الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

الحوار الوطني.. للجادين فقط!

لا شك أن قضية التوافق الوطني على الأقل على القضايا الرئيسية الكلية في بلد مزدحم بالقضايا والمشاكل مثل السودان، قضية محورية وحيوية وليست محض ترف.
ويخطئ من يتمترسون وراء مواقف مسبقة ثابتة لا تتزحزح حتى الآن عن عدم ثقتهم فى الوطني، إذ يكفي أن الوطني -وبنجاح مذهل- استطاع حتى الآن أن يجرّ إليه خلف القاطرة الوطنية أحد أكبر أحزاب الوسط السودانية التاريخية المعروفة وهو الحزب الاتحادي الأصل بزعامة الميرغني.
يجهل الكثير من المراقبين –بقصد أو بحسن نية– دلالات مشاركة الاتحادي الأصل بزعامة الميرغني فى السلطة الحاكمة فالمشاركة ليست فقط (توزيع كيكة سلطة وثروة)، ولكنها اختبار عملي متواصل للقدر المتاح من التوافق بين كبريات الأحزاب السياسية فى الساحة السياسية السودانية.
فالديمقراطية كما عرفها الغرب عموماً، ليست فوضى سياسية ضاربة بأطنابها يتجاوز فيها عدد الأحزاب والتنظيمات السياسية عدد السكان. الديمقراطية الحقيقية تتمثل في وجود أعمدة قوية ومتماسكة للدولة بأجهزتها المختلفة، وثوابت سياسية وفكرية فى حدها الأدنى على الأقل، ثم أحزاب (حقيقية) لها شارع عريض ورؤى وأفكار حقيقية تتنافس بميثاق شرف غير مكتوب، على تقديم وطرح بضاعتها السياسية للمواطن والناخب.
ولهذا فإن ما يقوم به الوطني الآن -للأسف الشديد- لا يستوعبه خصومه فى المعارضة أو يستوعبونه ولكنهم إمعاناً منهم فى المعارضة يتجاهلونه، فالوطني يسعى لتنظيف الساحة السياسية وجعلها متينة متماسكة وذلك عبر تبادل الرؤى والأفكار مع الأحزاب الجادة، إذ ليس سراً أن الوطني متجذر فى عمق التربة السياسية السودانية سواء عبر الأفراد أو الأفكار والأطروحات وليس من السهل –كما تتوهم العديد من قوى المعارضة– اجتثاثه وإلقاؤه فى البحر عبر عمل مسلح أو انقلاب عسكري أو أي شكل من أشكال التغيير غير الديمقراطي.
فكرة الوطني التى يسوقها الآن ببطء وبوضوح هو أن يمد يديه الى كل حزب ينبذ العنف يهمّه الوطن ويريد ساحة سياسية ديمقراطية حقة، إذ ليس من الديمقراطية فى شيء أن تجري إزالة نظام فى كل مرة ليقوم نظام آخر على أنقاضه، ويبدأ الجميع مرة أخرى من الصفر عبر ديمقراطية ثبت عدم مواءمتها للأرض السودانية رغم خصوبتها السياسية.
وحين يتوجه الوطني بالدعوة للأحزاب الكبيرة فإن المقصود هو خلق أرضية مشتركة ثابتة وليس تذويب هذا الحزب فى ذاك، أو تلطيخ هذا الحزب بالشمولية كما درج قادة المعارضة على القول باستمرار. الوطني لديه من الثقة فى نفسه بما يجعله قادر على إدارة صراع سياسي شريف منطلق من أرضية سياسية متفق علي أسسها، بينه وبين المكونات السياسية الحقيقية والجادة ولعل الأمر لا يحتاج منا لكثير إيضاح فاقتراب الأمة القومي بزعامة السيد الصادق المهدي -أياً كانت درجة الاقتراب هذا- تبشر بأن من الممكن أن تتسع الساحة للكل.
ذات الأمر ينطبق على التقارب المتنامي مع الشعبي، ففي المخيلة السياسية على نطاق العالم فإن (ثلاثة أو أربعة أحزب كبيرة) لديها عمق جماهيري واضح، ورؤى جيدة أفضل فى التنافس السياسي من عشرات الأحزاب القليلة الحجم، فطيرة الأفكار، متقلبة المزاج سريعة الذوبان!
أيما دولة تحترم ممارستها السياسية وتحترم قواعد اللعبة الديمقراطية لا بد أن تتوفر فيها في أعلى الهرم السياسي أحزاب قوية جادة تحترم المنافسة وتحترم الوطن نفسه، وتنظر الى الأمام بأكثر مما تتلفت باستمرار الى الخلف والماضي، فلو كان الماضي يصنع التاريخ لما كان هنالك مستقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق