الأربعاء، 29 مايو 2013

البشير وسلفا كير والزرع الذي يأكله الطير!

الفارق السياسي فى سعر صرف العملة السياسية ما بين السودان ودولة جنوب السودان يكمن فقط في إتساع رقعة (بنك القرار) الجنوبي وتعدد المنافذ وتقاطع حسابات البورصة السياسية هناك. ففي كل مرة يتلقي فيها الرئيسان، البشير وكير، تتذلل بسهولة ويسر العديد من الإشكالات والتعقيدات، ولكن ما أن يعود كل منهما الى بلاده حتى تتفجر أنابيب المياه، فى أزقة الشوارع السياسية وتملأ الأرجاء.
لقد بلغ من سوء إدارة الجانب الجنوبي لملف البلدين أن الرئيس الجنوبي نفسه أصبح فى حاجة إلى (تنظيف جيوبه) كلها أولاً قبل إخراج أي عملة سياسية أو وضع أوراق نقدية جديدة. المشكلة ما تزال فى وجود تيارات متقاطعة فى المركب الجنوبي المتهاوي على اتساع المحيط الذي تهدر فيه ماكينة المركب ولعل لهذا السبب لا مشكلة في أي قمة سودانية جنوبية ولا تعقيدات فى الملفات والقضايا المطروحة، هنالك مشكلة فقط حين  يحين أوان التنفيذ على الأرض وهذا ما يستفاد منه أن الطرف الجنوبي وإن كان راغباً في الحلحلة إلا أنه غير قادر.
فإذا تم الاتفاق على الاستفتاء فى أبيي - بالكيفية المناسبة المرضية للطرفين - فإن المشكلة سوف تثور حين يأتي التنفيذيون على الأرض؛ وحين تشكلت لجان ترسيم الحدود، وهي حدود مفروغ من ترسيم أكثر من 80% منها، تعرقلت أعمال اللجنة بفعل (طلبات التأجيل) الجنوبية المتكررة كشأن التكتيك المتعارف عليه لدي بعض المشتغلين بمهنة المحاماة حين يراهنون على عنصر الوقت والزمن.
إن اللقاء الأخير بين الرئيسين بالطبع لم يكن ليخرج عن ذات الأطر واللقاءات السابقة، وأن يجري التفاهم على كافة الأصعدة بما فى ذلك ملف أبيي الشائك، ولكن ما يثير القلق عدد من الأمور.
أولاً ثبت على وجه القطع أن الجيش الشعبي تمور بداخله تيارات معاكسة للوجهة التى يتجه إليها الرئيس كير ومعاونيه وهذه معضلة حلّها لدي الطرف الجنوبي، فقد رأينا كيف انتابت الرئيس كير الدهشة وحامت حوله الهواجس وهو يرى دعماً يقدم من قبل جنرالاته الى قطاع الشمال والثورية بعد أن قطع تعهداً بالكف عن ذلك.
إذا استمر هذا التقاطع فى التعامل مع التعهدات الثنائية الواجبة الاحترام فإن من المحتم أن مسيرة الدولتين سوف تظل مراوحة مكانها وهذا ربما يقود فى النهاية الى اهتزاز العرش الجمهوري الجنوبي.
ثانياً، ثبت أيضاً أن الأزمات المتطاولة بين البلدين ليست أزمات موضوعية، هي مجرد ملابسات تاريخية يلعب فيها العامل التاريخي الشخصي لبعض القادة الجنوبيين الدور الأكبر، فأبناء أبيي فى الحركة الشعبية على سبيل المثال -هم وحدهم- الذين يحرضون الجيش الشعبي ويدعمون الثورية وقطاع الشمال لإقلاق السودان إلى أقصى مدى حتى يمنحهم أبيي، وهذه الحقيقة الساطعة المجردة هي التى تمسك بخناق الدولتين وتجعلهما أسرى لحفنة من القادة كل همهم الثأر لأنفسهم من السودان بشتى الوسائل.
وهكذا، فلسوء حظ الدولتين فإن ظروف ومعطيات الأزمة أكبر من مجرد لقاءات وقمم وقرارات، هي أزمة متشابكة داخل الكابينة القيادية الجنوبية ومتصلة بجهات خارجية برعت في سبك وتصنيع شبكة استخبارية قوية ستظل تعمل من أجل إفشال أي تفاهم سوداني جنوبي حتى على مستوى الرئيسين! فما يزرعه الرئيسين بدأب مثابرة لا يلبث أن يأكله الطير!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق