الأربعاء، 29 مايو 2013

المركز.. الخط الأحمر والصخرة الصماء!

يسود اعتقاد خاطئ لدى قادة ما يسمى بالثورية وبعض الذين يمثلون لهم إسناداً داخلياً أن باستطاعتها نقل الحرب الى المركز ومن ثم تسهيل عملية التغيير والسيطرة على الأوضاع لصالحها.
الحكومة السودانية وفى مقابل السيل المتدفق من الشائعات المبثوثة بعناية عبر المواقع الاسفيرية لم تجد سوى أن تدلق دلواً تلو الدلو من التطمينات لمن ارتجف جنانهم لمثل هذه التهديدات التى لا تجد وصفاً لها سوى أنها جوفاء، غير أن الأمر على الجانب الآخر مختلف تماماً، فليس من المستحيل ملامسة الأسلاك الشائكة للعاصمة السودانية أو المركز المحيط بها على وجه العموم، وليست هذه القضية مستحدثة أو جديدة فهناك تجارب عديدة مماثلة ولكن المستحيل الحقيقي الذى أثبتته كافة تلك السوابق الحديث منها أو القديم، أن المركز ليس هو عصب الحكومة أو النظام القائم الحساس.
المركز ليس هو أسوار الجيش الشائكة العالية والقوات الخاصة والوزارات السيادية والقصر ووسائل الاتصال والأجهزة الإعلامية ذلك كان معنى قديم تبدل الآن وتناوشته السنوات والعقود الطويلة من المتغيرات الجذرية الفاصلة.
المركز الآن تحول الى مكمن النواة السودانية الصلبة والضفيرة الاثنية المتشابكة ومصالح المواطنين الذين لن يفرطوا فيها وللتذكير فقط – رغم اختلاف الأمر عن اليوم – فإن أحداث يوليو 1976م لعب فيها الهاجس الخاص للشخصية السودانية فى المحافظة على عرين البلاد الأول الدور المفتاحي فى دحر المحاولة، واستطاع المواطنون بدرجة عالية من الوعي أن يفصلوا فى ثواني ما بين القادمين والوطنيين وما بين الموتورين، والحريصين على الإبقاء على بيضة الوحدة الوطنية بكل نسيجها.
كل الذين وقعوا فى يد السلطات السودانية يومها وجرت محاكمتهم لعب المواطن السوداني الدور الرئيس فى محاصرتهم . وفى محاولة العاشر من مايو 2008 التى قادها الدكتور خليل إبراهيم، حدث ذات الشيء، نشأ (جدار عازل) ما بين المهاجمين وإن تظاهروا بعدم استهداف المواطنين وما بين المواطنين, يومها وجد د. خليل نفسه وقد توغل فى أحشاء حوت فى محيط هادر وليس فى مواجهة سلطة حاكمة ولم يجد مناصاً غير التراجع والهرب.
المعضلة الأساسية لمن يروم الخرطوم ويسعى لإخضاعها أنه لن يستطيع الفصل بين ما يعتقد أنه نظام ويريد القضاء عليه وجماهير تقف على الرصيف متفرجة أو تغلق أبواب بيوتها فى انتظار جلاء المعركة فالحكومة السودانية -أية حكومة- وثيقة الصلة بمن هم حولها فى المركز ولم يألف التاريخ السياسي السوداني تغييراً على هذه الشاكلة المتعارف عليها إفريقياً.
والأكثر سوءاً من كل ذلك أن قادة الثورية – بغباء معروف عنهم – أعطوا نماذج من طريقة عملهم فى أم روابة وأبو كرشولا فإذا كان ذلك حال مناطق صغيرة ونائية أهلها بسطاء فما بالك بعاصمة تضم فى أحشائها ملايين الأسر الوثيقة المصالح بحالة الاستقرار والرافضة لأي عملية تغيير مجهولة النسب والملامح والجينات؟
إن من الطبيعي أن يساور البعض القلق جراء التخريب الذى يمكن أن يقع هنا أو هنالك لبنيات تحتية حفر فيها الجمهور السوداني بأظافره ورواها بعرقه وجهده وماله، ولكن من المستحيل تماماً أن يقلق السودانيون من عناصر فارقت التقاليد السودانية وقواعد الفروسية والواقع الوطني المتعارف عليه فقط لتستولي على السلطة وربما لهذا السبب فإن الدكتور جون قرنق –رغم كل المغريات– فى ما عرف بالديمقراطية الثالثة، لم يفكر ولو للحظة فى اجتياح المركز على الرغم من طموح الرجل المعروف فى قضم كل الكيكة وليس كيكة الجنوب وحدها.
هنالك دائماً فى العمل السياسي ذي الطابع المسلح حدوداً طبيعية فاصلة مثل الجبال والأنهار والمناطق الوعرة الذى يساوره اعتقاد بأن بإمكانه تجاوزها عليه أن يدفع الثمن كاملاً من جيبه الخاص ويا له من ثمن!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق