الأحد، 16 يونيو 2013

لحركات المتمردة.. المراحل الأولى للنهايات الأخيرة!

فى تحليلات سابقة عديدة تنبأنا وتنبأ الكثير من المحليين والمراقبين اللصيقين بالشأن السوداني والحركات المسلحة المختلفة، بأن هذه الحركات المسلحة سوف يفعل الزمن فيها فعلته وأنها ستمضي الى تلاشي وزوال شاءت أم أبت.
قد يبدو هذا الأمر فى ظاهره للبعض بعيداً عن الواقع، والبعض الآخر قد يعتقد أنها طريقة سهلة للمداراة على الأزمة السودانية، ولكن من الناحية الموضوعية المجردة فإن هذه هي الحقيقة التى ظهر الآن جزء مقدر منها على سطح الأحداث، ولكي نفصِّل الأمر قليلاً فى إيجاز غير مخل نضع عدة مؤشرات على ذلك.
أولاً: هنالك فهم خاطئ بنسبة مائة بالمائة عن حجم هذه الحركات المسلحة ووزنها السياسي والعسكري وهذا كان صحيحاً -نسبياً- قبل حوالي 3 أو 4 سنوات حين كانت حركة خليل على وجه الخصوص تتلقى دعماً مباشراً ورغداً من تشاد وليبيا القذافي.
الدعم المالي الضخم والآليات الحديثة كانت تجتذب الكثير من الشباب ولا نقول الصبية للانخراط فى الحركة. الآن وحين جف الدعم وغاب زعيم الحركة - ذات ليلة - فإن هؤلاء الشباب تخلوا عنها عوضاً عن فقدانهم لكاريزما خليل وما كان يمثله لهم.
بل وحتى داخل صفوف القادة حدث تراجع ظهر جلياً فى الانشقاق الكبير الذى بلغ من شدته ووطأته على الحركة أنها لجأت الى عمليات تصفية غادرة وانتقامية من المنشقين فإزداد طينها بلاً. ولعل اسطع دليل على انهيار الحركة التى يقودها جبريل إبراهيم ليس فقط فقدانها لكل قادتها الميدانيين، دعك من الجند والصبية الصغار ولكن الأسوأ من ذلك فقدانها (للقوة) وهذا ما أكده جبريل حين هدد قبل أيام بضرب العاصمة السودانية من داخلها!
كان واضحاً لكل متابع جيد أن جبريل يكافح لكي يظل إسم حركته موجوداً بأي ثمن، بل حتى الدعم الذي قدم له مؤخراً عقب هزيمة الثورية فى أبو كرشولا إنما قدم لأغراض دعائية حتى لا تشعر الساحة السياسية أن حركة جبريل فى النزع الأخير، فقد تراجعت الثورية مهزومة وفقدت الكثير ولابد من (حمل الراية) حتى يظن الخصم أن راية الثورية ما تزال عالية خفاقة.
لقد انتهت تماماً حركة جبريل كحركة كانت ذات وزن سياسي وعسكري، فعل الزمن فعلته فيها وجف الدعم، وانسلخ عنها من انسلخ. حركة بهذا الوضع لا بإمكانها خوض الحرب مجدداً ولا بإمكانها التفاوض، فلو دخلت فى مواجهة ولو جانبية خاطفة فستخرج من الملعب؛ ولو جاءت مفاوضة -وهي بهذا البؤس، وقد سبقها آخرون من داخلها- فهي لن تجد سوى ما تبقي على المائدة!
أما حركة مناوي فحدث ولا حرج، حركة لم تقم أصلاً إلا على أساس إثني وعلى وجه الخصوص (قرابة مناوي شخصياً) والأسوأ من ذلك تلقت قبل عامين ضربات موجعة من حركة خليل فى مهاجرية أفقدتها تماماً توازنها ثم أخطأت ودخلت فى مواجهات مع الجيش السوداني -قبل أسبوعين أو ثلاث- بجنوب دارفور واستطاعت أن تنجح فى الهرب وعدّته نصراً.
حركة مناوي الآن لا تجد من تقوم بنهبهم لتشوين قواتها، وكمبالا ما تزال تحجب الدعم القليل الموجود فى حوزة الرئيس موسيفيني، بل إن الأخير -كشف دون أن يدري- عن ضعف حركات دارفور المسلحة حين عرض وساطته مؤخراً لحل المشكلة!
موسيفيني ما كان ليقدم على خطوة كهذه، عالية التكلفة سياسياً لو لم يكن يشعر بأن ما بين يديه من (حركات) قد دخلت فى حالة احتضار طويلة وشاقة. موسيفيني خانه ذكاؤه -إن كان له ذكاء- فى تصريحه ذاك.
أما حركة عبد الواحد محمد نور فيكفي فقط أنها حتى الآن تبذل كل ما في وسعها حتى لا تصطدم بالجيش السوداني. أقصى أمنيات عبد الواحد ألا يتعرض لما تعرض له خصمه اللدود وصديقه السابق مناوي، فهو يحتفظ (بما تبقى من جيش) فى أبعد (جيب) لا يخطر على البال، ولكنه بهذه الطريقة مضطر للتفاوض عاجلاً أم آجلاً لأسباب نوردها فى تحليل آخر ولكن أقلها أن داعميه لم يعودوا يثقون فى قدراته وطريقة تعامله مع رفاقه فى الثورية.
وأخيراً تبقت الثورية، والثورية -بساطة شديدة وبعيداً عن هزيمتها الأخيرة- فقدت تماماً إسنادها الداخلي وهو عنصر مهم لها بل هو شريان حياتها. لقد تراجع الكثير من المراهنين عليها جراء ما فعلته فى أبو كرشولا، كما أن جوبا ستضطر على الأقل فى الوقت الراهن لحجب الدعم عنها مخافة تهديدات الخرطوم (الخطيرة) بشأن وقف ضخ النفط وتجميد الاتفاقية المبرمة بين البلدين.
بوسعك عزيز القارئ أن تتمعن وتتأمل أكثر لتدرك أن النار بالفعل تأكل بعضها تماماً كما يقول المثل العامي السوداني!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق