الثلاثاء، 25 يونيو 2013

لماذا لا يلجأ السودان لمثل هذه الخيارات ضد جوبا؟

حينما نفى مدير المخابرات السوداني الفريق أول عطا المولى تورط السودان في ما راج من محاولة لاغتيال القيادي بالثورية مالك عقار لم يكن النفيّ هو الهدف الرئيس للرجل الأول فى جهاز المخابرات السودانية بقدر ما كان المقصد الأكبر إعادة تأكيد حقيقة سياسية عالية القيمة فى الأدب السياسي السوداني والتقاليد المرعية: أن الاغتيال السياسي ليس من مفردات القاموس السياسي فى السودان.
وليس هنالك من أدنى شك أن الحكومة السودانية لو فكرت -حتى مجرد التفكير فى أمر كهذا- وأرادت إنفاذه لفعلته بكل سهولة ويسر ولأراحت نفسها من الكثير من العناء، ليس فقط من اليوم ولكن منذ نشأت حركات التمرد وحمل السلاح.
ولعل هذه النقطة البالغة الأهمية تقودنا بالضرورة الى نقطة أكثر أهمية، إذ ربما يسأل أو يتساءل سائل عن سر إصرار السودان – طوال سنوات مضت – على مطالبة جوبا بالكف عن دعم متمردين سودانيين ومحاولاته المتكررة الدءوبة لاقتلاع هذا المسلك من الذهن الجنوبي.
إذ بإمكان السودان مستنداً على القانون الدولي القائم على فرضية ومبدأ المعاملة بالمثل كمبدأ راسخ قامت وما تزال تقوم عليه علاقات الدول وأصبح قاعدة معترف بها أن يتعامل بمبدأ المعاملة بالمثل، وأن يدعم هو الآخر متمردين جنوبيين يزعزعون أمن واستقرار دولة الجنوب، خاصة وأن الأمر فى هذه الحالة أكثر سهولة نظراً لحداثة الدولة وحداثة قادتها وهشاشة بنائها الوطني.
بل بإمكان السودان – وهو الدول الأكثر خبرة ودراية – وتعرف حكومته كل (شبر) فى الدولة الجنوبية أن يصبح (بعبعاً) أمنياً مخيفاً للقيادة الجنوبية، فالفارق شاسع بين الدولتين فى كل شيء، ولكن السودان لم يفعل.
هذا الموقف السوداني دون شك مرده الى حرص السودان على علاقات جوار وتبادل مصالح آمنة لصالح الشعبين. فالذي يزيد من حرص السودان على بناء علاقات  ثنائية جيدة هو رغبته فى تمتين علاقات شعبين كانا قبل عامين شعباً واحداً, من الممكن فى المستقبل القريب أو البعيد أن يعودا ليلتئم شملهما من جديد.
تجارب التاريخ القديم والمعاصر زاخرة بالتجارب المماثلة، لسنا فى حاجة لإعطاء نماذجها فقد حدث ذلك فى اليمن الشقيق وحدث فى ألمانيا ودول أوروبية عديدة.
الأمر الثاني أن السودان يعلم أن مسئوليته التاريخية حيال الدولة الجنوبية تجعله يضع اعتبارات ما من بد من وضعها وهي أن الحركة الشعبية التى تدير الشأن العام في الدولة الوليدة تدفع الآن فواتير مؤجلة باهظة بفوائدها جراء استنادها على قوى خارجية مثل إسرائيل فى سبيل إقامة دولتها والخروج عن الخارطة السودانية، مع أن الأمر لم يكن يقتضي ولا يساوي كل ذلك العناء.
وبطبيعة الحال – وهذه حقيقة راسخة فى الذهن السوداني – لن تكون الحركة الشعبية مهما تطاول بها الزمان فى السلطة هي الخيار الجنوبي الوحيد الذي سيظل حاكماً ومحكماً سيطرته على الأمور في جوبا. حقائق التاريخ تشير الى أن المتغيرات ستطال حتماً في يوم ما قادة اليوم المحاصرين بالدائنين السياسيين الباقون فى محبسهم السياسي الى حين السداد.
الأمر الثالث أن السودان يدرك أيضاً أن الدعم الذى تقدمه جوبا للمتمردين السودانيين -حتى ولو لم يكن من جيبها الخاص- فهو خصماً على تنمية ونهضة دولة الجنوب وهذا سيؤدي فى النهاية الى وقوع عبء اكبر على السودان بوجود جارة له تعيش حالة فشل تام وتعيش عالة عليه فى غذائها واحتياجاتها فى حين أن المتمردين المدعومين منها لا يحققون أدنى تقدم على الأرض، إذ ليس من المألوف فى السودان – بعكس طبيعة الدول الإفريقية الأخرى – أن تنجح عملية غزو قادمة من الخارج فى المساس بالدولة السودانية وإسقاطها. بل على العكس كلما زاد الدعم وجرت المحاولات واجهها السودانيون بقوة أكثر فإرتدت خاسئة.
وهكذا فإن جوبا تخسر وتشغل بال السودانيين بلا طائل وهو أمر فى غاية الغرابة ولا تعرفه ولم تعهده العلاقات الدولية!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق