الثلاثاء، 7 مايو 2013

تلفون كوكو من (ثابت) الى (سيّار)!

مع فداحة الظلم غير المبرر الذى لحق باللواء تلفون كوكو وقد قضى ما يربو على الثلاثة أعوام فى سجون دولة الجنوب – دون تهم جنائية واضحة – ومع حتمية إطلاق سراحه سواء كان الزمن قد طال أو قصر طالما كان الرجل مظلوماً؛ فإن توقيت إطلاق سراحه –بكل المقاييس– حمل فى طياته رسالة سياسية بالغة الأهمية خطها الرئيس الجنوبي سلفا كير بقلمه الرئاسي لتصل الى قطاع الشمال وهو يجلس الى مائدة التفاوض مع الوفد الحكومي القادم من الخرطوم فى العاصمة الإثيوبية أديس .
رسالة الرئيس كير الموجزة والبالغة الدلالة هو أن القطاع لم يعد كما كان فى السابق مسنود الظهر من جوبا، وأن (لاعباً سياسياً محترماً) ونعني اللواء تلفون قد جرى الدفع به الى الملعب ليضع اللاعبين - من ذات الفريق - فى زاوية شديدة الضيق لأن اللاعب الجديد لم يكن يراد له أن يكون ضمن التشكيلة.
إن الوقوف عند توقيت إطلاق سراح كوكو – وجوبا تعلم أن القطاع يدخل مفاوضات مع الخرطوم وتعلم أن وزن اللواء كوكو فى مناطق جنوب كردفان، والحساسية العالية لدى عبد العزيز الحلو أحد قادة القطاع تجاه تلفون كوكو والمنافسة (أخرجت القطاع من غرفته الخاصة في البيت الجنوبي) وعليه أن يبحث عن مأوى جديد.
من هنا تجيء أهمية خروج اللواء كوكو من محبسه الى الفضاء السياسي السوداني عموماً والفضاء السياسي فى جنوب كردفان. فاللواء كوكو كما تقول مصادر وثيقة العلاقة به فى كادوقلي هاتفتها (سفاري) يتمتع بقبول سياسي واسع النطاق فى المنطقة لاعتداله السياسي وصدقه ونظافة يده.
والأكثر خطورة من كل ذلك انه يتمتع بولاء لقطاع واسع من الجيش الشعبي فى الفرقتين 9 و 10 من أبناء النوبة على وجه الخصوص وتربطه بهم –بحكم الدم واللحم– آصرة فريدة من نوعها وهو ما من شأنه أن يغيب عبد العزيز الحلو تماماً من الساحة.
وتشير المصادر الى أن الحلو وعلى وجه الخصوص فى العام 2009 لعب دوراً محورياً بالغ الخطورة فى الدفع باللواء تلفون الى الاعتقال لشعوره بأن اللواء تلفون شديد التأثير على القوات ويتمتع بثقتها ومحبتها، وله قاعدة جيدة فى أوساط الحركة فى المنطقة، خاصة وأنه ينحدر –مباشرة– من أثنية النوبة بعكس الحلو الذى قيل انه ينتمي الى قبيلة المساليت من جهة الأب وأن والدته هي المنحدرة من أصول تنتمي الى النوبة.
المفارقة هنا أن تلفون سوف يقلب الأوضاع فى المنطقة رأساً على عقب فهذا ميدانه الطبيعي . ولهذا لا تستبعد المصادر أن يكون الرئيس كير وفى إطار استعادته لسلطانه وترسيخ أقدامه بعد أن عانى طوال الأشهر الماضية من مراكز قوى جنوبية عرقلت علاقاته بالسودان قد قصد أن يضعضع أقدام قطاع الشمال ويهز الطاولة قليلاً تحت أقدامهم بإطلاقه اللواء تلفون كوكو فى هذا التوقيت المتزامن.
لقد فعلها الرئيس كير من قبل حين أجبر ياسر عرمان على الترجل من السباق الرئاسي فى العام 2010 فى أحرج وقت وقد دخل السباق مراحله الأولى. كانت تلك (قرصة أذن) من رجل المخابرات العتيد أختار لها التوقيت والأدوات فأصاب عرمان فى مقتل ولو كان – منذ ذلك التاريخ – لعرمان من وجود، فهو وجود أقرب الى الشبح منه الى الوجود من لحم ودم، فقد كانت تلك إشارة أراد بها الرئيس كير أن يؤكد لعرمان وبعض قادة القطاع أنهم لا يعنون لهم شيئاً!
ولكن عرمان وصحبه الأبرار لم يفهموا الدرس يومها وما فهموه حتى الآن. ويقال والعهدة على الرواة إن دعم قطاع الشمال فى الفترة السابقة كان محض تصرف فردي من غلاة المتشددين فى الحركة الشعبية الجنوبية دون موافقة الرئيس سلفا كير ولعل أكثر ما يدلل على هذه الفرضية أن الرئيس كير اضطر قبل حوالي 3 أشهر لإجراء عملية تصفية واسعة النطاق فى الجيش الشعبي كما تخلص من بعض القادة أمثال د. لوكا بيونق ثم على تقليص صلاحيات نائبه مشار، كل ذلك فى إطار توطيد سلطته ووضع القرار بكامله فى جوبا حيث القصر الرئاسي الأنيق.
ومن ثم فإن القطاع الآن ومهما كانت درجة ثقته فى جوبا تزعزعت  هذه الثقة فيه وهو يرى جوبا لا تكتفي فقط بإعادة علاقاتها القوية مع السودان وإنما تفرج عن أشرس خصومهم – وهو اللواء تلفون كوكو – فى آخر توقيت يمكن أن يخطر على بالهم!
عبد العزيز الحلو هو الآن الأكثر تعاسة بخروج اللواء كوكو، الكمندر ياسر عرمان هو الآخر ارتج لسانه لأنه لا يجيد الحديث بلغة (جنوب كردفان) كما كان يفعل فى السابق وهو يجيد بعض عبارات اللهجات الجنوبية!
لقد تحول اللواء تلفون كوكو من تلفون (ثابت) قليل الأثر، لا تتعدى فائدته دائرة وجوده فضلاً عن تقطع أسلاكه بالخارج والمحيط الذى نشأ فيه؛ الى تلفون سيار يعمل وفق منظومة الأقمار الاصطناعية السياسية بحيث لا تحده حدود وبإمكانه التواصل مع محيطه بسهولة فى كل المواقع والأخطر بإمكانه إرسال الرسائل القصير و (سحب الرصد) السياسي وتغيير النغمات!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق