الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

مناوي وعبد الواحد فى حيرة من أمرهما!

ربما عاودهما الحنين لإعادة توحيد حركتيهما كما كانت واحدة قبل مؤتمر حسكنيتة الشهير فى فبراير 2005، فالمتمردين مناوي وعبد الواحد نور إذا قسنا ما هما عليه الآن -بما كان عليه قبل سنوات- خسرا خسراناً مبيناً.
فمناوي الذى بلغ به حسن حظه أن وطأت أقدامه -لأول مرة وربما لآخر مرة- عرصات القصر الجمهوري المطل على النيل فى الخرطوم كبيراً لمساعدي الرئيس فى مايو 2006 ورئيساً للسلطة الانتقالية فى دارفور هو الآن -لسخريات القدر- يحصل بالكاد على التشوين اليومي لقواته المنهكة الخارجة من مواجهات يائسة مع الجيش السوداني فى جنوب دارفور ويحصل بالكاد على فرصة لمقابلة الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني إذا أراد تقديم شكوى من أمر من الأمور لحق بقواته من استخبارات الجيش اليوغندي، ويحصل بالكاد على سانحة نادرة لمخاطبة الرئيس الجنوبي سلفا كير فى شأن يتعلق بمعسكرات قواته فى جوبا.
والأدهى وأمرّ أن مناوي فشل هو رفيقه عبد الواحد فى الحصول على حقهما فى رئاسة الجبهة الثورية رغم وجود لائحة تمنحهما هذا الحق ويتساوى معهما فى هذا الظلم المرير جبريل إبراهيم وفصيله المشتت.
عبد الواحد من جانبه فترت علاقاته –كأمر طبيعي بإسرائيل، فالدولة العبرية ليست كما يتوهم عبد الواحد لقلة خبرته السياسية وعجلته وتعجله الأمور، ليست الدولة العبرية دولة عاطفية تحيط من يقاتلون معها بالرعاية والحنو الإنساني.
هي بدأت تشعر أن عبد الواحد لم يعد كما كان فى السابق مسيطراً على معسكرات اللاجئين والنازحين والمعسكرات نفسها لم تعد أمراً جاذباً، فقد أدرك معظم قاطني هذه المعسكرات أنهم لا يمكنهم أن يعيشوا كل حياتهم فيها.
عبد الواحد ايضاً طغت عليه قوى دارفورية أخرى أبرزها حركة التحرير والعدالة الموقعة على اتفاقية الدوحة بقيادة التيجاني السيسي وهي الآن تدير الأمور -كسلطة إقليمية- فى دارفور بحيث لم يعد من الممكن تجاهلها. أما مناوي فقد أصبح ملاحقاً من الجيش السوداني وفى الوقت نفسه لم يجد التقدير المطلوب من الثورية.
معاودة الحنين للرجلين للإلتئام من جديد هو نفسه حتى ولو تحول هذا الحنين الى واقع أصبح غير مجدي، فالأوضاع على الأرض قد تغيرت ولم ينسَ عبد الواحد ولن ينس لمناوي عقده لمؤتمر حسكنيته الذي أقصاه بموجبه كما لم ينس له دخوله فى العملية السلمية وذهابه الى الخرطوم قبل أن يعود مرة أخرى الى القتال فاراً من الخرطوم.
مناوي تزداد خسارته كلما تقدم فصيل حركة العدل والمساواة سواء الذى وقع الآن على اتفاقية الدوحة أو ذاك الذي يقوده جبريل إبراهيم لأن الإثنية التى ينتميان إليها هي ذات الإثنية التى ينتمي إليها مناوي وهي أثنية الزغاوة.
عبد الواحد هو الآخر تزداد خسارته كلما تقدمت حركة د. التجاني السيسي والتي يعد جزءاً مهماً منها فى أحشاء حركته. والأكثر خطورة من كل ذلك حين ينكشف غطاء الثورية فيخرج قطاع الشمال منها آجلاً أم عاجلاً بفعل تنامي حركة المصالحة بين جوبا والخرطوم وضرورة أن يكون الطرفين فى حالة من تبادل الثقة والاستقرار وقربان ذلك هو ذبح قطاع الشمال قرباناً على عتبة استقرار الدولتين!

الخميس، 5 سبتمبر 2013

قوى المعارضة.. انتفاخ الجيوب وإتساع السيارات!

كأمر طبيعي تصدت قيادات تحالف المعارضة -عبر اللجوء الى القضاء- للأخبار التى ذكرت أنهم تلقوا هدايا عبارة عن سيارات ماركة (برادو) فارهه من هولندا. القيادية بحركة حق (هالة عبد الحليم) قالت للصحف السودانية أنها لجأت الى القضاء فى شأن الموضوع لورود إسمها على وجه الخصوص ضمن من تسلموا (سياراتهم).
بخلاف القيادية هالة – مع أن المستلمين كثر، لم نسمع بقيادي معارض آخر شرع فى المقاضاة. والواقع إن الدعم المادي المقدم لقوى المعارضة معروف من السياسة بالضرورة، فكم من مرة تسلم قادة أموالاً من سفارات أوربية رصدتهم الجهات الأمنية؟ وكم من مرة وصلت أموال أجنبية موثقة لمركز دراسات محلي يتبع لقوى معارضة حتى لجأت السلطات السودانية لإغلاق عدد من المراكز التى تجاوزت إطار ترخيصها بتسلمها لأموال أجنبية والقيام بأنشطة هدامة تتجاوز نطاق ترخيصها؟
لم نرَ أو نسمع أصحاب المراكز المغلقة يقاضون ويترافعون عن (شرفهم العلميّ)! هذا كله معناه أن  (المال الأجنبي) مباح ومستباح لدى قادة القوى المعارضة، والمؤسف فى هذا الصدد أن المال نفسه والذي من المقرر أن يستخدم فى عمل سياسي بحسب الجهة الداعمة، لكنه يدخل الى جيوب القادة الكبار منهم لأنه فى أغلب الأحيان يرد بإسم القيادي المعين، وفى أحيان كثيرة كما قالت مصادر عليمة هاتفتها (سودان سفاري) فإن قادة الأحزاب وأصحاب الألقاب السياسية العلمية ذات المنحى اليساري يتعيّشون من أموال الخارج هذه على اعتبار أنه يخدمون قضايا حيوية تهم المجتمعات الغربية.
والأغرب من ذلك أنهم يكتبون تقارير بهذا الصدد يشيرون فيها -كذباً- الى ما حققوه من انجازات وهمية يصدقها أو يتظاهرون بتصديقها هناك فى الخارج ثم يبعثون بالمزيد!
ولعل المبدئية نفسها فى هذا السلوك السياسي غير الرشيد وغير المخلص للوطن تتجلى فى علّة الاتصال بجهات أجنبية من الأساس! مع العلم انه ما من جهة أجنبية -مهما بدت رحيمة ورءوفة- يهمّها من قريب أو بعيد نهوض دولة من الدول أو نشر ثقافة الديمقراطية أو الحرية فيها.
هنالك فى الغرب يعملون على ألاّ تتوازى معهم المجتمعات الإفريقية والعربية إذ لا بد من وجود فارق زمني وتاريخي مستمر بيننا وبينهم. من المؤكد أن المال المبذول إن هو إلا مال لأغراض استخبارية . وليس من الضروري أن يبدو ذلك جلياً للناس؛ فقد تطورت العقلية استخبارية تطوراً مذهلاً فى السنوات الأخيرة وأصبح العمل الاستخباري (علني) وفى مرأى ومسمع الجميع، وليس الهدف منه معلومات فالمعلومات فى زمان التقنية الحديثة الحالي لم تعد تحتاج لجهود رجل أو خيانة خائنين، ولكن المال المستخدم فى العمليات  الاستخبارية هدفه إحكام السيطرة على الأشخاص والمراهنة عليهم مستقبلاً وهذا ما أوقع بلدان عديدة فى براثن عملاء دوليين لا فكاك منهم أبداً.
وإذا أردنا الغوص أكثر فإن سؤالاً مهماً يبرز هنا بشأن سيارات البرادو هذه، ما المقصود منها وما الهدف المرجو من وراء منحها لقادة الأحزاب؟ الأمر لا يخرج عن فرضيتين، إما أن القوى الممنوحة شكت للجهة المانحة بأنها فقيرة وتعاني ضيق ذات اليد ومن ثم فإن ظهورها المتواضع هذا لا يساعدها على أداء عملها السياسي كما ينبغي؛ وإما أن الجهة المانحة أرادت -بذكاء- إحداث فرقة بين القادة والقواعد، إذ على سبيل المثال فإن منح قيادية فى حزب يساري (شيوعي) سيارة فارهة يكفي ثمنها لشراء قوت عام لعشرة أشخاص معناه أن تنظر القواعد الى القيادة نظرة ريبة وشعور بالغبن جراء هذا الفارق الكبير فى الوضع المادي.
وأخيراً فإن  اللجوء الى القضاء فى حد ذاته محمدة ولكن ليس من الضروري أن من يفشل فى إثبات الحقيقة مخطئ أو كاذب فهناك من الحقائق ما قد يصعب إثباته ولكنها تظل الحقيقة كما هي لا تتغير!

الثلاثاء، 3 سبتمبر 2013

سلفا في الخرطوم. . زيارة لها مابعدها . . !

غدا يصل رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت الى الخرطوم في زيارة يأمل ان تكون بداية جديدة للعلاقات بين الجانبين في ظل التوتر الملازم بينهما طوال الفترات الماضية منذ الانفصال، قالت وزارة الخارجية ان رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت سيصل الى الخرطوم غدا برفقة وزراء الداخلية والأمن والنفط والمعادن والصناعة وكبار رجال الاعمال لبحث تطبيق اتفاق التعاون مع الرئيس عمر البشير .
واشار بيان صحفي صادر عن وزارة الخارجية امس الى وصول وفد برئاسة وكيل وزارة الخارجية والتعاون الدولي شارلس مانيانق الى الخرطوم امس لترتيب الزيارة.
وقال البيان ان المباحثات ستتركز على تطبيق اتفاق التعاون الموقع بين البلدين وتعزيز الوسائل الاقتصادية، معربا عن امله في ان تؤدي الزيارة لتسريع الخطى ومعالجة القضايا العالقة.
وكانت وزارة الخارجية بجمهورية جنوب السودان اعلنت عن تأكيد زيارة سلفاكير ميارديت رئيس جمهورية جنوب السودان الى الخرطوم تلبية لدعوة المشير عمر البشير رئيس الجمهورية .
وكان سفير جنوب السودان بالخرطوم ميان دوت وول قال ان القمة بين الرئيسين ستناقش تنفيذ المصفوفة ومجمل القضايا العالقة مثل النفط والقضايا الاقتصادية وفتح المعابر ، لافتاً الى أن الجنوب يستورد ما يقارب «163» سلعة استراتيجية ، وأشار الى وفدا من «17» مسؤولاً بقيادة وكيل وزارة الخارجية بالجنوب ، للترتيب للزيارة ، وتوقع « وول « ان تخرج القمة بنتائج ايجابية تخدم شعبي البلدين مبيناً أن العلاقة بين البلدين علاقة أخوية .
والزيارة التي سيقوم بها سلفا كير الى الخرطوم ستكون الثانية له الى السودان بعد انفصال الجنوب عن شمال السودان ، وتأتي زيارة سلفا الى الخرطوم بعد ان وطد سلفا حكمه في جنوب السودان واعاد ترتيب البيت الداخلي فبعد ان اقال نائبه رياك مشار وحل حكومته واقال ضباطا كبارا في الجيش ، وحسب مراقبون للعلاقات بين السودان وجنوب السودان فان سلفا يكون اكمل استحقاقات الداخل ويتوجه الى تحقيق دفعة قوية للعلاقات مع الدولة الام ، ويعتقدون ان سلفا نجح في ازاحة جماعة الضغط التي تقف في سبيل التفاهم بين دولة جنوب السودان والسودان لجهة ان سلفا رجل الدولة تختلف رؤيته عن مقاتل حرب العصابات فالجنوب بحاجة الى التنمية والتي يترقبها المواطن الجنوبي منذ ان اختار خيار الانفصال عن الوطن الكبير ، وباعتقاد كثيرون فان سلفا وصل الى قناعة بان دعم اي طرف لمتمردي الجانب الاخر سيكون بمثابة جهنم للطرفين وسيدخل الدولتين في حسابات متباينة اقلها خيار خوض الحرب المكلفة والتي ستعيق بناء الدولة الجديدة وتضعضع الامال في الدولة الجديدة.
هناك جانب مهم آخر في الزيارة يتعلق بالجوانب الاقتصادية ويبدو ان زيارة رجال الاعمال السودانيون الى جوبا نهاية الاسبوع الماضي فتحت الامال في بعث وانعاش التجارة بين البلدين ، بجانب استمرارية ضخ النفط بين البلدين تلك العقبة الكاداء التي كادت ان تعصف بكل وشائج القربى بين البلدين .
ويأمل مراقبون للشأن السياسي ان تعزز الزيارة الثقة بين دولتي السودان ويرجح ان تساهم الزيارة في الانفراج النسبي لاوضاع الاقتصاد المتردي بالجانبين والدفع باتفاقيات التعاون بين البلدين قدما
يقدم استاذ العلوم السياسية بجامعة ام درمان الاسلامية صلاح الدومة قراءة لزيارة سلفا كير تشير الى التقارب الكبير بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية جناح سلفا كير مؤكدا ان نجاح حركة سلفا كير التصحيحية ادت الى التقارب مع الخرطوم مشيرا الى ان حكومة سلفا كير تحتاج الى النفط واستمرارية حسن العلاقات بين البلدين ، ويلفت استاذ العلوم السياسية الى ان المجتمع الدولي مارس ضغوطا من اجل التقارب بين البلدين والوصول لاتفاق، مبينا ان الطرفين ليس الامر برضائهما وانما ناتج عن الضغوط الدولية.
ويدفع الدومة بان هناك اطرافا اخرى دفعت بصورة غير مباشرة في سبيل تحسين العلاقات بين البلدين مشيرا الى كل من ادريس ابابا والقاهرة اللتين من مصلحتهما الوصول الى اتفاق بين الدولتين بجانب دولة الصين التي لديها مصلحة كبيرة في صفاء العلاقات بين البلدين .
على ان الدومة يشير الى جزئية ان المواطنين في الشمال باتوا يعتقدون ان المعارضة لن تستطيع زحزحة الحكومة او الاطاحة بها، مشيرا الى رغبة الناس في تحسن العلاقات بين البلدين دفعا للضائقة الاقتصادية التي يعانيها الناس .
على ان بعض المراقبين يرون ان قضية ابيي ووضع النقاط حولها قد تؤدي الى استقرار العلاقات بين البلدين ، يقول الناشط السياسي بالنيل الازرق فرح عقار ان زيارة سلفا كير ستساعد في تليين المواقف للقضايا العالقة، مشيرا الى انها ستساهم في دفع الجانبين لحل القضايا الثلاث، وشدد عقار على ان النجاح في حل القضايا الثلاث سيؤدي الى مزيد من الانفتاح في مجمل القضايا الاقتصادية، بيد ان عقار يبدئ خشيته من ان الفشل في الزيارة وحل القضايا الثلاث سيعيد الامور للمربع الاول مضيفا « سيزداد التوتر بين الجانبين » وابدى عقار امله في ان تساهم الزيارة ورؤية الرئيس البشير في مبادرة جمع الصف الوطني الى مزيد من التفاؤل حول العلاقات بين البلدين.

أزمة الوطني أم أزمة وطن؟

على الأقل أعرب الحزب الوطني فى السودان عن عزمه على استبعاد من تجاوزوا سن الشباب عن العمل السياسي والتنفيذي. الفكرة سهلة وإن لم تخل من مصاعب هنا أو هناك.
وعلى الأقل يستطيع الوطني -ولو تدريجياً- إنفاذ خطته هذه طالما تحلى بالانضباط التنظيمي والقدرة على مجابهة التحديات الجسام، فخبرة ربع قرن من السنوات ليست قليلة، ولكن بالمقابل فإن الأزمة تبدو أكثر تعقيداً على صعيد تحالف المعارضة، فعوضاً عن أنها لم تجرؤ حتى الآن على مجاراة الوطني فيما يعتزم فعله؛ فإن تحالف المعارضة -للأسف الشديد- يفتقر عملياً الى الكوادر الشبابية القادرة على أن تصبح بديلاً مقبولاً.
هذه حقيقة من المستحيل أن ينتطح عليها عنزان كما يقولون، فقبل أيام احتفل رئيس هيئة التحالف المعارض فاروق أبو عيسى بعيده الثمانين! والرجل موفور الرغبة الجامحة فى تولي المناصب السياسية سواء جاءت عبر اسقاط مسلح للحكومة أو عبر تسوية سياسية.
نموذج أبو عيسى من النماذج المحيرة فى المشهد السياسي السوداني فالرجل عاصر العديد من العهود بدءاً من مايو 1969 وحتى الآن وما يزال في نفسه رغبة جامحة للسلطة.
ذات الأمر يمكن قرائته بشأن الثمانيني الشهير هو الآخر، الدكتور حسن الترابي، إذ برغم كل شيء ما يزال الرجل لاعباً فى (الوسط) فى ملعب السياسة السودانية، رغم تراجع اللياقة وتباعد خطوط فريقه، والفتور الذى يعتمل فى خطواته ولهثه الدائم فى الملعب.
الأمر نفسه ينطبق على بقية الأحزاب التقليدية العريقة، فقدت الشباب طوال عقود واحتفظت ببعض الشيوخ وما تزال تشهد ألاّ حزب إلا حزبها! أما الأكثر سوءاً فيتمثل في الأحزاب (الجنائزية) إذا جاز التعبير، تلك التى منذ أن ولدت وإلى اليوم لم تغش برلماناً أو مجلساً محلياً، أو لجنة شعبية ولم تتشرف مطلقاً باختيار أحد، أو ميل ناخب سوداني -مجرد ميل- إليها!
هذه الأحزاب يعج بها تحالف المعارضة وتسمع لها صوتاً وضجيجاً عالياً تماماً مثل الصوت الذى تحدثه الأواني الفارغة وفقاً للمثل الغربي الشائع: "الأواني الفارغة تحدث ضجيجاً عالياً"!
إن كانت للسودان أزمة سياسية حقيقية فهي أزمة هذه القوى السياسية التى تتشكل ما بين قوى سياسية قديمة لم تطور نهجها ولا أطروحاتها ولا قادتها الذين وصلوا أرذل العمر؛ وما بين قوى سياسية أخرى وإن كان بها قليل من الشباب الآيل الى الشيب ولكنهم بلا قواعد جماهيرية ولا تناغم مع ميول الناخب السوداني.
ولعل لهذا السبب فإن بحث الوطني المضني عن حلول سياسية وتوافق وطني شامل سيظل يراوح مكانه إذ أن الكثيرين يظلمون الوطني ظلماً بائناً بسيطرته وحده على الأوضاع ومقاليد الأمور.
الوطني فى الواقع استفاد من وجوده فى السلطة في تفريخ كوادر مدربة وإنتاج شباب قادر على إكمال ما بدأه الشيوخ والقدامى، ولعل خير نموذج على ذلك -موضوعياً- اختيار ثلة من الشباب للتحدث باسمه، كلٌ منهم يتملك ناصية التعبير والقدرة على التفاعل السياسي.
أزمة الوطني فى الواقع هي أزمة الوطن.. أزمة تكلست فيها الأحزاب السياسية وفقدت قدرتها على النطق والمشي!

الجنائية الدولية فى أفريقيا.. بداية النهاية!

تعزيزاً لقرارات سابقة صادرة عن الاتحاد الإفريقي بشأن عدم التعاون مع المحكمة الجناية الدولية باعتبارها أداة سياسية استعمارية لا تلاحق سوى القادة الأفارقة؛ فقد دفعت دولة ليبريا -الأسبوع الماضي- بمقترح يقضي بإدانة المحكمة فى مؤتمر الأحزاب الإفريقية المنعقد بالعاصمة الزامبية لوساكا.
مجرد صدور قرار من مؤتمر الأحزاب الأفريقية وغالبها أحزاب حاكمة يعني أن القادة الأفارقة قد بدئوا أولى خطواتهم باتجاه محاصرة الجنائية والقضاء على سلطانها، فيا ترى ما هو المدى الذي من الممكن أن يصل إليه القادة الأفارقة فى مواقفهم من الجنائية الدولية؟
الشيء المؤكد أن القادة الأفارقة ندموا غاية الندم على قبولهم الانضمام الى ميثاق روما 1998 المنشئ للمحكمة والمصادقة عليه، فقد حفلت تجربة 11عاماً حتى الآن منذ وصول الميثاق حيز التنفيذ بملاحقات مفصلة تفصيلاً على مقاس القادة الأفارقة، ولهذا فإن مؤشرات إمكانية خروج هؤلاء القادة عن الميثاق والانسحاب من المحكمة واردة على النحو الذى سوف نتطرق إليه فى النقاط التالية.
النقطة الأولى إن إستراتيجية القادة الأفارقة للخروج من الميثاق ومن ثم التحلل من المحكمة رمت فيما يبدو الى أن يبدأ الأمر من القاعدة، فالأحزاب الإفريقية هي القاعدة فى سلسلة السلطات فى بلدانها إذ أن اقتناع القوى السياسية الإفريقية بالفكرة والتأكيد عليها بصورة جماعية فى مؤتمر عام معناها تبلور الفكرة وإمكانية طرحها داخلياً (كل دولة على حدا) بحيث تتكفل هذه الأحزاب (داخلياً) بنشر الفكرة والترويج لها ومن ثم تصبح الفكرة قد بدأت تنتقل الى خطوات عملية.
مؤتمر الأحزاب الإفريقية أساساً جسم سياسي أراد به الأفارقة خلق حالة انسجام سياسي أوسع يبن دول القارة بحيث تتقارب الأفكار والرؤى أكثر حتى تتيح تقارباً أكثر فى الاتحاد الإفريقي.
النقطة الثانية إذا تبلورت الفكرة لدى الأحزاب الإفريقية فإن الاتحاد الإفريقي فى نهاية المطاف إنما تعتبر قاعدته الهامة هي هذه الأحزاب الإفريقية فعلى الأقل هي التى تمثل التيار الشعبي العام لأي دولة، خاصة وأن الاتحاد الإفريقي له تجربة سابقة فى منع بلدانه من التعاون مع المحكمة.
النقطة الثالثة، أن الاتحاد الإفريقي عانى وما يزال يعاني من زعزعة استقرار بلدانه نتيجة لقرارات الجنائية. الاتحاد الإفريقي يواجه تشويشاً غير محدود من الجنايات الدولية، وهو يسعى لحلحلة مشاكل بلدانه، فعلى سبيل المثال فإن استصدار مذكرة توقيف من المحكمة ضد مسئولين سودانيين كبار -بسبب أزمة دارفور- فاقم من حدة النزاع فى دارفور ودفع قادة الحركات المسلحة لعدم الانضمام الى العملية السلمية وجعل مجلس السلم الإفريقي -باعتباره المسئول الأول عن الأمن الإفريقي- غير قادرة على حل الأزمة  الشيء الذي جعلها أزمة ذات بُعد دولي وهو ما يتصادم مع أهداف الاتحاد وتطلعاته.
ولهذا فكلما وجد الاتحاد سانحة تجعله يتخلص من المنغصات التى تعيق تقدمه فهو يرحب بها والشيء المؤكد أن الاتحاد الإفريقي سيظل عاجزاً وغير قادر على العمل طالما أن هناك جهة دولية غير نزيهة وغير محايدة تلاحقه، كما أن الاتحاد الإفريقي وبمثلما نجح فى رفض الانقلابات العسكرية وعدم الاعتراف بها يسعى لإنشاء محاكم خاصة به و حلّ النزاعات الإفريقية الداخلية على طاولته قبل أن توضع على أي طاولة دولية أخرى.
إنها إذن بداية النهاية لمحكمة الجنايات الدولية التى اعتقد منشئوها أنهم وبعدما ضمنوا قيامها فإن بوسعهم فعل ما يريدون، دون أن يردعهم رادع، أو يزعهم وازع!

إعلان قطاع الشمال وقف العدائيات.. مناورة سياسيَّة أم خطوة اضطراريَّة؟

احتدم الجدل حول المقترحات التي دفع بها السُّودان كشروط لوقف العدائيَّات على رأسها تقديم دولة الجنوب إقرارًا مكتوبًا بعدم إيواء الحركات المتمرِّدة الشماليَّة وطرد الحركة الشعبيَّة قطاع الشمال بزعامة مالك عقار وعبد العزيز الحلو وياسر عرمان على الفور، بجانب اعتراف جوبا بمساعدة الحلو وعقار في حربهما بولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وأبو كرشولا والفظائع التي صاحبت الهجوم ولا نضمن النوايا الخفيَّة من قطاع الشمال والإقدام على تلك الخطوة.
وتردد أن هناك اتفاقًا مبدئيًا بين الطرفين على الوقف الفوري للعدائيات ووقف التصعيد الإعلامي، في وقت وصفت فيه القوات المسلحة قوات الحركة الشعبية قطاع الشمال بالضعيفة ورأت أن إعلان القطاع وقف العدائيات لمدة شهر إجراء لا قيمة له، وقال المتحدث باسم الجيش العقيد الصوارمي خالد سعد إن قطاع الشمال قوة عسكرية ضعيفة على الأرض وإن إعلانه وقف العدائيات لا قيمة له من الناحية العسكرية لجهة افتقاره للمقدرة على القيام بأية عمليات عسكرية، وقال: «ما عندهم في الأصل أي عمليات على الأرض».
سياسيًا أعلنت الحكومة ترحيبها بإعلان الحركة الشعبية قطاع الشمال وقف العدائيات من طرف واحد، فيما كشفت عن عدم تلقيها لاتصالات من الوساطة الإفريقيَّة بشأن عقد اجتماعات للتفاوض بأديس أبابا.
وفي السياق ذاته تساءل القيادي بحزب المؤتمر الوطني د. ربيع عبد العاطي ل «الإنتباهة» قائلاً: قطاع الشمال يتوقف من العدائيات ضد مَن؟ هذا سؤال يجب أن يُطرح، وأضاف: الإجابة في غاية البساطة قطاع الشمال هو الذي يعتدي ويرتكب الفظائع وإن كانت هذه الدعوة عن توقف انتهاكات حقوق الإنسان مؤكدًا أن القطاع نفسه هو الذي انتهك إنسانية المواطن حينما هاجموا واعتدوا عليهم وهم عُزَّل في كلٍّ من أبو كرشولا والرهد وجنوب كردفان وتم تشريدهم من ديارهم وأصبحوا الآن بمعسكرات النزوح بالتالي يجب « ألّا تنهى عن خلق وتأتي بمثله فعارٌ عليك إذا فعلت عظيم» وأشار د. عبد العاطي: إذا بالفعل أراد هذا القطاع إثبات حسن النية كما ذكر ولا يبدو الأمر مناورة سياسية فعليهم الاعتراف والإقرار شفاهة وكتابة بأنهم هم المعتدون، وعليه تقع على عاتقهم المسؤولية المباشرة عن كل الانتهاكات والجرائم التي حدثت من قتل وذبح في أبوكرشولا وأيضًا هم السبب الحقيقي للأزمة الإنسانية في جنوب كردفان ويتَّموا الأطفال ورمَّلوا النساء وآذوا الشيوخ وأقاموا محاكمات وتنفيذ الإعدام على من بقي في المنطقة لذلك نعتبرهم هم المعتدون وهذه الخطوة لا قيمة لها كما ذكر الصوارمي ذلك، لماذا يعتدون ويأتون الآن ليعلنوا وقف العدائيات؟! في اعتقادي هي مناورة سياسية لإستراتيجية جديدة ربما قد يكون مرواغة جديدة من قطاع الشمال لكسب تأييد وتعاطف حقوق الإنسان لإثبات العكس. ووصف مراقبون إعلان مالك عقار في بيان لقوات القطاع بجنوب كردفان والنيل الأزرق بوقف العدائيات ببادرة حسن النية رغم عدم إعلام الحكومة رسميًا حتى الآن بذلك الإجراء، وقالوا إن الحكومة سترد التحيَّة بأحسن منها، بينما أصدر عقار أوامر لقوات الجيش الشعبي بالولايتين بوقف العدائيات في الوقت الذي يبدأ فيه الرئيس سلفا كير ميارديت زيارة للخرطوم هي الأولى عقب حل وتشكيل حكومته الجديدة تستمر ليومين يُجري من خلالها مباحثات رسميَّة مع الرئيس عمر البشير..
وقال عضو الوفد المفاوض بأديس أبابا اللواء مركزو كوكو لـ «الإنتباهة» إن الرئيس البشير، أعلن في وقت سابق من العام الماضي إبان انعقاد مؤتمر الإدارة الأهلية وقف العدائيات بيد أن الحركة لم تستجب، وأضاف: نحن كقيادات للمنطقة نرحِّب بهذا الإجراء إن صحَّ، وأردف: نتمنى أن يكون شهرًا مفتوحًا يمهد الأرضية لمحادثات جادَّة، وذكر مركزو أنَّ وقف العدائيات يجب ألا يكون طارئًا، وقال: بل يجب أن يكون جادًا ومستدامًا وشاملاً لخلق أجواء مواتية لاستمرارية التفاوض بشأن المنطقتين، وأعلن ترحيبهم بالإجراء رغم عدم تلقيهم له بصورة رسمية وهذه بادرة حسن نية، ولفت مركزو إلى أنَّ الحركة ظلَّت طوال المفاوضات تدعو لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية مضيفًا أن هذا الطلب غير مقبول وضياع للوقت مؤكدًا أن اتخاذ خطوة جادة يمهد الطريق لاستمرارية التفاوض لإيجاد حلول للمنطقتي

تحالف المعارضة ومأزق بين استحقاقَين!

لو كان تحالف المعارضة يجيد اللعب والمراوغة الماهرة بالكرة السياسية لاستغل بذكاء أزمة السيول والفيضانات الأخيرة لا لكي يوجه انتقادات لا تغني ولا تسمن السلطة الحاكمة؛ ولكن لكي يؤازر الذين طالتهم النكبة ويقدم نفسه فى الساحة السياسية كبديل وطني محتمل.
ولكن لم يتحرك التحالف المعارض ولو على (كرسي متحرك) جراء حالة الكساح التى يعانيها وفى الوقت نفسه لم يستطع ان يمد لسانه بأكثر من أن يطلب من الحكومة إعلان السودان منطقة كوارث!
لقد كان من الممكن والسهل أن ينتهز تحالف المعارضة السانحة لكي يتحلل من ارتباطه بالثورية ويضع يده على يد الحكومة لمعاونة المتأثرين بالسيول والفيضانات إذ على الأقل سينتج عن هذا الموقف أمرين مهمين: الأمر الأول يشعر الوطني ان لديه منافسين جيدين وهذا فى تقديرنا يروق للوطني ليجيد مهاراته الفردية ولعبه على المسرح.
الأمر الثاني أن يشعر الناخب السوداني أنه لديه اختيارات على الأقل فى المستقبل وليس الآن فقط، وهو ما يجعله فى (حالة ارتياح) لوجود (كل اللاعبين) فى الملعب ولوجود فرصة للتشجيع المباح والحصول على نتيجة حتى ولو كانت تعادلاً دون أهدفا.
قوى التحالف ما تزال تنكر الاستحقاق الانتخابي الذى أُجريَ فى ابريل 2010 وتنكر نتائجه والأغرب من ذلك أنها لم تتعلم من درسه البليغ وما تزال تنكر أيضاً الاستحقاق المقبل والذي لا يفصلنا عنه سوى عام واحد ونيف!
عدم اعتراف قوى المعارضة بالاستحقاق السابق جعلها على قارعة الطريق فى حالة (تشرد سياسي) وباحثة عن حملة سلاح للقضاء على خصمها الوطني، أما عدم اعترافها بالاستحقاق المقبل فقد جعلها لا تنتهز السوانح (التى لا تتكرر) ولا تستغل الظروف والمعطيات التى من الممكن أن تفك ضيقها وتخرج من ضيق الأحلام والرومانسيات السياسية الى سعة الواقع والتعاطي الذكي معه.
لقد تسربت من بين يدي تحالف المعارضة آمالها العراض في قدوم الجبهة الثورية الى الخرطوم بقوة السلاح، فقد هزمت الثورية في بداية الطريق شر هزيمة. إحدى هذه الهزائم سفورها فى الخصومة بما فعلته فى أبو كرشولا وأعطت دليلاً دامغاً على أنها ليست مع أحد؛ والهزيمة الأخرى تجرعت كأسها المرير على يد الجيش السوداني.
تسربت أيضاً من بين يديّ المعارضة أحلام الأزمات (سيول، رفع دعم، الأزمة مع جوبا، أزمة دارفور) والسلسلة المطولة من خيوط الأحلام الوردية التى طالما حلمت بها وهي على الفراش تتقلب تنتظر الصباح ليتحقق لها ما حلمت به!
إن عدم مبالاة قوى المعارضة لا بما تقوم به الحكومة السودانية من محاولة للمّ الشمل الوطني والحوار غير المشروط، وما قد يحدث حين يمرّ العام المقبل وتصبح أمام انتخابات عامة جديدة وهي غير مستعدة لها ولكنها جاهزة باتهامات التزوير؛ كلها أمور فى الواقع لا تخصم فقط من الرصيد السياسي لهذه القوى المتداعية أصلاً ولكنها تخصم من الرصيد السياسي للسودان كله، كونه وعلى كثرة قواه السياسية لا يملك أحزاباً يُشار إليها بالبنان وإنما حتى ولو على أطراف البنان.