الأحد، 29 سبتمبر 2013

قوة الحق، حق القوة.. أيهما أقوى؟

بصرف النظر عن كل شيء، فقد نجح السودان الأسبوع الماضي فى حشر واشنطن – بكل صولجانها وقضّها وقضيضها فى زاوية حرجة للغاية، حين قرر الرئيس البشير أن يطأ أرضها ويحل ضيفاً على المبنى الزجاجي الأنيق فى نيويورك التابع للمنظمة الدولية.
الرئيس البشير كان يمارس عملاً من أعمال السيادة الوطنية يلامس به سيادة الدولة الأمريكية، ذلك أن الولايات المتحدة الدولة العظمى التى لم تكف عن إمساك الأوراق وتسديد الضربات لخصومها، خاصة فيما يعرف بدول العالم الثالث لم تكن تدري أن (ضربة حرة مباشرة) كانت باتجاه شباكها، ومرماها، على أرضها وبين جمهورها.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يكن فى حاجة لما يزيد من (تعاسته) وهو يلعق جراح إجهاض الضربة السورية، وجراح أحداث مبنى المشاة البحرية (المارينز) فإذا بالسودان هو الآخر يضع أمامه خيارين لا ثالث لهما؛ أما منح التأشير –وفقاً لمقتضيات القانون الدولي والاتفاقية الموقعة مع الامم المتحدة بهذا الخصوص، ومن ثم خسران واشنطن (لورقة لاهاي) التى ما انفكت كل ما اهترأت تعيد تجديدها وخسران العالم الغربي بأسراه؛ وإما الامتناع عن منح التأشيرة ومن ثم الدخول فى (نزاع جانبي خطير) مع الامم المتحدة بمخالفة واشنطن الصريحة للاتفاقية الموقعة بين الطرفين.
لعلها المرة الأولى فى تاريخ الدولة العظمي التى تجد نفسها أمام خيارين فقط، كل خيار بمذاق مرارة الآخر. ولعل سائل قد يسأل عما إذا كان السودان يهدف الى هدف معين من وراء هذا الموقف.
بالطبع الإجابة نعم، فلو لم يكن للسودان هدف من وراء كل هذا الموقف ووضع واشنطن فقط فى هذا المأزق كفاه ذلك هدفاً نبيلاً تسير بقصته الركبان... ولكن السودان حقق عدة أشياء من وراء هذا الموقف نوجزها في:
أولها أنه أعطى واشنطن (درساً) فى القانون الدولي، ومن المؤكد أن أساطين القانون الدولي فى جامعة هارفارد يعكفون الآن على قراءة القصة المثيرة فى محاولة للخروج (برؤية مستقبلية) هي دون شك مربكة ومحيرة!
الأمر الثاني أن السودان (تحدى) واشنطن عملياً في عقر دارها بأنه قادر على أن يطأ أرضها دون أن تملك المساس به، إذ بصرف النظر هنا عن كل ما ترتب على الموقف فإن الرئيس البشير أثبت لواشنطن أنه -عملياً وفعلياً- لا يخشى منها لا ومن حلفائها طالما أنها دولة عظمى (ظاهراً) ولكنها أصغر من ذلك بالنظر الى القانون والعدالة.
الأمر الثالث أن السودان انتزع حقوقه انتزاعاً من  العالم وهو يؤكد على أن من حق الرئيس المشاركة فى كافة المحافل الدولية كحق أصيل يمارسه بنفسه ويتمنع عن ممارسته لتقديرات تخصه، وهذه النقطة الأخيرة شديدة الأهمية لأن الاعتقاد الذى ساد لسنوات أن دول القارة الأفريقية لا تستطيع الدخول فى تحدي مع الدولة الكبرى، عليها فقط أن تنصت وتقبل وتتقبل .
إن المشهد الذي خلفته هذه الواقعة الجليلة لن ينسى، فالسودان -بقوة الحق- أقوى مئات المرات من الولايات المتحدة بحق القوة!

الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

الوطني يشدد على إنفاذ البرنامج الإصلاحي الاقتصادي حزمةً متكاملةً

أقرَّ المؤتمر الوطني بأن الاقتصاد السوداني يمر بمرحلة حرجة، مشدداً على ضرورة إنفاذ البرنامج الإصلاحي حزمةً متكاملةً لإعادة الاقتصاد السوداني لسابق عهده، وحذَّر من تجزئة التنفيذ، في وقت استعجل فيه المالية اتخاذ إجراءات تقشفية لخفض الإنفاق الحكومي. وفي غضون ذلك هاجمت الخبيرة الاقتصادية عابدة المهدي المالية واتهمتها بالتسبب في التدهور الاقتصادي، لافتةً لفشلها في إدارة عائدات البترول وإهمالها الزراعة والصناعة.
وقال محافظ بنك السودان السابق القيادي بالوطني صابر محمد الحسن في ندوة الإصلاح الاقتصادي أمس  بقاعة الشارقة، إن برنامج الإصلاحات الاقتصادية برنامج شامل يستهدف استعادة الاستقرار وتحريك القطاع الحقيقي ويشمل سياسات مالية ونقدية، بجانب سياسات اجتماعية لتوفير حماية للفئات الضعيفة في المجتمع.
ومن جهته قال أمين الأمانة الاقتصادية بالوطني حسن أحمد طه، إن التدهور الأمني جزء أساس في القضية، الأمر الذي جعل الإنفاق الحكومي يزداد وينخفض خاصة في منطقة النيل الأزرق وجنوب كردفان، بجانب الاعتداء على هجليج وأبو كرشولا.
وفي ذات الاتجاه بدأ المؤتمر الوطني في العد التنازلي استعدادًا للانتخابات العام «2015» وكشف أنَّ عملية البناء سوف تبدأ مطلع العام المقبل فيما توقَّع البداية الحقيقيَّة في شهر أبريل في نفس العام فيما استبعد أن تؤثر الإصلاحات الاقتصاديَّة التي أقرَّتها الدولة في أعداد عضويته، وقال إنه يثق في وطنيَّة الشعب السُّوداني.
وأكَّد رئيس القطاع التنظيمي بالوطني مهندس حامد صديق عقب اجتماع القطاع أمس أن قضيَّة الإصلاحات الاقتصاديَّة قضيَّة وطنيَّة ولذلك تم عرضها على كل القوى السياسية، وحول موقف حزب الأمة قال: الرأي الفني موافق على الإصلاحات غير إن الرأي السياسي يختلف معنا ورأى ضرورة معالجة الاقتصاد كحزمة واحدة في كل محاورها وشدَّد على أن رفع الدعم يجب أن تصاحبه المعالجات وتطبَّق معه في وقت واحد

لماذا عادت جوبا مسرعة لأحضان الخرطوم؟

نجح الرئيسان الجنوبي سلفا كير والسوداني البشير فى وضع لبنة بناء علاقات واقعية على الأقل بين بلديهما فى الزيارة الأخيرة للرئيس ميارديت الى الخرطوم فى الثالث من سبتمبر 2013، ولعل من مفارقات القدر أن الزيارة تجيء قبل أن يكتمل عام – فى السابع  العشرين من سبتمبر الجاري – على ما عُرف فى تاريخ البلدين باتفاقية التعاون المشترك الموقعة فى 27 سبتمبر 2012 بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
ويوم أن وقعت اتفاقية التعاون المشترك بين الرئيسين كان الأمل داعب كليهما فى علاقات وثيقة قائمة على التعاون والاحترام المتبادل لعلاقات حسن الجوار، ولو كان للبلدين حسن حظ وقتها لكانت هذه الزيارة احتفاءً واحتفالاً باستكمال كافة مشاكلهما لعام كامل قبل أن تندفع جوبا باتجاه الخرطوم باحثة عن آفاق جديدة لعلاقتها بها فى مقدمتها قضية النفط أحد أهم ما ركزت عليه.
نجاح الرئيسين كير والبشير فى اللقاء فى حد ذاته كان مؤشراً على رغبة وإرادة البلدين فى حلحلة قضاياهما، فلأول مرة تسبق الزيارة عملية تحضير جيدة عبر وفد المقدمة الذى رابط فى الخرطوم ليومين، قطع فيهما فى العديد من القضايا والملفات المهمة بين الدولتين.
عملية التحضير وفقاً لمصادر تحدثت لـ(سودان سفاري) فى الخرطوم كانت بناءة ومختلفة تماماً عن عمليات التحضير السابقة ففي السابق كان غلاة المتشددين فى الحركة الشعبية يبالغون فى الأمور ويعملون على وضع القنابل الموقوتة فى طريق التعبيد، وحين يلتقي الرئيسان فإنهما يتفاجآن بأن الأمور ليست كما ينبغي.
لقد خادع الأمين السابق المقال للحركة الشعبية باقان أموم كثيراً ورتب لأمور بينما بلاده تفكر فى أمور أخرى الأمر الذي أدخل علاقات البلدين فى نفق مظلم. الزيارة الجنوبية الى الخرطوم وإن كانت قصيرة الوقت -ليوم واحدة- مع أنها كانت مقررة أن تستمر ليومين استطاعت أن تضع كل خلافات البلدين تحت المنشار، إذ ليس هناك فى العلاقات الدولية ما يمكن أن يستعصي على الحل طالما توفرت الإرادة السياسية لكل طرف فإلى أي مدى يا ترى توفرت الإرادة السياسية لطرفين هذه المرة؟
بلا شك كان الطرف الذى تعوذه الإرادة السياسية دائماً عن الطرف الجنوبي. الطرف الجنوبي نفسه لم تكن تعوذه الإرادة السياسية بقدر ما كانت تتلاعب به أهواء سياسية غير منطقية من شاكلة تمكين قطاع الشمال من الوصول الى السلطة ليسهل الحل.
لم يكن سراً أن مساعدي الرئيس الجنوبي أمثال أموم ودينق ألور كانوا يزينون له أن الحل السهل للقضايا الخلافية بين البلدين لا يتم مع الحكومة الحالية، إذ يجب أولاً إسقاط هذه الحكومة عن طريق دعم الحركات المسلحة ومن ثم يكون سهلاً سواء في ما يخص الحدود أو المناطق المتنازع عليها مثل أبيي والنفط الاتفاق مع سلطة وثيقة الصلة بالحركة الشعبية الجنوبية.
الآن مضى عامان على هذه المحاولات ولم تنجح وقد جربت جوبا كافة أشكال الدعم للحركات المسلحة ولكن لم ينجح مخططها فى بناء تحالف قوى يطيح بالحكومة السودانية ويحل محلها، ولهذا فإن الإرادة السياسية لجوبا لم تتوفر هذه المرة فحسب بقدر ما أنها صارت لديها قناعة بأن الطريق الى الحل هو بإلتقاء الجانب السوداني والتعامل مع السلطة الحاكمة الحالية بقدر من الصدق والجدية.
السودان من جانبه –مع إدراكه لهذه الحقيقة– سعى لكي يسهل مهمة جوبا فى الخرطوم حيث جرت عملية تمديد لإمدادات النفط وتصديره مما أرضى جوبا وأشعرها أن بالإمكان الاتفاق والتوافق!

طه والشباب .. هل آن أوان التغيير؟!

التصفيق الحار والهتافات الداوية التي قابل بها الشباب اول من امس تأكيدات النائب الاول لرئيس الجمهورية باتاحة الفرصة لهم لتولي المواقع القيادية بالدولة ،وقوله»عندما نتحدث عن التغيير والتجديد واتاحة الفرصة للشباب فهذه ليست مناورة ،انها قناعة،إنها قناعة،إنها قناعة»..يوضح ان نفوس الشباب تهفو نحو تغيير حقيقي يعبر بالبلاد من ازماتها الراهنة ،وترديد النائب الاول لمفردة قناعة ثلاث مرات يؤكد ان قيادة الدولة تدرك حتمية التغيير لانقاذ مايمكن انقاذه.
وبعيدا عن جدلية التغيير في منهج الحكم ام الوجوه ،كل المؤشرات والمعطيات تذهب ناحية ان شكل الدولة السودانية واسلوب ادارتها سيختلف في الفترة المقبلة عما كان عليه خلال العقدين الاخيرين ،ليس لارتفاع اصوات شباب الحزب الحاكم الناغمة،ولا لبروز تيارات اصلاحية داخل المؤتمر الوطني وحسب ،بل لأن الازمات التي تمر بها البلاد اوضحت بحسب القوى السياسية المعارضة انها تعود للنهج الخاطئ لحكم الاسلاميين ،والذي كشفت قيادات في الحركة الاسلامية بانه بات من الماضي ولابد ان يطاله التغيير بعد ان افرز الكثير من السلبيات والقليل من الايجابيات، ويعتقد مراقبون ان الحكومة والمؤتمر الوطني وصلا لقناعة ان متطلبات الوضع الراهن بالبلاد يحتم اجراء مراجعات تتبعها معالجات حقيقية.
وكان النائب الاول لرئيس الجمهورية قد وعد في الندوة الفكرية التي اقامها الاتحاد الوطني للشباب السوداني باتاحة الفرصة امام الشباب لتولي المواقع القيادية بالدولة في اطار التغيير والتجديد الذي دعت له قيادات المؤتمر الوطني ، وزاد» نقولها بكل صدق وصراحة بكم ومعكم نشيد المستقبل وسنكون سندا ودعما ،والمواقع متداولة ،وغدا ستأخذون مواقعكم ،حيث الان نحن موجودون،وقال»وعندما نتحدث عن التغيير والتجديد واتاحة الفرصة للشباب فهذه ليست مناورة ،انها قناعة،إنها قناعة،إنها قناعة».
والفرحة الكبيرة التي قابل بها الشباب تأكيدات النائب الاول لرئيس الجمهورية، يصفها المحلل السياسي محمد علي اونور، بالحقيقية ويراها رسالة واضحة للقيادة العليا للدولة والحزب الحاكم تشير الى ان المرحلة المقبلة تحتم منحهم المزيد من الفرص حتى يتمكنوا من الاسهام في تغيير الواقع الذي تمر به البلاد، وزاد»وفرحتهم تعني ايضا انهم غير راضيين عن الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تمر بها البلاد والتي تحتم حسب رؤية الشباب ان تكون هناك اصلاحيات حقيقية».
مشاركة الشباب وهي بطبيعة الحال تتعلق باولئك المنتسبين للحزب الحاكم ، وبرغم التأكيد على انها ستصبح واقعا ، الا ان هناك من يستبعد حدوثها بالشكل الذي ينشده الشباب ،ليس لانها ربما تشهد مقاومة من الحرس القديم ،ولكن لأنها ستبعد وجوها ظلت تسيطر على مقاليد الامور بالدولة والحزب منذ المفاصلة الاولى في الرابع من رمضان نهاية العقد الماضي ،معتبرين ان حدث مثل هذا اذا وقع ستترتب عليه الكثير من التوابع التي لا يمكن التنبوء بمالاتها.
ويشكك المحلل السياسي الدكتور صلاح الدين الدومة في موافقة الحرس على ترك السلطة ،متوقعا ان يعملوا على مقاومة كل خطوة تصب في هذا الاتجاه ،ويعتقد الدومة في حديث «للصحافة» ان تنزيل المبادرة على ارض الواقع تتوقف على رئيس الجمهورية ومدى ارادته في اصلاح حقيقي يضع حدا لمشكلات السودان ،ويتوقع البروفسير الدومة ان يعمل الحرس القديم على اجهاض المبادرة بشتى السبل خوفا على السلطة، وقال ان هناك من له مصالح في استمرار النظام بوضعه الراهن.
بالمقابل يعتبر المحلل السياسي محمد علي اونور ترديد النائب الاول لمفردة قناعة فى حديثه عن التغيير والتجديد «ثلاث مرات» تعبير عن توصل الحزب الحاكم الى ان قناعة الاصلاح وتغييرالنهج الذى تدار به البلاد، اصبح خيارا مقدسا مثل التقديس الذى عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم تجاه الام بتكريره كلمة «امك ثلاث مرات» كما ورد فى الحديث الشريف، وقال اونور ان الحزب الحاكم لم يعد امامه غير طريق واحد وهو احداث تغيير جذري واتاحة الفرصة امام الشباب.
الا ان هناك من يرى ضرورة اقتصار مشاركة الشباب على نسبة لاتتجاوز 25% في اجهزة الدولة ،وذلك لضعف خبرتهم وافتقادهم للحكمة واندفاعهم ،وهذا مايشير اليه المحلل السياسي الدكتور عبده مختار ،والذي رغم تأكيده على ضرورة اشراك الشباب من اجل اكتسابهم لخبرات العمل التنفيذي،الا انه وفي حديث «للصحافة» يؤكد اهمية مواصلة بعض من يصنفون في خانة الحرس القديم للاستفادة من خبراتهم، واعمالا لمبدأ عملية تواصل الاجيال ،وقال انه يفضل الدفع بالقيادات الوسيطة التي تنحصر اعمارها بين العقدين الرابع والخامس ،والا تتجاوز نسبة مشاركة من هم دون الاربعين ال 25%،ورغم ذلك يعتبر المحلل السياسي ان الشباب اقرب لضمير الشعب وانهم على ادراك عال باتجاهات الرأي العام ،وزاد: هم يختلفون عن القيادات التي انعزلت عن الجماهير وباتت كأنها في ابراج عاجية ،والدفع بالشباب يجب ان يأتي متدرجا حتى يمكن ان يسهموا في احداث التغيير المنشود.

(تخالف) المعارضة... عطاء لتوريد قادة جدد..!!

لا زال الخلاف بين مكونات ما يسمى بتحالف قوى الإجماع المعارض هو سيدا للموقف وتتجدد مظاهر هذا الخلاف يومياً بشهادة قادة المعارضة أنفسهم وآخر تلك التصريحات والإعترافات ما جاء على لسان رئيس حزب الامة القومي في مؤتمره الصحفي الأخير حين قال أنه لا يوجد تنسيق ولا مشاورات مع تحالف الإجماع الوطني فيما يتعلق بالمواقف المختلفة.
وبحسب الشواهد فإن خلافات عميقة تعتري المعارضة السودانية، تتفاوت ما بين الضعف التنظيمي الذي تعاني منه الأحزاب التقليدية، الأمة والاتحادي، وعدم تجاوب الشعب السوداني مع الأحزاب اليسارية، الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي، بسبب تأصل المكون الديني وسط الشعب، إضافة إلى عدم شعبية المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه حسن الترابي،

ويعزو البعض الاختلاف وسط مكونات المعارضة إلى اختلاف الرؤى حول كيفية إسقاط النظام تارة، وحول شكل الحكم الجديد الذي يجب أن يسود بعد انهيار النظام الحالي. وبالعودة إلى علاقة حزب الأمة بأحزاب التحالف، نجد أن هناك اختلافات أساسية بين الجانبين، ومرارات تاريخية وصلت حد وصف المهدي للمعارضة بالعجز والفشل، مما دعا بعض قادة الأحزاب إلى محاسبة المهدي كما فعل حزب "البعث"، وهو ما لم يتم؛ لأن بعض قيادات التحالف حاولت لملمة الخلافات والمضي قدما، كما أن بعضها كان يريد الحفاظ على حزب الأمة حتى يظل في منظومة الأحزاب المعارضة.

إلا أن البعض يرى أن ما يحدث من صراع بين الجانبين هو مجرد خلاف "شكلي"، خاصة فيما يتعلق بالاختلاف حول وسيلة إسقاط النظام. إلا أن آخرين يؤكدون أن ما يبرز من صراع بين التحالف وحزب الأمة القومي ليس بعيدا عن صراع داخلي يتم داخل الحزب نفسه، ومن ثم تصل إفرازاته إلى جسم التحالف، ودللوا على ذلك بالخلافات التي تظهر بين الفينة والأخرى حول من يشغل منصب الأمين العام للحزب.

ويقول مراقبون أن التجربة اثبتت أن المعارضة لا تزال تعاني من مشكلة جوهرية واحدة، وهى كيف تقود نفسها. وفقدان القائد الملهم والمجمع عليه ففي أحزاب قوى الإجماع وقد إمتدت بها سنوات العمر لم تستطع حتى الآن أن تستقر على قيادة بعينها؛ ويشهد على ذلك التنازع الأخير بين فاروق أبو عيسي و الصادق المهدي ثم عاد فاروق نفسه لينازع هالة عبد الحليم ثم محاولة أحزب اليسار أن تتسيد قيادة المعارضة ولكن لم يُكتب لها النجاح حتي الآن، بحيث يمكن القول إن قوي الإجماع هذه عاجزة عن الاجماع على قيادة أو حتى هياكل قيادية أو نظام سياسي أو برنامج سياسي أو الحد الأدنى من الرؤية الوطنية التى يمكن أن تجمع بينهم.فالوقائع والشواهد السياسية إذن نحن أمام داء سياسي فتاك يعبث بأجساد هذه المكونات السياسية فى السودان والتي تعاني أول ما تعاني من وحدة الهدف ووحدة القيادة وإنعدام السند الجماهيري، لهذا فإن من غير المنظور ولعشر سنوات قادمة أن تحقق هذه القوى المعارضة أدني قدر من ما تهدف إليه. والواقع يقول أن أحزاب المعارضة غير قادرة على توحيد نفسها، وقد رأينا كيف ماتت جبهة الخلاص الوطني التى كُونت قبل نحوٍ من ثلاثة أو أربع سنوات بقيادة أحمد إبراهيم دريج، وحركة العدل والمساواة، وبعض الحركات الدرافورية المسلحة، كما رأينا كيف ماتت الجبهة العريضة التى روّج لها قبل نحو أربعة أعوام على محمود حسنين فى العاصمة البريطانية لندن، وأعطاها زخماً وكأنها الطوفان القادم لاقتلاع السودان بأسره وليس فقط الحكومة السودانية ؛ فهذه المسميات لا تعدو كونها مسميات وهياكل فارغة وهشة، ومن السهولة بمكان أن تهتزّ فى أول اختبار لها. إذناً فأزمة التحالفات المعارضة فى السودان إنها قائمة على الأحلام وقدر من الأوهام، وفى نفس الوقت تستهين بالسلطة الحاكمة ولا تضع اعتباراً لرأى المواطن السوداني الذى يتمتع بقدر مهول من الذكاء ولديه الخبرة الكافية بشأن هذه القوى المعارضة التى جرّب معظمها الحكم وأخفق وفشل، ومن الصعب أن يمنحها المواطن السوداني الثقة التى نزعها عنها.

وبعد مرور نحو أربعة وعشرون عاما من قيام ثورة الإنقاذ ورغم مرور مياه كثيرة وتحولات سياسية عديدة جرت تحت جسر الإنقاذ لا زالت المعارضة تضع خطط إسقاط الحكومة على الورق، وعبر نقاط محددة ويجري التداول فيها في اجتماع حزبي معلن! ولعل الأمر الغريب في هذا الصدد، أن المتحدث باسم البعث محمد ضياء قال أن هناك آلية جرى تضمينها في خطة الإسقاط بغرض استخدامها في عملية الإسقاط لم يكشف عنها هل هي آلية سلمية سياسية أم عسكرية؟

إذاَ فالتجارب والمواقف تذهب إلى القول بأن السودانيين أياً كانت مواقفهم من الحكومة الحالية ، لازالوا يتندرون بمواقف المعارضة السياسية الضعيفة ، وآخرها موقف بعضاً منها المؤسف عقب هجوم دولة الجنوب واعتداءها على الأراضي السودانية ، عموماً فالتجارب والمواقف تقول إن قادة المعارضة لا تزال في مرحلة المراهقة السياسية الراشدة رغم بلوغ كثير من قادتها من الكبر عتياً ، ولكأن أهداف هؤلاء القادة هي فقط إعداد خطط إسقاط الحكومة وعرضها نهاية كل شهر مع إمساكهم بطرق إسقاط حكومة تضم أكثر من (14) حزباً سياسياً؟!

تأشيرة الرئيس (ورطة) دبلوماسية

في أحد الأعوام رفضت واشنطن منح الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات تأشيرة دخول الولايات المتحدة الأمريكية لمخاطبة الأمم المتحدة لأسباب سياسية تتعلق بتصنيف عرفات كإرهابي، وبحكم عدائه لإسرائيل الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، ما حدث حينها أن هيئة الأمم المتحدة وجهت انتقاداً إجرائياً لواشنطن غادرت بموجبه المبني الزجاجي في منهاتن ليخاطبها ياسر عرفات في جنيف.
* (ورطة دبلوماسية) دخلت فيها واشنطن أمس وهي تخلط ما بين السياسة والقانون وبطريقة (غير مسؤولة) وتطلق تصريحات تهديد حق الوفد السوداني بقيادة الرئيس عمر البشير في الحصول على تأشيرات لدخول الأراضي الأمريكية والمشاركة في منتدى يضم عدداً من القادة الأفارقة في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
* لست ميالاً لدخول الرئيس في مخاطرة السفر إلى نيويورك لأن الولايات المتحدة كشرت عن أنيابها من خلال تصريحات مستفزة قصدت من خلالها التأثير على قرار السودان بمشاركة البشير في أعمال الأمم المتحدة، ولكن يجب إن يتم تأمين حق الرئيس والوفد المرافق له في الحصول على التأشيرة الأمريكية وبلا مطاولات لان اتفاقية المقر تلزم واشنطن بتسهيل حصول الرؤساء والوزراء والسفراء على التأشيرات وتأمين وإقامتهم باعتبارهم أعضاء في الأمم المتحدة.
* ليس من حق الولايات المتحدة بموجب القانون تحديد قائمة المدعوين لحضور مناشط الأمم المتحدة، كما إن دخول مبني الأمم المتحدة لا يعني زيارة الأراضي الأمريكية.
* درجت الولايات المتحدة على الخلط بين السياسي والقانوني بطريقة أفقدتها مصداقيتها وجعلت من مواقفها غير جديرة بالاحترام، فالأمم المتحدة بالطبع ليست جزء من مؤسسات الإدارة الأمريكية حتى تتحكم في قائمة المدعوين لمناشطها على هامش أعمال الجمعية العامة.
* استقبلت الأمم المتحدة على مر تاريخها رؤساء لا تجمعهم (علاقة حب) بالولايات المتحدة الأمريكية من أمثال شافيز واحمدي نجاد وحتى القذافي، وهذا الأمر يؤكد على إن القانون الدولي يلزم واشنطن بالتحرك أحياناً ضد إستراتيجية الحب والكراهية التي تتبعها في التعامل مع الزعماء.
* لم تكن الولايات المتحدة محقة وهي تربط تأشيرة البشير بتداعيات المحكمة الجنائية باعتبار أن الأخيرة ليست جزءاً من وكالات الأمم المتحدة وان ثلاثة من الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن غير موقعين على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية بما فيهم (أمريكا) نفسها إلى جانب الصين وروسيا.
* بل أن الجدل مازال قائماً على أشده حول علاقة الجنائية بالأمم المتحدة، حيث ظل القرار (1593) يفجر سؤالاً ظل يتردد باستمرار حول أحقية المحكمة الجنائية في أحالة قضية البشير إلى مجلس الأمن.
* نعم نجحت الخارجية في التعامل مع الأمر بمهنية في عالم لا يميز بين ((خبيث)) المؤامرات و((طيب)) الاحتكام إلى القانون، فأدخلت الدبلوماسية الأمريكية في (مطب قانوني ودبلوماسي).
* نتمنى إن تواصل الخارجية في تعرية الموقف الأمريكي، متي وقف تيرمومتر الحب والكراهية حائلاً بين تمتع الدول المنضوية تحت لواء الأمم المتحدة بحقوق المشاركة في أعمال الجمعية العامة؟..
* واشنطن لا تحترم السودان هذه معلومة، ولا تحترم القانون الدولي بل تستخدمه في تصفية خصومها السياسيين وتسخره لخدمة أجندتها بامتياز، هي كذلك لا تحترم الأمم المتحدة، الم يقل مندوبها الأسبق جون بولتون عن المنظمة الدولية انها (مكان كبير لاستهلاك الورق والأكسجين)..

بيان الترويكا .. صب الزيت على نار " أبيي" ..!!

رغم أن ما تبقى للإستفتاء الذي أعلنته حكومة جنوب السودان فترة لا تزيد عن أيام الشهر الواحد، إلا أن كل المؤشرات والإرهاصات تشير إلى قيام الإستفتاء الذي يخير سكان المنطقة بالإنضمام إلى الدولة الوليدة أو إلى نظيرتها الأم، ورغم تأكيد طرفي الأزمة في الشمال والجنوب على أهمية حل القضية العالقة منذ توقيع إتفاقية السلام على وجوب حسمها داخل البيت السوداني دون الحاجة إلى وسيط، مثلما أكد "سلفا" في أكثر من مرة أن أبيي لن تكون عائقاً أمام البلدين، مستبعداً تماماً الرجوع للآلة الحربية لحسم تبعية المنطقة، وذات اللهجة التصالحية أبدتها الحكومة السودانية وأظهرت المرونة اللازمة للوصول إلى حلول ناجحة.. وغير بعيد من ذلك الحديث الذي أطلقه وزير الخارجية السوداني "علي كرتي " برفض بلاده الوساطه الأمريكية في شأن الملف، وقوله أن بلاده ترفض أية وساطة أمريكية في قضية أبيي، عاداً (أمريكا غير مؤهلة للحديث عن قضايا السودان الداخلية)، وقال إن السودان لن يقبل بأي حديث في هذه الموضوعات ، (وهذه قضايا لا تهم أمريكا ولا غيرها، وأبيي هي القضية الوحيدة التي تبقت لأمريكا لإفساد العلاقة بين السودان والجنوب)، مؤكداً أنه لن يكون لمبعوث الرئيس الأمريكي دور في قضية أبيي.
بعد كل تلك الإشارات الإيجابية من طرفي القضية وسعيهم المصحوب بالتصريحات المتقاربة، تبدو الآن في طريقها إلى التعقيد مرة أخرى، ومجموعة دول (الترويكا) التي تضم أمريكا وبريطانيا والنرويج تحت الأطراف المعنية لتخطو خطوات محسوسة لإجراء إستفتاء آمن وشفاف وفي موعده في منطقة أبيي.
تخفيف الأزمة
لقاء الرئيسين في الخرطوم خلال الأسابيع الماضية، أزال كثيراً من الإحتقان الذي تولد بعد إتهامات الخرطوم لجوبا بدعم قوات الجبهة الثورية، وتصاعد الخطاب الجنوبي بإجراء إستفتاء أبيي في المنطقة، إلا أن اللقاء الذي لم يمتد إلى أكثر من ساعات قلائل، ورغم تحاشيه الحديث عن أذمة أبيي في المنطقة (الملغومة)، فإن تصريحات الرئيسين خففت كثيراً مما يعتمل في النفوس، يعضدها تأكيد الرئيس "البشير" في كلمته أثناء اللقاء عزم السودان على إيجاد حل نهائي ومرضي للأطراف كافة في أبيي بما يضمن تعايشاً سلمياً بين مكونات المجتمعات المحلية توطئة لإيجاد تسوية نهائية للمسألة، وإشارته إلى ضرورة حل أزمة المنطقة المتنازع عليها حتى لاتكون خنجراً في خاصرة علاقات البلدين مستقبلاً. وكان حديثه متناغماً مع حاجة الشعبين إلى عدم اللجوء إلى مايحرق الحرث والنسل مرة أخرى بعد عقود الإحتراب التي لم تنزع من النفوس حتى إنفصل الجنوب عن الشمال.
تلك القمة أظهرت تماماً أن ما يجمع بين الدولتين أكثر من ما يفرق. ولعل قائدي البلدين يضعان نصب أعينهما أن أي تدخل دولي من شأنه أن يزيد الأزمة تعقيداً، ولن يعجل بحلها وسيصب المزيد من الزيت على نار الخلافات التي بدأ أوارها في الخفوت شيئاً فشيئاً.
مسارات وسيناريوهات
وكان الإتحاد الإفريقي قد تبنى في قمة رؤساء الدول سبتمبر من العام الماضي المقترح الذي تقدم به رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى "ثامبو أمبيكي"، الذي ينص على إجراء إستفتاء أبيي في أكتوبر المقبل. وقوبل ذلك المقترح برفض من قبائل (المسيرية) التي تصر على التصويت في الإستفتاء المزمع إجراءه في المنطقة.
ونحفظ السودان على هذا المقترح في حينه، وأكد (لا ينبغي أن يؤسس على هذا المقترح أي إجراء)، إلا أن الناظر "مختار بابو نمر" طالب الحكومة بأن تكون أكثر حسماً تجاه القضية، وأبلغ (المجهر) أمس أن على الحكومة أن تتخذ مواقف أكثر وضوحاً، خاصاً وأن منطقة أبيي ليست ملكاً ل(المسيرية) وحدهم، بل هي تتبع للحكومة، مشيراً إلى أنهم دفعوا برأيهم القوي تجاه تلك القضية.
أما في جانب (دينكا نقوك)، فلا يمكن إغلاق الحديث الذي أطلقه الدكتور "لوكا بيونق" القيادي بالحركة الشعبية لتحرير السودان والناشط في قضية إستفتاء أبيي، حول الخطوة التي ستقدم عليها عشائر (دينكا نقوك)، في حال فشل قيام الإستفتاء في أكتوبر بعد رفض الخرطوم لقيامة في الوقت المحدد..
قال "بيونق " إن في هذه الحالة يحق ل(دينكا نقوك) أن يرفعوا القضية في محكمة العدل الدولية ضد السودان الذي إتهمه بأنه يماطل في تنفيذ إتفاق سياسي بين الطرفين، كما أبان أن عشائر (دينكا نقوك) التسع يمكنها في حال رفض السودان، أن تقوم بإجراءات للتصويت من طرف واحد وإجراء الإستفتاء بالطرق العادية لصالح خيارها النهائي، من خلال الإستعانة بأعضاء المفوضية التي قامت بإجراءات إستفتاء جنوب السودان في 2011م. وأضاف بالقول: (لكن هذا يحتاج إلى موقف واضح من حكومة جنوب السودان).
ولم يستبعد "بيونق" أن تقود تلك الضغوط إلى تدخل الأمم المتحدة وفرضها للوصاية على المنطقة إلى حين قيام الإستفتاء، أو أن تتم إحالة الملف برمته إلى مجلس الأمن الدولي في حال فشل الطرفين في التوصل إلى حل للقضية، لكن هذا أمر يتطلب جهداً دبلوماسياً كبيراً للتأثير على مواقف روسيا التي تنظر إلى مصالحها الإستراتيجية مع السودان، إلى جانب الصين التي تربطها علاقات تجارية مع الخرطوم،. كما رجَح إمكانية إقدام عشائر (دينكا نقوك) المقيمة في أبيي على جمع توقيعاتهم التي يمكن أن تصل إلى(60.000) توقيع، وإعلان أبيي منطقة تابعة لجنوب السودان، وتلك الخيارات المتعددة ل(دينكا نقوك) يمكنها أن تحدث إضطراباً واسعاً في المنطقة رغم الأصوات العاقلة داخل الحركة الشعبية التي تستبعد خيارات التصعيد، ولكن حديث "بيونق" لا يمكن تجاوزه خاصة ببعد أن المح إلى إمكانية التدخل الأجنبي في القضية التي يمكن أن تتخذ مسارات جدية غير التي رسمها قادة الدولتين في حال إعتزمت الجهات الأجنبية مثل (الترويكا) إقحام نفسها في القضية.
ثم جاء بيان قرار (الترويكا) في وقت يمكن وصفه بالحرج جداً بعد إقتراب الموعد المضروب من دولة الجنوب لإجراء الإستفتاء في أبيي، وقد يكون توقيت البيان قريباً من التصريحان التي وصف خلالها "سلفاكير" الإتحاد الإفريقي بعدم الجدية والفشل في إنفاذ مقترحه بإجراء إستفتاء أبيي في موعده، وثمة ما يتسربل رويداً رويداً بأن تلقي تلك الدول في روع طرفي الأزمة أن مفاتيح الحل مخبأة في خزانتها بقدراتها اللوجستية والإقتصادية والسياسية، وهو ما قد يجر الأقدام والأعين الدولية إلى النزول في باحة أبيي، بعد أن تهيئ الدول الغربية الأجواء بمثل هكذا بيانات.. ولهذا، فإن إبقاء حل المنطقة حلاً جذرياً رهين بأن لايخرج عن إطار الحل السوداني أو الإفريقي بعيداً عن عدسات أصحاب الأعين الخضر.      

رجال الخط الاحمر .....

قالت قوى المعارضة السودانية – وهي تعاني النزع الأخير لروحها السياسية – إنَّ رفع الدعم عن المحروقات خط أحمر! فصحاء تحالف المعارضة تباروا فى تحدي الحكومة السودانية ولكنه تباري أجوف بكل ما تعنيه الكلمة، فلو كانت الحكومة السودانية تخشى قوى المعارضة لما لجأت الى هذا الخيار الصعب مهما كان الثمن.
المعارضة من جانبها درجت على الانتظار عند حافة النهر مترقبة وصول جثمان الحكومة السودانية دون أن تتأكد، هل الحكومة قد تمزقت بالفعل أم أنها تمارس (رياضة السباحة)؟
إن كان للمعارضة السودانية خطاً أحمر فهو بالتأكيد فى كوكب آخر خارج مجموعتنا الشمسية، فليست هذه هي المرة الأولى التى تخط المعارضة فيها خطاً أحمراً للحكومة على الطريقة الصبيانية القديمة التى حين يتشاجر اثنان من الصبيان فإن أحدهما يخط خطاً على الأرض يتحدى فيه خصمه على تجاوز هذا الخط!
للأسف الشديد تحاول المعارضة وضع خطوطاً حمراء لا تقع على حصر طوال أكثر من عقدين من الزمان وفى كل مرة يتراجع الخط الأحمر ويتوارى ثم ما تلبث أن تخطه المعارضة من جديد فيأتي دفق السيل ويجرفه فتعود المعارضة لخطه من جديد وهي لا تلوى على شيء!
وما من شك أن تحالف المعارضة -قبل يومين فقط- نعى نفسه قبل أن يلفظ أنفساه الأخيرة! نعي أشبه بنعي الشاعر العربي الشهير مالك بن الرّيب. الفارق الوحيد بين الاثنين أن الأخير كان يتناول الأمر بشفافية الروح، وصدق الوجدان، أما قوى المعارضة فهي نعت نفسها وهي تلطم خدها وتشق جيبها لمجرد شعورها أن حزبين من مكوناتها (الشعبي والأمة القومي) لم يعودا (داخل الحظيرة التحالفية) فقد فضلا الخروج الى الأجواء الطليقة الرحبة.
ولهذا فإن مجرد تفكير مكون من مكونات التحالف فى مغادرته لسبب أو آخر يعني أن هناك (خطأ ما) داخل التحالف وبدلاً من أن تهدر قوى المعارضة وقتها في (وضع الخطوط الحمراء) للسلطة الحاكمة، فقد كان عليها أن تخط خطوط حمراء (أصغر قليلاً)  داخل التحالف للحيلولة دون خروج الذين يضيق بهم ماعونها السياسي الضيق الأفق، المتشبث بالماضي وحده لاستعادة الحاضر، ولا نظرة لديه للمستقبل.
لقد بكت هالة عبد الحليم على التحالف وبكى فاروق أبو عيسى على ما آل إليه التحالف وذرفوا دموعاً كان من الممكن أن تملأ محيطاً ولكنهم مع كل ذلك لم يكفوا عن وضع الخطوط الحمراء للحكومة السودانية.
ولو كانت هذه الخطوط (الوهمية) الافتراضية تثير خشية الحكومة السودانية لكانت استسلمت لتحالف المعارضة منذ أول خط أحمر خطته المعارضة منذ سنوات إن لم تكن عقود.
على تحالف المعارضة أن يسعى باتجاه تخطيط بناءه العشوائي الذى تهدم بفعل الرياح والعواصف ولم يعد المناخ الخانق داخل التحالف يروق لأي مكون من مكوناتها دعك من أن تقود الشارع الى تظاهر لإسقاط الحكومة!

قصة رجلين يلاحقهما الفشل!

من المؤكد أن مياهاً كثيرة تكون قد جرت تحت ذهن وخيال كل من مبارك الفاضل وإبن عمه نصر الدين الهادي فهما الآن يشهدان تلاشي الثورية، بانسلاخ ضباط كبار (من رتبة العميد فما فوق) ويشهدان ويشاهدان تقارب الأمة القومي (حزبهما الوحيد) مع الوطني بحيث يصعب عليهما أن يكونا (خارج الإطار) ويشهدان أيضاً كيف انشقت الأرض وابتلعت وثيقة الفجر الجديد المشئومة فلم يعد يذكرها أحد، فحتى حليفهم الوحيد زعيم حزب الوسط الدكتور الكودة (آخر الموقعين على الوثيقة) خرج تاركاً وراءه كل متاعه السياسي مكتفيا بركن قصي بعيد يرقب ويراقب غريزة حب البقاء فيه.
من المؤكد أن مبارك الفاضل يعيش تعاسة من نوع فريد إذ لا أمل في إحياء حركة مسلحة على غرار الثورية من جديد بوسعها أن توجه ضربات فى العمق للإطاحة بالحكومة السودانية فى الخرطوم.
الثورية كانت حلماً وأصبحت الآن كابوساً فى منام مبارك الفاضل ونصر الدين الهادي، فقوات الحلو فضلت الانخراط فى عمليات التنقيب عن الذهب ربما بحثاً عن (مستقبل شخصي خاص) لا توفره ولن توفره مطلقاً الثورية، لا الآن ولا بعد نصف قرن من الزمان.
أما عقار فإن ضباط فرقته العاشرة لم يعودوا يثقون فيه وفي رمزية قيادته وانسلخ الكثيرون منه. فى الداخل فإن القوى السياسية المنتظرة أن تصبح قوى إسناد سياسي داخلي للثورية وهو تحالف المعارضة فقد نهش كلب الخلاف أحشائه وتشرذم التحالف وتقطعت به السبل، وقد تم نعيّ التحالف بواسطة قادته اليساريين أبو عيسى وهالة لحين الوصول الى البر!
مبارك الفاضل زاد غيظه واتسع نطاق مأساته حين انفضَّ عنه سامر ضباط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ولم يعودوا يؤنسون وحشته السياسية وهو الذي عول عليهم فى وضع قدمه على عتبات القصر الرئاسي الفاخر قبالة النيل.
نصر الدين الهادي أكثر سوءاً فالرجل خسر أهله فى جنوب كردفان منذ أن عاثت الثورية قتلاً وذبحاً فى أهله هناك وخسر قادة الثورية الذين حجبوا عنه المال والسلطة وأمعنوا في إذلاله، فحتى كمبالا لم تعد تتسع له إذ ليس سراً أن الرجل بات يخشى من التجوال فى كمبالا مخافة أن تنتاشه رصاصة (غير طائشة) من رفاقه فى الثورية.
لقد فكر نصر الدين مراراً فى العودة ودفع فاتورة ما اقترفته يداه فى حق وطنه وحزبه، ولكن كلما أمعن النظر في تكلفة الفاتورة تراجع. وليس سراً أيضاً أن مبارك الفاضل يقف حائلاً بينه وبين عودة سوف تفضي الى أن يتركه هناك وحيداً، وينال منه مغتربه الإجباري ومنفاه الموحش نيلاً.
إنها قصة رجلين انخرطا فى (سلك إجرامي) بدعوى السياسة والوصول الى السلطة ألقت بهما أمواج الزمان الهادرة الى الساحل الغربي حيث حيتان المحيط الهائلة واسماك (القرش) التى لا ترحم!

قرار رفع الدعم.. نظرة أعمق!

من المهم جداً -ودون أن ندافع دفاعاً أعمى عن قرار رفع الدعم عن المحروقات- أن ننظر الى الواقع الاقتصادي السوداني نظرة موضوعية منصفة. فالأمر هنا لا يتعلق بأحلام سياسية أو أمانٍ وردية فحين يجري الحديث عن الاقتصاد فالأرقام وحدها من تتحدث ولا شيء سواها.
صحيح أن الاقتصاد فى جانب منه ليس سوى محمول من محمولات عدة للسياسة وصحيح أيضاً أن الاقتصاد السوداني طالت فترة أزمته دون أن يقع انفراج يمكن اعتباره انفراجاً حقيقياً يلمسه المواطن السوداني فى حياته ومعاشه. ولكن بالمقابل فإن رفع الدعم -حتى ولو تباينت المواقف بشأنه- هو قرار واقعي وعلينا أن نضع هنا عدة اعتبارات.
الاعتبار الأول أن السودان كغيره من بلدان عديدة فى العالم يتبنى اقتصاد السوق بكل ما تعنيه من تحرير للأسعار وإطلاق العنان للسلع والبضائع لتعرض نفسها وتحدد نسبة الطلب عليها.
اقتصاد السوق واحدة من تبعاته نأي الحكومة عن التدخل لتسعير السلع كبديهية معروفة وهذا بدوره يقتضي أن يكون كل شيء يُقدم للمواطن السوداني ينبغي أن يقدم بسعره الحقيقي، وهذه هي المعضلة، فالحكومة السودانية لأسباب إرتئتها منذ سنوات ظلت تدعم بعض السلع الحيوية حرصاً منها على مستوى معيشي متوازن للسودانيين وهذا هو مربط الفرس فى الواقع فى القضية كلها.
ففي اللحظة التى شعرت فيها الحكومة أن دعمها لهذه السلع قد أصبح عبئاً على الدولة وأنها لا تتعامل مع الأمر بواقعية اضطرت لاتخاذ هذه القرار، ولهذا فهو يبدو كقرار عنيف أو مؤثر بينما هو فى الحقيقة قرار يصب فى مصلحة الاقتصاد عموماً إذا كنا نتحدث عن الشفافية وضرورات الواقعية.
الاعتبار الثاني الوثيق الصلة بالاعتبار الأول فإن من الصعب القول إن الحكومة السودانية تملك بدائلاً أخرى ولكنها غفلت عنها فأيِّ بديل آخر موضوعي ومعقول -إن وجد- كان سيكون أفضل لها من خيار كهذا؛ وهو ما يشير الى أن الخيارات قد سُدت أمامها لأن هذا الخيار -إن لم تكن الحكومة صادقة وواثقة من نفسها- هو الأخطر عليها!
بمعنى أدق فإن الحكومة لو لم تكن جادة ومضطرة لهذا القرار لما لجأت إليه لأنه -لو كانت تخشى على بقائها- لما لجأت إليه.
الاعتبار الثالث أن الحكومة السودانية تنظر الى الاقتصاد السوداني نظرة أشمل، نظرة إستراتيجية، فهي تواجه تحديات سياسية وأمنية وحروب على الأطراف، وتواجه استحقاقات عمليات سلمية فى الشرق وفى دارفور (تنمية وترتيبات أمنية) ولتواجه عملاً مسلحاً فى جنوب كردفان والنيل الأزرق. لو لم تتخذ الحكومة موقفاً استراتيجياً حقيقياً وسط كل هذا الكم الهائل من المشاكل فإن من المؤكد أن هذه المشاكل سوف تعصف ليس فقط بالاقتصاد ولكن بكل شيء.
وهكذا فإن قرار رفع الدعم الذى لا يختلف خبراء الاقتصاد على كونه (علاجاً بالكيّ) إلا أنه اقصر الطرق لمعالجة بعض أدواء الاقتصاد السوداني، وربما تنفرج الأمور أكثر كلما تنامت خطوات التطبيع وتحسن العلاقات بين الخرطوم وجوبا وإذا نجح السودان فى مسعاه لإلغاء ديونه.

الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

حين يغرق قطاع الشمال فى فيضان الجيش السوداني!

قطاع الشمال -عملياً- ليس لديه القوة التى تجعله مؤثراً فى الميدان العسكري والسياسي. علينا أن نقرّ بهذه الفرضية طال الزمن أو قصر. صحيح أن القطاع المختفّي فى ثياب الثورية يتلقى دعماً رغداً من جوبا، وصحيح أيضاً أن هذا الدعم -سياسياً ولوجستياً- له تأثيره ولكنه تأثير لا يمكن رده الى القطاع فى حد ذاته فهو يرجع الى جوبا باعتبارها المستفيد رقم واحد.
وسواء أوقفت جوبا دعمها طواعية أم جبراً، فهي على أية حال لا تستطيع أن تظل داعمة للقطاع طويلاً. هناك استحقاقات داخلية خاصة بدولة الجنوب بدأت القيادة الجنوبية مؤخراً تنتبه إليها.
وإذا ما أراد الرئيس ميارديت أن يدخل الى حلبة الاستحقاق الانتخابي فى العام 2015 فإن الاستحقاقات المطلوبة منه يأتي فى ذيلها -بل في آخر الذيل- دعم حركة مسلحة من المستحيل أن تحقق شيئاً على الأرض، فالرئيس كير نفسه يعلم المدى الذى استطاعت حركته أن تصل إليه فى حربها الضروس مع المركز لما يقارب العقدين الزمان.
على ذلك فإن إعلان القطاع وقفه إطلاق النار - وهو أصلاً لا يملك النار الكافية - دعماً منه لكارثة السيول وفيضانات لم تكن سوى خدعة واضحة، وهو الأمر الذى جعل الجيش السوداني وعبر المتحدث الرسمي بإسمه يرد على الخطوة بأنها بلا قيمة. ومن المؤكد أن الجيوش تعرف قوة بعضها والمقاتلين وحدهم فى الميدان هم من يتسنى لهم وزن بعضهم بميزان الذهب.
غير أننا وبعيداً عن رؤية الجيش السوداني وهو ذي خبرة غير قليلة بالقطاع وألاعيبه، نتأمل قليلاً فى الدعوة التى قدمها القطاع ونمعن النظر فيها لنرى ما إذا كانت دعوة جادة وحقيقية تستحق أن يُنظر إليها أم لا.
أولاً: القطاع -لسو حظه- قصد تقديم الدعوة وطائرة الرئيس الجنوبي تستعد للإقلاع من جوبا لتحط رحالها فى الخرطوم فى زيارة تعتبر بكل المقاييس شديدة الأهمية وشديدة الأثر على مجمل الأوضاع فى الدولتين بما فى ذلك القطاع نفسه.
أي سياسي مبتدئ يمكنه أن يفهم (سطور الرسالة) فالقطاع يهدف الى إعطاء انطباع انه (وبكل براءة) يمد يده الى الخرطوم ويعزز ما يمكن أن يتباحث فيه الرئيسين البشير وكير ولكي يصبح الرئيس الجنوبي نفسه (فى وضع أفضل) وهو يتباحث مع رصيفه السوداني كون أنه ألزم القطاع ولو افتراضياً بوقف هجماته توطئة لتفاوض سياسي بعيداً عن الحرب.
وإن شئنا الاستيثاق من هذه الحقيقة فإننا نتذكر الدعوة التى وجهها الرئيس كير الى ياسر عرمان؛ أو شئت الاستدعاء الذى بموجبه سارع عرمان وطار الى جوبا فى اجتماع مغلق بين الاثنين لم يعرف أحد بعد ما دار فيه. من المؤكد أن الأمر جرى بحثه ووضعت (خطة) ما كي يبد وكأن جوبا تفرض على القطاع تهدئة الأمور ومن ثم يدخل فى تفاوض مع الخرطوم.
الأمر الثاني أن القطاع ربما كان يدبر لشيء ما فى جبهة أخرى غير جنوب كردفان التى سئم المواجهة فيها وخسر ما خسر فى جبالها الوعرة.
القطاع يدبر لمهاجمة النيل الأزرق وقد قام المتمرد الحلو بنقل ضباط من الفرقة التاسعة فى جنوب كردفان الى النيل الأزرق لهذا الغرض، فالعملية إذن عملية إلهاء مقصودة. وأخيراً فإن القطاع –قبل أبو كرشولا– كان فى موقف تفاوضي معقول ولكنه وبقدر وافر من الحماقة أراد توسع مدى المواجهة ظناً منه أن ذلك يتيح له وضع أفضل فقام بمهاجمة كردفان على نحو لا يخلو من مخادعة وخسة فى المخادعة نفسها

لوكا بيونق.. سياسي يلعب بأعواد الثقاب

د. لوكا بيونق دينق، مواطن من منطقة أبيي، وزميل كلية هارفارد كنيدي للحكم والإدارة، وعدا ذلك فإنّ كل صفة تلحق باسمه لابد أن يضاف إليها كلمة (السابق). ورغم تصريحاته المفخخة التي يدلي بها بشأن أبيي كيفما اتفق، إلا أن د. لوكا لا يحمل أية صفة في الواقع تجعل تصريحاته أو في الواقع تهديداته للضغط في أبيي وفرض وصاية دولية عليها ذات قيمة. فمنذ أن تفاجأ الرجل بقبول سلفا كير لاستقالته من رئاسة الهيئة الإشرافية المشتركة بأبيي يناير الماضي، أصبح يبحث بإلحاح لافت للعودة إلى واجهة الأحداث والظهور بمقال حيناً، وبتصريح حسبما دفع به لـ (الرأي العام) أمس حيناً آخر.
تلويح
في الأيام التي سبقت قمة البشير سلفا كير الأخيرة، لوح لوكا بورقة وضع أبيي تحت الوصاية الدولية حال لم يتم الاتفاق على الاستفتاء في أكتوبر بين الرئيسين، ولما اتفق الرئيسان على عدم الإكتراث إلى تهويش لوكا وتناولا قضية أبيي بهدوء يراعي مصلحـة المواطنين فيها من الجانبين من خلال الاتفاق على الإسراع في وضع الترتيبات الانتقالية الخاصة بالمنطقة قبل الوصول للحل النهائي، خرج د. لوكا مرة أخرى بالتلويح بإجراءات وتحركات دبلوماسية ومدنية لحث الرؤساء الأفارقة على إجازة وإلزام الأطراف بمقترح الحل النهائي لأبيي وإجراء إستفتاء بحلول أكتوبر. وكشف عن إجراءات يخطط لها أبناء أبيي للتعبير عن رأيهم في تبعية المنطق عبر طرق ثلاث منها جمع توقيعات.
ُطرق
ليس مهماً الطرق التي حددها لوكا بيونق للضغط في أبيي، المهم أنه اكتسب في الفترة التي أعقبت ابتعاده عن جوبا وذهابه للهجرة في الولايات المتحدة الأمريكية خبيراً في رسم الطرق والسيناريوهات المعطوبة، حيث تجئ الأمور غالباً عكس ما تمضي مقالاته التي نشر آخرها قبل (10) أيام في «سودان تريبيون» ولا يعرف أقرب الناس إليه حتى الآن ما إذا كان لوكا يقظاً أم حالماً عندما كتب ذلك المقال.
تصريحات لوكا ومقالاته في الأونة الأخيرة تهدف لإحراج الرئيس سلفا كير وإظهاره بمظهر الضعيف وغير القادر على اتخاذ إجراءات بشأن أبيي، فقد حذّره في مقال سابق من افتقاد شعبيته كلما اقترب من الرئيس البشير الذي يرهن تدفق النفط بوقف الدعم للجبهة الثورية والفرقتين التاسعة والعاشرة، وقال إن الرهان يجب أن يكون على حكام السودان الجدد الذين سيقومون بالعمل على التوصل إلى حل ودِّي بخصوص المناطق الحدودية المتنازع عليها وسيتوصلون إلى حل للوضع النهائي لمنطقة أبيي وفقاً لمقترح الإتحاد الأفريقي، كما سيسمحون بتدفق البترول الجنوبي عبر السودان بأقل الرسوم, وربما مجاناً على حد قوله.
وفي مقال نشره مطلع يونيو الماضي بصحيفة «نيو نيشن» رسم د. لوكا سيناريوهات متعددة لنهاية النظام في الخرطوم قال فيه إن النظام وصل إلى طريق مسدود, وإن زواله بات وشيكاً ولا رجعة فيه مهما حاول حزب المؤتمر الوطني تغيير سياساته تلبية لتطلعات الشعب السوداني. ومضى لوكا الذي أصبح في الآونة الأخيرة ناشطاً صحفياً لوضع سيناريوهات تبشر بأن كل ما يصدر منه بشأن أبيي لن يتحقق، نظراً لتوقعات وسيناريوهات خائبة لإسقاط النظام، عندما قال إن السيناريو الأول هو أن يصطنع النظام انقلاباً عسكرياً يضمن له الخروج السلس ويسمحُ بتكوين حكومة قومية تشرف على عملية صياغة دستور دائم وإجراء انتخابات عامة. والسيناريو الثاني هو أن يتنحى البشير كرئيس للسودان وأن يسمح لنائبه الأول علي عثمان بإدارة عملية تفاوض مع الجبهة الثورية لتكوين حكومة قومية وصياغة دستور دائم وإجراء انتخابات عامة في 2015. أما السيناريو الثالث يتمثل في تكثيف الجبهة الثورية لعملياتها العسكرية متزامنة مع هبَّة شعبية في مدن السودان الرئيسية, وهو ما سيؤدي لسقوط النظام وتكوين حكومة قومية جديدة تقوم بتطبيق ميثاق الفجر الجديد.
محركات
الراصد لما يصدر من د. لوكا بيونق في الآونة الأخيرة، يجد أنه أمام أكثر من نسخة من لوكا. فعندما ظهر لوكا بيونق مع أزمة تجميد الحركة الشعبية لوزرائها في حكومة الوحدة الوطنية على أيام نيفاشا، ظهر كحمامة سلامة ورجل يجنح للحلول التوفيقية، وقد لعب دوراً في حل كثير من الخلافات في مسار الشراكة خاصةً عندما كان وزيراً لشؤون الرئاسة في الجنوب، وكان أداؤه في الفترة التي سبقت اسـتقالته من وزارة مجلس الوزراء الاتحادي جيداً، إلى جانب علاقاته الاجتماعية الجيدة كذلك مع الكثيرين شمالاً وجنوباً.
لكن، لوكا بيونق آثر الصعود لواجهة الأحداث بقضية أبيي منذ أن استقال بسبب دخول الجيش إليها قبل شهر من الانفصال بسبب الاستفزازات المتكررة هناك. وفيما رجحت بعض المراصد الصحفية في الخرطوم أن هدفه من تلك الاستقالة أن يبرز كبطل في نظر أبناء منطقة أبيي بعد اتخاذ ذلك الموقف المتعاطف معه، ولكنه نفى في حديث سابق معي ذلك. ولكن الحقيقة غير القابلة للنفي انّ لوكا بيونق ودينق ألور وإدوارد لينو وقيادات أخرى كانت نافذة في الجنوب من أبناء دينكا نقوك ظلوا يقومون بدور في تعقيد تلك القضية، بل وتعقيد العلاقة بين الخرطوم وجوبا كذلك بهدف ضمان تبعية المنطقة للجنوب غض النظر عن الحق التاريخي الأصيل للمسيرية في المنطقة، فتبعية المنطقة للسودان في حال عدم تقسيمها بالطبع، ستجعل من ثلاثتهم شماليين، وبالتالي لن يكون لهم مُستقبلٌ في قيادة الجنوب مستقبلاً.
تكتيكات
الذي يفقد تصريحات لوكا بيونق ومقالته أي تأثير على الأرض أنها تتم وفق تكتيكات مكشوفة يعرف الجميع منطلقاتها الأساسية، فاستقالته مثلاً بعيداً عن ما قيل بشأن الإحباطات وراءها، هدفت إلى جانب كل ما قيل تعقيد الوضع حتى يتبيّن لسلفا كير أن الأمر صعبٌ ولابد من موقف أكثر حزماً وقوةً. لكن سلفا كير الذي رأي حصاد سماعه لنصائح لوكا ودينق ألور لنحو عامين ماضيين بؤساً في الجنوب وسوءاً في العلاقة مع الخرطوم وتدهوراً للأوضاع في أبيي، قرّر التخلص من فيتو أبناء أبيي في الحركة ومن يدعمونهم من أنصار السودان الجديد، والتصرف بعقلية رجل الدولة بشأن هذه القضية التي لا تحتمل مثل مزايدات لوكا وتكتيكاته لإقامة استفتاء من طرف واحد ووضع اليد على أبيي، وكأنّ (البلد ما فيها مسيرية)!.
يحاول د. لوكا في سعيه لإحراج سلفا والحكومة الجديدة في الجنوب وحملهم لاتخاذ خطوات تصعيدية في أبيي التهويش بعلاقاته وعلاقات أبناء أبيي الخارجية ومعرفتهم بالطرق إلى دوائر اتخاذ القرار في أمريكا والغرب عموماً، لكن مثل هذا التهويش فقد صلاحيته منذ أن ترك الغرب الجنوب أعزلَ في مواجهة تحدياته الاقتصادية بعد أن حرّضه على وقف تصدير النفط عبر السودان في السابق، وإن كان مثل هذا النوع من التهويش يجدى مع سلفا كير لما أُبعِد باقان أموم، الذي يعتبر أستاذاً للوكا في هذا المَجـَال.
استفتاء
الاستفتاء الذي يسعى لوكا بيونق لإجرائه الشهر المقبل في أبيي، سيكون أُضحوكة سياسية، إن هو قام بطريقة أحادية، لأنه سيكون لتزجية الوقت وضرباً من العبث السياسي الذي لن يسمح به سلفا كير. وسيضحك الناس على لوكا إن تمخض جمله فأراً كذلك ومضى أكتوبر بدون استفتاء كما تشير الوقائع على الأرض.
فالذي يطالع تصريحات الرئيسين البشير وسلفا عقب قمتهما الأخيرة يجزم بأنّ ذلك لن يكون، كما أنّ أية تحركات لمحاولة استقطاب الدعم الإقليمي خاصةً الإتحاد الأفريقي لإقامة الاستفتاء في أكتوبر يُعد ضرباً من المستحيل نظراً لأنّ الإتحاد الأفريقي ورئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى أصبحا يدفعان باتجاه الإسراع في عمل الإجراءات الانتقالية في أبيي من قبيل المجلس التشريعي وتكوين الإدارية والشرطة تمهيداً للحل النهائي هناك حسب مخرجات قمة الإتحاد الأفريقي التي عُقدت في يناير الماضي، ما يعني انّ لوكا بيونق لن يدعمه في هذا التوجه سوى قليلٌ من الغاضبين من أبناء دينكا نقوك لن يكملوا النصاب لفعل أي شئ سوى كتابة مقال آخر يحرض فيه على الاستفتاء ويصب فيه جام الغضب على الخرطوم والرئيس الحكيم سلفا الذي اتفق معها على تهدئة الأوضاع وفتح صفحة جديدة بلا لوكا بيونق أو دينق ألور أو غيرهما من القيادات التي ظلت خميرة عكننة طوال السنوات الفائتة.
خلفية
الدكتور لوكا بيونق - كما هو معلومٌ - هو أحد أبناء سلطان دينكا نقوك ذائع الصيت، دينق مجوك، وبالتالي هو أخ فرانسيس دينق، وهو كما أخبرني في وقت سابق يعرف المئات من إخوانه ولكنه لا يعرفهم جميعاً. ولج لوكا إلى مدرسة أبيي الابتدائية، وعندما انتقل إلى مدرسة كمبوني بالنهود سمته الكنيسة لوكا ليصبح لوكا بيونق دينق، الطالب المسيحي الوحيد بمدرسة الهيدوب، ثم رجل الفولة الثانوية العامة، قبل أن يلتحق بمدرسة كادوقلي الثانوية العليا ومن ثم كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم في الفترة من 79 - 1984م.
التحق لوكا فور تخرجه بهيئة التدريس في كلية الاقتصاد بجامعة الجزيرة، وبعد أن عمل هناك لنحو عام ونصف العام وصلته منحة من الحكومة البلجيكية لدراسة الماجستير في الاقتصاد وإدارة الأعمال. ثم حمل لوكا رتبة مقدم في الجيش الشعبي وقاتل ضمن صفوفه منذ العام 1988م، إلى جانب أنه كان مسؤولاً عن الشؤون الاقتصادية للحركة في ذلك الوقت الذي جاء فيه من بروكسل إلى الميدان بغرب الاستوائية ثم وجد فرصة لدراسات عليا بإنجلترا، فحصل من جامعاتها على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد. عندها، كانت المفاوضات التي أفضت إلى اتفاق نيفاشا قد بدأت، وإن لم يستطع اللحاق بالتفاوض في اتفاقي مشاكوس الإطاري والترتيبات الأمنية، إلا أنه شارك في مراحل التفاوض المتبقية بفاعلية حتى قيل إنه هو من قام بصياغة الاتفاقية في صورتها النهائية، وقد قال لي مرة وأنا أجمع منه هذه المعلومات الشخصية في شقة كان يستأجرها في الخرطوم (2) إن اتفاقية السلام الشامل طبعت وخرجت من جهاز الكمبيوتر الخاص به، كما قال لي ما سبق من معلومات تعطي خلفية كافية عنه قبل أن يصبح وزيراً ثم يبتعد عن الوزارة، ويعود للعمل في البنك الدولي ثم يعود للوزارة من جديد، ثم يبتعد لينشئ منظمة اسمها كوش في أمريكا، ثم يعود ليتسلم رئاسة اللجنة الإشرافية، ثم يعود يستقيل ويرجع إلى أمريكا للتدريس قبل أن يأتي في زيارة للجنوب سوف لن تنجب استفتاءً.
عود ثقاب
مهما يكن، فإنّ أحاديث الدكتور لوكا بيونق، نجل سلطان دينكا نقوك الأشهر لن تحقق استفتاءً ولا سلاماً في أبيي، فهي ضرب من اللعب بأعواد ثقاب قد تشعل حريقاً في المنطقة في أية لحظة، ولكنها تحقق له قدراً من الظهور الإعلامي منذ أن انحسرت عنه الأضواء وخرج من دوائر الفعل السياسي إلى قاعات الدرس من جديد في أمريكا، مثله، مثل أي لوكا آخر هناك.

الحرية للبترول والسوق

* أقبلت الحكومة أخيراً على القرار الصعب برفع الدعم عن المحروقات والقمح،وذلك لسببين، الأول عجزها عن الوفاء باستحقاقات وظيفة الدولة التقليدية والصرف على الأمن والدفاع، بسبب الحرب التي أهلكت الحرث والنسل، وأهدرت القليل من الموارد.. والسبب الآخر لرفع الدعم الاستجابة لوصفة صندوق النقد الدولي ووعوده بالنظر في إعفاء ديون السودان إن أقبل على ما يسمي بالإصلاح الهيكلي للاقتصاد الوطني.
وبات المؤتمر الوطني بكل أجهزته مقتنعاً بمبررات رفع الدعم عن المحروقات ويقف معه سياسياً شركاؤه في السلطة من الأحزاب..
فيما تقف المعارضة في الضفة الأخرى وتسعي (لاستثمار) عاصفة ما بعد إعلان رفع الدعم عن المحروقات للتحرش بالنظام، وإثارة الشارع كما فعلت العام الماضي.. وهي تتصيد الفرص لإسقاط النظام مثلما وكل المعارضات في الدنيا.
* بات قرار رفع الدعم مسألة وقت وتدابير إخراجية .. وبعض قيادات المؤتمر الوطني ومنهم القطاع الاقتصادي يتخذون الرئيس البشير (درقة) يحتمون به ويدفعون باتجاه أن يتولي الرئيس بنفسه إعلان السياسات الاقتصادية بزعم أن الرئيس (متفق) عليه ولا تملك أية جهة معارضة ما يعلنه، خاصة داخل حزب المؤتمر الوطني وحلفائه، وهؤلاء يضعون الرئيس في وجه العاصفة ويغلقون على النظام نوافذ التراجع عن تلك السياسات في حال واجهتها الجماهير بالرفض.
* وتيار آخر واقعي في رؤيته يضع على عاتق وزير المالية ومساعديه مهمة إعلان السياسات الجديدة لتدعم الحكومة وحزبها تلك السياسات، ويضمن المؤتمر الوطني من خلال هيئته البرلمانية (مرور) التعديلات بالأغلبية الساحقة .. بل أن يتوجه النواب للولايات للتبشير بتعافي الاقتصاد من أمراضه القديمة.
* حزمة السياسات التي تعتزم الحكومة إعلانها أصبحت (أمراً) واقعياً ولا بديل أمام الحكمة إلا الخيارات الصعبة والجراحات المؤلمة، ولكن هل تشمل القرارات الوصفة العلاجية الحقيقية، أم تأخذ ما يليها من تحسين لإيراداتها (لفك) ضائقتها الحالية ولا تجرؤ – للمعالجات الأخرى – على إطلاق حرية السوق بإلغاء كل القيود المفروضة على التجارة الداخلية، واتخاذ بنك السودان سياسات نقدية جديدة بفتح نوافذ التجارة وحرية فتح حسابات بالعملات الصعبة للسودانيين والأجانب، وأن لا يفرض البنك المركزي سياساته التعسفية التي تحول دون سحب رجال الأعمال من حساباتهم بالعملات الأجنبية إلا إذا أبدلوها بالجنيه السوداني، حتى تصبح بلادنا جاذبة لرأس المال المهاجر، وأن لا تصادر حملات تجار العملة دون وجه حق وإيداعهم السجون لمجرد ممارسة مهنة عصرية لا يحرمها الشرع.. والإصلاح الاقتصادي يقتضي انسحاب الحكومة من سوق العقار وتجفيف الشركات التي تملكها الأجهزة النظامية..
وان تختفي صور عربات القوات النظامية وهي تحمل أطناناً من (الحطب) و (الفحم) في طريقها للخرطوم .. تلك هي الوصفة المنتظرة لعلاج اختلال الأوضاع الاقتصادية، وقبل ذلك ثمة شروط وجوب لنجاح اقتصاد السوق وحرية التجارة، فالاقتصاد الحر لا ينمو ولا يزدهر في نظام سياسي شمولي يقمع الرأي ويصادر الحريات ولا يؤمن بالتعددية والديمقراطية!!

الحوار الوطني.. للجادين فقط!

لا شك أن قضية التوافق الوطني على الأقل على القضايا الرئيسية الكلية في بلد مزدحم بالقضايا والمشاكل مثل السودان، قضية محورية وحيوية وليست محض ترف.
ويخطئ من يتمترسون وراء مواقف مسبقة ثابتة لا تتزحزح حتى الآن عن عدم ثقتهم فى الوطني، إذ يكفي أن الوطني -وبنجاح مذهل- استطاع حتى الآن أن يجرّ إليه خلف القاطرة الوطنية أحد أكبر أحزاب الوسط السودانية التاريخية المعروفة وهو الحزب الاتحادي الأصل بزعامة الميرغني.
يجهل الكثير من المراقبين –بقصد أو بحسن نية– دلالات مشاركة الاتحادي الأصل بزعامة الميرغني فى السلطة الحاكمة فالمشاركة ليست فقط (توزيع كيكة سلطة وثروة)، ولكنها اختبار عملي متواصل للقدر المتاح من التوافق بين كبريات الأحزاب السياسية فى الساحة السياسية السودانية.
فالديمقراطية كما عرفها الغرب عموماً، ليست فوضى سياسية ضاربة بأطنابها يتجاوز فيها عدد الأحزاب والتنظيمات السياسية عدد السكان. الديمقراطية الحقيقية تتمثل في وجود أعمدة قوية ومتماسكة للدولة بأجهزتها المختلفة، وثوابت سياسية وفكرية فى حدها الأدنى على الأقل، ثم أحزاب (حقيقية) لها شارع عريض ورؤى وأفكار حقيقية تتنافس بميثاق شرف غير مكتوب، على تقديم وطرح بضاعتها السياسية للمواطن والناخب.
ولهذا فإن ما يقوم به الوطني الآن -للأسف الشديد- لا يستوعبه خصومه فى المعارضة أو يستوعبونه ولكنهم إمعاناً منهم فى المعارضة يتجاهلونه، فالوطني يسعى لتنظيف الساحة السياسية وجعلها متينة متماسكة وذلك عبر تبادل الرؤى والأفكار مع الأحزاب الجادة، إذ ليس سراً أن الوطني متجذر فى عمق التربة السياسية السودانية سواء عبر الأفراد أو الأفكار والأطروحات وليس من السهل –كما تتوهم العديد من قوى المعارضة– اجتثاثه وإلقاؤه فى البحر عبر عمل مسلح أو انقلاب عسكري أو أي شكل من أشكال التغيير غير الديمقراطي.
فكرة الوطني التى يسوقها الآن ببطء وبوضوح هو أن يمد يديه الى كل حزب ينبذ العنف يهمّه الوطن ويريد ساحة سياسية ديمقراطية حقة، إذ ليس من الديمقراطية فى شيء أن تجري إزالة نظام فى كل مرة ليقوم نظام آخر على أنقاضه، ويبدأ الجميع مرة أخرى من الصفر عبر ديمقراطية ثبت عدم مواءمتها للأرض السودانية رغم خصوبتها السياسية.
وحين يتوجه الوطني بالدعوة للأحزاب الكبيرة فإن المقصود هو خلق أرضية مشتركة ثابتة وليس تذويب هذا الحزب فى ذاك، أو تلطيخ هذا الحزب بالشمولية كما درج قادة المعارضة على القول باستمرار. الوطني لديه من الثقة فى نفسه بما يجعله قادر على إدارة صراع سياسي شريف منطلق من أرضية سياسية متفق علي أسسها، بينه وبين المكونات السياسية الحقيقية والجادة ولعل الأمر لا يحتاج منا لكثير إيضاح فاقتراب الأمة القومي بزعامة السيد الصادق المهدي -أياً كانت درجة الاقتراب هذا- تبشر بأن من الممكن أن تتسع الساحة للكل.
ذات الأمر ينطبق على التقارب المتنامي مع الشعبي، ففي المخيلة السياسية على نطاق العالم فإن (ثلاثة أو أربعة أحزب كبيرة) لديها عمق جماهيري واضح، ورؤى جيدة أفضل فى التنافس السياسي من عشرات الأحزاب القليلة الحجم، فطيرة الأفكار، متقلبة المزاج سريعة الذوبان!
أيما دولة تحترم ممارستها السياسية وتحترم قواعد اللعبة الديمقراطية لا بد أن تتوفر فيها في أعلى الهرم السياسي أحزاب قوية جادة تحترم المنافسة وتحترم الوطن نفسه، وتنظر الى الأمام بأكثر مما تتلفت باستمرار الى الخلف والماضي، فلو كان الماضي يصنع التاريخ لما كان هنالك مستقبل.

أين المفر؟

لا شك أن الحراك السياسي الجاري الآن في السودان يحمل فى طياته متغيرات يمكن القول إنها ستكون جوهرية فقد جرى لقاء بين الوطني والأمة وفى الطريق لقاء مع الشعبي والشيوعي  وبقية العقد السياسي النضيد في الساحة السياسية السودانية.
نتائج هذه اللقاءات -بعد الخصم والإضافة- وبقراءة عميقة سوف تقلل على الأقل فى الوقت الراهن حدة الاحتقان السياسي، فالوطني وبإرادة بدت قوية للكل يسعى للم الشمل السياسي بشتى السبل ويسعى وربما نجح الى حد كبير فى ذلك – لإنشاء علاقة جيدة مع جوبا.
هذه المعطيات والمتغيرات يصعب تجاهلها أو وضعها فى خانة المناورة السياسية بل وحتى لو وضعناها فى خانة المناورة السياسية فهي مناورة مؤثرة جداً تشد انتباه القوى المعارضة خاصة القوى السياسية التى وهنت عظامها أو أصبحت تثير الشفقة أكثر من أي شيء آخر.
فى ظل هذه الأوضاع فإن اثنين من غلاة قادة المعارضة المنتمين الى الجبهة الثورية وهما نصر الدين الهادي وابن عمه مبارك الفاضل أصبحوا فى موقف لا يحسدون عليه. فمن جهة أولى فإن أحزابهم الأصلية التى ينتمون إليها –الأمة القومي بزعامة المهدي– لفظتهم نظرياً وعملياً؛ بمعنى أنها تخطت مواقفهم عملياً إذ أن القومي حتى لو لم يشارك فى السلطة الحاكمة فهو لن يكون فى موضع المعارض الخارج عن السياق السلمي للمعارضة.
من الطبيعي أن ينفض الأمة القومي يده من الثورية وإلا فهو يحمل وجهتين لا يليق بالحزب ولن يليق به حملها. الأمة القومي فيما بدا واضحاً فى حاجة الى (تفاهم علني) مع الوطني؛ تفاهم يتجاوز كل التفاهمات السابقة بحيث يجعل الحزب فى وضع أفضل مما هو عليه الآن وهذا مرده الى شعور زعيم الحزب بضرورة مفارقة تحالف المعارضة عملياً، ذلك التحالف الذى عانى منه الأمة القومي ما لم يعانيه من الوطني.
معاناة وصلت الى درجة تفكير هيئة التحالف فى إدانة الأمة القومي وشطبه من الفريق! وذلك بسبب حزب صغير باعتقاد الأمة القومي، هو حزب البعث الاشتراكي التابع لسوريا، وقصة الشكوى التى قدمها لهيئة التحالف وسلسلة المواقف المهينة التى لحقت بالأمة.
الأمة  القومي عازم على ما يبدو أن يكون فى موضع متقدم عن التحالف المعارض وهو فى ذلك ربما يلحق به الشعبي، فالاثنان – الشعبي والأمة – يشعران فى دخيلة نفسيهما أنهما غريبا الوجه واليد واللسان فى تحالف يساري ذي توجه علماني ممزوج بمسحة مسلحة تتمثل في الجبهة الثورية.
مبارك الفاضل كان من جانبه يراهن على قيادة الأمة والحلول محل الصادق المهدي بثمن عسكري وعن طريق الثورية. مبارك كان وربما لا يزال يعتقد أن بإمكانه دخول الخرطوم على أسنة رماح الثورية ومن ثم اجتياح الحزب وتزعمه بالقوة!
نصر الدين الهادي من جانبه فقدَ مقعده فى الثورية بسبب شعوره بأن الثورية بدأت عملها العسكري فى معاقل حزب الأمة فى كردفان وضربت أول ما ضربت أهله وأنصاره! وقادة الثورية يعلمون مدى عمق ألم نصر الدين ولكنهم قصدوا ذلك. وعلى ذلك فإن مبارك الفاضل ونصر الدين وعلاوة على خسرانهما لحزبهم، خسرا الرهان على الفتح ودخول الخرطوم كما دخلها المهدي من قبل وقتل غردون باشا.
والثورية نفسها ماضية باتجاه التفكك طالما خرج منها أو سيخرج لا محالة قطاع الشمال فالقطاع هو سجين جنوبي متى ما شاءت جوبا أبقته فى زنزانته؛ فيا ترى أين يمكن أن يتسع ويطيب المقام بمبارك الفاضل ورفيقه البائس نصر الدين الهادي؟

بعد الإطاحة بمجموعة قرنق هل يصبح قطاع الشمال هو التالي؟

المسافة ليست ببعيدة ما بين استطاعة الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت إزاحة المعوِّقين لسلطته (رياك مشار، باقان أموم، دينق ألور، تعبان دينق) وغيرهم، وبناء حكومة جديدة متوازنة، وما بين إمكانية نجاح الرئيس كير –بذات الدوافع والمعطيات– في التخلص من قطاع الشمال.
ففضلاً عن أن الرئيس الجنوبي بدأ لتوّه يشعر بأن عليه أن يحكم السيطرة على الأمور (داخل بيته) وأن يعمل على إزالة كل معيقات انسياب قراراته وسياساته فإن الرئيس كير بدأ يشعر أيضاً بذات القدر أن عليه أن يتخلص من كل ما يمكن أن يعكر صفو علاقاته بالخرطوم.
وبالطبع شعور الرئيس ميارديت هذا لا تحكمه العاطفة أو مجرد الرغبة الأخوية بقدر ما تحكمه مصلحة بلاده ومصلحة سلطاته وإمكانية فوزه فى الاستحقاق الانتخابي المقبل. وكما لم يواجه الرئيس الجنوبي حتى الآن أي معارضة لقراراته يمكن التخوف منها ومن مداها السياسي من حلفائها الأمريكيين -كما كان يجري فى السابق- معارضة أو عدم رضاء من حلفائه الأمريكيين. فالسيدة سوزان رايس الأكثر مغالاة فى الشأن الجنوبي لزمت الصمت حيال خطوات الرئيس كير ولم تفعل كما كانت تفعل فى السابق ترفع سماعة الهاتف لتعيد الأمور الى ما كانت عليه. هذه المرة لزمت رايس الصمت رغم أنها تسنّمت لتوها منصباً مرموقاً هو مستشارة الأمن القومي الأمر الذي يتيح لها حشر أنفها فى كل ما تعتقد أنه يمس أمن واشنطن القومي!
صحيح كانت هنالك مواقف تشير الى عدم رضا واشنطن عن ما يقوم به الرئيس الجنوبي تمثلت فى الصمت الأمريكي نفسه. وصحيح أيضاً أن واشنطن ربما بدأ اليأس يدب فى نفسها جراء (المفاجآت) التى ظلت تتلقاها من جوبا سواء فى قرار وقف ضخ النفط فى فبراير 2012 أو في قرارات الرئيس كير الأخيرة بإقالة كبار مساعديه.
ولكن بالمقابل يبدو أن واشنطن بدأت تشعر بأن عليها إعطاء الرئيس كير مساحة معقولة لتدبير أمور بيته، فهي فى النهاية تريد أن يظل الأمر فى جوبا هادئاً وسالكاً وسلساً. ولعلنا لا نبالغ إن قلنا إن كل من تعرض لهم الرئيس كير من كبار مساعديه يحسبون ضمن مجموعة قرنق فإذا قرأنا بتمعن حادثة تحطم طائرة قرنق وغيابه أو تغييبه عن المشهد الجنوبي وكيف أنه كان وحدوي فى حين أن سلفه الرئيس ميارديت انفصالي وأن واشنطن عملت على فصل الجنوب باعترافها، فإن الخلاصة أن واشنطن أتاحت الفرصة للرئيس كير للتخلص من بقايا قرنق ولعل هنا يمكن أن يكمن سر المظاهرة التى قِيل أن مواطنين جنوبيين فى جوبا طالبوا فيها بالوحدة!
هذه النقطة مهمة جداً لكي تعطينا مؤشراً على أن قطاع الشمال هو التالي فى سلسلة خلاص الرئيس الجنوبي من مُعِيقي سياساته وبناء الدولة الجنوبية.

الخرطوم وواشنطن.. من أعطى كل شئ ومن أخذ دون مقابل..؟!

بقدر ما تمثلت أحداث 11 سبتمبر 2001م متغيراً كبيراً في حياة الأمريكين، وخلخلت قناعاتهم ومبادئهم الراسخة في قدراتهم العسكرية والأمنية أحدثت كذلك متغيرات أخرى مماثلة إقليمية ودولية، وخلخلت قناعات ومبادئ كانت سيفاً مرفوعاً في وجه كافة التوجهات الغربية، وبصفة أخص في التوجهات والسياسات الأمريكية.
وأدت فيما بعد إلى تراجع عدد من الأنظمة والحكومات عن سياساتها ومبادئها وطرق تعاملها مع الإدارة الأمريكية وقتها خاصة بعد أن أفصحت الأخيرة عن تغيير جذري في سياستها تجاه دول العالم الثالث، سيما الحكومة والأنظمة التي تعتبرها أمريكا ذات توجهات معادية.
وسنت من أجل ذلك قانوناً لمكافحة الإرهاب، وبدأت في شن هجوم مرعب على بعض الأنظمة لتركيعها والقضاءعليها، وهنا بدأت أنظمة أخرى يتضمنها التصنيف في تغيير سياساتها وتكتيكاتها وأبدت مرونة في التعامل مع الإدارة الأمريكية.
من بين هذه الأنظمة الحكومة السودانية التي خفضت من نبرتها العدائية، وكانت أول المنددِين بالهجمات على برجي التجارة العالمي والبنتاغون، وبدأت في سياسة جديدة سمتها التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وراجت معلومات عن مدها للأجهزة والمؤسسات الأمنية الأمريكية بمعلومات مهمة وحيوية وقوائم بأسماء أفراد وتنظيمات إسلامية ممن تعتقد أمريكا في ضلوعهم وإنتمائهم لمؤسسات إرهابية محظورة.
وأمل الحكومة السودانية من وراء هذا التعاون خلق علاقات جيدة مع أكبر دولة في العالم لها تأثيرها في مجريات الأحداث السياسية والإقتصادية في العالم بغية إيجاد تعاون مثمر وبناء في المجالات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، ورفع إسم السودان من قائنة الدول الراعية للإرهاب بجانب رفع العقوبات الأمريكية المفروضة من جانب واحد على الحكومة منذ ما يقارب العقدين من الزمان، ومساعدة النظام على التحرك دولياً، وإعفاء الديون المتراكمة منذ فترة طويلة عجزت الأنظمة السودانية المتعاقبة عن التخلص منها، ومساعدة البلاد في مجالات التنمية والصناعة والإستثمار للإنتقال بها إلى آفاق أرحب من النماء والتطور والإستقرار.
ولكن بعد مرور كل تلك السنوات من التعاون ماذا حصدت الحكومة السودانية؟ وما مدى الفائدة التي جنتها من تعاونها الأمني والإستخباري وتنازلها عن كثير من مبادئها وسياساتها أو بالأحرى تغيير ما لم يكن مجدياً منها؟ وبالمقابل ما مدى الخسائر التي تكبدتها جراء هذا التعاون؟  مستشار مركز الأبحاث بدولة قطر والباحث الإستراتيجي والأمني د. الخير عمر أحمد رأى أن النظام من المنظور التكتيكي كسب بعض النقاط تمثلت في حدوث إنفراج نسبي في إطار العلاقات السودانية الأمريكية وترافق هذا مع فترة التعاون التي كانت أمريكا تريد فيها بعض المعلومات عن الخلايا الإرهابية، أما من المنظور الإستراتيجي فيرى أن الحكومة خسرت كثيراً وخسرنا كسودانيين إمكانية قيام علاقات سودانية أمريكية على أقل تقدير في ظل وجود هذا النظام!! وذلك من منطق أن طبيعة المعلومات وقاعدة البيانات (ولو تم الإدعاء من قبل النظام السوداني بأنها نسبية) التي تم تسليمها لواشنطن حسب قوله عززت وبصورة عميقه لدى صانع القرار الأمريكي- صحة الإتهام الذي تم توجيهه للنظام السوداني في كونه راعياً للإرهاب!! وإزدادت قناعة واشنطن أن هذا النظام ومن خلال إرتباطاته الريبة بالنسبة لها يشكل تحدياً لمصالحها في الإقليم، وبالتالي مثًل الوعد الذي قُدم للخرطوم برفع إسمها من قائمة الإرهاب في حال دعم إجاءات تقرير مصير جنوب السودان مناورة تكتيكية من واشنطن لتمرير الإنفصال وضمان إعتراف الخرطوم بنتائجه، وهذا ما حدث بل والأخطر من ذلك ربما تسببت هذه التركة المُثقلة في دعم الإطاحة بالنظام بعد أن إستنفد أغراضه من وجهة النظر الأمريكية أيضاً.
بينما رأى الخبير الأمني العميد أمن (م) حسن بيومي أن ما تم من تعاون شابته العديد من الأخطاء والإختراقات للمبادئ وللقواعد المتعارف عليها، والتي من بينها أن التعاون الفني بين الأجهزة والمؤسسات يتم عندما تكون العلاقات ممتازة، ولكن ما حدث كانت فيه العلاقات غير ذلك، بجانب أن أهم مبدأ في التعاون هو(الأخذ والعطاء وليس كل ما تطلبه يُمنح لك) وهو مالم يحدث بحيث أن السودان أعطى كل مالديه ولم يأخذ شيئاً وعدَ بيومي وعد السودان لأمريكا بمعلومات تتعلق بتنظيمات إسلامية وأفراد خطأ كبيراً من مبدأ إسلامي! وينطوي على خطورة كبيرة على الحكومة يمكن أن يتم ضربها به عن طريق كشف هذه المعلومات، ورغم ذلك لم تكسب من ورائه شيئاً مضيفاً أن قرار التعاون نفسه كان يجب أن يتخذه الجهاز التشريعي وليس جهاز آخر، بجانب ضرورة أن توافق عليه كل الجهات والمؤسسات السيادية. لكل ذلك بدا بيومي على قناعة تامة أن الحكومة في تعاونها ذلك أعطت ولم تأخذ.

إطلاق سراح معارض سوداني مسجون على خلفية انقلاب

أعلن حزب المؤتمر الشعبي المعارض في السودان، اليوم الثلاثاء، أن السلطات السودانية أطلقت سراح قيادي في الحزب بعدما أمضى تسع سنوات في السجن في قضية متصلة بمحاولة انقلاب.

وقال كمال عمر المسؤول السياسي في حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الزعيم الإسلامي حسن الترابي إن يوسف محمد صالح لبس أطلق سراحه، الأحد الماضي.
وأضاف أن المبادرة بإطلاق سراحه جاءت من بعض أبناء دارفور الذين ينتمون إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان.

وفي أبريل الماضي أطلق سراح أربعة من أعضاء الحزب الذين سجنوا بسبب المحاولة الانقلابية في 2004 إثر صدور عفو عن السجناء السياسيين.
وأعلن الرئيس السوداني عمر البشير ذلك العفو كجزء من الحوار "للوصول لحل كل المسائل".
المصدر: الشرق القطرية 11/9/2013

المتأثرين بفيضان التوافق الوطني فى السودان!

أكثر التعساء بمسيرة الحوار والتوافق الوطني الجارية الآن فى السودان، بين الوطني وبقية مكونات المعارضة السودانية بالتأكيد ما يسمى بالجبهة الثورية. صحيح أن الثورية إنما تحالفت مع تحالف المعارضة الداخلية (كغطاء) سياسي فقط تستفيد من زخمه حالياً الى حين تمكنها من بلوغ هدفها ومن ثم فلكل (حادثة حديث).
وصحيح أن الثورية المكونة من قطاع الشمال والحركات الدارفورية المسلحة تراهن على السلاح كوسيلة مثلى للوصول الى السلطة، ولكنها تتظاهر بارتباطها سياسياً بالتحالف المعارض الداخلي ولكن رغماً عن ذلك فإن الثورية الآن في أتعس حالاتها، ذلك إن مجرد رسوخ توافق بين الوطني والأمة القومي والشعبي يكشف ظهرها سياسياً، والأكثر سوءاً أن التوافق سوف ينزع تماماً الغطاء السياسي للثورية والأكثر سوءاً من ذلك كله إن إمكانية دخولها فى حوار وتفاوض وإن تم فسوف يتم من موقع ضعف فيها وليس موقف قوة، فلقد كانت أفضل ما بنته الثورية وراهنت عليه بنود وثيقة الفجر الجديد تلك الوثيقة التى أرادت بها (إحكام وثاق) الأحزاب السودانية (الكبيرة والصغيرة)، ذات التوجه الإسلامي أو العلماني، بأطروحاتها وشروطها ورؤاها وحدها، حتى إذا دانَ لها الأمر لاحقاً أذلت رقاب الأحزاب الكبرى ذات التوجه الإسلامي وقصمت ظهرها.
لربما تكون أحزاب الأمة والشعبي فطنت لهذه اللعبة الساذجة، أو ربما لم تفطن لها ولكن الثورية -بتوافق هذه الأحزاب- أو حتى مجرد وجود افتراض للتوافق ولو بعد عام من الآن يجعلها فى وضع بالغ السوء، فهي مطالبة بأن تقاتل بدون ظهير أيمن بالداخل وبدون لاعبين وسط، وعليها أيضاً أن تحث الخطى لتدخل الخرطوم فاتحة دون أن تصطدم بالجيش السوداني!
إذن هي مهمة صعبة، ولهذا فإن من المرجح فى مقبل الأيام أن تنشط الثورية -رغم ضياع فرصة فصل الخريف التى كانت تعول عليها- من جديد فى عمل مسلح لإحراج حركة التوافق السياسي المستجدة في البلاد. وهي عمليات كانت فى السابق تنجح فقط لوجود (إسناد ظهر داخلي) والآن ما عاد ذلك ممكناً ولا متاحاً، وحتى لو أتيح فهو (غير مضمون).
الأمر الثاني أن الثورية خلطت بين أهداف قطاع الشمال والمتمثلة فى محاولة خلق جنوب جديد واستعادة فكرة السودان الجديد؛ وما بين أهداف الحركات الدارفورية المسلحة التى بالقطع لا تسعى لفصل إقليم دارفور، بقدر ما تسعى لتغيير المعادلة السياسية فى المركز، ومن ثم فى إقليم دارفور، وهو ما جعلها وباستمرار ترفض  التفاوض.
هذه الخلطة العجيبة من الأهداف داخل الثورية لن يُكتب لها النجاح أو حتى نصف نجاح، لأن من المعروف أن الحركة الشعبية -ويوم أن كانت شريكة فى السلطة فى فترة الانتقال- لم تبذل أدنى مجهود حقيقي للتدخل فى حل مشكلة دارفور.
لو كانت للحركة الشعبية –و القطاع جزء منها– أي رؤية سياسية حقيقية وجادة للحل لما تأخرت ولكنها لم تفعل ومن ثم فإن من غير المنطقي أنه وبعد أن تغيرت الظروف تماماً أن يسعى (ما تبقى من الحركة الشعبية فى الشمال) لمساعدة الحركات الدارفورية المسلحة على حل مشكلتهم.
يكفي أن الحركة الشعبية تركت أهل جبال النوبة وجنوب كردفان لمصير مجهول وقررت فصل إقليمها وأغلقت بابها عليها ثم عادت من النافذة لتحاول معاونة أهل جنوب كردفان على فعل شيء!
لقد دخلت الثورية -منذ هذه اللحظة- فى نفق مظلم من الفشل، فالقوى السياسية المعارضة بدأت فى حلحلة قضاياها مع الوطني، فرادى ومجتمعين، والجبهة السودانية الداخلية تمضي نحو المزيد من التماسك وهذا ما يجعل مهمة الثورية مهمة مستحيلة بلا منازع!

مناوي وعبد الواحد فى حيرة من أمرهما!

ربما عاودهما الحنين لإعادة توحيد حركتيهما كما كانت واحدة قبل مؤتمر حسكنيتة الشهير فى فبراير 2005، فالمتمردين مناوي وعبد الواحد نور إذا قسنا ما هما عليه الآن -بما كان عليه قبل سنوات- خسرا خسراناً مبيناً.
فمناوي الذى بلغ به حسن حظه أن وطأت أقدامه -لأول مرة وربما لآخر مرة- عرصات القصر الجمهوري المطل على النيل فى الخرطوم كبيراً لمساعدي الرئيس فى مايو 2006 ورئيساً للسلطة الانتقالية فى دارفور هو الآن -لسخريات القدر- يحصل بالكاد على التشوين اليومي لقواته المنهكة الخارجة من مواجهات يائسة مع الجيش السوداني فى جنوب دارفور ويحصل بالكاد على فرصة لمقابلة الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني إذا أراد تقديم شكوى من أمر من الأمور لحق بقواته من استخبارات الجيش اليوغندي، ويحصل بالكاد على سانحة نادرة لمخاطبة الرئيس الجنوبي سلفا كير فى شأن يتعلق بمعسكرات قواته فى جوبا.
والأدهى وأمرّ أن مناوي فشل هو رفيقه عبد الواحد فى الحصول على حقهما فى رئاسة الجبهة الثورية رغم وجود لائحة تمنحهما هذا الحق ويتساوى معهما فى هذا الظلم المرير جبريل إبراهيم وفصيله المشتت.
عبد الواحد من جانبه فترت علاقاته –كأمر طبيعي بإسرائيل، فالدولة العبرية ليست كما يتوهم عبد الواحد لقلة خبرته السياسية وعجلته وتعجله الأمور، ليست الدولة العبرية دولة عاطفية تحيط من يقاتلون معها بالرعاية والحنو الإنساني.
هي بدأت تشعر أن عبد الواحد لم يعد كما كان فى السابق مسيطراً على معسكرات اللاجئين والنازحين والمعسكرات نفسها لم تعد أمراً جاذباً، فقد أدرك معظم قاطني هذه المعسكرات أنهم لا يمكنهم أن يعيشوا كل حياتهم فيها.
عبد الواحد ايضاً طغت عليه قوى دارفورية أخرى أبرزها حركة التحرير والعدالة الموقعة على اتفاقية الدوحة بقيادة التيجاني السيسي وهي الآن تدير الأمور -كسلطة إقليمية- فى دارفور بحيث لم يعد من الممكن تجاهلها. أما مناوي فقد أصبح ملاحقاً من الجيش السوداني وفى الوقت نفسه لم يجد التقدير المطلوب من الثورية.
معاودة الحنين للرجلين للإلتئام من جديد هو نفسه حتى ولو تحول هذا الحنين الى واقع أصبح غير مجدي، فالأوضاع على الأرض قد تغيرت ولم ينسَ عبد الواحد ولن ينس لمناوي عقده لمؤتمر حسكنيته الذي أقصاه بموجبه كما لم ينس له دخوله فى العملية السلمية وذهابه الى الخرطوم قبل أن يعود مرة أخرى الى القتال فاراً من الخرطوم.
مناوي تزداد خسارته كلما تقدم فصيل حركة العدل والمساواة سواء الذى وقع الآن على اتفاقية الدوحة أو ذاك الذي يقوده جبريل إبراهيم لأن الإثنية التى ينتميان إليها هي ذات الإثنية التى ينتمي إليها مناوي وهي أثنية الزغاوة.
عبد الواحد هو الآخر تزداد خسارته كلما تقدمت حركة د. التجاني السيسي والتي يعد جزءاً مهماً منها فى أحشاء حركته. والأكثر خطورة من كل ذلك حين ينكشف غطاء الثورية فيخرج قطاع الشمال منها آجلاً أم عاجلاً بفعل تنامي حركة المصالحة بين جوبا والخرطوم وضرورة أن يكون الطرفين فى حالة من تبادل الثقة والاستقرار وقربان ذلك هو ذبح قطاع الشمال قرباناً على عتبة استقرار الدولتين!

الخميس، 5 سبتمبر 2013

قوى المعارضة.. انتفاخ الجيوب وإتساع السيارات!

كأمر طبيعي تصدت قيادات تحالف المعارضة -عبر اللجوء الى القضاء- للأخبار التى ذكرت أنهم تلقوا هدايا عبارة عن سيارات ماركة (برادو) فارهه من هولندا. القيادية بحركة حق (هالة عبد الحليم) قالت للصحف السودانية أنها لجأت الى القضاء فى شأن الموضوع لورود إسمها على وجه الخصوص ضمن من تسلموا (سياراتهم).
بخلاف القيادية هالة – مع أن المستلمين كثر، لم نسمع بقيادي معارض آخر شرع فى المقاضاة. والواقع إن الدعم المادي المقدم لقوى المعارضة معروف من السياسة بالضرورة، فكم من مرة تسلم قادة أموالاً من سفارات أوربية رصدتهم الجهات الأمنية؟ وكم من مرة وصلت أموال أجنبية موثقة لمركز دراسات محلي يتبع لقوى معارضة حتى لجأت السلطات السودانية لإغلاق عدد من المراكز التى تجاوزت إطار ترخيصها بتسلمها لأموال أجنبية والقيام بأنشطة هدامة تتجاوز نطاق ترخيصها؟
لم نرَ أو نسمع أصحاب المراكز المغلقة يقاضون ويترافعون عن (شرفهم العلميّ)! هذا كله معناه أن  (المال الأجنبي) مباح ومستباح لدى قادة القوى المعارضة، والمؤسف فى هذا الصدد أن المال نفسه والذي من المقرر أن يستخدم فى عمل سياسي بحسب الجهة الداعمة، لكنه يدخل الى جيوب القادة الكبار منهم لأنه فى أغلب الأحيان يرد بإسم القيادي المعين، وفى أحيان كثيرة كما قالت مصادر عليمة هاتفتها (سودان سفاري) فإن قادة الأحزاب وأصحاب الألقاب السياسية العلمية ذات المنحى اليساري يتعيّشون من أموال الخارج هذه على اعتبار أنه يخدمون قضايا حيوية تهم المجتمعات الغربية.
والأغرب من ذلك أنهم يكتبون تقارير بهذا الصدد يشيرون فيها -كذباً- الى ما حققوه من انجازات وهمية يصدقها أو يتظاهرون بتصديقها هناك فى الخارج ثم يبعثون بالمزيد!
ولعل المبدئية نفسها فى هذا السلوك السياسي غير الرشيد وغير المخلص للوطن تتجلى فى علّة الاتصال بجهات أجنبية من الأساس! مع العلم انه ما من جهة أجنبية -مهما بدت رحيمة ورءوفة- يهمّها من قريب أو بعيد نهوض دولة من الدول أو نشر ثقافة الديمقراطية أو الحرية فيها.
هنالك فى الغرب يعملون على ألاّ تتوازى معهم المجتمعات الإفريقية والعربية إذ لا بد من وجود فارق زمني وتاريخي مستمر بيننا وبينهم. من المؤكد أن المال المبذول إن هو إلا مال لأغراض استخبارية . وليس من الضروري أن يبدو ذلك جلياً للناس؛ فقد تطورت العقلية استخبارية تطوراً مذهلاً فى السنوات الأخيرة وأصبح العمل الاستخباري (علني) وفى مرأى ومسمع الجميع، وليس الهدف منه معلومات فالمعلومات فى زمان التقنية الحديثة الحالي لم تعد تحتاج لجهود رجل أو خيانة خائنين، ولكن المال المستخدم فى العمليات  الاستخبارية هدفه إحكام السيطرة على الأشخاص والمراهنة عليهم مستقبلاً وهذا ما أوقع بلدان عديدة فى براثن عملاء دوليين لا فكاك منهم أبداً.
وإذا أردنا الغوص أكثر فإن سؤالاً مهماً يبرز هنا بشأن سيارات البرادو هذه، ما المقصود منها وما الهدف المرجو من وراء منحها لقادة الأحزاب؟ الأمر لا يخرج عن فرضيتين، إما أن القوى الممنوحة شكت للجهة المانحة بأنها فقيرة وتعاني ضيق ذات اليد ومن ثم فإن ظهورها المتواضع هذا لا يساعدها على أداء عملها السياسي كما ينبغي؛ وإما أن الجهة المانحة أرادت -بذكاء- إحداث فرقة بين القادة والقواعد، إذ على سبيل المثال فإن منح قيادية فى حزب يساري (شيوعي) سيارة فارهة يكفي ثمنها لشراء قوت عام لعشرة أشخاص معناه أن تنظر القواعد الى القيادة نظرة ريبة وشعور بالغبن جراء هذا الفارق الكبير فى الوضع المادي.
وأخيراً فإن  اللجوء الى القضاء فى حد ذاته محمدة ولكن ليس من الضروري أن من يفشل فى إثبات الحقيقة مخطئ أو كاذب فهناك من الحقائق ما قد يصعب إثباته ولكنها تظل الحقيقة كما هي لا تتغير!

الثلاثاء، 3 سبتمبر 2013

سلفا في الخرطوم. . زيارة لها مابعدها . . !

غدا يصل رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت الى الخرطوم في زيارة يأمل ان تكون بداية جديدة للعلاقات بين الجانبين في ظل التوتر الملازم بينهما طوال الفترات الماضية منذ الانفصال، قالت وزارة الخارجية ان رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت سيصل الى الخرطوم غدا برفقة وزراء الداخلية والأمن والنفط والمعادن والصناعة وكبار رجال الاعمال لبحث تطبيق اتفاق التعاون مع الرئيس عمر البشير .
واشار بيان صحفي صادر عن وزارة الخارجية امس الى وصول وفد برئاسة وكيل وزارة الخارجية والتعاون الدولي شارلس مانيانق الى الخرطوم امس لترتيب الزيارة.
وقال البيان ان المباحثات ستتركز على تطبيق اتفاق التعاون الموقع بين البلدين وتعزيز الوسائل الاقتصادية، معربا عن امله في ان تؤدي الزيارة لتسريع الخطى ومعالجة القضايا العالقة.
وكانت وزارة الخارجية بجمهورية جنوب السودان اعلنت عن تأكيد زيارة سلفاكير ميارديت رئيس جمهورية جنوب السودان الى الخرطوم تلبية لدعوة المشير عمر البشير رئيس الجمهورية .
وكان سفير جنوب السودان بالخرطوم ميان دوت وول قال ان القمة بين الرئيسين ستناقش تنفيذ المصفوفة ومجمل القضايا العالقة مثل النفط والقضايا الاقتصادية وفتح المعابر ، لافتاً الى أن الجنوب يستورد ما يقارب «163» سلعة استراتيجية ، وأشار الى وفدا من «17» مسؤولاً بقيادة وكيل وزارة الخارجية بالجنوب ، للترتيب للزيارة ، وتوقع « وول « ان تخرج القمة بنتائج ايجابية تخدم شعبي البلدين مبيناً أن العلاقة بين البلدين علاقة أخوية .
والزيارة التي سيقوم بها سلفا كير الى الخرطوم ستكون الثانية له الى السودان بعد انفصال الجنوب عن شمال السودان ، وتأتي زيارة سلفا الى الخرطوم بعد ان وطد سلفا حكمه في جنوب السودان واعاد ترتيب البيت الداخلي فبعد ان اقال نائبه رياك مشار وحل حكومته واقال ضباطا كبارا في الجيش ، وحسب مراقبون للعلاقات بين السودان وجنوب السودان فان سلفا يكون اكمل استحقاقات الداخل ويتوجه الى تحقيق دفعة قوية للعلاقات مع الدولة الام ، ويعتقدون ان سلفا نجح في ازاحة جماعة الضغط التي تقف في سبيل التفاهم بين دولة جنوب السودان والسودان لجهة ان سلفا رجل الدولة تختلف رؤيته عن مقاتل حرب العصابات فالجنوب بحاجة الى التنمية والتي يترقبها المواطن الجنوبي منذ ان اختار خيار الانفصال عن الوطن الكبير ، وباعتقاد كثيرون فان سلفا وصل الى قناعة بان دعم اي طرف لمتمردي الجانب الاخر سيكون بمثابة جهنم للطرفين وسيدخل الدولتين في حسابات متباينة اقلها خيار خوض الحرب المكلفة والتي ستعيق بناء الدولة الجديدة وتضعضع الامال في الدولة الجديدة.
هناك جانب مهم آخر في الزيارة يتعلق بالجوانب الاقتصادية ويبدو ان زيارة رجال الاعمال السودانيون الى جوبا نهاية الاسبوع الماضي فتحت الامال في بعث وانعاش التجارة بين البلدين ، بجانب استمرارية ضخ النفط بين البلدين تلك العقبة الكاداء التي كادت ان تعصف بكل وشائج القربى بين البلدين .
ويأمل مراقبون للشأن السياسي ان تعزز الزيارة الثقة بين دولتي السودان ويرجح ان تساهم الزيارة في الانفراج النسبي لاوضاع الاقتصاد المتردي بالجانبين والدفع باتفاقيات التعاون بين البلدين قدما
يقدم استاذ العلوم السياسية بجامعة ام درمان الاسلامية صلاح الدومة قراءة لزيارة سلفا كير تشير الى التقارب الكبير بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية جناح سلفا كير مؤكدا ان نجاح حركة سلفا كير التصحيحية ادت الى التقارب مع الخرطوم مشيرا الى ان حكومة سلفا كير تحتاج الى النفط واستمرارية حسن العلاقات بين البلدين ، ويلفت استاذ العلوم السياسية الى ان المجتمع الدولي مارس ضغوطا من اجل التقارب بين البلدين والوصول لاتفاق، مبينا ان الطرفين ليس الامر برضائهما وانما ناتج عن الضغوط الدولية.
ويدفع الدومة بان هناك اطرافا اخرى دفعت بصورة غير مباشرة في سبيل تحسين العلاقات بين البلدين مشيرا الى كل من ادريس ابابا والقاهرة اللتين من مصلحتهما الوصول الى اتفاق بين الدولتين بجانب دولة الصين التي لديها مصلحة كبيرة في صفاء العلاقات بين البلدين .
على ان الدومة يشير الى جزئية ان المواطنين في الشمال باتوا يعتقدون ان المعارضة لن تستطيع زحزحة الحكومة او الاطاحة بها، مشيرا الى رغبة الناس في تحسن العلاقات بين البلدين دفعا للضائقة الاقتصادية التي يعانيها الناس .
على ان بعض المراقبين يرون ان قضية ابيي ووضع النقاط حولها قد تؤدي الى استقرار العلاقات بين البلدين ، يقول الناشط السياسي بالنيل الازرق فرح عقار ان زيارة سلفا كير ستساعد في تليين المواقف للقضايا العالقة، مشيرا الى انها ستساهم في دفع الجانبين لحل القضايا الثلاث، وشدد عقار على ان النجاح في حل القضايا الثلاث سيؤدي الى مزيد من الانفتاح في مجمل القضايا الاقتصادية، بيد ان عقار يبدئ خشيته من ان الفشل في الزيارة وحل القضايا الثلاث سيعيد الامور للمربع الاول مضيفا « سيزداد التوتر بين الجانبين » وابدى عقار امله في ان تساهم الزيارة ورؤية الرئيس البشير في مبادرة جمع الصف الوطني الى مزيد من التفاؤل حول العلاقات بين البلدين.

أزمة الوطني أم أزمة وطن؟

على الأقل أعرب الحزب الوطني فى السودان عن عزمه على استبعاد من تجاوزوا سن الشباب عن العمل السياسي والتنفيذي. الفكرة سهلة وإن لم تخل من مصاعب هنا أو هناك.
وعلى الأقل يستطيع الوطني -ولو تدريجياً- إنفاذ خطته هذه طالما تحلى بالانضباط التنظيمي والقدرة على مجابهة التحديات الجسام، فخبرة ربع قرن من السنوات ليست قليلة، ولكن بالمقابل فإن الأزمة تبدو أكثر تعقيداً على صعيد تحالف المعارضة، فعوضاً عن أنها لم تجرؤ حتى الآن على مجاراة الوطني فيما يعتزم فعله؛ فإن تحالف المعارضة -للأسف الشديد- يفتقر عملياً الى الكوادر الشبابية القادرة على أن تصبح بديلاً مقبولاً.
هذه حقيقة من المستحيل أن ينتطح عليها عنزان كما يقولون، فقبل أيام احتفل رئيس هيئة التحالف المعارض فاروق أبو عيسى بعيده الثمانين! والرجل موفور الرغبة الجامحة فى تولي المناصب السياسية سواء جاءت عبر اسقاط مسلح للحكومة أو عبر تسوية سياسية.
نموذج أبو عيسى من النماذج المحيرة فى المشهد السياسي السوداني فالرجل عاصر العديد من العهود بدءاً من مايو 1969 وحتى الآن وما يزال في نفسه رغبة جامحة للسلطة.
ذات الأمر يمكن قرائته بشأن الثمانيني الشهير هو الآخر، الدكتور حسن الترابي، إذ برغم كل شيء ما يزال الرجل لاعباً فى (الوسط) فى ملعب السياسة السودانية، رغم تراجع اللياقة وتباعد خطوط فريقه، والفتور الذى يعتمل فى خطواته ولهثه الدائم فى الملعب.
الأمر نفسه ينطبق على بقية الأحزاب التقليدية العريقة، فقدت الشباب طوال عقود واحتفظت ببعض الشيوخ وما تزال تشهد ألاّ حزب إلا حزبها! أما الأكثر سوءاً فيتمثل في الأحزاب (الجنائزية) إذا جاز التعبير، تلك التى منذ أن ولدت وإلى اليوم لم تغش برلماناً أو مجلساً محلياً، أو لجنة شعبية ولم تتشرف مطلقاً باختيار أحد، أو ميل ناخب سوداني -مجرد ميل- إليها!
هذه الأحزاب يعج بها تحالف المعارضة وتسمع لها صوتاً وضجيجاً عالياً تماماً مثل الصوت الذى تحدثه الأواني الفارغة وفقاً للمثل الغربي الشائع: "الأواني الفارغة تحدث ضجيجاً عالياً"!
إن كانت للسودان أزمة سياسية حقيقية فهي أزمة هذه القوى السياسية التى تتشكل ما بين قوى سياسية قديمة لم تطور نهجها ولا أطروحاتها ولا قادتها الذين وصلوا أرذل العمر؛ وما بين قوى سياسية أخرى وإن كان بها قليل من الشباب الآيل الى الشيب ولكنهم بلا قواعد جماهيرية ولا تناغم مع ميول الناخب السوداني.
ولعل لهذا السبب فإن بحث الوطني المضني عن حلول سياسية وتوافق وطني شامل سيظل يراوح مكانه إذ أن الكثيرين يظلمون الوطني ظلماً بائناً بسيطرته وحده على الأوضاع ومقاليد الأمور.
الوطني فى الواقع استفاد من وجوده فى السلطة في تفريخ كوادر مدربة وإنتاج شباب قادر على إكمال ما بدأه الشيوخ والقدامى، ولعل خير نموذج على ذلك -موضوعياً- اختيار ثلة من الشباب للتحدث باسمه، كلٌ منهم يتملك ناصية التعبير والقدرة على التفاعل السياسي.
أزمة الوطني فى الواقع هي أزمة الوطن.. أزمة تكلست فيها الأحزاب السياسية وفقدت قدرتها على النطق والمشي!

الجنائية الدولية فى أفريقيا.. بداية النهاية!

تعزيزاً لقرارات سابقة صادرة عن الاتحاد الإفريقي بشأن عدم التعاون مع المحكمة الجناية الدولية باعتبارها أداة سياسية استعمارية لا تلاحق سوى القادة الأفارقة؛ فقد دفعت دولة ليبريا -الأسبوع الماضي- بمقترح يقضي بإدانة المحكمة فى مؤتمر الأحزاب الإفريقية المنعقد بالعاصمة الزامبية لوساكا.
مجرد صدور قرار من مؤتمر الأحزاب الأفريقية وغالبها أحزاب حاكمة يعني أن القادة الأفارقة قد بدئوا أولى خطواتهم باتجاه محاصرة الجنائية والقضاء على سلطانها، فيا ترى ما هو المدى الذي من الممكن أن يصل إليه القادة الأفارقة فى مواقفهم من الجنائية الدولية؟
الشيء المؤكد أن القادة الأفارقة ندموا غاية الندم على قبولهم الانضمام الى ميثاق روما 1998 المنشئ للمحكمة والمصادقة عليه، فقد حفلت تجربة 11عاماً حتى الآن منذ وصول الميثاق حيز التنفيذ بملاحقات مفصلة تفصيلاً على مقاس القادة الأفارقة، ولهذا فإن مؤشرات إمكانية خروج هؤلاء القادة عن الميثاق والانسحاب من المحكمة واردة على النحو الذى سوف نتطرق إليه فى النقاط التالية.
النقطة الأولى إن إستراتيجية القادة الأفارقة للخروج من الميثاق ومن ثم التحلل من المحكمة رمت فيما يبدو الى أن يبدأ الأمر من القاعدة، فالأحزاب الإفريقية هي القاعدة فى سلسلة السلطات فى بلدانها إذ أن اقتناع القوى السياسية الإفريقية بالفكرة والتأكيد عليها بصورة جماعية فى مؤتمر عام معناها تبلور الفكرة وإمكانية طرحها داخلياً (كل دولة على حدا) بحيث تتكفل هذه الأحزاب (داخلياً) بنشر الفكرة والترويج لها ومن ثم تصبح الفكرة قد بدأت تنتقل الى خطوات عملية.
مؤتمر الأحزاب الإفريقية أساساً جسم سياسي أراد به الأفارقة خلق حالة انسجام سياسي أوسع يبن دول القارة بحيث تتقارب الأفكار والرؤى أكثر حتى تتيح تقارباً أكثر فى الاتحاد الإفريقي.
النقطة الثانية إذا تبلورت الفكرة لدى الأحزاب الإفريقية فإن الاتحاد الإفريقي فى نهاية المطاف إنما تعتبر قاعدته الهامة هي هذه الأحزاب الإفريقية فعلى الأقل هي التى تمثل التيار الشعبي العام لأي دولة، خاصة وأن الاتحاد الإفريقي له تجربة سابقة فى منع بلدانه من التعاون مع المحكمة.
النقطة الثالثة، أن الاتحاد الإفريقي عانى وما يزال يعاني من زعزعة استقرار بلدانه نتيجة لقرارات الجنائية. الاتحاد الإفريقي يواجه تشويشاً غير محدود من الجنايات الدولية، وهو يسعى لحلحلة مشاكل بلدانه، فعلى سبيل المثال فإن استصدار مذكرة توقيف من المحكمة ضد مسئولين سودانيين كبار -بسبب أزمة دارفور- فاقم من حدة النزاع فى دارفور ودفع قادة الحركات المسلحة لعدم الانضمام الى العملية السلمية وجعل مجلس السلم الإفريقي -باعتباره المسئول الأول عن الأمن الإفريقي- غير قادرة على حل الأزمة  الشيء الذي جعلها أزمة ذات بُعد دولي وهو ما يتصادم مع أهداف الاتحاد وتطلعاته.
ولهذا فكلما وجد الاتحاد سانحة تجعله يتخلص من المنغصات التى تعيق تقدمه فهو يرحب بها والشيء المؤكد أن الاتحاد الإفريقي سيظل عاجزاً وغير قادر على العمل طالما أن هناك جهة دولية غير نزيهة وغير محايدة تلاحقه، كما أن الاتحاد الإفريقي وبمثلما نجح فى رفض الانقلابات العسكرية وعدم الاعتراف بها يسعى لإنشاء محاكم خاصة به و حلّ النزاعات الإفريقية الداخلية على طاولته قبل أن توضع على أي طاولة دولية أخرى.
إنها إذن بداية النهاية لمحكمة الجنايات الدولية التى اعتقد منشئوها أنهم وبعدما ضمنوا قيامها فإن بوسعهم فعل ما يريدون، دون أن يردعهم رادع، أو يزعهم وازع!

إعلان قطاع الشمال وقف العدائيات.. مناورة سياسيَّة أم خطوة اضطراريَّة؟

احتدم الجدل حول المقترحات التي دفع بها السُّودان كشروط لوقف العدائيَّات على رأسها تقديم دولة الجنوب إقرارًا مكتوبًا بعدم إيواء الحركات المتمرِّدة الشماليَّة وطرد الحركة الشعبيَّة قطاع الشمال بزعامة مالك عقار وعبد العزيز الحلو وياسر عرمان على الفور، بجانب اعتراف جوبا بمساعدة الحلو وعقار في حربهما بولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وأبو كرشولا والفظائع التي صاحبت الهجوم ولا نضمن النوايا الخفيَّة من قطاع الشمال والإقدام على تلك الخطوة.
وتردد أن هناك اتفاقًا مبدئيًا بين الطرفين على الوقف الفوري للعدائيات ووقف التصعيد الإعلامي، في وقت وصفت فيه القوات المسلحة قوات الحركة الشعبية قطاع الشمال بالضعيفة ورأت أن إعلان القطاع وقف العدائيات لمدة شهر إجراء لا قيمة له، وقال المتحدث باسم الجيش العقيد الصوارمي خالد سعد إن قطاع الشمال قوة عسكرية ضعيفة على الأرض وإن إعلانه وقف العدائيات لا قيمة له من الناحية العسكرية لجهة افتقاره للمقدرة على القيام بأية عمليات عسكرية، وقال: «ما عندهم في الأصل أي عمليات على الأرض».
سياسيًا أعلنت الحكومة ترحيبها بإعلان الحركة الشعبية قطاع الشمال وقف العدائيات من طرف واحد، فيما كشفت عن عدم تلقيها لاتصالات من الوساطة الإفريقيَّة بشأن عقد اجتماعات للتفاوض بأديس أبابا.
وفي السياق ذاته تساءل القيادي بحزب المؤتمر الوطني د. ربيع عبد العاطي ل «الإنتباهة» قائلاً: قطاع الشمال يتوقف من العدائيات ضد مَن؟ هذا سؤال يجب أن يُطرح، وأضاف: الإجابة في غاية البساطة قطاع الشمال هو الذي يعتدي ويرتكب الفظائع وإن كانت هذه الدعوة عن توقف انتهاكات حقوق الإنسان مؤكدًا أن القطاع نفسه هو الذي انتهك إنسانية المواطن حينما هاجموا واعتدوا عليهم وهم عُزَّل في كلٍّ من أبو كرشولا والرهد وجنوب كردفان وتم تشريدهم من ديارهم وأصبحوا الآن بمعسكرات النزوح بالتالي يجب « ألّا تنهى عن خلق وتأتي بمثله فعارٌ عليك إذا فعلت عظيم» وأشار د. عبد العاطي: إذا بالفعل أراد هذا القطاع إثبات حسن النية كما ذكر ولا يبدو الأمر مناورة سياسية فعليهم الاعتراف والإقرار شفاهة وكتابة بأنهم هم المعتدون، وعليه تقع على عاتقهم المسؤولية المباشرة عن كل الانتهاكات والجرائم التي حدثت من قتل وذبح في أبوكرشولا وأيضًا هم السبب الحقيقي للأزمة الإنسانية في جنوب كردفان ويتَّموا الأطفال ورمَّلوا النساء وآذوا الشيوخ وأقاموا محاكمات وتنفيذ الإعدام على من بقي في المنطقة لذلك نعتبرهم هم المعتدون وهذه الخطوة لا قيمة لها كما ذكر الصوارمي ذلك، لماذا يعتدون ويأتون الآن ليعلنوا وقف العدائيات؟! في اعتقادي هي مناورة سياسية لإستراتيجية جديدة ربما قد يكون مرواغة جديدة من قطاع الشمال لكسب تأييد وتعاطف حقوق الإنسان لإثبات العكس. ووصف مراقبون إعلان مالك عقار في بيان لقوات القطاع بجنوب كردفان والنيل الأزرق بوقف العدائيات ببادرة حسن النية رغم عدم إعلام الحكومة رسميًا حتى الآن بذلك الإجراء، وقالوا إن الحكومة سترد التحيَّة بأحسن منها، بينما أصدر عقار أوامر لقوات الجيش الشعبي بالولايتين بوقف العدائيات في الوقت الذي يبدأ فيه الرئيس سلفا كير ميارديت زيارة للخرطوم هي الأولى عقب حل وتشكيل حكومته الجديدة تستمر ليومين يُجري من خلالها مباحثات رسميَّة مع الرئيس عمر البشير..
وقال عضو الوفد المفاوض بأديس أبابا اللواء مركزو كوكو لـ «الإنتباهة» إن الرئيس البشير، أعلن في وقت سابق من العام الماضي إبان انعقاد مؤتمر الإدارة الأهلية وقف العدائيات بيد أن الحركة لم تستجب، وأضاف: نحن كقيادات للمنطقة نرحِّب بهذا الإجراء إن صحَّ، وأردف: نتمنى أن يكون شهرًا مفتوحًا يمهد الأرضية لمحادثات جادَّة، وذكر مركزو أنَّ وقف العدائيات يجب ألا يكون طارئًا، وقال: بل يجب أن يكون جادًا ومستدامًا وشاملاً لخلق أجواء مواتية لاستمرارية التفاوض بشأن المنطقتين، وأعلن ترحيبهم بالإجراء رغم عدم تلقيهم له بصورة رسمية وهذه بادرة حسن نية، ولفت مركزو إلى أنَّ الحركة ظلَّت طوال المفاوضات تدعو لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية مضيفًا أن هذا الطلب غير مقبول وضياع للوقت مؤكدًا أن اتخاذ خطوة جادة يمهد الطريق لاستمرارية التفاوض لإيجاد حلول للمنطقتي

تحالف المعارضة ومأزق بين استحقاقَين!

لو كان تحالف المعارضة يجيد اللعب والمراوغة الماهرة بالكرة السياسية لاستغل بذكاء أزمة السيول والفيضانات الأخيرة لا لكي يوجه انتقادات لا تغني ولا تسمن السلطة الحاكمة؛ ولكن لكي يؤازر الذين طالتهم النكبة ويقدم نفسه فى الساحة السياسية كبديل وطني محتمل.
ولكن لم يتحرك التحالف المعارض ولو على (كرسي متحرك) جراء حالة الكساح التى يعانيها وفى الوقت نفسه لم يستطع ان يمد لسانه بأكثر من أن يطلب من الحكومة إعلان السودان منطقة كوارث!
لقد كان من الممكن والسهل أن ينتهز تحالف المعارضة السانحة لكي يتحلل من ارتباطه بالثورية ويضع يده على يد الحكومة لمعاونة المتأثرين بالسيول والفيضانات إذ على الأقل سينتج عن هذا الموقف أمرين مهمين: الأمر الأول يشعر الوطني ان لديه منافسين جيدين وهذا فى تقديرنا يروق للوطني ليجيد مهاراته الفردية ولعبه على المسرح.
الأمر الثاني أن يشعر الناخب السوداني أنه لديه اختيارات على الأقل فى المستقبل وليس الآن فقط، وهو ما يجعله فى (حالة ارتياح) لوجود (كل اللاعبين) فى الملعب ولوجود فرصة للتشجيع المباح والحصول على نتيجة حتى ولو كانت تعادلاً دون أهدفا.
قوى التحالف ما تزال تنكر الاستحقاق الانتخابي الذى أُجريَ فى ابريل 2010 وتنكر نتائجه والأغرب من ذلك أنها لم تتعلم من درسه البليغ وما تزال تنكر أيضاً الاستحقاق المقبل والذي لا يفصلنا عنه سوى عام واحد ونيف!
عدم اعتراف قوى المعارضة بالاستحقاق السابق جعلها على قارعة الطريق فى حالة (تشرد سياسي) وباحثة عن حملة سلاح للقضاء على خصمها الوطني، أما عدم اعترافها بالاستحقاق المقبل فقد جعلها لا تنتهز السوانح (التى لا تتكرر) ولا تستغل الظروف والمعطيات التى من الممكن أن تفك ضيقها وتخرج من ضيق الأحلام والرومانسيات السياسية الى سعة الواقع والتعاطي الذكي معه.
لقد تسربت من بين يدي تحالف المعارضة آمالها العراض في قدوم الجبهة الثورية الى الخرطوم بقوة السلاح، فقد هزمت الثورية في بداية الطريق شر هزيمة. إحدى هذه الهزائم سفورها فى الخصومة بما فعلته فى أبو كرشولا وأعطت دليلاً دامغاً على أنها ليست مع أحد؛ والهزيمة الأخرى تجرعت كأسها المرير على يد الجيش السوداني.
تسربت أيضاً من بين يديّ المعارضة أحلام الأزمات (سيول، رفع دعم، الأزمة مع جوبا، أزمة دارفور) والسلسلة المطولة من خيوط الأحلام الوردية التى طالما حلمت بها وهي على الفراش تتقلب تنتظر الصباح ليتحقق لها ما حلمت به!
إن عدم مبالاة قوى المعارضة لا بما تقوم به الحكومة السودانية من محاولة للمّ الشمل الوطني والحوار غير المشروط، وما قد يحدث حين يمرّ العام المقبل وتصبح أمام انتخابات عامة جديدة وهي غير مستعدة لها ولكنها جاهزة باتهامات التزوير؛ كلها أمور فى الواقع لا تخصم فقط من الرصيد السياسي لهذه القوى المتداعية أصلاً ولكنها تخصم من الرصيد السياسي للسودان كله، كونه وعلى كثرة قواه السياسية لا يملك أحزاباً يُشار إليها بالبنان وإنما حتى ولو على أطراف البنان.