الأحد، 9 يونيو 2013

سيد الأدلة!

بدا الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت أميناً مع (نفسه) حين اضطر للإعتراف ضمنياً بتقديم بلاده الدعم للمتمردين السودانيين. الاعتراف الضمني -الأخطر فى تاريخ علاقات البلدين- تمثل في (إعتذار حار) قدمه الرئيس كير للحكومة السودانية عما اعتبره خطأ إرتكبته حكومته فى حق الحكومة السودانية.
والاعتراف الجنوبي بهذا الصدد لم يكن مستغرباً لسببين هامين جدا: أولهما وأهمها أن مظروف الأدلة المادية الدامغة التى قدمها السودان عبر وفد تم ابتعاثه خصيصاً الى جوبا مكون من وزير الخارجية كرتي ورئيس جهاز الأمن، الفريق عطا لم يكن من بد سوى الاعتراف بما تضمنه، ومن ثم فسواء اعترف بذلك الرئيس الجنوبي وحكومته أم لا، فإن الدليل على أية حال ناطق ويحدث بجلاء عن نفسه.
ثانيهما أن الرئيس كير –الذي فوجئ حقاً بالأدلة الدامغة هذه يعتقد الكثير من المراقبين أنه (يعاني) من (فقدان جزئي) للسيطرة على مساعديه وعلى وجه الخصوص قادة جيشه وجنرالاته الكبار..
لدى الرئيس كير (أزمة خاصة) فى هذا الصدد جعلت منه (تائها) إذا صح التعبير وسط توجهات متقاطعة من الدائرة الحاكمة المحيطة به، وعلى الرغم من خبرته الاستخبارية السابقة وخلفيته المهنية فى هذا الصدد إلا أن الرجل لم يعد يسيطر على كل شيء، ولهذا، وفى هذه النقطة بالذات اضطرت الحكومة السودانية لمواجهته بالأدلة.
وهي مواجهة من المؤكد أن الخرطوم كانت تفترض حيالها أحد أمرين، إما أن الرجل يعلم، وفى هذه الحالة لا بد له من التسليم بما تم تقديمه له نائياً بنفسه عن المكابرة غير المجدية؛ أو أنه لا يعلم فيعمل منذ الآن ومن ثم يتخذ الترتيبات اللازمة (لسد الثغرة التى تتدفق منها المياه)!
ويمكن القول أنه فى الحالتين لم يكن أمام الخرطوم سوى (إحراج) الرئيس الجنوبي مهما بدا ذلك الإحراج ماساً بسيادته، فالأمن القومي للدول لا مجال فيه للمساومات وأحاديث المجاملات الدبلوماسية المغلفة بالأوراق اللامعة الملساء.
وكما أشرنا فإن الاعتراف –فى حد ذاته– لم يكن مستغرباً، ولكن الأكثر مدعاة للاستغراب أن العديد من الجهات الإقليمية والدولية التى اخترقت آذانها اعتذارات الرئيس الجنوبي تعاملت مع الأمر وكأنها لم تسمع شيئاً!
ولتقريب المغزى والمعنى دعونا نتصور -مجرد تصور- لو أن هذا الإعتذار كان قد جاء من القصر الرئاسي فى الخرطوم بدلاً عن نظيره فى جوبا! من المؤكد أن السيدة رايس كانت ستكون الآن فى الحدود السودانية الجنوبية برفقة زملائها من مجلس الأمن لتعقد (جلسة متحركة)، كما فعلت من قبل قبيل انفصال الجنوب وإذن لرأيتَ الكلمات تخرج من لسانها كما الطلقات فى أفلام الغرب الأمريكي البالية وهي تطالب بقوات أممية تحرس جوبا من غوائل الهجمات السودانية.
الآن انهزمت الثورية رغم كل الدعم الجنوبي وغير الجنوبي الذى قدم لها واستنفرت الثورية –لسوء حظها– السودان كله كدولة، بل حتى أولئك الذين كانوا يشكلون للثورية (نصف طابور) بالداخل من ساسة ومنظري أيدلوجيا ومجتمع مدني أصبحوا ضدها وضد إنتهاكاتها المخجلة بحق المدنيين والأبرياء، ثم انهزمت جوبا هزيمة دبلوماسية بالغة البؤس والتعاسة حين اضطرت للاعتراف (أملاً في تخفيف الحكم) من الخرطوم.
وعلى الرغم من كل ذلك فإن مجلس الأمن (مصاب بالصمم) و (ثقل فى اللسان) و (غشاوة كما المياه السوداء فى العيون)! لم يقل إن اعتراف جوبا الضمني هذا إدانة فى حقها تستوجب (عقوبات دولية) ولم يقل إن معنى هذا الاعتراف اشتراك جوبا (فعلياً) و (على مسرح الجريمة) فى الاعتداء على المدنيين والانتهاكات الفاضحة التى ارتكبت فى أبو كرشولا.
أقصى ما فعلته رايس وهي فى هذا المناخ المشبع بالإحباط أنها (وبوجه خالٍ من الماكياج السياسي والبودرة الأمريكية البيضاء) طلبت من الخرطوم الكف عن قصف المدنيين فى جنوب كردفان والنيل الأزرق.
رايس ربما كانت تعتقد أن المنطقتين (فى منطقة واحدة) وأن أبو كرشولا إما أن تكون فى النيل الأزرق أو فى جنوب كردفان ولهذا عليها أن تشمل فى حديثها المنطقتين!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق