أياً كانت أسباب وتقديرات واشنطن حيال قرارها بتعليق زيارة مساعد الرئيس
السوداني إليها والتي يتفق غالب المراقبين أنها تأتي على خلفية الخلاف
السوداني الجنوبي الأخير حين قررت الخرطوم وقف ضخ النفط الجنوبي حتى تكف
جوبا عن دعم المتمردين السودانيين، فإن واشنطن ترتكب خطأً مزدوجاً، فهي
رسخت بهذا المسلك وبما لا يدع مجالاً لأدني شك أنها مناصر دائم لجوبا مهما
أخطأت الأخيرة وأجرمت، وهذا ما ينزع عن واشنطن أيّ فرصة للتوسط أو حتى
الحصول على مصالحها التى ترعاها فى دولة الجنوب، لأن هذه المصالح –كأمر
بديهي– لا يمكن أن تحصل عليها بمعزل عن حالة هدوء واستقرار كاملين بين
الدولتين الجارتين.
وهي أيضاً من جهة ثانية فقدت إمكانية إنشاء علاقة جيدة مع الخرطوم فى وقت هي فى أمسّ الحاجة إليها وإن تظاهرت بشيء من عدم الاكتراث واللامبالاة.
حاجة واشنطن للخرطوم – التى تخفيها بعناية شديدة – تتمثل في حاجتها لوجود دولة جنوبية باقتصاد جيد أو على أقل تقدير خالية من الأزمات الغذائية والصحية غير المهددة بالأوبئة وحركات اللجوء والنزوح.
شفرة استقرار الدولة الجنوبية نصفها عند جوبا ونصفها الآخر عند الخرطوم، وكان بوسع واشنطن أن تحصل على (الشفرة الكاملة) لو أحسنت التعامل مع الطرفين. ومن المهم هنا أن نشير الى أن الخرطوم كما سبق لدكتور غازي صلاح الدين أن قال فى حضور المبعوث الأمريكي الخاص الأسبق -سكوت غرا يشون- عاشت ما يقارب الربع قرن بدون واشنطن فما الذي يضيرها لو عاشت مثلها مرة أخرى؟
إن مجرد حرص الخرطوم على علاقات جيدة وطبيعية مع واشنطن لا يعني أن واشنطن بالنسبة للخرطوم (أسطوانة أوكسجين) ولكن حرص الخرطوم إنما هو من قبيل ترسيخ أقدامها فى كل المحافل الدولية شأنها شأن أي دولة تدير مصالحها الدولية في النادي الدولي العريض.
ولو كانت الخرطوم تسعى للتطبيع مع واشنطن (بأي ثمن) و (بلهفة شديدة) لكان سهلاً عليها قبول كل أملاءاتها حيال تحسين العلاقة مع جوبا وقبول اشتراطاتها وتجاوزها لكل أخطاء جوبا، ولهذا فإن من الخطأ بمكان الاعتقاد أن (منتهى أمل) الخرطوم هو أن تحصل على علاقات طبيعية مع واشنطن وأنها فى سبيل ذلك مستعدة لفعل أي شيء. ولعل من المعروف أن واشنطن التى يحكم القرار السياسي فيها مجموعات ضغط مثل أنقذوا دارفور وبعض الجماعات واللوبيهات اليهودية لن يكون بوسعها لا على المدى القريب ولا على المدى البعيد أن تقرر تطبيع علاقاتها مع الخرطوم.
فكل الذي يجري إن هي إلا مجرد تلويحات بالحلوى هدفها -فيما يبدو- جعل الخرطوم تلين الى حد التلاشي لجوبا فى كل ما تطلبه. ولعل مما يؤسف له غاية الأسف فى هذا الصدد أن بعض الفُرقاء السياسيين فى صفوف المعارضة واتتهم غبطة غامرة جراء تراجع واشنطن عن دعوتها للدكتور نافع، مع أن الدعوة جاءت من واشنطن وبدون طلب من الخرطوم وبالطبع من حق صاحب الدعوة -حتى ودون ذكر أسباب- أن يسحب دعوته متى شاء؛ ولكن بالمقابل فإن من غير المتصور أن الموجهة إليه الدعوة سوف يعاود الاستجابة إذا ما أُعيدت الدعوة مرة أخرى، ففي هذه الحالة فإن من حقه أيضاً أن يقرر أن يدرس الأمر قبولاً أو رفضاً.
ولهذا فإن واشنطن فى الواقع وضعت نفسها فى زاوية حرجة بقرارها هذا، فهي ستفكر طويلاً قبل أن تعيد تقديم الدعوة من جديد لأنّ الخرطوم قد ترفضها أو على الأقل تقرر أن الوقت غير مناسب، وبهذا تكون واشنطن قد تلقت صفعة سياسية على خدها الأيمن، وهي أيضاً إذا صرفت النظر تماماً عن الدعوة لا تستطيع عملياً الاستمتاع بمصالحها فى دولة جنوب السودان وهناك توتر بين الدولتين وباستطاعة الخرطوم فى أي لحظة ومتى ما رأت أن جوبا عادت للعبث بأمنها، أن تغلق أنبوب النفط.
لقد كان الصحيح أن تمضي واشنطن قدماً فى تفاهماتها مع الخرطوم على الأقل لتجسير الهوة الآخذة فى الاتساع بين الدولتين، جوبا والخرطوم، وهذا كان يتيح لها لعب دور وسيط حتى ولو كانت وساطة غير نزيهة ولكن ماذا نقول حيال دولة عظمى (من حيث الشكل) فارغة المحتوى (من حيث المضمون)!
وهي أيضاً من جهة ثانية فقدت إمكانية إنشاء علاقة جيدة مع الخرطوم فى وقت هي فى أمسّ الحاجة إليها وإن تظاهرت بشيء من عدم الاكتراث واللامبالاة.
حاجة واشنطن للخرطوم – التى تخفيها بعناية شديدة – تتمثل في حاجتها لوجود دولة جنوبية باقتصاد جيد أو على أقل تقدير خالية من الأزمات الغذائية والصحية غير المهددة بالأوبئة وحركات اللجوء والنزوح.
شفرة استقرار الدولة الجنوبية نصفها عند جوبا ونصفها الآخر عند الخرطوم، وكان بوسع واشنطن أن تحصل على (الشفرة الكاملة) لو أحسنت التعامل مع الطرفين. ومن المهم هنا أن نشير الى أن الخرطوم كما سبق لدكتور غازي صلاح الدين أن قال فى حضور المبعوث الأمريكي الخاص الأسبق -سكوت غرا يشون- عاشت ما يقارب الربع قرن بدون واشنطن فما الذي يضيرها لو عاشت مثلها مرة أخرى؟
إن مجرد حرص الخرطوم على علاقات جيدة وطبيعية مع واشنطن لا يعني أن واشنطن بالنسبة للخرطوم (أسطوانة أوكسجين) ولكن حرص الخرطوم إنما هو من قبيل ترسيخ أقدامها فى كل المحافل الدولية شأنها شأن أي دولة تدير مصالحها الدولية في النادي الدولي العريض.
ولو كانت الخرطوم تسعى للتطبيع مع واشنطن (بأي ثمن) و (بلهفة شديدة) لكان سهلاً عليها قبول كل أملاءاتها حيال تحسين العلاقة مع جوبا وقبول اشتراطاتها وتجاوزها لكل أخطاء جوبا، ولهذا فإن من الخطأ بمكان الاعتقاد أن (منتهى أمل) الخرطوم هو أن تحصل على علاقات طبيعية مع واشنطن وأنها فى سبيل ذلك مستعدة لفعل أي شيء. ولعل من المعروف أن واشنطن التى يحكم القرار السياسي فيها مجموعات ضغط مثل أنقذوا دارفور وبعض الجماعات واللوبيهات اليهودية لن يكون بوسعها لا على المدى القريب ولا على المدى البعيد أن تقرر تطبيع علاقاتها مع الخرطوم.
فكل الذي يجري إن هي إلا مجرد تلويحات بالحلوى هدفها -فيما يبدو- جعل الخرطوم تلين الى حد التلاشي لجوبا فى كل ما تطلبه. ولعل مما يؤسف له غاية الأسف فى هذا الصدد أن بعض الفُرقاء السياسيين فى صفوف المعارضة واتتهم غبطة غامرة جراء تراجع واشنطن عن دعوتها للدكتور نافع، مع أن الدعوة جاءت من واشنطن وبدون طلب من الخرطوم وبالطبع من حق صاحب الدعوة -حتى ودون ذكر أسباب- أن يسحب دعوته متى شاء؛ ولكن بالمقابل فإن من غير المتصور أن الموجهة إليه الدعوة سوف يعاود الاستجابة إذا ما أُعيدت الدعوة مرة أخرى، ففي هذه الحالة فإن من حقه أيضاً أن يقرر أن يدرس الأمر قبولاً أو رفضاً.
ولهذا فإن واشنطن فى الواقع وضعت نفسها فى زاوية حرجة بقرارها هذا، فهي ستفكر طويلاً قبل أن تعيد تقديم الدعوة من جديد لأنّ الخرطوم قد ترفضها أو على الأقل تقرر أن الوقت غير مناسب، وبهذا تكون واشنطن قد تلقت صفعة سياسية على خدها الأيمن، وهي أيضاً إذا صرفت النظر تماماً عن الدعوة لا تستطيع عملياً الاستمتاع بمصالحها فى دولة جنوب السودان وهناك توتر بين الدولتين وباستطاعة الخرطوم فى أي لحظة ومتى ما رأت أن جوبا عادت للعبث بأمنها، أن تغلق أنبوب النفط.
لقد كان الصحيح أن تمضي واشنطن قدماً فى تفاهماتها مع الخرطوم على الأقل لتجسير الهوة الآخذة فى الاتساع بين الدولتين، جوبا والخرطوم، وهذا كان يتيح لها لعب دور وسيط حتى ولو كانت وساطة غير نزيهة ولكن ماذا نقول حيال دولة عظمى (من حيث الشكل) فارغة المحتوى (من حيث المضمون)!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق