الأربعاء، 29 مايو 2013

جوبا كثرة فى الأوراق وقلة في الخيارات!

فى وقت من الأوقات وحتى قبيل توقيع اتفاقية التعاون المشترك فى سبتمبر 2012 كان جيب جوبا الخلفي والأمامي والجانبي كله محشو بعدد مهول من الأوراق القابلة للتداول فى مواجهة الخرطوم.
القادة الجنوبيون يومها كانوا يستسهلون الأمر الى درجة مريعة وصل بعضها الى حد احتلال منابع النفط السودانية أو بالأحرى (القصبة الهوائية) للسودان فى منطقة هجليج النفطية.
كانت حسابات تلك الأيام أنهم (بورقهم ذاك) يمكن أن يأتوا (بأزكى طعام) من السوق السودانية دون أن يتلطفوا وألا يشعروا أحداً! كانت أبيي فى خاطرهم وكان تصدير النفط الجنوبي (برسوم رمزية) فى جيب، وكان ترسيم الحدود مع وجود (مناطق جديدة) فى جيب آخر وكان أيضاً متمردو الثورية وقطاع الشمال والفرقتين 9 و10 فى جيب مستقل آخر.
هذه الأوراق على خطورتها وكثرتها جعلت جوبا تستهين بالدولة السودانية الأم ولهذا رأينا كيف امتلكت جوبا جرأة يومها فى غلق صنبور النفط تمهيداً لمرحلة أخذ كل شيء دون مقابل.
وعادة حين تكون الحسابات عجلى ومجانبة للدقة فإن النتائج لا تأتي كما هو مطلوب، فالحاسبة الذهنية التى حسبت بها جوبا كل هذه الحسابات المعقدة لم تكن سوى تفكير بصوت مسموع دون تقليب الأرقام والخيارات وترتيبها جيداً وهنا فقط يكمن سر التراجع المفاجئ، والتطور الايجابي الذى بلغ ذروته الآن حين لم يجد الرئيس الجنوبي سلفا كير مناصاً من (فتح خط ساخن) متواصل مع نظيره السوداني للمحافظة على (الجرة سليمة) .
لقد تبدل حال جوبا من دولة تعتبر نفسها أكثر من ند للسودان وقادرة على التفوق عليه بامتلاكها لأوراق احتفظت بها جيداً الى دولة تحاول بالكاد أن تحافظ على علاقاتها الثنائية مع الجارة الأم بشتى السبل.
صحيح أن جوبا وبعد كل الحبر الذى أراقته فى المصفوفة الأمنية دعمت الثورية وقطاع الشمال فى هجومهم الأخير على كردفان. وصحيح أن التأجيلات المتكررة -دون مسوغات مقنعة- لقضية ترسيم الحدود تشي بنوايا تعطيلية رهاناً على الزمن والظروف والمفاجآت، ولكن فى المحصلة النهائية فإن جوبا لم تعد لها فائدة من أوراقها هذه، فالهجوم الذى قادته الثورية وقطاع شمال على كردفان أتى بنتائج وخيمة حيث اصطف الصف الوطني بكامله ضدها وهذا معناه تلاشي أي بارقة أمل فى امكانية صعود نجم قادة الثورية لا في الحاضر ولا في المستقبل فهم فى الذهن السياسي الجمعي السوداني الآن ليسوا سوى قتلة وسافكي دماء ومخربي بنيات تحتية تخصم من الرصيد الاستراتيجي للدولة السودانية الكثير مما يتعارض مع مصالح المواطنين.
وهذا معناه بداهة أن إمكانية تحقيق مشروع (السودان الجديد) قد ولىّ وتلاشى في الأفق العريض وانكشفت خطط جوبا ومشاريعها فى هذا المشروع الخاسر.
أما فيما يخص ورقة أبيي فإن مقتل سلطان دينكا نقوك جاء كإشارة حمراء على أن إنزلاق المنطقة فى مواجهة عسكرية فى ظل ما هو ماثل من ظروف معناه خسران دينكا نقوك – وربما للأبد – للراهن الديمقراطي المتاح لتقرير تبعية المنطقة وستكون هذه ضربة موجعة للقيادة فى جوبا كونها خسرت أكبر قضية مصيرية بعد قضية تقرير مصير الجنوب.
وهذا ما يجعل ورقة أبيي تحترق فى الجيب الجنوبي حيث لا حل إلا بالتفاهم وفق ما يجمع بين مكونات المنطقة ولا يفرق؛ وهذا طرح سوداني قديم متجدد حيث لا سبيل إلاّ بالتراضي إنطلاقاً من المستوى الأهلي المحلي مهما كانت الحسابات والتقديرات.
وأما ورقة دعم جوبا للمتمردين باستغلال الحدود، وتحاشي الترسيم فهذه هي الأخرى مهددة بانقراض الثورية وقطاع الشمال عسكرياً، فالتعبئة العامة التى قادتها الحكومة السودانية سقفها صار عالياً جداً مهما كان الكلفة، أقلها تقليم أظافر القطاع إن لم يكن قطع الأصابع والأيدي وجوبا مهما حاولت ودعمت لن تستطيع الحيلولة دون ذلك.
وعلى هذا الأساس يمكن القول إن جوبا حدث لها ما يشبه التضخم فى علم الاقتصاد، حيث لا تستطيع أوراق نقد هائلة شراء علبة كبريت صغيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق