظمي، واتهمت الصحيفة الفرنسية المحكمة الجنائية الدولية بالعمل بواسطة وسطاء وشبكات تعمل في مجال المعلومات وقالت: أن بالمحكمة أعضاء يعملون في منظمات غير حكومية وموظفين تابعين لأجهزة المخابرات التي تقوم بشراء الشهود .
صدور مثل هذا الاتهام،. اعتبره نقيب المحامين عبد الرحمن الخليفة انتصارا للسودان وقال للخرطوم : ان خبر الصحيفة يؤكد بأن تلك المحكمة قامت بشراء شهود يتبعون للحركات المسلحة في دارفور وتم تهريبهم عبر دول مجاورة للإدلاء بشهادات زور وهي أداة سياسية لدول أوروبا التي ينتشر فيها الفساد عبر منظماتها التي تقوم بتمويل الشهود ،ولهذا بدأت هذه المحكمة تتهاوي بعد ان انكشف عوارها من قبل صحيفة مرموقة تصدر في أوروبا.
شماعة المحكمة
العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية والاتحاد الإفريقي أصبحت خربة بعد إن أجس ذلك المارد الأسود بأن هنالك من يريد زعزعة استقرار مناطقه التي ترزح في الصراعات القبلية والتخلف والإمراض والفقر عبر ملاحقة رؤساء الدول الإفريقية وبالرغم من ذلك استطاعت أن تخوض تجارب ديمقراطية عبر أحزاب منظمة ومعارك سياسية ساهمت في تطور الوعي الإفريقي تجاه التداول السلمي للسلطة بالرغم من عدم تبرئتها من عيوب التزوير ولكنها تخطت المراحل في وقف النزيف الدموي مثل ما حدث في الانتخابات الكينية الأخيرة والتي حبست دماء الكينيين في عروقهم بعد أن حسمت المحكمة الأمر ووافق المرشحون للرئاسة علي نتيجة الانتخابات الكينية وفاز جومو كينياتا رئيساً لدولة كينيا مما مهد لاستقرار سياسي لتلك الدولة التي شهدت الانتخابات الماضية فيها حوادث دموية راح ضحيتها عدد من الأبرياء ومن اجل الحفاظ علي هذا الأرض تحرك الاتحاد الإفريقي لإصدار قرارات متتالية تنص علي عدم التعاون مع المحكمة كان أخرها في قمة الاتحاد في مايو 2013 بأديس أبابا حيث صوتت 53 دولة في الاتحاد الإفريقي ضد قرار المحكمة الخاص بكينيا مقابل صوت وحيد لبتسوانا مؤيد للقرار ودعا الاتحاد الي عدم التعاون مع المحكمة والي حد ما التزمت الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي بهذه الدعوة ومن بينها حكومة السودان ودول افريقية أخري مثل جيبوتي وكينيا وتشاد التي رفضت توقيف البشير عندما زار هذه البلدان كل علي حدة.
لقي الموقف الإفريقي المعادي لمحكمة الجنايات الدولية اهتماما كبيراً في القمة العادية الثامنة عشر للقادة والزعماء الأفارقة التي عقدت في يناير 2012 بأديس أبابا وأثناء القمة شدد قادة الاتحاد الإفريقي علي قرارهم عدم التعاون مع المحكمة وخصوصاً فيما يتعلق بمذكرة اعتقال البشير وذلك انطلاقا من القناعة السائدة بضرورة تطبيق مبدأ المحاسبة علي جميع قادة العالم وليس علي القادة الأفارقة لوحدهم.
وبالرغم من ان موقف الاتحاد الإفريقي تجاه المحكمة لم يحظ بإجماع الدول الإفريقية إلا أن هذا الموقف قد كسب دعماً جديداً وضخت فيه دماء جديدة عن طريق الدبلوماسية الصامتة التي تتبعها الحكومة الكينية بعد فوز كل من الرئيس الكيني اوهار ونائبه روثو بمنصب الرئيس ونائب الرئيس وهما المتهمان من طرف المحكمة الجنائية الدولية.
وفي مؤتمر القمة الذي عقد في يناير 2012 اتخذ القادة الأفارقة قراراً بعدم التعاون مع المحكمة الدولية إلا أن هذا القرار قوبل بتحفظ من طرف بعض الدول الإفريقية إذ  عبرت بوتسوانا عن رفضها المعلن لقرار الاتحاد الإفريقي بعدم التعاون مع محكمة الجنايات الدولية متذرعة بالتزاماتها الدولية كدولة عضو في نظام روما الأساسي وعبرت جنوب إفريقيا عن نفس الموقف، وقد كانت بوتسوانا الدولة الوحيدة التي صمدت في دعمها لمحكمة الجنايات الدولية كونها الدولة الوحيدة التي عارضت قرار قمة الاتحاد الإفريقي بخصوص عدم التعاون مع المحكمة بعيد انتخاب مواطنتها نكوسازانا دياميني زاما كرئيسة لمفوضية الاتحاد الإفريقي في يوليو 2012 حيث ألقت بثقلها وراء موقف الاتحاد الإفريقي في قمة مايو 2013 وهو أمر مهم نظراً للوزن الكبير لجنوب أفريقيا داخل القارة وشمل التغير أيضاً موقف مالاوي التي عارضت صراحة موقف الاتحاد الإفريقي من المحكمة بعيد انتخاب الرئيسة الجديدة جويسي باندا، قبل استضافتها للقمة 19 للاتحاد الإفريقي التي كان من المقرر أن تعقد في العاصمة المالاوية ليلونغوي في يوليو 2012 وأعلنت مالاوي انه وبموجب عضويتها في نظام روما الأساسي ستكون مجبرة علي اعتقال الرئيس عمر البشير في حال حضوره أعمال القمة مما أثار حفيظة الاتحاد الإفريقي وقرر نقل القمة الي أديس أبابا.
تعارض السياسة مبادئ القانون
الدكتور صفوت فانوس المحاضر الأكاديمي قال: إن الشخوص المطالبين لدي المحكمة الجنائية اغلبهم من إفريقيا ما عدا الرئيس الصربي السابق ميلوزيفيتش وهذه المحكمة لا تخضع لها الدول الكبرى مثل بريطانيا وأمريكا وروسيا والصين وهي دول حجمها كبير وسط المجتمع الدولي ولكن المحكمة اتجهت لتلك الدول الضعيفة وكذلك فإن المواد الجنائية التي تستخدمها المحكمة هي ذات طابع سياسي والسياسة من معيارها القوة عكس القانون الذي يعتمد علي معيار ولا يمكن أن تتداخل السياسة مع مبادئ القانون.

وما يزال التحقيق مستمراً!

قالت الأنباء أواخر الأسبوع الماضي إن 3 جنرالات من الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيقاد من المقرر ان يكونوا قد وصلوا الخرطوم في مهمة سياسية هامة. المهمة كما كشفت عنها الخارجية السودانية -منتصف الأسبوع الماضي- تتعلق بالتحقيق فى الاتهامات الموجهة من الخرطوم الى جوبا بشأن دعم الأخيرة لمتمردين ناشطين ضد الخرطوم.
الوفد المحقق وفقاً لوكيل الخارجية السودانية السفير رحمة الله سيزور جوبا والخرطوم وسيقف على الحدود بين البلدين. والخطوة في ظاهرها تبدو لا غبار عليها إذ على الأقل يصبح بوسع (طرف محايد) وضع تقرير مفصل عن التعقيدات الأمنية الناشبة بين الجارين، ولكن من الصعب القول إن هذه الخطوة ومهما كان مقدار جديتها قادرة على حلحلة الأزمة.
فالأمر بالنسبة للخرطوم كما ظللنا نردد دائماً يتعلق بعمل متواصل واستضافة لا مجال لنكرانها من جانب جوبا لمتمردين سودانيين لديهم معسكرات تدريب فى مدن رئيسية فى دولة الجنوب، ولديهم عتاد حربي يأتيهم من جوبا وينطلقون من قواعد فى دولة الجنوب، ليعودون إليها بعد ملاحقة الجيش السوداني لهم.
هذه الوقائع ليست مثبتة فحسب ولكن جوبا نفسها وعلى مستوى رئيسها الفريق كير أقرت واعترفت بها بعد أن قاد السودان وفداً مكوناً من وزير الخارجية على كرتي ورئيس جهاز المخابرات الفريق أول عطا المولى ليسلما الرئيس كير -تحت الكاميرات والفلاشات- أدلة مادية اقلها تسجيلات صوتيه لعملية الدعم وأحاديث القادة مع المتمردين فى الثورية. الفريق كير لم يجد حينها مناصاً من الإقرار بالعملية! وهو إقرار لا يعدو كونه (تحصيل حاصل) إذ لم يكن يملك الرئيس الجنوبي مفراً من الإقرار بهذه الحقيقة الدامغة.
الآن مهمة الجنرالات الثلاثة ومهما كانت لن تتجاوز هذه النقطة، ولهذا فإن الأمر فى مجمله يبدو كمن يقرّ بارتكاب جريمة – فى محكمة – ثم يطالب بعد إقراره واعترافه بالعودة الى مسرح الحادثة لرفع البصمات وتحريز المعروضات.
وبذلك فإن جوبا – بهذه الخطوة – تعمل على كسب الوقت وتمييع الأزمة وانتظار التقارير ومن ثم مناقشتها والمغالطة بشأنها! ليس من المنطق ولا المنصف ان تظل جوبا تمارس كل هذا القدر من خداع النفس حيال أمر ثبت مثل ضوء الشمس في رابعة النهار! ويُستفاد من هذا الوضع ان جوبا ستظل على موقفها الداعم للحركات المسلحة دون توقف مهما كلفها ذلك، فقد كان يكفي البناء على إقرار الرئيس سلفا كير بالدعم، وكان يكفي أيضاً الاستناد الى أدلة الخرطوم والتي حرص مجلس الأمن الدولي – رغم شكوى السودان إليه – على تجنب الخوض فيها أو مناقشتها لا من قريب ولا من بعيد.
وعلى ذلك فإن القضية لم تعد قضية إثبات والتحقيق فى ماذا كانت جوبا تدعم مسلحين سودانيين؛ القضية تبدأ وتنتهي بما إذا كانت جوبا جادة وعازمة حقيقةً على نفض يديها مما تفعل لتنساب العلاقة بين البلدين أم لا؟

الخميس، 1 أغسطس 2013

جنوب بلا قطاع شمال !

قديماً كرر السودانيون من شطري السودان الحالي هتاف (لا شمال بلا جنوب ولا جنوب بلا شمال) باعتبار الوجود المتكامل وليس المتناقض أو المتماهي بالضرورة ،بيد أن ذلك أصبح الآن من مذكرات التاريخ ،ولم يبق للجنوب صلة بالشمال إلا عبر قطاع الشمال الذي هو جزء من الشمال ويتبع للجنوب في الوقت ذاته ،بما يناقض سنن الله الكونية في الطبيعة حيث لا يمكن أن تكون قطبية الشمال والجنوب جزءاً من قطب واحد في النهاية حتى في (المغناطيس الطبيعي ذي القطبين الشمالي والجنوبي) ،لعب قطاع الشمال دوراً حثيثاً من أجل إيجاد نقيضه الجغرافي المسمى بالجنوب الجديد الذي يشمل المناطق الثلاث جنوب كردفان والنيل الأزرق وأبيي ،وسعى لأن يجعل منه جنوباً عصياً على السودان (الشمالي) من خلال تمرد جديد ومحاولات لتفادي المواثيق السابقة التي تحكم التعامل معها من خلال بروتوكولاتها إلى التمرد والتصعيد القتالي المفضي إلى فتح مسارات تفاوضية جديدة، وبالتالي القفز فوق الحقائق السابقة والتعامل بسياسة الأمر الواقع من أجل سقوف تفاوضية جديدة تستنسخ قطاع الشمال بإعتباره حركة شعبية جديدة مثيلة بتلك التي أفرزتها نيفاشا تصبح شريكاً مشاسكاً للمؤتمر الوطني من خلال محاصصة على السلطة والثروة وشرعنة على الصعيد القومي لا تكتسبها بأية خصائص ذاتية وإنما بشريعة القتال والتسوية فقط فتصبح معبراً عن التيار الليبرالي الشمالي وتحالف المعارضة داخل الحكومة وخارجها في الوقت نفسه ،وهو ما فطنت له الحكومة منذ البداية ورفضت أن تتحاور مع قطاع الشمال إلا على المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق وبإعتماد مرجعية بروتوكولات نيفاشا الخاصة بهما ،إذن فشل قطاع الشمال حتى الآن في تحقيق أي هدف ذي بال من أهدافه الإستراتيجية ،لكنه نجح لحد ما في تحقيق بعض الأهداف التكتيكية المتعلقة بتوتير علاقة دولة الجنوب مع السودان وذرع مسار التفاوض بحقل ألغام تجعله لا يتقدم في كل جولة إلا وتأخر من خلال تحالف القطاع مع مجموعة أولاد قرنق وأبيي ويساريي الحركة الشعبية في الجنوب وعلى رأسهم باقان أموم ،فحققت أهدافها تجاه السودان مرحلياً في استمرار الحرب واستنزاف الموارد بل وحرمانه من عائدات معالجة وتمرير نفط الجنوب ما أزم الوضع الاقتصادي ليكون ذلك أحد أهم المعطيات للمعارضة في اسقاط النظام بحجج الغلاء وتدهور الوضع المعيشي ،لكن هؤلاء لم يفطنوا إلى المجازفة التي ينطوي عليها هذا العمل بالنسبة للجنوب الذي هو بمثابة دولة وليدة وليس مجرد حركة نضالية تتبع حرب الغوريلا ،فمصالح الشعب والدولة تقتضي مسلكاً مختلفاً لا يهدد عرش الحكم أو كيان الدولة ويعطيها الموارد.