رغم أن ما تبقى للإستفتاء الذي أعلنته حكومة جنوب السودان فترة لا تزيد عن
أيام الشهر الواحد، إلا أن كل المؤشرات والإرهاصات تشير إلى قيام الإستفتاء
الذي يخير سكان المنطقة بالإنضمام إلى الدولة الوليدة أو إلى نظيرتها
الأم، ورغم تأكيد طرفي الأزمة في الشمال والجنوب على أهمية حل القضية
العالقة منذ توقيع إتفاقية السلام على وجوب حسمها داخل البيت السوداني دون
الحاجة إلى وسيط، مثلما أكد "سلفا" في أكثر من مرة أن أبيي لن تكون عائقاً
أمام البلدين، مستبعداً تماماً الرجوع للآلة الحربية لحسم تبعية المنطقة،
وذات اللهجة التصالحية أبدتها الحكومة السودانية وأظهرت المرونة اللازمة
للوصول إلى حلول ناجحة.. وغير بعيد من ذلك الحديث الذي أطلقه وزير الخارجية
السوداني "علي كرتي " برفض بلاده الوساطه الأمريكية في شأن الملف، وقوله
أن بلاده ترفض أية وساطة أمريكية في قضية أبيي، عاداً (أمريكا غير مؤهلة
للحديث عن قضايا السودان الداخلية)، وقال إن السودان لن يقبل بأي حديث في
هذه الموضوعات ، (وهذه قضايا لا تهم أمريكا ولا غيرها، وأبيي هي القضية
الوحيدة التي تبقت لأمريكا لإفساد العلاقة بين السودان والجنوب)، مؤكداً
أنه لن يكون لمبعوث الرئيس الأمريكي دور في قضية أبيي.
بعد كل تلك الإشارات الإيجابية من طرفي القضية وسعيهم المصحوب بالتصريحات المتقاربة، تبدو الآن في طريقها إلى التعقيد مرة أخرى، ومجموعة دول (الترويكا) التي تضم أمريكا وبريطانيا والنرويج تحت الأطراف المعنية لتخطو خطوات محسوسة لإجراء إستفتاء آمن وشفاف وفي موعده في منطقة أبيي.
تخفيف الأزمة
لقاء الرئيسين في الخرطوم خلال الأسابيع الماضية، أزال كثيراً من الإحتقان الذي تولد بعد إتهامات الخرطوم لجوبا بدعم قوات الجبهة الثورية، وتصاعد الخطاب الجنوبي بإجراء إستفتاء أبيي في المنطقة، إلا أن اللقاء الذي لم يمتد إلى أكثر من ساعات قلائل، ورغم تحاشيه الحديث عن أذمة أبيي في المنطقة (الملغومة)، فإن تصريحات الرئيسين خففت كثيراً مما يعتمل في النفوس، يعضدها تأكيد الرئيس "البشير" في كلمته أثناء اللقاء عزم السودان على إيجاد حل نهائي ومرضي للأطراف كافة في أبيي بما يضمن تعايشاً سلمياً بين مكونات المجتمعات المحلية توطئة لإيجاد تسوية نهائية للمسألة، وإشارته إلى ضرورة حل أزمة المنطقة المتنازع عليها حتى لاتكون خنجراً في خاصرة علاقات البلدين مستقبلاً. وكان حديثه متناغماً مع حاجة الشعبين إلى عدم اللجوء إلى مايحرق الحرث والنسل مرة أخرى بعد عقود الإحتراب التي لم تنزع من النفوس حتى إنفصل الجنوب عن الشمال.
تلك القمة أظهرت تماماً أن ما يجمع بين الدولتين أكثر من ما يفرق. ولعل قائدي البلدين يضعان نصب أعينهما أن أي تدخل دولي من شأنه أن يزيد الأزمة تعقيداً، ولن يعجل بحلها وسيصب المزيد من الزيت على نار الخلافات التي بدأ أوارها في الخفوت شيئاً فشيئاً.
مسارات وسيناريوهات
وكان الإتحاد الإفريقي قد تبنى في قمة رؤساء الدول سبتمبر من العام الماضي المقترح الذي تقدم به رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى "ثامبو أمبيكي"، الذي ينص على إجراء إستفتاء أبيي في أكتوبر المقبل. وقوبل ذلك المقترح برفض من قبائل (المسيرية) التي تصر على التصويت في الإستفتاء المزمع إجراءه في المنطقة.
ونحفظ السودان على هذا المقترح في حينه، وأكد (لا ينبغي أن يؤسس على هذا المقترح أي إجراء)، إلا أن الناظر "مختار بابو نمر" طالب الحكومة بأن تكون أكثر حسماً تجاه القضية، وأبلغ (المجهر) أمس أن على الحكومة أن تتخذ مواقف أكثر وضوحاً، خاصاً وأن منطقة أبيي ليست ملكاً ل(المسيرية) وحدهم، بل هي تتبع للحكومة، مشيراً إلى أنهم دفعوا برأيهم القوي تجاه تلك القضية.
أما في جانب (دينكا نقوك)، فلا يمكن إغلاق الحديث الذي أطلقه الدكتور "لوكا بيونق" القيادي بالحركة الشعبية لتحرير السودان والناشط في قضية إستفتاء أبيي، حول الخطوة التي ستقدم عليها عشائر (دينكا نقوك)، في حال فشل قيام الإستفتاء في أكتوبر بعد رفض الخرطوم لقيامة في الوقت المحدد..
قال "بيونق " إن في هذه الحالة يحق ل(دينكا نقوك) أن يرفعوا القضية في محكمة العدل الدولية ضد السودان الذي إتهمه بأنه يماطل في تنفيذ إتفاق سياسي بين الطرفين، كما أبان أن عشائر (دينكا نقوك) التسع يمكنها في حال رفض السودان، أن تقوم بإجراءات للتصويت من طرف واحد وإجراء الإستفتاء بالطرق العادية لصالح خيارها النهائي، من خلال الإستعانة بأعضاء المفوضية التي قامت بإجراءات إستفتاء جنوب السودان في 2011م. وأضاف بالقول: (لكن هذا يحتاج إلى موقف واضح من حكومة جنوب السودان).
ولم يستبعد "بيونق" أن تقود تلك الضغوط إلى تدخل الأمم المتحدة وفرضها للوصاية على المنطقة إلى حين قيام الإستفتاء، أو أن تتم إحالة الملف برمته إلى مجلس الأمن الدولي في حال فشل الطرفين في التوصل إلى حل للقضية، لكن هذا أمر يتطلب جهداً دبلوماسياً كبيراً للتأثير على مواقف روسيا التي تنظر إلى مصالحها الإستراتيجية مع السودان، إلى جانب الصين التي تربطها علاقات تجارية مع الخرطوم،. كما رجَح إمكانية إقدام عشائر (دينكا نقوك) المقيمة في أبيي على جمع توقيعاتهم التي يمكن أن تصل إلى(60.000) توقيع، وإعلان أبيي منطقة تابعة لجنوب السودان، وتلك الخيارات المتعددة ل(دينكا نقوك) يمكنها أن تحدث إضطراباً واسعاً في المنطقة رغم الأصوات العاقلة داخل الحركة الشعبية التي تستبعد خيارات التصعيد، ولكن حديث "بيونق" لا يمكن تجاوزه خاصة ببعد أن المح إلى إمكانية التدخل الأجنبي في القضية التي يمكن أن تتخذ مسارات جدية غير التي رسمها قادة الدولتين في حال إعتزمت الجهات الأجنبية مثل (الترويكا) إقحام نفسها في القضية.
ثم جاء بيان قرار (الترويكا) في وقت يمكن وصفه بالحرج جداً بعد إقتراب الموعد المضروب من دولة الجنوب لإجراء الإستفتاء في أبيي، وقد يكون توقيت البيان قريباً من التصريحان التي وصف خلالها "سلفاكير" الإتحاد الإفريقي بعدم الجدية والفشل في إنفاذ مقترحه بإجراء إستفتاء أبيي في موعده، وثمة ما يتسربل رويداً رويداً بأن تلقي تلك الدول في روع طرفي الأزمة أن مفاتيح الحل مخبأة في خزانتها بقدراتها اللوجستية والإقتصادية والسياسية، وهو ما قد يجر الأقدام والأعين الدولية إلى النزول في باحة أبيي، بعد أن تهيئ الدول الغربية الأجواء بمثل هكذا بيانات.. ولهذا، فإن إبقاء حل المنطقة حلاً جذرياً رهين بأن لايخرج عن إطار الحل السوداني أو الإفريقي بعيداً عن عدسات أصحاب الأعين الخضر.
بعد كل تلك الإشارات الإيجابية من طرفي القضية وسعيهم المصحوب بالتصريحات المتقاربة، تبدو الآن في طريقها إلى التعقيد مرة أخرى، ومجموعة دول (الترويكا) التي تضم أمريكا وبريطانيا والنرويج تحت الأطراف المعنية لتخطو خطوات محسوسة لإجراء إستفتاء آمن وشفاف وفي موعده في منطقة أبيي.
تخفيف الأزمة
لقاء الرئيسين في الخرطوم خلال الأسابيع الماضية، أزال كثيراً من الإحتقان الذي تولد بعد إتهامات الخرطوم لجوبا بدعم قوات الجبهة الثورية، وتصاعد الخطاب الجنوبي بإجراء إستفتاء أبيي في المنطقة، إلا أن اللقاء الذي لم يمتد إلى أكثر من ساعات قلائل، ورغم تحاشيه الحديث عن أذمة أبيي في المنطقة (الملغومة)، فإن تصريحات الرئيسين خففت كثيراً مما يعتمل في النفوس، يعضدها تأكيد الرئيس "البشير" في كلمته أثناء اللقاء عزم السودان على إيجاد حل نهائي ومرضي للأطراف كافة في أبيي بما يضمن تعايشاً سلمياً بين مكونات المجتمعات المحلية توطئة لإيجاد تسوية نهائية للمسألة، وإشارته إلى ضرورة حل أزمة المنطقة المتنازع عليها حتى لاتكون خنجراً في خاصرة علاقات البلدين مستقبلاً. وكان حديثه متناغماً مع حاجة الشعبين إلى عدم اللجوء إلى مايحرق الحرث والنسل مرة أخرى بعد عقود الإحتراب التي لم تنزع من النفوس حتى إنفصل الجنوب عن الشمال.
تلك القمة أظهرت تماماً أن ما يجمع بين الدولتين أكثر من ما يفرق. ولعل قائدي البلدين يضعان نصب أعينهما أن أي تدخل دولي من شأنه أن يزيد الأزمة تعقيداً، ولن يعجل بحلها وسيصب المزيد من الزيت على نار الخلافات التي بدأ أوارها في الخفوت شيئاً فشيئاً.
مسارات وسيناريوهات
وكان الإتحاد الإفريقي قد تبنى في قمة رؤساء الدول سبتمبر من العام الماضي المقترح الذي تقدم به رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى "ثامبو أمبيكي"، الذي ينص على إجراء إستفتاء أبيي في أكتوبر المقبل. وقوبل ذلك المقترح برفض من قبائل (المسيرية) التي تصر على التصويت في الإستفتاء المزمع إجراءه في المنطقة.
ونحفظ السودان على هذا المقترح في حينه، وأكد (لا ينبغي أن يؤسس على هذا المقترح أي إجراء)، إلا أن الناظر "مختار بابو نمر" طالب الحكومة بأن تكون أكثر حسماً تجاه القضية، وأبلغ (المجهر) أمس أن على الحكومة أن تتخذ مواقف أكثر وضوحاً، خاصاً وأن منطقة أبيي ليست ملكاً ل(المسيرية) وحدهم، بل هي تتبع للحكومة، مشيراً إلى أنهم دفعوا برأيهم القوي تجاه تلك القضية.
أما في جانب (دينكا نقوك)، فلا يمكن إغلاق الحديث الذي أطلقه الدكتور "لوكا بيونق" القيادي بالحركة الشعبية لتحرير السودان والناشط في قضية إستفتاء أبيي، حول الخطوة التي ستقدم عليها عشائر (دينكا نقوك)، في حال فشل قيام الإستفتاء في أكتوبر بعد رفض الخرطوم لقيامة في الوقت المحدد..
قال "بيونق " إن في هذه الحالة يحق ل(دينكا نقوك) أن يرفعوا القضية في محكمة العدل الدولية ضد السودان الذي إتهمه بأنه يماطل في تنفيذ إتفاق سياسي بين الطرفين، كما أبان أن عشائر (دينكا نقوك) التسع يمكنها في حال رفض السودان، أن تقوم بإجراءات للتصويت من طرف واحد وإجراء الإستفتاء بالطرق العادية لصالح خيارها النهائي، من خلال الإستعانة بأعضاء المفوضية التي قامت بإجراءات إستفتاء جنوب السودان في 2011م. وأضاف بالقول: (لكن هذا يحتاج إلى موقف واضح من حكومة جنوب السودان).
ولم يستبعد "بيونق" أن تقود تلك الضغوط إلى تدخل الأمم المتحدة وفرضها للوصاية على المنطقة إلى حين قيام الإستفتاء، أو أن تتم إحالة الملف برمته إلى مجلس الأمن الدولي في حال فشل الطرفين في التوصل إلى حل للقضية، لكن هذا أمر يتطلب جهداً دبلوماسياً كبيراً للتأثير على مواقف روسيا التي تنظر إلى مصالحها الإستراتيجية مع السودان، إلى جانب الصين التي تربطها علاقات تجارية مع الخرطوم،. كما رجَح إمكانية إقدام عشائر (دينكا نقوك) المقيمة في أبيي على جمع توقيعاتهم التي يمكن أن تصل إلى(60.000) توقيع، وإعلان أبيي منطقة تابعة لجنوب السودان، وتلك الخيارات المتعددة ل(دينكا نقوك) يمكنها أن تحدث إضطراباً واسعاً في المنطقة رغم الأصوات العاقلة داخل الحركة الشعبية التي تستبعد خيارات التصعيد، ولكن حديث "بيونق" لا يمكن تجاوزه خاصة ببعد أن المح إلى إمكانية التدخل الأجنبي في القضية التي يمكن أن تتخذ مسارات جدية غير التي رسمها قادة الدولتين في حال إعتزمت الجهات الأجنبية مثل (الترويكا) إقحام نفسها في القضية.
ثم جاء بيان قرار (الترويكا) في وقت يمكن وصفه بالحرج جداً بعد إقتراب الموعد المضروب من دولة الجنوب لإجراء الإستفتاء في أبيي، وقد يكون توقيت البيان قريباً من التصريحان التي وصف خلالها "سلفاكير" الإتحاد الإفريقي بعدم الجدية والفشل في إنفاذ مقترحه بإجراء إستفتاء أبيي في موعده، وثمة ما يتسربل رويداً رويداً بأن تلقي تلك الدول في روع طرفي الأزمة أن مفاتيح الحل مخبأة في خزانتها بقدراتها اللوجستية والإقتصادية والسياسية، وهو ما قد يجر الأقدام والأعين الدولية إلى النزول في باحة أبيي، بعد أن تهيئ الدول الغربية الأجواء بمثل هكذا بيانات.. ولهذا، فإن إبقاء حل المنطقة حلاً جذرياً رهين بأن لايخرج عن إطار الحل السوداني أو الإفريقي بعيداً عن عدسات أصحاب الأعين الخضر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق