الأربعاء، 31 يوليو 2013

القضاء السوداني يحرج القضاء الدولي!

الجهود التى بذلتها ولا تزال تبذلها الحكومة السودانية لتوقيف المسئولين عن إغتيالات قوات اليوناميد والبالغ عددهم 7 وذلك بالتنسيق مع البعثة المشتركة – الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، وفقاً لما أعلن عنه المستشار ياسر محمد مدعي عام جرائم دارفور، هي فى الواقع (إعتراف ضمني) من جانب المجتمع الدولي بقدرة القضاء السوداني وإرادته في معاقبة مرتكبي جرائم حرب دارفور، إذ أنه ومع أن المعيار الدولي قد اختل هنا بالنظر الى ان المجتمع الدولي سبق وأن أحال جرائم دارفور الى مجلس الأمن وسار فى طريق ملاحقة المسئولين السودانيين؛ وأن ذات هذا المجتمع -في معياره المزدوج- غضّ الطرف عن ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم فى لاهاي كما فعل في جرائم أخرى مزعومة؛ إلا أنه فى المقابل فإن موقف المجتمع الدولي هنا فيه إشارة صريحة الى أهلية القضاء السوداني وإرادته وقدرته على ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم.
ومدعي عام جرائم دارفور حقق ولا يزال يحقق العديد من هذه الجرائم وأحال  جزء كبير منها للقضاء وأصدر القضاء قراراته بشأنها وصلت بعض هذه القرارات الى عقوبة الإعدام.
هذا التطور يمكن أن تُستفاد منه عدة مؤشرات. أولها أن القضاء السوداني –بقرار الإحالة ذاك– قد ظُلم ظلماً بيناً فمجلس الأمن الدولي وهو يقرر الإحالة إعتمد على تقارير وإفادات عامة وليس على دراسة جادة عميقة لتاريخ القضاء السوداني وأهليته.
وهاهي الأحداث تتكفل وحدها -ولو بعد عقد من الزمان- فى إبانة خطأ الإحالة، فقد وجد مجلس الأمن نفسه في مأزق، فلا هو يستطيع سلب القضاء السوداني اختصاصه، وها هو يوافق ولو ضمناً بأن تجري السلطات السودانية تحقيقاتها وتقوم بملاحقة المسئولين عن هذه الجرائم الى لاهاي.
ورطة مجلس الأمن الأخرى أنه لأسباب سياسية لا يستطيع إحالة جرائم المتهم فيها قادة حركات دارفورية الى القضاء الجنائي الدولي في لاهاي سواء لأسباب تتعلق ببعض مصالح أعضائه الدائمين، أو لأسباب تتعلق بالمعايير المزدوجة أو لأي اعتبارات أخرى، ومن ثم فإن مجرد غضه الطرف عن قيام القضاء السوداني بواجبه يشير الى (اعتراف ضمني) بأحقية هذا القضاء في ممارسة اختصاصاته.
من جانب آخر فإن السماح للقضاء السوداني بممارسة اختصاصاته وبسط سلطانه على أرضه والتحقيق فيما يقع من جرائم يستلزم قانوناً ان يعيد مجلس الأمن النظر فى قرار الإحالة الباطل لتبطل معه كل القرارات التى اتخذت في لاهاي.
هذا هو منطق الأشياء، فالقضاء الوطني جرى تطفيف كيله، وقيل عنه فى مجلس الأمن ما ليس فيه، فلا أقل من ردّ اعتباره بسحب قرار المجلس رقم 1593 تماماً وهذا أمر يسير لاعتبارين إثنين فقط.
الأمر الأول ان مجلس الأمن قد أساء استخدام سلطاته وأعطى نفسه اختصاصاً لا يملكه ولا ضير من أن (يراجع ) قراره حتى لا يضع سابقة دولية غير ممكنة التحقيق. فإبطال الباطل سهل طالما أن السند القانوني منذ البداية مفقود.
الاعتبار الثاني ان محكمة الجنايات الدولية هي نفسها –وطالما أنها جهة قانونية وطالما أنها ترى وتشاهد القضاء السوداني يقوم بعمله بإمكانها وبقرار منها أن تقرر ان قرار الإحالة – كقرار دولي – لم يكن سليماً وهو جهة قضائية من حقها ان تقضي فيما يُحال إليها إذ ليس قرار مجلس الأمن هنا ملزِماً، فالقرارات التى تأتي من أي جهة الى جهة قضائية ليست ملزمة للجهة القضائية إلا بالقدر الذى تتسق فيه مع القانون، وهو ما لم يتحقق أبداً ومحكمة جنايات لاهاي مدركة لهذه الحقيقة البسيطة غاية الإدراك.

الثلاثاء، 30 يوليو 2013

المعارضة السودانية وموقفها من مصر

ليس صحيحاً على الإطلاق ما حاولت تصويره قوى المعارضة ان التعديل الذى أجازه البرلمان السوداني مؤخراً على قانون القوات المسلحة السودانية قد أقر تقديم المدنيين لمحاكم عسكرية.
رئيس لجنة التشريع والعدل بالبرلمان السوداني الفاضل حاج سليمان قال للصحفيين مطلع الأسبوع الماضي إن البرلمان لم يجز قانوناً فيه نص لمحاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية، وأن الأمر قد التبس على بعض منتقدي القانون.
ولعل مما لا يتطرق إليه الشك ان من المستحيل – ومهما كنت الأمور – ان يوضع نص فى القوانين العسكرية يحاكم غير العسكريين أمامها!
اللجنة المعنية بالتشريع والعدل وحقوق الإنسان فى البرلمان السوداني لجنة مهمتها الأساسية مراقبة حقوق الإنسان والجوانب العدلية في أي تشريع يودع بمنضدة البرلمان، وبمراجعتها للتعديل الذى طرأ على القانون الخاص بالجيش السوداني -بحق- لم تجد نصاً يقر محاكمة غير العسكريين (سمهم إن شئت المدنيين) أمام محاكم عسكرية.
كل ما هناك – وهو ما حاول سليمان شرحه للصحفيين – ان التعديل موجه بالدرجة الأولى لبعض المجموعات التى تحمل السلاح وتتزيّا بزيّ عسكري وتقاتل الحكومة والمدنيين. وهذه فى الواقع نقطة مهمة وبالغة الحساسية، فنحن فى الوقت الراهن سواء فى دارفور أو جنوب كردفان أو النيل الأزرق حيال مجموعات مسلحة تلقت تدريبات عسكرية غير رسمية وانخرطت فى عمل قاتلي بكافة أنواع الأسلحة ضد المدنيين، ولكي نوضح الأمر أكثر فإن ما جرى على سبيل المثال في أبو كرشولا بجنوب كردفان قبل أشهر كان فى الواقع هجوماً مسلحاً من قبل مجموعة تحمل السلاح ولديها عتاد عسكري وقاتلت وهي في قتالها هذا تضرب المنشآت العامة، والقوات النظامية والمدنيين الأبرياء.
هذه المجموعات لا يمكن إطلاق صفة مدنيين عليها، فصفة المدنين -كأمر بديهي- إنما تلحق بالشخص العادي غير الحامل للسلاح وغير المتزيِّ بزي عسكري. ولعل هذا أيضاً يضيف تساؤلاً عما إذا كان من المناسب ان يقدم أشخاص كهؤلاء لمحاكم مدنية أم عسكرية؟
الشيء الطبيعي في كل القوانين الوطنية فى العالم بأسره ان أمثال هؤلاء الحاملين لصفة عسكرية -سواء معترف بها أو غير معترف بها- ساحة العدالة المناسبة لهم هي المحاكم العسكرية، ولدينا أمثلة عملية على ذلك.
فالمتمردين أنفسهم وحين يرتكبون أخطاء تتم محاسبتهم من قبل قادتهم عسكرياً. إذن هذه المجموعات هي نفسها تتعامل – فيما بينها على الأقل – بصفة عسكرية ومن ثم لن يكون انتقاصاً من حقوقها تقديمها الى محاكم عسكرية.
مثال آخر ان الولايات المتحدة الأكثر علواً فى الحديث عن الحقوق أقامت منشأة عسكرية ضخمة فى غوانتانمو لمحاكمة من تطلق عليهم إرهابيين، على الرغم من أنهم في الواقع مدنيين ولكن تفسيرها لهذا المسلك أنهم يتعاملون بصفة عسكرية بحملهم السلاح ومقاتلهم وارتكابهم لجرائم ضارة بالدولة وسيادتها.
مثال ثالث ان المجموعات المسلحة هذه في غالب الأحيان إذا ما تم إبرام اتفاق سلام مع بعضها فإنها يطبق عليها مبدأ (التسريح وإعادة الدمج) ومن بين ذلك الاستيعاب فى القوات النظامية بالنظر الى (الخلفية والصفة العسكرية) لهم.
إذن الأمر في مجمله لا يعدو كونه معالجة لأمر المجموعات المسلحة التى ترتكب جرائم حرب فى ميدان القتال وهي تحمل كل صفات العسكريين من سلاح وشارات ورتب وليس صحيحاً ان المواطنين السودانيين العاديين ستتم محاكمتهم أمام محاكم عسكرية. وبالطبع بوسع قوى المعارضة ان تطعن فى دستورية التعديل لتقول المحكمة الدستورية قولتها الفصل فى ذلك.

اللعبة الأمريكية الخفية فى جوبا!

ربما كانت الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا – بحكم التصاقها الطويل بالولايات المتحدة وإسرائيل واستغنائها وفق هذا الالتصاق حتى عن جارها السودان الذى لديها معه مصالح إستراتيجية هامة، ربما كان يساورها الاعتقاد ان علاقاتها القوية هذه بواشنطن تحميها من الصراعات الداخلية والألاعيب الاستخبارية التى أدمنتها واشنطن وسط أي بيئة سياسية افريقية أو عالمثالثية من عبث بمنظومة حاكمة لاختيار الأفضل.
وفيما يبدو ان ألاعيب وكالة المخابرات الأمريكية قد بدأت فى جوبا - ليس فقط فى الصراع الذي بدأ يتسع بين قادة الصف الأول، الرئيس وقادته المقربين أمثال د. مشار ودينق ألور وكوستا مانيبي؛ وإنما على خطوط متباعدة ومتقاربة هنا وهناك.
أحد المعاهد الأمريكية وهو المعهد الجمهوري الدولي قال مؤخراً فى دراسة أجراها في دولة الجنوب ان 52% من المستطلعين ليسوا راضين عن أداء القيادة الجنوبية!
الأحزاب الجنوبية المعارضة والتي فيما يبدو كانت تجد العذر تلو العذر لحكومة الرئيس كير بدأت  تتململ وبدأت تبحث عن منفذ وتطالب الرئيس كير بتشكيل حكومة إنقاذ وطني.
هذه المعطيات بكل هذه الكثافة المتصاعدة لم تكن فى ذهن قادة الحركة الشعبية وهم يستهلون صراعاً طويلاً شاقاً مع السودان. لقد ساورهم الاعتقاد فقط أن عليهم تكثيف الضغط على السودان وكل شيء سيكون فى جوبا على ما يرام!
الآن بدأت القيادة الجنوبية كلها أو جزء منها (يفيق)! وهي إفاقة وإن بدت متأخرة نسبياً إلا أنها أفضل من ان تتأخر أكثر من ذلك فواشنطن وإسرائيل ليس لديها (غرام لا يقاوم حيال العيون الجنوبية) وليسوا عشاقاً للون الأسمر!
ولو كان هذا الفرض صحيحاً ولو بنسبة 1% لما عاشت الولايات المتحدة عقوداً من سياسة التفرقة العنصرية والتي ما تزال آثارها ماثلة حيال اللون (غير الأبيض). واشنطن وإسرائيل تعتقدان ان دولة الجنوب (ثمرة ناضجة), وأرض بكر غنية وزاخرة بالموارد وأن عليهما ألا تدعاها للجنوبيين –بحال من الأحوال ان يستفيدوا لا حاضراً ولا مستقبلاً من هذه الموارد، ولعل أسطع دليل على ذلك ان كل ما تفعلاه الآن - وطوال عامين من نشوء الدولة الجنوبية - أنهما توفران لها الحماية وغطاء إقليمياً ودولياً.
ومعروف ان مثل هذه الحماية هدفها الأوحد حماية الموارد والمصالح والحيلولة دون وقوعها فى أيدي أصحابها. من المؤسف ان قادة الحركة الشعبية الذين من المفترض في نضالهم قد عركتهم الحياة وعاشوا فى الغرب وفى الغابات الاستوائية فى نضالهم ضد السودان الشمالي - بحسب رؤيتهم - يلقون بأنفسهم الآن بكل أريحية في أيدي (غير مأمونة) ولو كانت غير ذلك لعملت على ترسيخ الأوضاع -وهي قد تفجرت بالفعل- فى جنوب السودان وستتفاعل لسنوات حتى تدرك واشنطن فى اللحظة المناسبة ان الظروف باتت مواتية لتضرب ضربتها وحينها يكون الأوان قد فات تماماً على أصحاب القبعات السوداء في جوبا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

مصر السيسي.. الكل سقط في اختبارات الديمقراطية

رغم أن الحكومة السودانية ظلت تقول باستمرار إن ما يحدث في مصر شأن داخلي، لكن علي العكس من ذلك يتعاطي المواطن السوداني بكثير اهتمام مع الشأن المصري، باعتبار ان نتائج ما يجري لها عظيم الأثر وكبير الخطر علي الشعب السوداني.
والمقارنة تتبدي في تبني الشارع السوداني لوجهات نظر مختلفة ومتباينة تماماً كالشارع المصري، بل وربما خطرت له رؤية لم يفطن لها أو يفكر فيها حتي الشارع المصري.
الموقف من ما يجري في مصر لم تعد تحكمه أيديولوجية وربما سادت النظرة البراغماتية، من قوي وأشخاص لا يتأثرون لأنفسهم، ولا يعتبرون أن الفرصة مواتية لتصفية حساباتهم.
ربما كان الظن أن أهل اليسار السوداني علي إطلاقه، سيكونون أول الشامتين علي الأخوان المسلمين، وربما سول لهم خلافهم الإيديولوجي أن هذه فرصة تاريخية للثأر من غريمهم وللفرجة علي مآلهم.
لكن خيب ظننا وما صدق فيه حدسنا اليسار الجزافي، حين صدع عبد الله علي إبراهيم بمقولة جعل عنوانها (كلنا أخوان مسلمون اليوم)، وفيها ذكر بتأريخ حين اصطدم الأخوان المسلمون مع عبد الناصر، وحينما راجت روايات الدولة عن تآمر الأخوان لزعزعة أمن البلاد، وأن القوي التقدمية حينها في حماستها للناصرية صدقت رواياتهم وخرجت مناصرة للنظام التقدمي الناصري.
الذي أراد أني يقوله عبد الله إنه ما أِبه الليلة بالبارحة، وإنه ما ينبغي أن يمنح اليسار دعمه المجاني في كل مرة، وخلص الي أن دم الأخوان لن يحقن إلا بتحالف عريض حتي ممن وقفوا ضدهم في 30 يونيو ضد الذبح للسياسة، فالذبح للسياسة هو نهاية السياسة.
هذا موقف لم تغب عنه المبدئية لم تغلفه الانتهازية، ولم تشايعه البراغماتية، ولم ترفه مصر التي قسمها الذبح السياسي، ولم يرض لها إلا تحالف عريض يجمع صفها ويتجاوز احنها.
ربما كثيرون رأوا أن الأخوان لم يقدروا لرجلهم قبل الخطو موضعها، وربما لم يستشعروا مهارات وخبرات الدولة العميقة، ولم يمرحلوا معاركهم، وانزلقوا في مواجهات مع مؤسسات لها خبرتها التآمرية وعقليتها المخابراتية.
أذكر في آخر زيارة لي لمصر قبل شهور، وقد التقيت أحد الأطباء الاختصاصيين الكبار من الإسلاميين غير المنظمين، حينما قال لي حديثاً بادرت به ونشرته في صحيفة (القرار) أن مرسي خسر الشرطة وخسر القضاء، وأن القوات المسلحة لن تقف الي صفه كثيراً، وأن قراءته أن الجيش سيدخل علي الخط مرة أخري، وستكون حجته القوية، أنه لا يمكن استمرار الفوضى الي ما لا نهاية، وأنه لا يمكن لفصيل واحد أن يستأثر بمصر دون سواه.
لكن من يمضي في قراءة أبعد وأعمق يدرك أن السيسي الذي يبدو الآن مناصراً ومسانداً للتحرير سينتهي في خاتمة المطاف ليس الي ابتلاع الأخوان المسلمين، وإنما الليبر اليين أنفسهم.
ومازالت علي قناعة أن الانحياز الذي أعلنه السيسي كان أمراً مرتباً له، واستدرج الأخوان الي ها الفخ وفترة الإهمال والإنذار، لكن تقديري أن القرار كان قطع الطريق علي الأخوان وتنحيتهم وإزاحتهم، حتي قبلوا بانتخابات رئاسية مبكرة.
السيسي من المؤكد أدرك أن حلمه وتطلعه للسلطة ليس سلسا ولا هينا، وأن الإطاحات العسكرية أضحت تجد مقاومة من العديد من المنظمات والحكومات، ومن ثم لابد من التماس طرق ملتوية لاستلام السلطة، واستخدام آخرين كواجهات لحين التخلي عن خدماتهم، وهذا هو عين ما فعله السيسي.
هل يصح من بعد هذا أن نسمي الذي جري في مصر انقلاباً، وأن ما سمي انحيازاً كان أمراً متوهما، وأن مصر العميقة أفلحت بكل مؤسساتها في وضع حد لنهاية الحكم الأخواني، وأنه يمكن القول إن مؤسسات الحكم المدنية القائمة حالياً مؤسسات ديكورية، وأن الأمر تكشف سريعاً عندما خرج السيسي علي الناس بوصفة قائداً عاماً وطلب تفويضاً شعبياًً لمحاربة الإرهاب، مثل هذا الظهور العلني للعسكريين، وأيقن سائر الفرقاء السياسيين أن الكرة لم تعد في ملعبهم وأن الرياح لم تعد تهب في شراعهم، فهل يسلس القياد للسيسي، وهل يذعن الليبر اليون لحكمه؟ طالما أن فزاعة الأخوان تظل قائمة وملوح بها في كل حين.
ما من شك أن التضحيات التي قدمها الأخوان المسلمون والدم الذي سال غزيراً، يمثل أكبر حرج وتحد للسيسي ورهطه، فحتي مساندوه في الخفاء ومشايعوه سراً، لن يكون بوسعهم السكوت علي هكذا فظائع،وستحاصر هذه الجرائر الليبر اليين، الذين طالما أنشرخ حلقومهم بالدفاع عن الحريات، وتأمين المسيرات السلمية، جميعهم سقطوا في اختبارات الديمقراطية والحرية.

ما ينبغي أن يترتب على ما قالته (أربو)!

أبعاد عديدة – قانونية وسياسية – حملها الإقرار غير المنتظر من الناشطة السياسية المعرفة (لويز أربو) بشأن ما أسمته (خطأ إحالة جرائم دارفور الى مجلس الأمن).
فالبعد القانوني الأول لهذا الإقرار يطعن مباشرة فى مشروعية قرار المجلس برمته حين اتخذ هذا القرار فى العام2005م. بموجب قراره 1593 ولعل هذه هي المرة الأولى التى يواجه فيها مجلس الأمن (طعناً) في قراراته من جانب ناشطة سياسية كانت قد ساندت القرار وأسهمت فيه.
هذا البعد القانوني فى حد ذاته يضع قرار المجلس أمام خيارين: إما إلغاؤه –بقرار مماثل منه– ومن ثم تعتبر كل القرارات المترتبة عليه باطلة استناداً الى نظرية البطلان المعروفة والتي تؤكد ان كل ما يبني على باطل فهو باطل. وهذه معضلة ستظل عالقة بثياب المجلس ومحيطة بقراره الجائر ذاك؛ وإما أن يستمر صمت المجلس وسكوته عن قراره – مع علم أعضائه بخطئه – ومن ثم يكون مجلس الأمن أول من أسهم فى تشويه صورة المحكمة الجنائية.
بمعنى أدق فيما يخص هذه النقطة إن المجلس وبصرف النظر عن دوافعه لإهدار قرار الإحالة، فعل ذلك دون ان يتبصر بالأبعاد والمترتبات الوخيمة لفعله الخاطئ ذاك، فمكمن خطأ المجلس هنا كما عبرت عنه لويز أنه أحال جرائم، المتهم فيها ليس خاضعاً للجهة المُحال إليها الجرائم المزعومة. والآن بدأت أبعاد هذا المسلك فى الظهور وفى مقدمتها تشويه صورة المحكمة.
من  جانب آخر فيما يخص البعد القانوني لما قالته آربو إنها (من الأساس) كما ظهر ذلك فى تصريحها هذا كانت تعلم ان قرار الإحالة ليس صحيحاً ولا سليماً من الناحية القانونية، ومع ذلك فقد ساندته بقوة وهذا يعطيك لمحة كافية عن طبيعة القرارات التى يمكن ان تصدر من مجلس الأمن وهي فى الأصل غير سليمة قانونياً، بما يصل الى درجة العمل على مراجعة هذه القرارات ومدى مواءمتها للقانون الدولي.
بعد قانوني آخر نلحظه في تصريحات آربو وهي أن قرار الإحالة (كان بمثابة تدخل) من جانب مجلس الأمن فى (شأن قضائي) ومن المعروف ان المحاكم –أية محاكم – لا تخضع أبداً لمشيئة أي سلطة مهما كانت قوتها طالما أنها محاكم مستقلة أو هكذا يفترض!
وهذا بدوره يعني ان قبول محكمة الجنايات الدولية لقرار الإحالة كان خطأً مزدوجاً. خطأ من مجلس الأمن في إصداره من جهة، وخطأ من جانب المحكمة التى قبلت (تدخلاً) فى عملها وقبلت قراراً خاطئاً أعطاها اختصاصاً بنظر جرائم لا تملك الحق قانوناً فى نظرها. وينتج عن هذا البعد القانون -وهذا ما عنته لويز أربو- أنَّ المحكمة هي نفسها أسهمت في تشويه صورتها حينما قبلت قرار الإحالة وهو قرار خاطئ، فهي جهة قضائية منوط بها العمل وفق القانون وليس الخضوع لسلطان أي جهة أخرى حتى ولو كان مجلس الأمن.
أما في الأبعاد السياسية فإن محكمة لاهاي ذات الاختصاص الجنائي ليست جهة تابعة للأمم المتحدة وهذه نقطة فاصلة مهمة، وقد تسبب قرار الإحالة فى إعطاء انطباع حقيقي وملموس أن محكمة الجنايات الدولية رضيت لنفسها ان تصبح (أداة) في يد مجلس الأمن بما يهيل التراب على التجربة تماماً فى مهدها.
وأخيراً فإن لويز دون شك مطالبة بأن تساند – بذات القدر الذى ساندت به قرار الإحالة الخاطئ – قراراً لتصحيح هذا الخطأ وإلا كان اعترافها هذا مجرد اعتراف متعارف عليه لدى الطوائف المسيحية للكهنة، لمجرد (إراحة الضمير) والحصول على المغفرة!

الأربعاء، 24 يوليو 2013

السودان: لا استفتاء حول تبعية منطقة "آبيي"

أعلن المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، اليوم الأربعاء، أنه لا سبيل لإجراء استفتاء حول تبعية منطقة آبيي وفقا للبرتوكول الموقع في إطار اتفاق السلام الشامل، إلا بموافقة الحكومتين في دولتي السودان وجنوب السودان.
صرح بذلك رئيس قطاع التنظيم المهندس حامد صديق للصحفيين عقب اجتماع القطاع بالمركز العام للمؤتمر الوطني، بحسب وكالة الأنباء السودانية "سونا".

جاءت هذه التصريحات ردا على دعوة رياك مشار نائب رئيس دولة جنوب السودان إلى إجراء استفتاء حول تبعية منطقة آبيي.
ودعا صديق المواطنين من الشماليين في مجتمع آبيي بالتواجد في المنطقة على خلفية مطالبة مشار لأبناء دينكا نقوك بالتواجد في آبيي استعداداً للاستفتاء حول تبعية المنطقة.

جنوب السودان وإدمان دور الضحية..!

من مشكلات جنوب السودان التي يشتكي منها الأصدقاء قبل الأعداء هو إدمان دور الضحية! كثير من الأوربيين والأمريكان والأفارقة يتحدثون عن خيبة أمل في جنوب السودان الذي يطالبهم بضرورة مواصلة الدعم السياسي والمالي الذي كان ينالونه قبل الاستقلال.
الجنوب يطالب المنظمات الدولية ووكالات الإغاثة والدول المجاورة بحمايته من الغزاة الشماليين.. وكل هؤلاء الذين يريد أن يتقوي بهم الجنوب علي الشمال يعلمون علم اليقين إن الشمال لا يفكر في غزو الجنوب إنما يقتطع من ميزانية التقشف وقوت الغلابة ليدافع عن نفسه ضد الحركات الممولة من جنوب لسودان... ليحمي هجليج من هجوم جنوبي جديد وليحرس أبيي ويحرس حتى قوات اليونسفا لأنه لو حدث لها مكروه علي يد جيش الجنوب فإن الاتهام قد يطال الشمال.
موضوع الشمال الإسلامي الغازي المستعمر انتهي بحلول يوم 9 يوليو 2011م عندما شارك رئيس السودان في رفع علم دولة الجنوب وعندما طلب ممثل السودان في الأمم المتحدة كل الدول الأعضاء بالاعتراف الكامل بدولة الجنوب.
دور الضحية انتهي عندما أمسكت الحركة الشعبية بمقاليد الحكم في الجنوب وورثت مشروع النفط تسليم مفتاح وبدا يضخ 12مليون دولار يومياً 400 مليون دولار شهرياً لصالح دولة الجنوب دعونا من الملايين اليومية خلال سنتين نيفاشا الخمس اين ذهبت؟ ومن لهفها؟ ابتداء من يوليو 2011 الجنوب دولة نفطية ثرية وذات تعداد سكاني منخفض نسبياً ومحظية بتعاطف دولي! ماذا فعلت بهذا التعاطف؟!
اول قرار لجنوب السودان إغلاق النفط بحجة الرسوم الباهظة ووافقت علي مقدار قريب من الرسوم الباهظة في النهاية وهذا المقدار كان يمكن أن يوافق عليه السودان بعد شهر من المفاوضات الجادة ولكن الجنوب راهن علي إغلاق النفط لينتحر الشمال الغازي المستعمر لم ينتحر الشمال ولم يكن يفكر الشمال في غزو أو استعمار من الأساس!
راهن الجنوب بقيادة باقان اموم حينئذ علي مقدرة المعارضة في الإطاحة بالنظام ولذلك ما طل في الحلول ليمنح المعارضة الشمالية فرصة وضحي من اجل المعارضة الشمالية بأموال الجنوب ونفط الجنوب فشلت المعارضة وفشل الجنوب وخرجت الخرطوم سالمة من المعركة من خسائر اقتصادية اقل من المتوقع؟
لابد لجنوب السودان ان ينسي الشمال ويفكر في نفسه ويستمتع بدولاراته ونفطه ، من العيب ان يسجل جنوب السودان اعلي نسبة وفيات للأمهات مع إن المشكلة يمكن حلها بإنتاج بئر واحدة في حقل صغير.. من العيب ان يستمر الصراع في جونقلي مع إن الحل في مبلغ لا يتجاوز إنتاج أسبوع...!
من العيب لعب دور الضحية والتسول بالمأساة وان غني وثري وخزانتك مليئة بالأموال!