الأربعاء، 31 يوليو 2013

القضاء السوداني يحرج القضاء الدولي!

الجهود التى بذلتها ولا تزال تبذلها الحكومة السودانية لتوقيف المسئولين عن إغتيالات قوات اليوناميد والبالغ عددهم 7 وذلك بالتنسيق مع البعثة المشتركة – الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، وفقاً لما أعلن عنه المستشار ياسر محمد مدعي عام جرائم دارفور، هي فى الواقع (إعتراف ضمني) من جانب المجتمع الدولي بقدرة القضاء السوداني وإرادته في معاقبة مرتكبي جرائم حرب دارفور، إذ أنه ومع أن المعيار الدولي قد اختل هنا بالنظر الى ان المجتمع الدولي سبق وأن أحال جرائم دارفور الى مجلس الأمن وسار فى طريق ملاحقة المسئولين السودانيين؛ وأن ذات هذا المجتمع -في معياره المزدوج- غضّ الطرف عن ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم فى لاهاي كما فعل في جرائم أخرى مزعومة؛ إلا أنه فى المقابل فإن موقف المجتمع الدولي هنا فيه إشارة صريحة الى أهلية القضاء السوداني وإرادته وقدرته على ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم.
ومدعي عام جرائم دارفور حقق ولا يزال يحقق العديد من هذه الجرائم وأحال  جزء كبير منها للقضاء وأصدر القضاء قراراته بشأنها وصلت بعض هذه القرارات الى عقوبة الإعدام.
هذا التطور يمكن أن تُستفاد منه عدة مؤشرات. أولها أن القضاء السوداني –بقرار الإحالة ذاك– قد ظُلم ظلماً بيناً فمجلس الأمن الدولي وهو يقرر الإحالة إعتمد على تقارير وإفادات عامة وليس على دراسة جادة عميقة لتاريخ القضاء السوداني وأهليته.
وهاهي الأحداث تتكفل وحدها -ولو بعد عقد من الزمان- فى إبانة خطأ الإحالة، فقد وجد مجلس الأمن نفسه في مأزق، فلا هو يستطيع سلب القضاء السوداني اختصاصه، وها هو يوافق ولو ضمناً بأن تجري السلطات السودانية تحقيقاتها وتقوم بملاحقة المسئولين عن هذه الجرائم الى لاهاي.
ورطة مجلس الأمن الأخرى أنه لأسباب سياسية لا يستطيع إحالة جرائم المتهم فيها قادة حركات دارفورية الى القضاء الجنائي الدولي في لاهاي سواء لأسباب تتعلق ببعض مصالح أعضائه الدائمين، أو لأسباب تتعلق بالمعايير المزدوجة أو لأي اعتبارات أخرى، ومن ثم فإن مجرد غضه الطرف عن قيام القضاء السوداني بواجبه يشير الى (اعتراف ضمني) بأحقية هذا القضاء في ممارسة اختصاصاته.
من جانب آخر فإن السماح للقضاء السوداني بممارسة اختصاصاته وبسط سلطانه على أرضه والتحقيق فيما يقع من جرائم يستلزم قانوناً ان يعيد مجلس الأمن النظر فى قرار الإحالة الباطل لتبطل معه كل القرارات التى اتخذت في لاهاي.
هذا هو منطق الأشياء، فالقضاء الوطني جرى تطفيف كيله، وقيل عنه فى مجلس الأمن ما ليس فيه، فلا أقل من ردّ اعتباره بسحب قرار المجلس رقم 1593 تماماً وهذا أمر يسير لاعتبارين إثنين فقط.
الأمر الأول ان مجلس الأمن قد أساء استخدام سلطاته وأعطى نفسه اختصاصاً لا يملكه ولا ضير من أن (يراجع ) قراره حتى لا يضع سابقة دولية غير ممكنة التحقيق. فإبطال الباطل سهل طالما أن السند القانوني منذ البداية مفقود.
الاعتبار الثاني ان محكمة الجنايات الدولية هي نفسها –وطالما أنها جهة قانونية وطالما أنها ترى وتشاهد القضاء السوداني يقوم بعمله بإمكانها وبقرار منها أن تقرر ان قرار الإحالة – كقرار دولي – لم يكن سليماً وهو جهة قضائية من حقها ان تقضي فيما يُحال إليها إذ ليس قرار مجلس الأمن هنا ملزِماً، فالقرارات التى تأتي من أي جهة الى جهة قضائية ليست ملزمة للجهة القضائية إلا بالقدر الذى تتسق فيه مع القانون، وهو ما لم يتحقق أبداً ومحكمة جنايات لاهاي مدركة لهذه الحقيقة البسيطة غاية الإدراك.

الثلاثاء، 30 يوليو 2013

المعارضة السودانية وموقفها من مصر

ليس صحيحاً على الإطلاق ما حاولت تصويره قوى المعارضة ان التعديل الذى أجازه البرلمان السوداني مؤخراً على قانون القوات المسلحة السودانية قد أقر تقديم المدنيين لمحاكم عسكرية.
رئيس لجنة التشريع والعدل بالبرلمان السوداني الفاضل حاج سليمان قال للصحفيين مطلع الأسبوع الماضي إن البرلمان لم يجز قانوناً فيه نص لمحاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية، وأن الأمر قد التبس على بعض منتقدي القانون.
ولعل مما لا يتطرق إليه الشك ان من المستحيل – ومهما كنت الأمور – ان يوضع نص فى القوانين العسكرية يحاكم غير العسكريين أمامها!
اللجنة المعنية بالتشريع والعدل وحقوق الإنسان فى البرلمان السوداني لجنة مهمتها الأساسية مراقبة حقوق الإنسان والجوانب العدلية في أي تشريع يودع بمنضدة البرلمان، وبمراجعتها للتعديل الذى طرأ على القانون الخاص بالجيش السوداني -بحق- لم تجد نصاً يقر محاكمة غير العسكريين (سمهم إن شئت المدنيين) أمام محاكم عسكرية.
كل ما هناك – وهو ما حاول سليمان شرحه للصحفيين – ان التعديل موجه بالدرجة الأولى لبعض المجموعات التى تحمل السلاح وتتزيّا بزيّ عسكري وتقاتل الحكومة والمدنيين. وهذه فى الواقع نقطة مهمة وبالغة الحساسية، فنحن فى الوقت الراهن سواء فى دارفور أو جنوب كردفان أو النيل الأزرق حيال مجموعات مسلحة تلقت تدريبات عسكرية غير رسمية وانخرطت فى عمل قاتلي بكافة أنواع الأسلحة ضد المدنيين، ولكي نوضح الأمر أكثر فإن ما جرى على سبيل المثال في أبو كرشولا بجنوب كردفان قبل أشهر كان فى الواقع هجوماً مسلحاً من قبل مجموعة تحمل السلاح ولديها عتاد عسكري وقاتلت وهي في قتالها هذا تضرب المنشآت العامة، والقوات النظامية والمدنيين الأبرياء.
هذه المجموعات لا يمكن إطلاق صفة مدنيين عليها، فصفة المدنين -كأمر بديهي- إنما تلحق بالشخص العادي غير الحامل للسلاح وغير المتزيِّ بزي عسكري. ولعل هذا أيضاً يضيف تساؤلاً عما إذا كان من المناسب ان يقدم أشخاص كهؤلاء لمحاكم مدنية أم عسكرية؟
الشيء الطبيعي في كل القوانين الوطنية فى العالم بأسره ان أمثال هؤلاء الحاملين لصفة عسكرية -سواء معترف بها أو غير معترف بها- ساحة العدالة المناسبة لهم هي المحاكم العسكرية، ولدينا أمثلة عملية على ذلك.
فالمتمردين أنفسهم وحين يرتكبون أخطاء تتم محاسبتهم من قبل قادتهم عسكرياً. إذن هذه المجموعات هي نفسها تتعامل – فيما بينها على الأقل – بصفة عسكرية ومن ثم لن يكون انتقاصاً من حقوقها تقديمها الى محاكم عسكرية.
مثال آخر ان الولايات المتحدة الأكثر علواً فى الحديث عن الحقوق أقامت منشأة عسكرية ضخمة فى غوانتانمو لمحاكمة من تطلق عليهم إرهابيين، على الرغم من أنهم في الواقع مدنيين ولكن تفسيرها لهذا المسلك أنهم يتعاملون بصفة عسكرية بحملهم السلاح ومقاتلهم وارتكابهم لجرائم ضارة بالدولة وسيادتها.
مثال ثالث ان المجموعات المسلحة هذه في غالب الأحيان إذا ما تم إبرام اتفاق سلام مع بعضها فإنها يطبق عليها مبدأ (التسريح وإعادة الدمج) ومن بين ذلك الاستيعاب فى القوات النظامية بالنظر الى (الخلفية والصفة العسكرية) لهم.
إذن الأمر في مجمله لا يعدو كونه معالجة لأمر المجموعات المسلحة التى ترتكب جرائم حرب فى ميدان القتال وهي تحمل كل صفات العسكريين من سلاح وشارات ورتب وليس صحيحاً ان المواطنين السودانيين العاديين ستتم محاكمتهم أمام محاكم عسكرية. وبالطبع بوسع قوى المعارضة ان تطعن فى دستورية التعديل لتقول المحكمة الدستورية قولتها الفصل فى ذلك.

اللعبة الأمريكية الخفية فى جوبا!

ربما كانت الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا – بحكم التصاقها الطويل بالولايات المتحدة وإسرائيل واستغنائها وفق هذا الالتصاق حتى عن جارها السودان الذى لديها معه مصالح إستراتيجية هامة، ربما كان يساورها الاعتقاد ان علاقاتها القوية هذه بواشنطن تحميها من الصراعات الداخلية والألاعيب الاستخبارية التى أدمنتها واشنطن وسط أي بيئة سياسية افريقية أو عالمثالثية من عبث بمنظومة حاكمة لاختيار الأفضل.
وفيما يبدو ان ألاعيب وكالة المخابرات الأمريكية قد بدأت فى جوبا - ليس فقط فى الصراع الذي بدأ يتسع بين قادة الصف الأول، الرئيس وقادته المقربين أمثال د. مشار ودينق ألور وكوستا مانيبي؛ وإنما على خطوط متباعدة ومتقاربة هنا وهناك.
أحد المعاهد الأمريكية وهو المعهد الجمهوري الدولي قال مؤخراً فى دراسة أجراها في دولة الجنوب ان 52% من المستطلعين ليسوا راضين عن أداء القيادة الجنوبية!
الأحزاب الجنوبية المعارضة والتي فيما يبدو كانت تجد العذر تلو العذر لحكومة الرئيس كير بدأت  تتململ وبدأت تبحث عن منفذ وتطالب الرئيس كير بتشكيل حكومة إنقاذ وطني.
هذه المعطيات بكل هذه الكثافة المتصاعدة لم تكن فى ذهن قادة الحركة الشعبية وهم يستهلون صراعاً طويلاً شاقاً مع السودان. لقد ساورهم الاعتقاد فقط أن عليهم تكثيف الضغط على السودان وكل شيء سيكون فى جوبا على ما يرام!
الآن بدأت القيادة الجنوبية كلها أو جزء منها (يفيق)! وهي إفاقة وإن بدت متأخرة نسبياً إلا أنها أفضل من ان تتأخر أكثر من ذلك فواشنطن وإسرائيل ليس لديها (غرام لا يقاوم حيال العيون الجنوبية) وليسوا عشاقاً للون الأسمر!
ولو كان هذا الفرض صحيحاً ولو بنسبة 1% لما عاشت الولايات المتحدة عقوداً من سياسة التفرقة العنصرية والتي ما تزال آثارها ماثلة حيال اللون (غير الأبيض). واشنطن وإسرائيل تعتقدان ان دولة الجنوب (ثمرة ناضجة), وأرض بكر غنية وزاخرة بالموارد وأن عليهما ألا تدعاها للجنوبيين –بحال من الأحوال ان يستفيدوا لا حاضراً ولا مستقبلاً من هذه الموارد، ولعل أسطع دليل على ذلك ان كل ما تفعلاه الآن - وطوال عامين من نشوء الدولة الجنوبية - أنهما توفران لها الحماية وغطاء إقليمياً ودولياً.
ومعروف ان مثل هذه الحماية هدفها الأوحد حماية الموارد والمصالح والحيلولة دون وقوعها فى أيدي أصحابها. من المؤسف ان قادة الحركة الشعبية الذين من المفترض في نضالهم قد عركتهم الحياة وعاشوا فى الغرب وفى الغابات الاستوائية فى نضالهم ضد السودان الشمالي - بحسب رؤيتهم - يلقون بأنفسهم الآن بكل أريحية في أيدي (غير مأمونة) ولو كانت غير ذلك لعملت على ترسيخ الأوضاع -وهي قد تفجرت بالفعل- فى جنوب السودان وستتفاعل لسنوات حتى تدرك واشنطن فى اللحظة المناسبة ان الظروف باتت مواتية لتضرب ضربتها وحينها يكون الأوان قد فات تماماً على أصحاب القبعات السوداء في جوبا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

مصر السيسي.. الكل سقط في اختبارات الديمقراطية

رغم أن الحكومة السودانية ظلت تقول باستمرار إن ما يحدث في مصر شأن داخلي، لكن علي العكس من ذلك يتعاطي المواطن السوداني بكثير اهتمام مع الشأن المصري، باعتبار ان نتائج ما يجري لها عظيم الأثر وكبير الخطر علي الشعب السوداني.
والمقارنة تتبدي في تبني الشارع السوداني لوجهات نظر مختلفة ومتباينة تماماً كالشارع المصري، بل وربما خطرت له رؤية لم يفطن لها أو يفكر فيها حتي الشارع المصري.
الموقف من ما يجري في مصر لم تعد تحكمه أيديولوجية وربما سادت النظرة البراغماتية، من قوي وأشخاص لا يتأثرون لأنفسهم، ولا يعتبرون أن الفرصة مواتية لتصفية حساباتهم.
ربما كان الظن أن أهل اليسار السوداني علي إطلاقه، سيكونون أول الشامتين علي الأخوان المسلمين، وربما سول لهم خلافهم الإيديولوجي أن هذه فرصة تاريخية للثأر من غريمهم وللفرجة علي مآلهم.
لكن خيب ظننا وما صدق فيه حدسنا اليسار الجزافي، حين صدع عبد الله علي إبراهيم بمقولة جعل عنوانها (كلنا أخوان مسلمون اليوم)، وفيها ذكر بتأريخ حين اصطدم الأخوان المسلمون مع عبد الناصر، وحينما راجت روايات الدولة عن تآمر الأخوان لزعزعة أمن البلاد، وأن القوي التقدمية حينها في حماستها للناصرية صدقت رواياتهم وخرجت مناصرة للنظام التقدمي الناصري.
الذي أراد أني يقوله عبد الله إنه ما أِبه الليلة بالبارحة، وإنه ما ينبغي أن يمنح اليسار دعمه المجاني في كل مرة، وخلص الي أن دم الأخوان لن يحقن إلا بتحالف عريض حتي ممن وقفوا ضدهم في 30 يونيو ضد الذبح للسياسة، فالذبح للسياسة هو نهاية السياسة.
هذا موقف لم تغب عنه المبدئية لم تغلفه الانتهازية، ولم تشايعه البراغماتية، ولم ترفه مصر التي قسمها الذبح السياسي، ولم يرض لها إلا تحالف عريض يجمع صفها ويتجاوز احنها.
ربما كثيرون رأوا أن الأخوان لم يقدروا لرجلهم قبل الخطو موضعها، وربما لم يستشعروا مهارات وخبرات الدولة العميقة، ولم يمرحلوا معاركهم، وانزلقوا في مواجهات مع مؤسسات لها خبرتها التآمرية وعقليتها المخابراتية.
أذكر في آخر زيارة لي لمصر قبل شهور، وقد التقيت أحد الأطباء الاختصاصيين الكبار من الإسلاميين غير المنظمين، حينما قال لي حديثاً بادرت به ونشرته في صحيفة (القرار) أن مرسي خسر الشرطة وخسر القضاء، وأن القوات المسلحة لن تقف الي صفه كثيراً، وأن قراءته أن الجيش سيدخل علي الخط مرة أخري، وستكون حجته القوية، أنه لا يمكن استمرار الفوضى الي ما لا نهاية، وأنه لا يمكن لفصيل واحد أن يستأثر بمصر دون سواه.
لكن من يمضي في قراءة أبعد وأعمق يدرك أن السيسي الذي يبدو الآن مناصراً ومسانداً للتحرير سينتهي في خاتمة المطاف ليس الي ابتلاع الأخوان المسلمين، وإنما الليبر اليين أنفسهم.
ومازالت علي قناعة أن الانحياز الذي أعلنه السيسي كان أمراً مرتباً له، واستدرج الأخوان الي ها الفخ وفترة الإهمال والإنذار، لكن تقديري أن القرار كان قطع الطريق علي الأخوان وتنحيتهم وإزاحتهم، حتي قبلوا بانتخابات رئاسية مبكرة.
السيسي من المؤكد أدرك أن حلمه وتطلعه للسلطة ليس سلسا ولا هينا، وأن الإطاحات العسكرية أضحت تجد مقاومة من العديد من المنظمات والحكومات، ومن ثم لابد من التماس طرق ملتوية لاستلام السلطة، واستخدام آخرين كواجهات لحين التخلي عن خدماتهم، وهذا هو عين ما فعله السيسي.
هل يصح من بعد هذا أن نسمي الذي جري في مصر انقلاباً، وأن ما سمي انحيازاً كان أمراً متوهما، وأن مصر العميقة أفلحت بكل مؤسساتها في وضع حد لنهاية الحكم الأخواني، وأنه يمكن القول إن مؤسسات الحكم المدنية القائمة حالياً مؤسسات ديكورية، وأن الأمر تكشف سريعاً عندما خرج السيسي علي الناس بوصفة قائداً عاماً وطلب تفويضاً شعبياًً لمحاربة الإرهاب، مثل هذا الظهور العلني للعسكريين، وأيقن سائر الفرقاء السياسيين أن الكرة لم تعد في ملعبهم وأن الرياح لم تعد تهب في شراعهم، فهل يسلس القياد للسيسي، وهل يذعن الليبر اليون لحكمه؟ طالما أن فزاعة الأخوان تظل قائمة وملوح بها في كل حين.
ما من شك أن التضحيات التي قدمها الأخوان المسلمون والدم الذي سال غزيراً، يمثل أكبر حرج وتحد للسيسي ورهطه، فحتي مساندوه في الخفاء ومشايعوه سراً، لن يكون بوسعهم السكوت علي هكذا فظائع،وستحاصر هذه الجرائر الليبر اليين، الذين طالما أنشرخ حلقومهم بالدفاع عن الحريات، وتأمين المسيرات السلمية، جميعهم سقطوا في اختبارات الديمقراطية والحرية.

ما ينبغي أن يترتب على ما قالته (أربو)!

أبعاد عديدة – قانونية وسياسية – حملها الإقرار غير المنتظر من الناشطة السياسية المعرفة (لويز أربو) بشأن ما أسمته (خطأ إحالة جرائم دارفور الى مجلس الأمن).
فالبعد القانوني الأول لهذا الإقرار يطعن مباشرة فى مشروعية قرار المجلس برمته حين اتخذ هذا القرار فى العام2005م. بموجب قراره 1593 ولعل هذه هي المرة الأولى التى يواجه فيها مجلس الأمن (طعناً) في قراراته من جانب ناشطة سياسية كانت قد ساندت القرار وأسهمت فيه.
هذا البعد القانوني فى حد ذاته يضع قرار المجلس أمام خيارين: إما إلغاؤه –بقرار مماثل منه– ومن ثم تعتبر كل القرارات المترتبة عليه باطلة استناداً الى نظرية البطلان المعروفة والتي تؤكد ان كل ما يبني على باطل فهو باطل. وهذه معضلة ستظل عالقة بثياب المجلس ومحيطة بقراره الجائر ذاك؛ وإما أن يستمر صمت المجلس وسكوته عن قراره – مع علم أعضائه بخطئه – ومن ثم يكون مجلس الأمن أول من أسهم فى تشويه صورة المحكمة الجنائية.
بمعنى أدق فيما يخص هذه النقطة إن المجلس وبصرف النظر عن دوافعه لإهدار قرار الإحالة، فعل ذلك دون ان يتبصر بالأبعاد والمترتبات الوخيمة لفعله الخاطئ ذاك، فمكمن خطأ المجلس هنا كما عبرت عنه لويز أنه أحال جرائم، المتهم فيها ليس خاضعاً للجهة المُحال إليها الجرائم المزعومة. والآن بدأت أبعاد هذا المسلك فى الظهور وفى مقدمتها تشويه صورة المحكمة.
من  جانب آخر فيما يخص البعد القانوني لما قالته آربو إنها (من الأساس) كما ظهر ذلك فى تصريحها هذا كانت تعلم ان قرار الإحالة ليس صحيحاً ولا سليماً من الناحية القانونية، ومع ذلك فقد ساندته بقوة وهذا يعطيك لمحة كافية عن طبيعة القرارات التى يمكن ان تصدر من مجلس الأمن وهي فى الأصل غير سليمة قانونياً، بما يصل الى درجة العمل على مراجعة هذه القرارات ومدى مواءمتها للقانون الدولي.
بعد قانوني آخر نلحظه في تصريحات آربو وهي أن قرار الإحالة (كان بمثابة تدخل) من جانب مجلس الأمن فى (شأن قضائي) ومن المعروف ان المحاكم –أية محاكم – لا تخضع أبداً لمشيئة أي سلطة مهما كانت قوتها طالما أنها محاكم مستقلة أو هكذا يفترض!
وهذا بدوره يعني ان قبول محكمة الجنايات الدولية لقرار الإحالة كان خطأً مزدوجاً. خطأ من مجلس الأمن في إصداره من جهة، وخطأ من جانب المحكمة التى قبلت (تدخلاً) فى عملها وقبلت قراراً خاطئاً أعطاها اختصاصاً بنظر جرائم لا تملك الحق قانوناً فى نظرها. وينتج عن هذا البعد القانون -وهذا ما عنته لويز أربو- أنَّ المحكمة هي نفسها أسهمت في تشويه صورتها حينما قبلت قرار الإحالة وهو قرار خاطئ، فهي جهة قضائية منوط بها العمل وفق القانون وليس الخضوع لسلطان أي جهة أخرى حتى ولو كان مجلس الأمن.
أما في الأبعاد السياسية فإن محكمة لاهاي ذات الاختصاص الجنائي ليست جهة تابعة للأمم المتحدة وهذه نقطة فاصلة مهمة، وقد تسبب قرار الإحالة فى إعطاء انطباع حقيقي وملموس أن محكمة الجنايات الدولية رضيت لنفسها ان تصبح (أداة) في يد مجلس الأمن بما يهيل التراب على التجربة تماماً فى مهدها.
وأخيراً فإن لويز دون شك مطالبة بأن تساند – بذات القدر الذى ساندت به قرار الإحالة الخاطئ – قراراً لتصحيح هذا الخطأ وإلا كان اعترافها هذا مجرد اعتراف متعارف عليه لدى الطوائف المسيحية للكهنة، لمجرد (إراحة الضمير) والحصول على المغفرة!

الأربعاء، 24 يوليو 2013

السودان: لا استفتاء حول تبعية منطقة "آبيي"

أعلن المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، اليوم الأربعاء، أنه لا سبيل لإجراء استفتاء حول تبعية منطقة آبيي وفقا للبرتوكول الموقع في إطار اتفاق السلام الشامل، إلا بموافقة الحكومتين في دولتي السودان وجنوب السودان.
صرح بذلك رئيس قطاع التنظيم المهندس حامد صديق للصحفيين عقب اجتماع القطاع بالمركز العام للمؤتمر الوطني، بحسب وكالة الأنباء السودانية "سونا".

جاءت هذه التصريحات ردا على دعوة رياك مشار نائب رئيس دولة جنوب السودان إلى إجراء استفتاء حول تبعية منطقة آبيي.
ودعا صديق المواطنين من الشماليين في مجتمع آبيي بالتواجد في المنطقة على خلفية مطالبة مشار لأبناء دينكا نقوك بالتواجد في آبيي استعداداً للاستفتاء حول تبعية المنطقة.

جنوب السودان وإدمان دور الضحية..!

من مشكلات جنوب السودان التي يشتكي منها الأصدقاء قبل الأعداء هو إدمان دور الضحية! كثير من الأوربيين والأمريكان والأفارقة يتحدثون عن خيبة أمل في جنوب السودان الذي يطالبهم بضرورة مواصلة الدعم السياسي والمالي الذي كان ينالونه قبل الاستقلال.
الجنوب يطالب المنظمات الدولية ووكالات الإغاثة والدول المجاورة بحمايته من الغزاة الشماليين.. وكل هؤلاء الذين يريد أن يتقوي بهم الجنوب علي الشمال يعلمون علم اليقين إن الشمال لا يفكر في غزو الجنوب إنما يقتطع من ميزانية التقشف وقوت الغلابة ليدافع عن نفسه ضد الحركات الممولة من جنوب لسودان... ليحمي هجليج من هجوم جنوبي جديد وليحرس أبيي ويحرس حتى قوات اليونسفا لأنه لو حدث لها مكروه علي يد جيش الجنوب فإن الاتهام قد يطال الشمال.
موضوع الشمال الإسلامي الغازي المستعمر انتهي بحلول يوم 9 يوليو 2011م عندما شارك رئيس السودان في رفع علم دولة الجنوب وعندما طلب ممثل السودان في الأمم المتحدة كل الدول الأعضاء بالاعتراف الكامل بدولة الجنوب.
دور الضحية انتهي عندما أمسكت الحركة الشعبية بمقاليد الحكم في الجنوب وورثت مشروع النفط تسليم مفتاح وبدا يضخ 12مليون دولار يومياً 400 مليون دولار شهرياً لصالح دولة الجنوب دعونا من الملايين اليومية خلال سنتين نيفاشا الخمس اين ذهبت؟ ومن لهفها؟ ابتداء من يوليو 2011 الجنوب دولة نفطية ثرية وذات تعداد سكاني منخفض نسبياً ومحظية بتعاطف دولي! ماذا فعلت بهذا التعاطف؟!
اول قرار لجنوب السودان إغلاق النفط بحجة الرسوم الباهظة ووافقت علي مقدار قريب من الرسوم الباهظة في النهاية وهذا المقدار كان يمكن أن يوافق عليه السودان بعد شهر من المفاوضات الجادة ولكن الجنوب راهن علي إغلاق النفط لينتحر الشمال الغازي المستعمر لم ينتحر الشمال ولم يكن يفكر الشمال في غزو أو استعمار من الأساس!
راهن الجنوب بقيادة باقان اموم حينئذ علي مقدرة المعارضة في الإطاحة بالنظام ولذلك ما طل في الحلول ليمنح المعارضة الشمالية فرصة وضحي من اجل المعارضة الشمالية بأموال الجنوب ونفط الجنوب فشلت المعارضة وفشل الجنوب وخرجت الخرطوم سالمة من المعركة من خسائر اقتصادية اقل من المتوقع؟
لابد لجنوب السودان ان ينسي الشمال ويفكر في نفسه ويستمتع بدولاراته ونفطه ، من العيب ان يسجل جنوب السودان اعلي نسبة وفيات للأمهات مع إن المشكلة يمكن حلها بإنتاج بئر واحدة في حقل صغير.. من العيب ان يستمر الصراع في جونقلي مع إن الحل في مبلغ لا يتجاوز إنتاج أسبوع...!
من العيب لعب دور الضحية والتسول بالمأساة وان غني وثري وخزانتك مليئة بالأموال!

كيف عالجت الخرطوم الأوضاع الإنسانية في دارفور وجنوب كردفان؟

أضطر المجتمع الدولي مؤخراً للزوم الصمت عن ما ظل يزعمه منذ أشهر طوال عن أزمات إنسانية سواء فى إقليم دارفور أو جنوب كردفان. فبالنسبة لإقليم دارفور فقد استقرت الأوضاع المتفجرة بشكلها القديم لتتحول فقط الى مواجهات قبيلة –مختلفة الأسباب ويمكن النظر إليها فى سياق عادي معتاد، ومواجهات بين الحركات المسلحة وقوات حفظ السلام كما جرى مؤخراً من جانب حركة مناوي.
معسكرات النازحين الحالية فى إقليم دارفور تحولت تدريجياً الى (بعض مساكن) قابلة للتحول الى مدن وقرى بفضل جهود بذلتها الحكومة الولائية وتضافرت معها جهود السلطة الإقليمية والسلطة المركزية في الخرطوم.
المنظمات الطوعية الأجنبية خفت صوتها ذاك الذى كان يشق الأرجاء وذلك لأن النزاع الأساسي الذى كان يجري بين الحكومة والمتمردين تراجع كثيراً سواء بفعل ضعف القوى المتمردة وغياب الدعم وتحاشيها المواجهة مع الجيش، أو بفعل العمل الأمني الكبير الذى استطاع السودان وتشاد أن ينجزاه بفضل إنشاء القوات المشتركة المسئولة عن حماية الحدود والتأكد من خلوها من أي عناصر متمردة لهذا الطرف أو ذاك. هي تجربة تجاوزت العامين وكان ولا يزال من المؤمل ان تشهدها الحدود السودانية الجنوبية.
أزمة دارفور الإنسانية لم تعد صالحة للمتاجرة الدولية القديمة، فقد أنتشر الوعي وسط النازحين كما أسهم مؤتمر النازحين المنعقد قبل أشهر في نيالا في ترسيخ مفهوم العودة الطوعية وهو مؤتمر لم يحظ بإعلام دولي أمين فقد أرسى لقاعد العودة الطوعية والإنتاج والعمل بدلاً من تلقي المعونات ومن ثم لم يعد فى أجندة ذوي الأجندات الخاصة دولياً - استخدام الأزمة الإنسانية المتلاشية فى إقليم دارفور كما كانت تفعل فى السابق ولعل ابلغ دليل على ذلك – كما قلنا في صدر هذا التحليل – ان الحركات الدارفورية المسلحة لجأت الى مواجهة قوات حفظ السلام بحثاً عن الدعم اللوجستي من جهة، وبحثاً عن إثارة إعلامية لإعادة لفت الأنظار من جهة أخرى.
أما في جنوب كردفان فإن درس إقليم دارفور كان حاضراً سواء في الذهن الرسمي الحكومة حيث جرت معالجات حالت دون تفاقم الأزمات وقللت كثيراً من تراكم معسكرات النازحين للدرجة التى سعى قادة الثورية بهجومهم الأخيرة الى أبو كرشولا لإعادة إنشاء معسكرات نازحين جديدة ولكن الخطة لم تنجح لسوء الحظ؛ أو حتى فى الذهن الشعبي فى مناطق جنوب كردفان حيث تكفل مواطنو المنطقة بإيواء النازحين فى بيوتهم وفى المدارس والمرافق الشعبية ثم الإسراع بالعودة الى مناطقهم واللحاق بموسم الزارعة.
جنوب كردفان ضربت المثل فى قطع الطريق وقطع دابر معسكرات النازحين، وليس سراً في هذا الصدد ان المنظومة الحكومية الجديدة التى اختيرت بعناية فى إقليم كردفان بولاياته الثلاث وضعت في مقدمة استراتيجيتها غلق الباب تماماً عن أي هجوم يمكن أن يسفر عن موجة نزوح فضلاً عن الحيلولة دون ركون الموطنين أنفسهم للنزوح، ومعسكرات النزوح.
هذا التطور الكبير هو الذي ألقم المجتمع الدولي حجراً وحالَ بينه وبين الحديث عن النازحين والأزمة الإنسانية وليس معنى هذا ان جنوب كردفان لم تشهد أزمات إنسانية، ولكن الأمر اختلف إذ لم يعد كما كان في دارفور .

الاثنين، 22 يوليو 2013

كردفان الكبرى.. تتحول إلى صخرة فى مواجهة الثورية!

من المؤكد أن التغييرات التى طالت حكام الولايات الثلاث، جنوب كردفان وشمال كردفان وغرب كردفان أقلقت وغضّت مضجع الثورية. فالتوقيت الذي جرت فيه عملية التغيير وإضافة ولاية غرب كردفان والإستراتيجية التى بدا أن (الولاة الثلاثة) قد تعاهدوا علي (الإسناد المتآزر) كلها عناصر سالبة بالنسبة للثورية وهذا في الواقع مرده إلى تحصين الحكومة السودانية لإقليم كردفان بأسره من هجمات الثورية بعد تجربة هجومها على جنوب كردفان وشمالها، وقد جرى كل ذلك فى ظل (هيئة أركان مشتركة) جديدة، رغم أنها جاءت فى سياق عادي درجت على القيام به على نحو نمطي معتاد قوات الجيش السوداني إلا أنها دون شك استصحبت فى حساباتها وضع إستراتيجية عسكرية وأمنية تجعل من إمكانية إعادة اختراق الإقليم مهمة فى حكم المستحيل.
وربما لهذا السبب تداعت قيادة الثورية -وهي تلعق جراح الهزيمة- الى عاصمة الجنوب جوبا فى اجتماع يلفه القلق وتحيط به الهواجس لبحث هذه التطورات الجديدة.
ولا شك أن من الصعب علينا الإشارة تفصيلاً لما أقرته الحكومة السودانية من إستراتيجية وفق الأوضاع الجديدة لغلق الباب أمام أية محاولات جديدة للثورية فهذه من صميم الأسرار العسكرية التى -بداهة- لا مجال للخوض فيها ولكن هذا لا يمنع من التمعن فى الأمر على هوامشه فقط دون الخوض فى متن الموضوع .
أولاً، جرى اختيار الولاة الثلاثة من واقع خبرات متراكمة وتجارب عسكرية وسياسية كبيرة يصعب الاستهانة بها وهذه أمور متاحة لمن كان يتابع أداء هؤلاء الولاة فى المواقع التى كانوا يحتلونها في السابق ولا حاجة لنا للإفاضة فيها.
ثانياً، فإن الولاة الثلاثة فيما يبدو هنالك قدر كبير وربما غير مسبوق فى التنسيق والانسجام والتناغم فيما بينهم وهذه واحدة من أهم وأخطر عناصر القوة والتآزر وهو أمر بالمقابل لا يعني على الإطلاق أن الولاة السابقين لم يكونوا بذات القدر من التناغم والانسجام، ولكن الانسجام الحالي أكبر وأكثر تأثيراً وسيلاحظ كل من يراقب أداء هؤلاء الولاة فى المرحلة المقبلة هذا العنصر الفاعل الجديد فى العملية السياسية للإقليم كله. وهذه النقطة تُحسب فى صالح استفادة السلطة الحاكمة -بذكاء ومهارة- من كل معطيات الأحداث السابقة استفادة عميقة وراسخة.
الأمر الثالث أن كردفان نفسها -كإقليم- مجاور ومحادد للدولة الجنوبية أصبح هو مسرح المواجهة الحقيقية الذى استمرأته الثورية وداعميها فى القيادة الجنوبية ومن المهم هنا - بحسب الرؤية الحكومية - جعل هذا الإقليم الشديد الأهمية صخرة صماء فى وجه من يستهدفونه.
وتشير متابعتنا فى هذا الصدد أن فى انتظار المهاجمين –مهما كانت درجة جرأتهم– مفاجآت مذهلة إذا ما حاولوا تسلق الجدار الناري فى إقليم كردفان بولاياته الثلاث. وأخيراً، فإن من سوء حظ الثورية -وغبائها أيضاً- أنها ركزت كل هجماتها على كردفان بعد استعصاء جبهة جنوب النيل الأزرق وتلك الجبهة التى فرغت الحكومة السودانية من تأمينها منذ أكثر من عامين حين تولى أكثر من قائد عسكري قيادة الولاية، وأصبح المشهد الآن أن الفرصة الوحيدة المتاحة للثورية كردفان؛ والأخيرة الآن أصبحت أكثر قوة ومتانة بما جرى وضعه من خطط يضرب الآن قادة الثورية أخماساً بأسداس للبحث عن طريقة للنفاذ منها بلا جدوى!

الأحد، 21 يوليو 2013

السودان يتمسك بوقف ضخ بترول الجنوب وشكوي للاتحاد الإفريقي ضد اوغندا

تقدمت الحكومة السودانية بشكوي للاتحاد الأفريقي ضد دولة أوغندا‏,‏ تتعلق بدعم الأخيرة للحركات المتمردة علي السودان وإيوائها‏.

وذكرت مصادرصحفية سودانية عن وكيل وزارة الخارجية السودانية رحمة الله عثمان, قوله إن الحكومة في انتظار رد الاتحاد الأفريقي علي شكواها المقدمة ضد أوغندا, حول دعمها وإيوائها للحركات المتمردة علي الحكومة السودانية.
وفي الوقت ذاته أعلنت حكومة الخرطوم تمسكها بقرار وقف ضخ نفط الجنوب اعتبارا من السابع من أغسطس المقبل, ورهنت إعادة ضخ النفط بتنفيذ جوبا للاتفاقيات الموقعة بين البلدين.

الحركات المسلحة واليوناميد.. متى تصدر العقوبات؟

تعرضت قوات حفظ السلام العاملة فى إقليم دارفور (اليوناميد) الى هجوم أسفر عن مقتل حوالي 7 جود فيما أصيب حوالي 17 جندي إصابات متفاوتة.
الهجوم بحسب المتحدث باسم البعثة المشتركة (كريستوفر سيمانيك) وقع قرب مقر قاعدتها فى منطقة (منواشي) الواقعة بمحلية (نتيقه) بولاية جنوب دارفور.
البعثة المشتركة لم تعلن صراحة عن طبيعة القوات   التى هاجمتها وإن رجحت أنباء من مصادر متنوعة بأن قوات مناوي تقف وراء العملية. وبالطبع ليس من المنظور لا على المدى القريب ولا البعيد أن تطال القوة المهاجمة أية عقوبات من قبل مجلس الأمن.
أقصى ما فعلته المنظمة الدولية حتى الآن أنها أدانت الهجوم، وأمرت البعثة –كالعادة– بإجراء تحقيق فى الحادثة.
هذا المسلك المعتاد هو الإجراء الذي ظل ملازماً لأيّ أحداث مماثلة ظلت قوات اليوناميد تتعرض لها مراراً فى أماكن مختلفة من الإقليم بواسطة الحركات الدارفورية المسلحة.
الحكومة السودانية من جانبها أكدت أن قوات أركو مناوي هي التى نفذت الهجوم وأنها لن تتوقف عن المضي قدماً فى طريق السلام. والواقع أن هذا الهجوم ليس هو الأول من نوعه وربما لن يكون الأخير طالما كنا حيال حركات مسلحة ترتكب أفعالاً إجرامية، عديمة النفع، ولا يلقي لها المجتمع الدولي بالاً ذلك على الرغم من أن بعثة المشتركة التى بدأت عملها فى العام 2008 بإقليم دارفور خسرت حتى الآن -جراء مثل هذه الهجمات المتكررة- ما يجاوز الـ200 جندي وموظف دولي طالتهم يد الحركات المسلحة بحيث لم تسلم البعثة المشتركة منذ مجيئها للإقليم من هجمات كل الحركات المسلحة.
فحركة العدل والمساواة اختطفت العام الماضي حوالي 50 من جنود البعثة، وحركة عبد الواحد قبل أكثر من عامين اصطدمت هي الأخرى بقوات اليوناميد، هذا فضلاً عن الهجوم الذى تم شنّه قبل أشهر على اليوناميد وهي تقل عدداً من النازحين لحضور مؤتمر النازحين بجنوب دارفور.
ولئن كانت هذه الحوادث المتتابعة والخسائر الكبيرة نسبياً التى ظلت تتعرض لها اليوناميد، بدأت تثير القلق حول فاعلية هذه القوات ومستوى تدريبها وربما درجة تهاونها أو تواطؤها فى الكثير من هذه الأحداث والتي جاءت خصيصاً للحد منها، فإن الأكثر إثارة للقلق أن الأمم المتحدة لم تعد تهتم كثيراً بهذه التطورات البالغة الخطورة كونها تهدم – من الأساس – السبب الرئيسي من وجودها فى الإقليم.
المنظمة الدولية تستطيع أن ترفع لمجلس الأمن بتقرير شافي يثبت تورط الحركات المسلحة فى هذه الهجمات، ليقرر مجلس الأمن -إن كان جاداً وأميناً- التدابير المناسبة للحد من هذه الهجمات. ولعل من الغريب أن تظل اليوناميد تواجه هذه الهجمات فى الوقت الذي فيه يطالب مجلس الأمن – بإلحاح مستمر – الحكومة السودانية للحد من عمليات القصف الجوي المزعوم.
مجلس الأمن كلما أراد الضغط على الخرطوم أطلق تحذيراً بأن ما يدّعي أنها عمليات قصف جوي تقوم بها قوات الحكومة على المدنيين! إن غضّ مجلس الأمن للطرف عن جرائم الحركات الدارفورية المسلحة وتجاهلها لتداعيات هذه الحوادث وفضلاً عن تحفيزه وتشجيعه لهذه الحركات؛ فهو يرسخ من ما بات يُعرف بالـ(الكيل بمكيالين)، وهي فرضية ضارة بالقوات الأممية المشاركة من جهة وضارة فى ذات الوقت بطبيعة المهمة الملقاة على عاتقها الهادفة لحفظ السلام وفق التفويض الممنوح لها، وهذا بدوره يهزّ عملية السلام التى تثابر عليها الحكومة السودانية وما من معاون لها فى هذه المهمة الشاقة.

الخميس، 18 يوليو 2013

ثلاثة ورابعهم فشلهم!

مبارك الفاضل ضاق بوجوده -الذي طال- فى الخارج وما من أمل يلوح فى الأفق بقرب سقوط الخرطوم كثمرة طرية ناضجة في عب الجبهة الثورية. تقديرات الفاضل بحسب ما نقلها أحد مساعديه لبعض قادة المعارضة فى الداخل أنها مجرد ثلاثة أشهر –وهي أشهر نزول الأمطار فى السودان– تتحرك فيها الثورية بفاعلية وهمة وتكتسح كردفان بأسرها لتجتاح الخرطوم فى سويعات.
ولمن أراد ان يستوثق من هذه التقديرات ان يعيد استذكار أقصوصة (المائة يوم)! فالثلاثة أشهر أضيفت لها عشرة أيام كاحتياطي، إذا وقع خلل ما فى الخطة الرئيسية.
الآن تسربت الأيام والأسابيع من الثلاثة أشهر ولم يتبق الكثير ومبارك الفاضل يجري اتصالاته اليومية بقادة فى الثورية تارة يردون عليه وتارة أخرى يتجاهلونه، وكما نقل أحد المصادر الصحفية – صحفي كيني الجنسية – فإن المتمرد الحلو بدا شديد الحنق على مبارك الفاضل الذي نصب نفسه – من على البعد – قائداً أعلي للثورية يتلقّي (التمام) يومياً من الحلو وعقار ميدانياً!
على الجانب الآخر فإن نصر الدين الهادي الذي قيل أن مبارك الفاضل يتوجس منه ويعتقد أنه ربما يكون (مدسوساً عليه) من قبل ابن عمه السيد الصادق المهدي، وجد نفسه هو الآخر بلا وجهة ولا هدف ولا مستقبل، يطير نصر الدين من واشنطن ليحط في لندن وتارة من لندن إلى كمبالا فى سفر طويل شاق ولكنه ينتظر أسابيعاً ليلتقي موسيفيني.
لقد أدمن موسيفيني إذلال نصر الدين لإدراكه المسبق ان الرجل (مسلم ومنتمٍ إلى بيت ديني عريق) هو بيت الإمام المهدي. تعلّم موسيفيني ألا يركن الى أمثال هؤلاء، هو يريد الذين تعلو وجوههم سمات الغلظة والعنف واللامبالاة بالدماء وهو ما يجسده المتمرد الحلو تماماً ويستهوي رجل يوغندا القوى.
نصر الدين الهادي بذل محاولات مضنية في اتصالات مع بعض رفاقه في الداخل للعودة، ولكنه لم يستطع ان يطمئن الى (عودة آمنة)! وفى منفاه الاختياري يواجه صنوفاً من الشكوك وحالات الارتياب؛ ويقول أحد مرافقيه إن المتمرد عقار سبق وأن طلب (تفتيش) الهاتف الخاص بنصر الدين واستطاع ان يجد رقماً بداخله غريباً أثار وساوسه!
أما التوم هجو، فحدِّث ولا حرج، فالرجل ظل يحدث من يلقاه فى العاصمة البريطانية لندن على (شيء من الندم) و (شيء من الخوف) من مصير مجهول فى الغربة! وهذا بنص تعبيره، فقد عانى ما عانى لكي يقنع قيادة حزبه تارة في القاهرة وأخرى في لندن ولكن دون جدوى، فقد تلطخ جلبابه بدماء الأبرياء في أبو كرشولا وأم روابة وبات يتعين عليه إما انتظار نجاح الثورية في مشروعها الهائل المستحيل بدخول الخرطوم؛ وإما مواجهة مصيره بشجاعة بدفع ثمن ما اقترفه في حق وطنه.
إذن هم ثلاثة خرجوا من أحزابهم (بليل) ظناً منهم أنهم في اليوم الثالث لخروجهم سيعودون الى الخرطوم فاتحين، وانقضت السنوات تلو السنوات وهم هناك فى مهجرهم السياسي فى غيابة الجب!

العلاقات المصرية السودانية في ضوء ما يجري في مصر

عشت طفولتي في مدينة الخرطوم بحري في السودان، وهذه المدينة هي واحدة من المدن الثلاث التي كانت تشكل العاصمة السودانية في ذلك الوقت ويطلق عليها العاصمة المثلثة التي تتكون من الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان، وكان السودان في تلك المرحلة يخضع للحكم المصري البريطاني. وللحقيقة والتاريخ فإن سكان السودان لم يكونوا يشعرون بأنهم يخضعون لسلطة أجنبية، لأن الإنكليز كانوا يركزون على المشروعات، مثل مشروع الجزيرة، وكذلك على الإدارة والتعليم وغيرها، وأما المصريون فكانوا يهتمون بالري والتعليم والشؤون الاقتصادية مثل الترويج للمنسوجات الجميلة، وكان بنك مصر من أشهر البنوك في السودان.
وفي الحقيقة كانت الثقافة المصرية في ذلك الوقت من أكثر ما يشد السودانيين، إذ كان السودانيون يتابعون الأفلام المصرية ويعجبون بشخصيات ‘اسماعيل يس′ و’محمود شكوكو’ و’حسن فائق’ و’حسين رياض’ وغيرهم من كبار الممثلين، كما كانوا يقرأون بانتظام كل ما يصدر من أدب وفكر وكان الناس ينقسمون بين طه حسين وعباس محمود العقاد، وكانت شعبية العقاد الذي زار السودان وكتب قصيدته الشهيرة في ذلك الوقت كبيرة جدا، فقد قال العقاد:
تفسير حلمي بالجزيرة وقفتي بالمقرن
يا جيرة النيل المبارك كل نيل مسكني
وكان حلم كثير من الناس في ذلك الوقت أن يذهبوا إلى مصر لتلقي العلاج أو لقضاء إجازاتهم الصيفية، وأذكر أنني ذهبت إلى مصر أول مرة مع والدي وكنت ما زلت طفلا، وكانت الرحلة تبدأ من الخرطوم بالقطار الحديث الذي أوجده البريطانيون، ويسير القطار مسافة تسعمئة كيلومتر حتى يصل مدينة حلفا في شمال السودان، وفي مدينة حلفا تبدأ رحلة أخرى ببواخر جميلة على نهر النيل حتى مدينة أسوان، وعند وصولي إلى مدينة أسوان أول مرة استرعى انتباهي عدد كثر من الصفائح المرصوصة في الميناء، وسألت والدي عنها فقال لي هذه صفائح ‘الفسيخ’ وهو السمك المملح الذي يؤكل في مصر، وعجبت من ذلك لأن أكل الفسيخ محدود في السودان مع أن انتاجه يتم بغزارة من أجل تصديره بغزارة إلى مصر.
ومنذ ركوبنا القطار الذي كان متوجها إلى القاهرة بدأت الطرائف، إذ جاء صاحب ‘القازوزة’ – وهي المشروب الغازي – وكان يفتح الزجاجات دون أن يطلب منه أحد ذلك، وقلت لوالدي هل تعطي القازوزة في مصر بالمجان، فجاء الرجل بعد ذلك وهو يطالب بالثمن.
وأذكر حين وصلنا إلى القاهرة نزلنا في فندق ‘ريش ‘ في شارع عبد العزيز، ومكثنا شهرا كاملا كنا ندفع عشرة قروش إيجارا للغرفة في اليوم، وفي آخر الشهر أعطانا صاحب الفندق خصما عشرة في المئة فدفعنا مئتين وسبعين قرشا فقط.
أما ثمن الطعام في ذلك الوقت، فكان يدعو إلى العجب، ذلك أن المطاعم كانت تبيع وجبة الطبيخ بغير لحم بفرشين أما الطبيخ باللحم بأربعة قروش. وكانت رحلتنا إلى مصر مثار اهتمام الكثيرين لدى عودتنا إلى السودان إذ ظل الجميع يسألوننا عن أم الدنيا وما رأيناه فيها من عجائب.
وهناك في السودان كان الاهتمام دائما بوحدة وادي النيل إذ كان السودانيون في ذلك الوقت معجبين بالملك فاروق الذي كان يلقب بملك مصر والسودان، كما كانوا معجبين بالنظام السائد في مصر في ذلك الوقت، وعندما وقعت ثورة عام 1952 حزن كثير من السودانيين لذلك ولكن عزاءهم كان أن قائد الثورة هو اللواء محمد نجيب ذو الأصول السودانية. ولكن هذا الأمر لم يدم طويلا إذ أبعد الرئيس نجيب من قيادة الثورة، ولم يكتف الرئيس جمال عبد الناصر بذلك بل أدار ظهره إلى السودان وتوجه نحو طموحاته الشخصية ببناء زعامته في العالم العربي، وكان هذا التوجه سببا في تأييد السودانيين لقرار استقلال السودان وعدم توجهه للوحدة مع مصر، وعلى الرغم من أن هذه كانت توجهات حزب الأمة ولم تكن توجهات الرئيس الاتحادي اسماعيل الأزهري، فقد أيد الاتحاديون استقلال السودان، واستمر هذا الأمر حتى عام ألف وتسعمئة وثمانية وخمسين عندما قام الرئيس ابراهيم عبود بانقلابه العسكري، وكان أول شعاراته إزالة الجفوة المفتعلة بين مصر والسودان، ولكنه لم يفعل كثيرا في ذلك بل كل ما فعله هو الموافقة على إقامة السد العالي الذي أغرق أراضي النوبة الذين كانوا على مر التاريخ همزة الوصل بين مصر والسودان. ولم يغير هذا الوضع طبيعة العلاقة بين مصر والسودان، وفي عام ألف وتسعمئة وأربعة وستين تحركت في السودان ثورة شعبية قادها طلاب جامعة الخرطوم اسقطوا خلالها نظام عبود لتعود الأحزاب من جديد حتى عام 1969 عندما قام الرئيس جعفر نميري بانقلابه وهو الانقلاب الذي وصفه الرئيس جمال عبد الناصر مع انقلاب القذافي بأنه جدد شبابه.
واختلف الناس كثيرا حول هذا الانقلاب خاصة بسبب إعدام الزعيم الإسلامي محمود محمد طه، والقيادات الشيوعية بقيادة عبد الخالق محجوب، ولكن على الرغم من ذلك فإن هناك حادثة شخصية أذكرها، إذ ربطتني بالرئيس جعفر نميري علاقة خاصة، وفي كل مرة كان يأتي فيها إلى بريطانيا كان يستدعيني من مانشستر ليسألني في بعض الأمور، وكانت تعجبه آرائي، وقال لي إنه كان في ذلك الوقت من المواظبين على قراءة مقالاتي، واذكر أنه أخبرني لدى إحدى زياراته إلى العاصمة البريطانية لندن بعد إزالته من الحكم أنه يعاني من مرض في القلب وقد طلب منه بعض الأطباء في الولايات المتحدة أن يزورهم بانتظام، ولكنه قال مضى عامان ولم يتمكن من زيارتهم، فقلت له ولم ؟ فقال لأنه لا يملك نفقات السفر، وقد ارتفع في ذلك الوقت في نظري كثيرا، إذ كيف يحكم رئيس بلدا عربيا مدة تزيد عن خمسة عشر عاما، ولا يماك تكاليف علاجه في بلد أجنبي؟
وكما هو معلوم أطيح الرئيس نميري في ثورة شعبية لم تحقق أهدافها ليأتي بعده حكم تقليدي أزيح بعد فترة قليلة بواسطة حكم الانقاذ الذي يحكم السودان حتى الوقت الحاضر بشعارات إسلامية، ولم يحاول هذا النظام تحسين علاقاته مع مصر إلا بعد قيام نظام يواجه الآن تحديات كبيرة، وهي تحديات قد تواجه السودان بمشكلات جديدة، خاصة مع ظهور التأثيرات الإسرائيلية في دول حوض النيل سواء كان ذلك في منطقة البحيرات الاستوائية أو في دولة إثيوبيا.
ولاشك أن التحدي الكبير الذي يواجه العلاقات المصرية السودانية في الوقت الحاضر هو عدم وضوح الرؤية في مصر الآن، وهذا أمر لم تتسم به السياسة المصرية في مختلف مراحلها، بل لم نعرف به الشخصية المصرية التي كانت منصرفة دائما إلى الفن والعلم والإبداع، وهي تواجه الآن مشكلات السياسة، فلماذا حدث هذا التغير وما الذي تجني أرض الكنانة من ذلك؟ والسؤال المهم الآن هو هل تحدث الأحداث الجارية في مصر الآن تغيرات في طبيعة العلاقة بين البلدين، سؤال تجيب عليه ما تسفر عنه الأحداث الجارية.

فكرة إقالة مشار وباقان ،،،

 يرشح في الأخبار من المعلومات حول شؤون دولة جنوب السودان ما يرشحها للانهيار في وقت قريب، فأسباب الانهيار متوفرة وواضحة جداً في بؤس المواطنين وعدم استقرارهم وصراعاتهم القبلية التي يدخل جيش الدولة طرفاً فيها بصورة أو أخرى، والمجتمع الدولي يعي تماماً ما يدور هناك.. وقد نطق بعد صمت طويل ليعلق على المآسي التي تحدث في جونقلي. ولا جهة دولية تحاسب قادة الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا، وهذا يمكن تفسيره بأن دول الاستكبار تريد أن يستمر في دولة الجنوب هذا الوضع.. لكن يبقى استمراره على حساب المواطن الذي احتفل باستقلال بلاده قبل عامين وظن إنها انتقلت من الدولة السودانية كإقليم فيها إلى دولة مستقلة واعدة بالنعيم.. لكن لم يجد فيها إلا الجحيم.. وتحت هذه الظروف القاسية التي يعيشها المواطن الجنوبي أن سلفا كير يتجه لإقالة نائبه رياك مشار والأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم. وإذا كان السؤال هو هل ستكون إقالتهما لأسباب متعلقة بالمصلحة العليا للبلاد، فإن الإجابة هي تكون أن هذا وذاك له خلافات مع سلفا كير. أي إذا كان مسؤولاً مصلحاً وله خلافات يمكن أن يتعرض للإقالة وإذا كان مفسداً وليس له خلافات مع رئيس الدولة فيستمر في موقعه وفساده. وهذه هي من أكبر مشكلات دولة جنوب السودان. إن قادة الحركة الشعبية قبل اتفاقية نيفاشا كانوا يدعّون النضال، وكانوا يزعمون أنهم يتبنون قضية ضحايا والضحايا سكان الجنوب وقتها. وطبعاً يعتبرون أنفسهم ضحايا مثلهم.. لكن الصورة الآن في دولتهم الجديدة تعبر عنها مجموعة أصدقاء جنوب السودان الذي ينشط فيها المبعوث الأمريكي الخاص الأسبق للسودان روجر ونتر الذي عمل فيما بعد مستشاراً لحكومة الجنوب بعد الانفصال، وتقول مجموعة أصدقاء الجنوب بأن في جنوب السودان «تحوّل ضحايا الأمس إلى مرتكبي جرائم اليوم». وهنا نوجه السؤال أيضاً إلى روجر ونتر ما هي ثمار استشاراته في جوبا؟! وبماذا أفاد؟! هؤلاء هم المسؤولون الغربيون.. يصنعون مآسي القارة الإفريقية وينتقدون المسؤولين الأفارقة فيها. وكل المطلوب من الأفارقة عند الغربيين هو اللا ينعموا بالاستقرار حتى لايتقدموا وينهضوا، لأن في تقدمهم ونهضتهم خطر كبير على مصالح الغربيين.
في مصر
قبل أن نخوض في تصريح عصام العريان مساعد الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي حول تلقيهم اتصالات يومية من قادة الانقلاب المصري الأخير للتفاوض، فإن الأهم الخوض فيه هو الحديث عن سيناريو لعزل الرئيس المنتخب مرسي خططت له المعارضة والجيش. والسيناريو هو أن تنجح المعارضة في حشد أكبر عدد من الجماهير في ميدان التحرير، وبعد ذلك يتحرك الجيش باتجاه عزل الرئيس المنتخب لأنه يريد أن يتجاوب مع الشعب. لكن لسوء الحظ فإن حشد ميدان التحرير ضد الرئيس المنتخب ولَّد إحتشاد أنصهاره في ميدان رابعة العدوية.
والورطة الآن في مصر هي أن احتشاد رابعة العدوية مستمر ومتزايد.. فهل يعود الجيش ويضطر لإعادة مرسي؟!

الأربعاء، 17 يوليو 2013

الأكذوبة التى لم يحالفها المنطق !

مع أن السودان لم يكن فى حاجة لتكذيب الأنباء المغلوطة التى جرى تداولها فى بعض المواقع الاسفيرية عن ما زُعِمَ أنه يدعم مجموعات مسلحة ضد الجيش المصري، لسذاجة الزعم ولاستحالته عملياً، إلا ان الجيش السوداني وعبر المتحدث باسمه العقيد الصوارمي خالد نفى نفياً قاطعاً - الاثنين قبل الماضي - تورط الجيش السوداني فى دعم أي مجموعات مسلحة تعمل ضد الجيش المصري.
العقيد الصوارمي أكد أن هناك تعاون عسكري بين السودان ومصر بما يعبر عن علاقات قوية بين الدولتين الجارتين، وقد اعتبر السودان – فى موقف رسمي واضح – ان ما يجري في مصر شأن داخلي محض. مع كل ذلك دعونا نمعن النظر فى الأمر ونرى الى أي مدى يمكن ان يحدث أمر كهذا.
أولاً، الحديث الذي تداولته بعض المواقع الاسفيرية قيل إنه منسوب الى خبير يمني الجنسية يدعى القرشي، زعم أن سفناً تركية محملة بالأسلحة عبرت اليمن واتجهت الى السودان ومنها الى مصر.
ولعل أول ما يلفت النظر هنا ان هذا الخبير اليمني وكأنه كان على متن السفينة التركية و (رأى الأسلحة) وعدّها وأحصاها، ثم مضى برفقتها حتى وصلت الى السودان (دون ان يحدد أين) ثم صحبها الى مصر! ودون أيضاً أن يحدد (أين أنزلت فى مصر)!
لا يمكن لأي عاقل ان يستوعب أقصوصة سينمائية كهذه إلا إذا كان (الخبير اليمني) جزء من عملية الشحن من تركيا مروراً باليمن ثم السودان ثم مصر! ولعل الأكثر مدعاة التساؤل هنا ان (الخبير اليمني) لم يحدد نوعية الأسلحة وحجمها للدرجة التي (لفتت نظره) وهي فى مركب تركي!
كما أن الخبير اليمني خانه ذكاؤه هنا ونسى أن أعالي البحار تزخر بالعديد من السفن والأساطيل البحرية من مختلف الجنسيات فكيف تسنى للخبير اليمني (ملاحظة ذلك) ولم تلاحظه القطع البحرية التى تجوب المنطقة ليلاً ونهاراً وعيونها ترصد كل ما هو قادم و رائح؟
ثانياً حتى على فرض وصول أسلحة من تركيا الى اليمن، ما الذي يجعل أسلحة (يراد) إرسالها الى مصر ان (تمر باليمن)؟ أما كان من الممكن ان يتم الذهاب بها بعيداً جداً عن الأعين؟ هل هناك عاقل ينقل سلاحاً بهذه الطريقة وكأنه ينقل تفاحاً لبنانياً يجوب به موانئ الدول المطلة على البحار ويدفع عنه رسوم عبور؟
النقطة الثالثة فإن الخبير اليمني – ومهما كانت درجة خبرته – لا يمكنه ان يكون أكثر وعياً وإدراكاً ويقظة من الجيش المصري والمخابرات المصرية. إن الرجل بزعمه هذا إنما سخر سخرية بالغة من مخابرات الجيش المصري فى الوقت الذي اعتقد فيه انه يساعدها ويرشدها! ولعل هذه آفة من آفات زماننا هذا، حيث يُعتبر كل ضابط سابق في الجيش انه (خبير أمني)، والرجل يقيس الأمور بمقياس الفوضى التى تضرب بلاده حيث يمتلك الكثيرون السلاح بلا ضابط ولا رابط.
أخيراً فإن الجيش السوداني المشغول تماماً بمعاركه مع المتمردين، كيف له أن يجد ترف استيراد السلاح من الخارج -وبكل هذه الطرق الطويلة- وبكل هذا الوضوح والسفور لدعم مجموعات مصرية ضد الجيش المصري وهل هناك تناسب – في نظر الخبير اليمني الكبير – ما بين أي مجموعات مسلحة مصرية مع الجيش المصري؟

الشعبي وحلفائه!

من المؤكد أن الشعبي الشديد الحضور بين جنبيّ تحالف قوى الإجماع ولوجود مسئوله السياسي كمال عمر فى مكتبه الإعلامي فشل فى (جرّ أرجل) حلفائه فى التحالف لتسيير مسيرة للتنديد بانقلاب العسكر على الشرعية في مصر الشقيقة. فقد خرج الشعبي (لوحده) في مسيرة يفترض أنها (تدافع عن المبدأ الديمقراطي) أحد أكثر مبادئ التحالف رواجاً سياسياً طوال الفترة السابقة.
الحزب الشيوعي وربما على سبيل المجاملة أصدر بياناً لفَّ ودوَّر طويلاً جداً حتى يفصح عن التنديد الذى جاء خافتاً ناعماً. حركة حق هي الأخرى أصدرت بياناً لفّ ودارَ أيضاً ليصل الى ذات النتيجة بعد تلاعبات لفظية وعبارات مطاطية طويلة. ولعل الأمر المستفاد من هذا الموقف أن الشعبي لم ينجح فى دفع بقية حلفائه في التحالف (لتغبير أرجلهم ساعة) فى سبيل الديمقراطية.
هذا بدوره يمكن ان نقرأه من عدة زوايا: الزاوية الأولى أن الشعبي رغم كل جهده وشقاؤه وتحمله لعنت التحدث باسم التحالف وتلقي الرصاصات المرتدة على صدره ما يزال (موضع شك من قبل رفاقه فى التحالف، فقد بدا واضحاً ان حلفاء الشعبي فى التحالف ليسوا مستعدين لمجاراته ومسايرته فى مؤازرة (إخوان مسلمين) هم بحكم الايدولوجيا وحقائق التاريخ خصوم دائمين لمنظومة التحالف وهذا يستفاد منه أيضاً أن تحالف المعارضة إنما ضم الشعبي (فقط لأغراض سياسية مرحلية) تنتهي بانتهاء اسقاط النظام! وهو اسقاط بدا واضحاً أنه ما يزال فوق سماء المستحيل.
يضاف الى ذلك ان الشعبي الذي وجد نفسه في مسيرة جمعته بالوطني للتنديد بما جرى فى مصر بدا وكأنه (يأكل في مائدتين) وهو ما أثار ريبة إضافية لدى التحالف.
الزاوية الثانية ان تحالف المعارضة -باستثناء الشعبي- يخاف أو كما يقول القضاة في الأدب القانوني المصري (يستشعر الحرج) من الخروج في مسيرة لصالح الإخوان المسلمين فى مصر، وهو خصمهم هنا فى السودان، فلربما يواجه بمنطق سياسي سديد أنكم كتحالف هنا فى السودان تسعون لإسقاط سلطة منتخبة أيضاً بالسلاح بتحالفكم مع الجبهة الثورية المسلحة.
قد يستطيع الشعبي ان يتسوق في مثل هذه الأسواق السياسية ولكنه لا يستطع ان يشتري الكثير لأنه أفلس أو كاد.
الزاوية الثالثة ان الشعبي – من الأساس – كلمته ليست مسموعة فى التحالف رغم وجود زعيمه المفوّه والأكثر ذكاء الدكتور الترابي، إذ تقتضي قواعد التحالف أن (يتشارك) المتحالفين (الحلوة والمرة) كما يقولون، فقد سبق للشعبي ان شارك التحالف المعارض في وثيقة الفجر الجديد بكل ما فيها من ارتضاء بعلمانية الدولة وتصفية الجيش وتقسيم السودان وسلسلة من الأمور التى لا يمكن ان تكون برنامجاً للشعبي، ولكنه شارك فيها من زاوية المشاركة والمجاملة السياسية في إطار التحالف، وكان من المتوقع إزاء ذلك أن يشارك التحالف رفيقه الشعبي فى مسيرته التنديدية والتي لا تكلف شيئاً ولكن التحالف –حتى بهذه المجاملة البسيطة– اختار أن يبخل بها على الشعبي!
وعلى ذلك فإن من ما يمكن استخلاصه من هذا الموقف برمته أن الشعبي تخلّى عنه حلفائه فى واحدة من أهم معاركه السياسية بحيث لم قدموا له الأحد حتى بعد أن قدم لهم السبت!

من وراء العبث الجاري في المنطقة حالياً؟

الأحداث التى تجري فى المنطقة الآن يربط بينها جميعاً خيط رفيع -ولكنه قوى- وهو خيط واحد. فالدعم المتواصل لما يسمى بالجبهة الثورية لزعزعة استقرار السودان هو فى خاتمة المطاف عمل إسرائيلي محض، استخدمت فيه تل أبيب -استخداماً سيئاً- دولة جنوب السودان، وهذه الأخيرة تورطت في الأمر –بأجندتها الخاصة– للدرجة التي لم تعد تستطيع معها الفكاك.
ثم تبع ذلك – فى ذات الاتجاه – إثارة قضية سد النهضة فى إثيوبيا، فالسد أثير فى هذا التوقيت المتزامن مع وجود حكومة إسلامية في جمهورية مصر والأصابع الإسرائيلية المدربة، تعرف أنه يثير حفيظة أرض الكنانة ويهيِّج الأمور فيها، فثارت الأمور بالفعل في مصر ولم تهدأ حتى الآن بحيث انقسم الشعب المصري – ربما لأول مرة فى تاريخه – انقساماً حاداً ذي منحى إقصائي تصعب معه أية عمليات رتق وتطبيب لا على المدى القريب ولا البعيد.
الفكرة باختصار هنا هي تفتيت الكيان السوداني، بفصل الجنوب ومن ثم استخدام دولة الجنوب ضد السودان، وللمزيد من تمزيق السودان، ثم استخدام مشروع عادي وطبيعي (سد النهضة) لشق الصف المصري وتمزيق الدولة المصرية لتصبح عدة أقسام وإن بدت شيء واحد متماسك جغرافياً، فالمهم هو ان تتحلل الرابطة المصرية المصرية، وهذا بدوره يفيد إسرائيل من جهتين.
من جهة أولى إضعاف العمق ألاستراتجيي المتمثل فى السودان بتقسيمه لأقسام أو جعله في حالة سيولة؛ وإضعاف السودان بتقطيع الدولة المصرية أو جعلها غير متوازنة بحيث كلما ضاقت الأوضاع فى السودان ضاقت في مصر أكثر والعكس صحيح.
ثم عادت ذات العقلية لتفتت دولة الجنوب نفسها وتثير بداخلها صراعاً على السلطة قمين بإثارة حرب أهلية جنوبية جنوبية. وهكذا، فإن ما يجري فى الواقع ما هو إلا تفتيت مدروس ويجري بنفس طويل هادئ للصخور الصلبة المحيطة بالدولة العبرية ولهذا لاحظنا تردد واشنطن في دعوتها للدكتور نافع، ثم ترددها مرة أخرى في اتخاذ موقف مما يجرى في مصر، هل هي مع الشرعية، أم هي مع الأمر الواقع الماثل؟ وكيف سيكون الوضع إذا ما أفضت الأمور في مصر الى حرب أهلية دائمة؟
هذه كلها تقديرات وخطط وضعت بعناية ووجدت سهولة في الإنسياب والتدفق وهذا ما يجعلنا في الواقع نتساءل عما إذا كان القادة فى دولة جنوب السودان وهناك في مصر على وعي تام بهذا المخطط الخطير الذي لحمته وسُداته الدماء الوطنية، فالطريقة التى يدير بها الإسرائيليين خططهم باتت معروفة وهي بذر الفتنة فى بلد ما، بشيء صغير للغاية ثم رعايته بمثابرة حتى ينبت ويثمر.
فعلت ذلك فى لبنان، ثم تلته سوريا، ثم العراق وهاهي الآن تلج الى العمق المصري. وقد يقول قائل إن إسرائيل ليست لها كل هذه القدرة وهذا صحيح، ولكن إسرائيل لا تعمل كحكومة تنفيذية رسمية بقدر ما تعمل عبر ( وكلاء) ووسطاء أوفياء ومخلصين لها تعرف كيف تسوقهم كالسوام فى اللحظة المناسبة الى حيث تريد وبأبخس اثنان وفى بعض الأحيان بالمجان!

الخميس، 11 يوليو 2013

مناوي في مأزق خطير!

على خلاف غالب الحركات الدارفورية المسلحة، فإن حركة مناوي تبدو الأسوأ حظاً فى العمل السياسي والأداء العسكري، والأوفر حظاً فى الخلافات التنظيمية المعقدة. ولعل من الملاحظ -طوال العامين الماضيين- أن حركة مناوي ظلت -وباضطراد- فى حالة تراجع مريع ميداني، وهزائم متتالية حتى حدث لها انكماش، وضعها فى الوقت الراهن على هامش الأحداث.
وتشير متابعات (سفاري) فى الحدود اليوغندية الجنوبية إن مناوي أصبح فى حالة تنقل دائم، زائغ البصر، تطارده الهواجس بعد أن ظل كل قادته محل شك لديه، فعلى سبيل المثال خاض مناوي خلافاً طاحناً قبل أيام مع مساعده للشئون السياسية المدعو إبراهيم أحمد إبراهيم والمعروف بـ(إبراهيم لورد).
فقد تفاقم الخلاف بين الرجلين بسبب إصرار الأخير على تولي منصب مرموق فى الحركة، ذلك أن المدعو إبراهيم لورد يُقال إنه كان عضواً فى حزب الأمة القومي، وعمل لفترة من الوقت فى دول الخليج العربي كرجل أعمال، ورفض فى العام 2006 التوقيع على اتفاق أبوجا الذى كان مناوي قد وقع عليه ثم عمل على إنشاء ما سميت بالجبهة السودانية للتغيير، ثم كونوا فصيلاً أطلقوا عليه (وحدة جوبا)، ولما لم يجدِ كل ذلك فقد عاد أدراجه – بعد عدة سنوات من مفارقة حركة مناوي إليها، ولكنه اشترط إعطاؤه منصباً مرموقاً.
غير أن مناوي المصاب بعقدة الهواجس والمخاوف لم يرفض طلبه، وفى الوقت نفسه لم يستطع الوفاء بما طلبه ولكن رغماً عن ذلك اضطر مناوي لمنحه منصب مساعد له للشئون السياسية، غير أن لورد كان حينها وبحسب ما يعتقد مناوي لا يزال يعمل لصالح الجبهة السودانية للتغيير وحزب الأمة القومي.
لم يجد مناوي إزاء ذلك بداً من اتخاذ القرار الصعب حيث قرر فصله تماماً. وليت الأمر انتهى على هذا الحال، فقد برزت خلافات أخرى ما بين المدعو (علي ترايو) وإبراهيم لورد، فالأول مقرب من مناوي بحكم إجادته للغة الانجليزية التى لا يجيدها مناوي؛ كما أن الحركة الشعبية وإمعاناً منها في إشاعة جو الخلافات بين قادة مناوي عملت على دعم (ترايو) وهي تعلم أن ترايو وبجانب إجادته الانجليزية وقرابته الشديدة من مناوي (إبن خالته) فهو ايضاً كاتم أسرار مناوي ويعلم الكثير من أسرار الدعم المالي والدعومات المالية الخارجية ويرتبط ارتباطاً شديداً بياسر عرمان بحكم أنه يعتنق الفكر الماركسي.
وليت أيضاً توقفت عجلة الخلافات فى هذه المنطقة، حيث برزت خلافات أخرى حادة بين (ترايو) وعبد العزيز سام، فقد رأى الأخير انه أحق بمنصب (ترايو) فى الثورية بدلاً عن ترايو، وفى هذه النقطة تحديداً تكمن أزمة مناوي، فقد بدأ عبد العزيز سالم حملة شعواء ضد مناوي من الصعب التكهن بمآلاتها، وهي أمور تدور بصورة يومية سريعة على نحو بالغ الحدة والشدة بحيث يصعب على مناوي السيطرة عليها.
ومن الممكن بحسب ما يعتقد بعض المراقبين أن تشهد حركة مناوي -حتى بحالة ضعفها الراهنة- انشقاقاً داوياً وكبيراً يأتي كرصاصة رحمة أخيرة تنهي هذه المهزلة السياسية العجيبة.

مشار في الخرطوم .. جوبا ترمي بفلذة كبدها

الزيارة التي يقوم بها حاليا نائب رئيس دولة جنوب السودان رياك مشار إلى الخرطوم  تعد  أول زيارة لمسؤول جنوبي رفيع بعد قرارات الرئيس السوداني المشير عمر البشير بتجميد تنفيذ اتفاق التعاون مع الجنوب ، وإغلاق أنبوب النفط وحظر تصديره عبر السودان.وهي زيارة تأتي لتؤكد بأن جوبا لم يعد لديها خيار غير الإنصياع لصوت المنطق والعقل لتفك إرتباطها بما يسمى بقطاع الشمال وتوقف دعمها للجبهة الثورية

ويذهب مراقبون إلى القول   أن اعلان الخرطوم اغلاقها لانبوب النفط ما دفع جوبا لتسمية نائب رئيسها للتفاوض مع الخرطوم وبالتالي فإن الاخيرة في الموقف الأفضل سياسياً، ليتجلى الضعف في اعلان الخرطوم قبولها مقترحات الوساطة قبيل اعلان جوبا وقبل وصول رياك مشار للخرطوم ،

مخاوف كثيرة اكتنفت الخرطوم الرسمية من جراء أن تكون زيارة الرجل محملة على أجندة خلافاته مع الرئيس سلفاكير بحثاً عن تحالف يقيه وطأة العزل والتجريد من الصلاحيات التي اعلنها سلفاكير في حقه خوفاً من منافسته انتخابياً، وهو الامر الذي رجحه متشائمو الحزب الحاكم وأعتبروه ظاهراً للعيان، متوقعين أن يشكل الصراع الجنوبي الجنوبي معوقاً أمام احداث اختراق حقيقي في ملف الازمة لصالح الاستخفاف والتقليل من وزن مشار ..

دوائر صنع القرار في الدولة الجنوبية بدت مدركة لتخوفات رسميي الخرطوم ، وكشفت عن أن سقف التفاوض الممنوح لرياك مشار أكبر مما تسرب عن خلافاته مع قيادته، وهو ما اكده بنيامين بتوضيحه بأن مشار يأتي إلى الخرطوم بأمر مجلس وزراء حكومة بلاده وبتفويض مباشر من المجلس وينبغي على حكومة الجنوب أن تحترم قراراتها وتلتزم بما يتوصل إليه مفوضها رياك مشار.

و قالت تقارير إن مصدراً مطلعاً في جوبا كشف عن ثلاثة أجندة يحملها د . رياك مشار في زيارته للخرطوم ، وقالت إن الرئيس سلفا كير وجه نائبه بالتأكيد على التمسك باتفاق التعاون وتنفيذه بواسطة المقترحات الجديدة للآلية الإفريقية بجانب التأكيد على عدم نية جوبا تغيير النظام في الخرطوم بدعم وإيواء الحركات المتمردة، إضافة إلى مناقشة عدم قفل أنبوب النفط خلال 60 يوماً .

في الخرطوم  قال المتحدث باسم الحكومة السودانية وزير الثقافة والإعلام  د.أحمد بلال عثمان في تصريح صحفي ، إنه إذا أزِيلت الأسباب التي دعت السودان لإيقاف نفط الجنوب ، فإننا سنمضي في تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين البلدين.وأعرب بلال عن أمله فى أن تتمخض الزيارة عن اتفاق يغني البلدين عن أية وساطات ، وأن تكون فاتحة خير في مسيرة العلاقات بين البلدين ، وأضاف "نحن متفائلون بحذر تجاه الزيارة" ، مؤكداً استعداد السودان لتوفير كل أسباب النجاح لهذه الزيارة ، مشيراً الي أن زيارة نائب رئيس دولة جنوب السودان تهدف لحل المشكلات التي تعترض تطور العلاقات بين البلدين .

مشار بحسب محللون بتقدير خاص في الخرطوم ووضعية مميزة في نفس الرئيس البشير ونائبه الأول علي عثمان طه، بحكم الصدقية التي يتمتع بها بالاضافة لمشاركته الانقاذيين منذ وقت مبكر وسبق ذلك أن أمتهن التدريس بكلية الهندسة جامعة الخرطوم، وله علاقات تاريخية رسمية وشخصية مع القيادة السياسية السودانية حيث شغل مناصب عدة أبرزها منصب مساعد الرئيس البشير عقب توقيعه اتفاق الخرطوم للسلام مع الحكومة السودانية في العام 1997م، بالاضافة لعدم مشاركته ضمن لجان التفاوض تحت لواء الوساطة الافريقية التي يتم النكوص عن اتفاقاتها ..

إذاً فاختيار الجنوب لمشار في التفاوض مع الخرطوم حول الازمة الاخيرة ، كان موفقاً فالزيارة اتأتي لتقريب وجهات النظر بين الطرفين وكبح جماح الازمة الحالية ، باعتبار أن الخرطوم وجوبا لا يمكنهما الاستغناء عن بعضهما بحكم الجغرافيا والتاريخ والحدود المشتركة التي تعد من أطول الحدود بين دولتين ،وما يضاعف أهمية زيارة مشار كون الدولتين تحتاجان لتركيز جهودهما على قضايا التنمية باعتبارها القضية الاهم والاحوج للجهد ، وهو ما لا يحدث بدون استقرار وبدون سلام بالتالي فالزيارة ذات أهمية قصوى.

عموما فإن مراقبون يتوقعون ان تسفر زيارة نائب رئيس حكومة الجنوب بنتائج ايجابية خاصة و أن اتجاه حكومة الجنوب لايفاد مشار تشير الى دخولها في حرج مع مواطنيها ومع المجتمع الدولي، مع استصحاب أهمية النفط لدولة الجنوب من حيث الايرادات التي تعتمدها عليها بنسبة تفوق الـ(98%). إذا  فان هذا الأمر سيجعل من اللقاء والمباحثات والوساطات الجارية امرا حاسما لتنفيذ الاتفاقيات، وتوقع التوم ان يسفر اللقاء عن نتائج ايجابية خاصة وان هنالك ضغوطا للجنوب من شركاء النفط بضرورة استمرار تدفق النفط، في ظل  عدم وجود البدائل للجنوب في الوقت الراهن  وهو أمر إضافي سيكون محفزا لوصول الطرفين لتنفيذ كل اتفاقيات المصفوفة الموقعة بين الجانبين.فاهمية النفط وايراداته لجوبا  يبقى   حافزا ومشجعا للقبول بطلب  الخرطوم وعدم دعم الحركات المسلحة.

العدل والمساواة تعيث فساداً فى جبال النوبة!

صدام مروع، وقع مؤخراً فى مناطق جبال النوبة. الصدام سببه الرئيسي وجود حركة العدل والمساواة التى يقودها جبريل إبراهيم فى المنطقة. ومن المعروف أن حركة جبريل دخلت مناطق النوبة تحت غطاء عملها فى ما يسمى بالثورية.
الأزمة نشأت أول ما نشأت ما بين المجتمع القبلي المحافظ فى المنطقة، والتقاليد المرعية التى تسود هناك، وما بين السلوك الدخيل الذى جاءت به عناصر حركة جبريل. ولعل بالقدر الذى كان المتمرد عبد العزيز الحلو سعيداً بقدرته على إنشاء تحالف الثورية واجتذاب الحركات الدارفورية المسلحة؛ بقدر ما انتهى به الأمر ليكون حانقاً على حركة جبريل على وجه الخصوص وما عاثته من فساد أفسد تماماً الوجود على الأرض للثورية.
وبحسب مواطنين وأعيان من الإدارة الأهلية تحدثوا لـ(سودان سفاري) فإن حركة جبريل عملت على إشاعة كل ما هو مخالف لأعراف المنطقة من رذائل وممارسات سالبة، فقد أشاعت تعاطي الحشيش وكافة أنواع المخدرات ووصل الأمر فى هذا الجانب الى درجة زراعة الحشيش نفسه فى تلك المناطق وتهريب الحبوب المخدرة بشتى أنواعها ونشرها بفعالية بين الشباب.
ويقول أعيان المنطقة، إن حركة جبريل كادت أن تعطل الحياة فى المنطقة بسبب إغراق شبابها فى تعاطي المخدرات بحيث تخلوا عن عمل الزارعة وكافة الأعمال التى يسترزقون منها فى العادة؛ كما أشاعت الحركة – بسبب قلة الدخل لدى أهل المنطقة – أسلوباً للإغتصاب والدعارة، وفى أحيان أخرى يلجئون للنهب والسلب إمعاناً فى إذلال أهل المنطقة.
ولم تفلح كل محاولات قبائل المنطقة فى التخلص من عناصر الحركة، فقبيلة المورو على سبيل المثال دعت قبائل المنطقة كافة لاجتماع شامل مع قادة الحركة لاجتثاث هذه الظاهرة وإخراج الحركة من المنطقة ولكن بلا جدوى، ويتخوف العديد من سكان تلك المناطق من فشل الموسم الزراعي بسبب سلوك حركة جبريل.
وعلى الرغم من أن المتمرد عبد العزيز الحلو يستشعر (إهانة خاصة فى نفسه) بسبب هذه الممارسات التى تتم تحت سمعه وبصره دون أن يفلح فى تخليص أهل المنطقة منها إلا أنه –ونظراً لارتباطه الضعيف بالمنطقة– لا يلقي لها بالاً فهو يسعى لإقامة معسكرات تجنيد قسري يجر إليها مواطني المنطقة جراً ليخوض بهم حروبه الخاسرة.
إن من المؤلم والمؤسف أن تكون الحركات المسلحة وصلت الى هذا الدرك السحيق من الممارسات ضد مواطنين سودانيين بسطاء، أبرياء، لا ناقة لهم فى الحرب ولا جمل تسيمهم الثورية سوء العذاب تغتصب نساءهم وتفسد شبابهم بالمخدرات ثم تقام لهم معسكرات التجنيد القسري لخوض حرب ضد بني جلدتهم.
هذه هي الثورية وهذه هي ممارسات الحركات الدارفورية المسلحة، فهي حربٌ على المواطنين، ونعامة أمام الجيش السوداني.

أبناء النوبــة .. الحركة الشعبية المستفيد الأوحد

ثمة علاقة ووجه شبه بين مادار بدارفور ومايدور في جبال النوبة من صراع من حيث محاولات التدخل الخارجي في القضية بجانب استخدام ابناء المنطقة كوقود للحرب من الداخل في حلبة يتعدد فيها المصارعين المحليين من ابناء النوبة بالحركة الشعبية والحركات المسلحة ممثلة في (الجبهة الثورية) يساندهم في ذلك لاعبين محترفين من القوى المعادية للسودان. ويبدوأن مشكلة جبال النوبة ليست وليدة اللحظة حتى يتم ربطها وتحميلها للحكومة الحالية بقدر ما هى تراكمات سياسية وإقتصادية وتقاطع لعناصر التاريخ والجغرافيا فى منطقة هى الأشد حساسية فى تركيبتها الإثنية، وتتمثل القضية حسب مراقبين فى سرعة إنجرار أطراف من أبناء النوبة فى لعبة أكبر من أن يديروها بانفسهم بسبب تعدد الأطراف المحلية والإقليمية المتمثلة فى الجبهة الثورية وقادة قطاع الشمال والحركة الشعبية بدولة الجنوب الفاعلة فى هذا الصراع.

وترفض المكونات الاهلية بجنوب كردفان محاولات ما يسمى بـ(الجبهة الثورية) لنقل الحرب من دارفور إلى جبال النوبة وتدويل القضية لخدمة مصالح صهيونية، وترى القيادات الاهلية إن التداعيات الحالية تستدعي اشراك أبناء المنطقة لمعرفتهم التامة بالإشكالات الحقيقية التي دعت بعض أبنائهم للتمرد، وأن محاولات نقل الحرب من دارفور عبر الجبهة الثورية يعتبر مهدد كبير وتصعيد لقضية جبال النوبة التي تنحصر في بعض المطالب المشروعة والمقدور عليها من جانب الحكومة، بجانب تأكيدهم على أن أبناء جبال النوبة قادرون على حسم الحركة الشعبية في القطاع الغربي بعد توحد كلمتهم بإشراك أهل المصلحة والشأن في ما يجري من حلول حول جبال النوبة من خلال المفاوضات أو إشراكهم في المنابر الخاصة بمناقشة القضية.

ولعل المراقب لما يجرى فى منطقة جبال النوبة يجد أن ثمة لائحة طويلة من أسباب النزاع القائم فى عدم وجود أى بوادر حل للأزمة، التى تبدو أنها مرشحة للتفاقم أكثر فأكثر فى المستقبل القريب.

ويرى مراقبون أن حرب الحركة الشعبية التى يقودها عبد العزيز آدم الحلو فى ولاية جنوب كردفان بإسم السودان الجديد وإسقاط نظام الخرطوم ليست من مطالب وأجندة أبناء النوبة لأنها لا تستهدف تحقيق مكاسب تنموية لمناطق جبال النوبة التى تجرى فيها هذه الحرب، لكنها تستهدف فى الأساس إستخدام أبناء النوبة والزجّ بهم فى حرب خاسرة من أجل أجندة الحركة الشعبية .

وتشدد العديد من الفعاليات السياسية والاهلية بالولاية على ضرورة البحث عن مخرج لإنتشال الولاية من مأزق الحرب والترسانة العسكرية والتى تسببت فى الماسأة الإنسانية التى يعيشها إنسان جبال النوبة يشارك فية كل أبناء المنطقة دون تمييز لأن الحرب ظاهرة إستثنائية وليست أمراً طبيعياً فى حل الخصومات وتحقيق المطالب، خاصة أن بروتكول جبال النوبة الذي تم التوصل إليه خلال مفاوضات نيفاشا حمل رؤية واسعة لمستقبل المنطقة في ظل الوطن الواحد من خلال عدة مراحل وصولاً إلى تحديد رؤية مواطني الولاية لمستقبلها من خلال إجراء المشورة الشعبية التي لم تتم نسبة للاوضاع التى مرت بها الولاية بجانب انفصال دولة جنوب السودان كشريك اساسي فى اجراء المشورة.

و الاوضاع الحالية تظل استثنائية وتحتاج الى حل عاجل منعاً لتصعيد قضية جبال النوبة ويظل السلام الهدف الاستراتيجي بين مكونات المنطقة، فالوضع بالمنطقة اختلف تماماً بعد الحشود العسكرية التي ظلت تتوافد من دارفور في محاولة لنقل الحرب الى جبال النوبة مستفيدة من التعاطف الموجود من قلة قليلة من ابناء النوبة الذين ينتمون للحركة الشعبية.

إذا لابد من وقف التصعيد من قبل الاطراف الذي من شانه تعقيد القضية وخروجها من الطور الذي يمكن للاطراف أن تحتويه من خلال الحوار الجاد الذي يفضي الى سلام دائم بالمنطقة ويضمن بدوره الاتجاه الى التنمية ويضيف أن الحوار بين المكونات الاهلية الموجودة يظل هو المخرج الوحيد من الحالة التي تعيشها جبال النوبة وولاية جنوب كردفان بشكل عام.

أبناء النوبة خسروا مرتين من الصراع الدائر هناك، اولاً عندما كانوا هم العمود الفقرى لحركة قرنق طوال سنوات الحرب التى خاضوها بأسم السودان الجديد، وبعد أن وقعت إتفاقية نيفاشا حيث لفظتهم الحركة الشعبية وتنكّرت لهم وأعطتهم ظهرها وانكفأت على الجنوب غير مبالية بهم فلم يعى أبناء النوبة الدرس لضياع سنوات قتالهم حتى إندلعت الحرب الثانية والتى ما زال الإختلاف حول جدواها ومهما كانت مبررات وأسباب الحرب الدائرة في الجبال فانها فرضت على شعب جبال النوبة وتعتبر بمثابة اللطمة الثانية التى توجه للنوبة من خلال مخطط لإبادتهم عبر هذه الحرب المستمرة والمستعرة.

سلفاكير.. موسم قطع الرؤوس الكبيرة!

وسط غيوم متلبدة في سماء جوبا نفخ رئيس دولة الجنوب سلفاكير بالأمس هواءً ساخناً لإطفاء الشمعة الثانية لميلاد الدولة بعد انفصالها من السودان والأوضاع ليست علي مايرام والصراع السياسي في اعلي درجاته بجانب وجود حالة استقطاب حاد بين التيارات التي تقود البلاد جعلت من سلفاكير مؤخراً يبدأ سلسلة من الضربات علي العديد من القيادات لم تميز بين الهدو والصديق أخرها قبل أيام القرار الذي أصدره سلفا بعزل والي ولاية الوحدة تعبان دينق عبر مرسوم جمهوري وعين جوزيف نقوق حاكماً مؤقتاً للولاية، وجاء المرسوم مقتضباً ليوضح أسباب إعفاء تعبان من منصبه وهو يعد أخر الرؤوس الكبيرة التي أسقطها سلفاكير بالضربة القاضية هذه الأيام.
بالأمس خرج تعبان وكشف أسباب عزله ترجع الي ملابسات حول رحلته الأخيرة للولايات المتحدة ووصف القرار بانه غير دستوري وقال قاي في خطابه عقب أداة صلاة نظمتها كنيسة المشيخية وفقاً لصحيفة سودان تربيون ان الرئيس سلفاكير ميارديت لديه شكوك ان رحلته الأخيرة الي واشنطون كانت من اجل الاجتماع بمسؤولي الإدارة الأمريكية للدفع بدعم ترشيح نائب رئيس دولة الجنوب رياك مشار للانتخابات الرئاسية المقبلة ونفي قاي اجتماعه بمستشار الأمن الوطني سوزان رايس فيما أشار رئيس الحركة الشعبية بمنطقة لير فرانكو ديو الي ان إقالة قاي كانت نتيجة لبعده من قضايا مواطني ولاية الوحدة.
الرجل القوي
تعبان ابن قبيلة النوير المقاتلة انضم في بداية الكفاح المسلح للحركة الشعبية في العام 1984م  ودخل مثل اغلب قادتها لكتيبة النخبة وهي جاموس التي خرج منها أشرس مقاتلي وقادة الحركة الشعبية وهو يقال عنه بأنه الرجل الذي ينفذ السياسة بالبندقية ونحن اليوم نسرد سيرة الرجل لارتباطات وعلائق كبيرة بين إقالة الرجل والسودان لأنه كان حاكماً لولاية حدودية مع السودان وهي كانت مدخل الصراع هجليج طوال الفترة الماضية بالإضافة لعلاقة الرجل بقيادة الحركة الشعبية شمال وخاصة ياسر عرمان الذي كان يدعمه بشكل قوي في الانتخابات الرئاسية السابقة.
لا يمكن بأي حال من الأحوال ان يكون الرئيس سلفا كير ميارديت قد اخرج قرار إقالة تعبان دينق بهذه السهولة دون حسابات دقيقة جداً لأنه يعرف ان تعبان رجل قوي ولا يستسلم بسهولة وفي هذا يجب ان ننظر بالاتجاهات الستة لهذا القرار خاصة ان تعبان كان يوصف لفترة قريبة بأنه رجل سلفاكير لدي قبيلة النوير التي يوضع لها مائة حساب وانه موجود ليواجه اية تحركات لرياك مشار لذلك سلفاكير كان يصر علي ان يكون مركز قوة سياسية وقبلية ليكافح أي تمرد لمشار خاصة ان الرجلين لديهما خلفية عدائية بدأت منذ توقيع اتفاقية الخرطوم للسلام التي أتت بتعبان برفقة مشار للخرطوم إلا أنها انتهت لان الصراع انتقل بمنافسة تعبان المرشحة لولاية الوحدة انجلينا زوجة مشار حيث استطاع ان يسقطها مع وجود تحفظات علي نزاهة الانتخابات.
خيارات الإقالة
احتمالات لا ثالث لهما لاقالة سلفاكير المتعجلة لتعبان دينق أولهما مرتبط بالصراع الدائر بشكل قوي بين مراكز قوة في دولة الجنوب خاصة وان سلفاكير مع اقتراب الانتخابات أصبح يتهمه البعض بتوسيع نفوذه وانه لا يريد التخلي عن كرسي الرئاسة وانه يريد ان يبسط الشمولية علي الدولة ولذلك يريد ان يطيح بالرؤوس الكبيرة التي يمكن ان تشكل له مصدر قلق خاصة تيار ما يعرف بـ"أولاد قرنق" الذي بدا يتداعي بشكل مرتب.
الاحتمال الثاني ان الجنرال سلفاكير يريد ان يبني علاقة مستقرة مع السودان وان يوقف بشكل جدي أي دعم لمقاتلي الحركة الشعبية شمال وهو يعلم ان تعبان دينق يعتبر الممول الرئيسي لهذه القوة المقاتلة وولاية الوحدة تعتبر اكبر ممر لقوات الحركة والجبهة الثورية للدخول للأراضي السودانية بجانب خط الإمداد والإخلاء المفتوح مع ولاية تعبان دينق وان الأخير رفض مؤخراً دعوات سلفاكير بوقف الدعم في إطار الضغوط التي يتعرض لها من الخرطوم بعد وقف ضخ النفط وان تعبان دينق يرفض قطع الإمداد عن رفاقه الذين تربطهم به علاقة وثيقة وهذا الموقف يتفق معه جنرالات كبار في الجيش الشعبي بعد التخلي عن مقاتلي الحركة في الشمال وفي هذا يقول المحلل السياسي أبو عبيدة عبد الله ان إقالة تعبان دينق لا يمكن فصلها عن الزيارة التي تمت مؤخراً لرياك مشار للخرطوم والشروط التي وضعت أمامه خاصة طرح أسماء بعينها تقوم بامداد مقاتلي الجبهة الثورية بالسلاح وفي مقدمة هذه الجهات والي ولاية الوحدة تعبان دينق الذي لديه تاريخ اسود مع الخرطوم فهو شديد العداء لها ويؤمن بضرورة إزاحة حكم الإنقاذ من السلطة حتي تقوم علاقة جيدة مع دولة الجنوب وهو لذلك يقاتلها بشدة ومن مشجعي سلفاكير علي الهجوم الذي تم علي منطقة هجليج وهو من قاد تلك العملية حيث ظهرت تسجيلات صوتية بصوت تعبان يعطي تعليمات بضرورة إحراق آبار النفط قبيل الانسحاب والخرطوم في أي ملف تعرضه علي سلفاكير عن دعم الجنوب للمتمردين يكون تعبان دينق في المقدمة وانه بإزاحة تعبان عن الولاية الحدودية التي تعتبر مصدر القلق في العلاقة بين الخرطوم وجوبا يأمل الكل ان تبدأ صفحة جديدة.
ويضيف عبد الله خلال لـ( السوداني) ان هنالك جانب آخر للأمر وهو صراع الأجنحة داخل الحركة الشعبية بين التيار الاستقلالي الذي يدعو لضرورة العمل علي بناء دولة الجنوب ويري ان الارتباط مع قطاع الشمال يعرقل بناء الدولة وهو تيار يجد الدعم من الخرطوم بالتأكيد وهو تمثله مجموعة من الولايات المتحدة الأمريكية.
التيار الأخر يقوم علي أكتاف أولاد قرنق بقيادة باقان اموم  ودينق الور ويوجد به أيضاً تعبان دينق ويكافح سلفاكير قبيل الانتخابات لكي يضع حداً لهم لذلك سارع في شن الحرب عليهم مؤخراً ونجد ان هذا التيار يدعو لمواصلة دعم مقاتلي الحركة الشعبية في الشمال والمنقذ الحقيقي لهذا الدعم تعبان دينق باعتبار ان لديهم موارد كبيرة من أموال البترول وهو في ولاية إستراتيجية وهي ولاية الوحدة ويعادي رياك مشارولذلك هذه الإقالة تعتبر تحالفاً مرحلياً بين سلفا ومشار والأول مهد لهذه الإقالة بعد ان انزل كل ولاة الولايات الحدودية المعاش في الجيش الشعبي وسحب منهم الرتب العسكرية وفصل أي تعامل بينهم وجنرالات الجيش بجانب إجراء عملية تنقلات واسعة في قيادات عسكرية مهمة تعطي الولاء لتعبان دينق حيث من المتوقع ان يجري ما جري لتعبان للولاة رزق زكريا وملونق.
ترشح مشار
سلسلة مترابطة من الجبهات فتحها سلفاكير ميارديت مؤخراً هو ينظر الي ان كرسيه يهتز من قبل نائبه رياك مشار الذي ينافسه وتيار اولاد قرنق الذي يعمل علي توتير العلاقة مع السودان.
بدا سلفاكير المعركة مع نائبه مشار مبكراً حيث اصدر قراراً جرد بموجبه الثاني من صلاحياته التنفيذية ومع الإبقاء علي مهامه الدستورية المنصوص عليها في دستور جنوب السودان وان حديث المجالس في جوبا يتداول بشأن صراع خفي بين الرجلين مع اقتراب الانتخابات المقبلة.
وخرج نائب رئيس دولة الجنوب رياك مشار للعلن واعلن عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في العام 2015م وقال مشار في مقابلة مع قناة الـ(بي بي سي) بمناسبة الذكري الثانية لاستقلال بلاده انه يامل في قيادة بلاده ومعالجة التحديات بنجاح بجانب مقابلة تطلعات شعب الجنوب وقال مشار ان الرئيس سلفاكير ميارديت اخذ ما يكفي من الوقت كرئيس وانه بحلول الانتخابات القادمة سيكمل عشر سنوات في منصبه لافتاً الي انه تجنباً للديكتاتورية والاستبداد وتجديداً لشباب الحزب وتعزيز الديمقراطية يتعين علي الرئيس ألا يقضي في منصبه أكثر من عشر سنوات.
وبين هذا وذاك أصبح المجتمع الدولي يراقب الأوضاع بحذر شديد خاصة إذا نظرنا الي تحذيرات رئيسة بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان هيلدا جونسون من مصاعب تطبيق الإصلاحات السياسية وتعزيز المؤسسات العامة وان هنالك إعاقة للتقدم السياسي بالبلاد.
سقوط اخر
وفي القائمة التي يستهدفها سلفاكير هذه الأيام كوستا مانيبي ودينق الور اذ قام بتقديمهما للمحاكمة وسحب حصانتهما ومنعهما من السفر بدون اذن مسبق باتهامات تتعلق بالفساد لدرجة ان باقان لم يستطيع السكوت عن هذه الخطوة وهو يري ان تياره يستهدف فيوضح النهار حيث قال باقان وقتها ان دوافع الرئيس في اتهام مانيبي والور كانت سياسة وحذر من ان هذه الطريقة ستتسبب في كوارث للدولة الجديدة وزاد هي أمراض قديمة ستتسبب في كوارث للدولة الجديدة وأشار باقان الي ان من قدمهم الرئيس للمحكمة يعارضون ترشحه للرئاسة مرة أخري.
وقال اموم ان مانيبي غير مسؤول من تحويل حوالي (8) ملايين دولار في حساب بنكي خارج البلاد بطلب من الوزير دينق الور وحذر اموم من ان مثل هذه القرارات ذات الدوافع السياسية ربما تولد التوتر والعنف.
الرأس الكبير
البعض يري ان الخطوة القادمة ستطال الرأس الكبير باقان اموم لأنه أصبح المهدد الأكثر قبولاًلمنافسة سلفاكير علي الرئاسة ولذلك اخرج سلفا في وجهه كرت الفساد حيث خرجت تسريبات بأن رئاسة الجمهورية ستحيل الأمين العام للحركة الشعبية باقان اموم للتحقيق في قضية ملكية شركة "فيفاسيل" للاتصالات.
باقان بدوره بدا المعركة مع سلفاكير مبكراً بتسديد انتقادات لاذعة له وقال أول أمس خلال ندوة عن مصير دولة الجنوب ان حزبه فشل في تجربة حكم البلاد في العامين الماضيين وأضاف ان ضعف البرامج الاقتصادية والأمنية والخدمية هو الذي ساهم وبصورة كبيرة في فشل التجربة الماضية.
كل هذه الانتقادات التي قالها باقان يعرف ان المقصود منها سلفاكير باعتباره في دفة القيادة طوال العامين الماضيين بعد الانفصال حيث أضاف قائلاً " في اعتقادي الشخصي لزاماً علينا كحركة شعبية مراجعة أنفسنا ولابد من التقييم لأننا فشلنا في كثير من الأشياء".
اقوي الانتقادات سددها باقان بتسديده السهام الي سلفاكير بالقول ان قرار تقديم كوستا مانيبي وزير المالية الموقوف بسبب التحقيقات لشبهة فساد مالي ومعه وزير مجلس الوزراء دينق الور دوافعه كانت سياسية.
التخلص من الخصوم
وفي تقرير حديث بموقع (ساوس سودان نيشن) كتبه اجاك بول اعتبر قرارات رئيس دولة الجنوب سلفا بسحب الحصانة من وزير شؤون مجلس الوزراء دينق الور ووزير المالية كوستا مانيبي هو جزء م خطة مثيرة للاهتمام تكشف جانباً من صراع السلطة داخل الحركة الشعبية.
ويري كاتب التقرير ان سلفاكير استخدم قضية الفساد للتخلص من القيادات التي اعتقد أنها تخلت عن دعمه في الصراع الدائر بينه وبين نائبه رياك مشار وباقان اموم لافتاً الي أن إيقاف الوزيرين متعلق بالمعركة الدائرة حاليا داخل ماكينة الحركة الشعبية أكثر من أنها قضية فساد مشيراً الي ان سلفاكير يعمل حالياً علي تمهيد الطريق لاستبعاد القيادات التي أعلنت سحبها لدعمه أو التي ظلت صامتة ولم تبد تأييدها له وتأتي في هذا الإطار التضحية بتعبان دينق وإقالته من ولاية الوحدة.
آخر السلسلة
البعض يري ان سلفاكير قد وضع خطة واضحة المعالم تبدأ بالعمل علي تثبيت حكمه وبسط سلطانه في الدولة الوليدة تقوم علي المستوي الداخلي بإسكات المجموعات التي تري انه لا يصلح لقيادة دولة الجنوب وانه لا يؤمن بمشروع السودان الجديد وهو شرع في هذا الأمر بشكل عملي بالتخلص من الور ومانيبي وهو يتحفز للقضاء علي باقان بذات الكروت السابقة الفساد حتي يوضح لمواطن الجنوب الذي أصبح ساخطاً بان رجالات الحركة باعوا المشروع ويسرقون قوتكم من أموال البترول.
سلفاكير أيضاً يسعي أيضاً لبناء تحالف خارجي قوي وهو يعلم انه بدون حدوث استقرار مع الخرطوم لن يتمكن من هذا الأمر ولذلك شرع في التمهيد للأمر بترتيب الولايات الحدودية وعزل تعبان دينق نموذجاً في طريق إبعاد الأشخاص المشاكسين من تلك الحدود مع الشمال والسعي لفك الارتباط مع مقاتلي الحركة الشعبية في الشمال دون حرق هذا الكرت المهم بشكل كامل ولكي يثبت للخرطوم انه يمكن ان يتعاون معها والخرطوم أيضاً قد تسانده في معاركه القادمة بالعمل علي إنعاش الجنوب اقتصاديا بفتح الحدود.
هي لعبة خيوط معقدة يريد سلفاكير أن يديرها بحكمة ولكن في أي وقت يمكن تتحول لشبكة ليسقط فيها الجنرال نفسه.

الأربعاء، 10 يوليو 2013

القاهرة والخرطوم.. الديمقراطية المزدوجة المعايير!

ليس هناك أدنى شك من أن ما جرى فى جمهورية مصر الشقيقة مؤخراً هو شأن داخلي بحت، ومن المفروغ منه أن ليس من حق أي بلد التدخل بأي نوع من أنواع التدخل فى شأن داخلي كهذا، غير أننا لا نستطيع كمراقبين أن ندع حدثاً كهذا يمر مرور الكرام، فالعبرة السياسية مما حدث واضحة وجديرة بالتأمل والتمعن التام فى كافة جوانبها وبإمكاننا إيجازها فى عدد من النقاط المهمة.
النقطة الأولى أن الديمقراطية المزعومة لم يعد لها تعريف واضح محدد، فحينما يتعلق الأمر بالإسلاميين فهي (محل نظر ومراجعة) وحينما يتعلق الأمر بأي فصيل آخر من معسكر ليبرالي مختلف فهي ديمقراطية. أمر على جانب كبير من التناقض والغرابة، فحكومة الدكتور محمد مرسي ومهما كانت أخطائها أو إخفاقاتها فهي حكومة منتخبة جاءت بإرادة شعبية وفق انتخابات نزيهة لم يطعن فى نزاهتها أحد.
الأمر هنا لا يتعلق بخروج الشعب المصري الى الشوارع، بقدر ما يتعلق (بالأخلاق السياسية) والمبادئ الديمقراطية لدى النخب والمثقفين وبعض دول الغرب التى (تغض النظر عمداً) حين تكون السهام موجهة الى صدور الإسلاميين.
لقد أعادة التاريخ نفسه كوقع الحافر على الحافر مما جرى فى دولة الجزائر فى العام 1992م، حين فاز التيار الإسلامي بثقة الناخبين فوزاً نظيفاً مستحقاً، ولكن تحرك الجيش بسرعة وبإشارة من الخارج وأجهض التجربة فى رحمها! من الصعب أن نتعامل مع الأمر –وقد تكرر للمرة الثانية– كأمر عابر أو وليد مصادفة عابرة فالمصادفات لا تحدث مرتين أبداً.
النقطة الثانية –وهي التى تهمنا أكثر– أن الديمقراطية قابلة للعبث واللعب بها بحسب (المزاج الغربي)، فالسودان الآن ورغم أن حكومته الحالية منتخبة في انتخابات نزيهة جرت مراقبتها محلياً ودولياً يعاني من عبث وإيذاء الدول الغربية له.
ما تزال الولايات المتحدة وبريطانيا وكل دول الغرب تعادي السودان لا لشيء إلا لأنه انتخب حكومة ذات توجه إسلامي. كل الذي يجري الآن فى دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق يجري بدعم وتشجيع دول الغرب والتي تقرّ ولا تنكر أن الحكومة السودانية منتخبة وأنها عقب الانتخابات أجرت استفتاء لتقرير مصير الجنوب واعترفت بنتيجته واعترفت بالدولة الجديدة، ومع كل ذلك لم تزل تعاني من مكايدات ومحاولات الإسقاط بالقوة.
ربما كان الفارق الوحيد ما بين الخرطوم والقاهرة، أن الجيش في القاهرة (وجد تشجيعاً) من الخارج وفعل فعلته التى فعل فى حين أن الجيش السوداني جيش وطني متوازن لا يخوض غمار السياسة كما خاضها الجيش المصري رغم كل الاحترام الذي يكنه الجميع له. أي ديمقراطية تلك التى يُسمح فيها للجيش بتبني (إعادة تشكيلها)؟
النقطة الثالثة أن العالم الغربي الذى يشتكي باستمرار من ما يسميه الإرهاب وهي الكلمة غير المعرَّفة سياسياً وقانونياً حتى الآن، إنما يفعل ذلك وهو يعلم أن من يصفهم بذلك مظلومون دون سبب. الغرب يعادي الإسلاميين مع أنهم يتمتعون بقاعدة جماهيرية، ولا تروق له مثل هذه الديمقراطية. الغرب يريد ديمقراطية اقصائية، أو أن يكون للإسلاميين فيها مقاعد خلفية بائسة.
إن ما جرى فى الشقيقة مصر يدعم بقوة فرضية الديمقراطية ذات المعيار المزدوج (Double standard) وهي سُبّة غريبة بمعنى الكلمة!

المعارضة السودانية ومأزق الديمقراطية فى مصر!

إن كان اعتبار الحكومة السودانية لما جرى فى جمهورية مصر شأناً داخلياً ومن ثم -وكشأن قواعد العلاقات الدولية- نأت بنفسها من الخوض فيه وإبداء الرأي احتراماً لإرادة الشعب المصري؛ فإن قوى المعارضة السودانية -لسوء حظها- وجدت نفسها فى مأزق سياسي كبير، ذلك أن الديمقراطية التى تتحدث عنها قوى المعارضة ليل نهار، بدت لها ديمقراطية غير معروفة المعالم والقواعد، واختلط فى ذهنها بالضرورة التفريق ما بين الشرعية الدستورية والشرعية الثورية.
لم تستطع قوى المعارضة -مع أن المجال بالنسبة لها رحباً وفسيحاً- أن ترفع صوتها عالياً رافضة (وأد الديمقراطية الوليدة) فى الشقيقة مصر. قوى المعارضة بهذا المسلك تلوي عنق الحقيقة وتسكت عن الحق؛ إذ أن الديمقراطية مهما كان تعريفها (شيء لا يتجزأ)، إما أن يتم قبولها كما هي أو أن لا تُقبل وليس هناك مجالاً لمنطقة (وسطى ثالثة).
قوى المعارضة السودانية يتمثل مأزقها فى أمرين: فلو أنها أيدت ما جرى فى مصر بدفن الشرعية الدستورية التى لا شك فيها، فمعنى ذلك أن عليها أن لا تكثر الحديث والمطالبة بديمقراطية فى السودان فالذي لا يؤمن بنتائج صناديق الاقتراع لا يملك الحق في المطالبة بها.
ولو أنها رفضت ما جرى فى مصر واعتبرته وأداً للديمقراطية فإن عليها أن تفعل ذات الشيء حيال الحكومة السودانية الحالية التى جاءت هي الأخرى -وفق انتخابات ابريل 2010م- بإرادة شعبية وعبر انتخابات عامة ومراقبة دولياً. ففي مثل هذه المواقف تتضح النوايا وتنفضح المبادئ.
ولهذا فإن ما جرى إن هو إلا ترجمة (مصرية) لواقع سوداني، فذات القوى التى تكالبت على حكومة الدكتور محمد مرسي واستدعت الجيش لمساندتها، هي نفسها القوى المعارضة التى تعمل الآن على إسقاط السلطة المنتخبة الحاكمة في السودانية عن طريق (العمل المسلح)!
والأمر بهذه المثابة فى محصلته النهائية متماثل، رفض، ومجرد رفض غير منطقي وغير مبرر لمنظومة حاكمة منتخبة شعبياً لها قاعدة جماهيرية معروفة ولها الحق فى الحكم طالما أن صناديق الاقتراع قررت ذلك. ولعل ما يمكن أن نستخلصه من كل ذلك أن هناك (عدة مفاهيم ومعايير) وليس معياراً موضوعياً واحداً أو مفهوماً موحداً للديمقراطية، وهذا أدعى لأن تعيد القوى المعارضة السودانية قراءتها للواقع السوداني بالاستفادة من العبرة المصرية، وأن تدرك أن الحل الوحيد للوصول الى السلطة هو صناديق الاقتراع إذ أن أي سلطة حاكمة مقبلة عبر صناديق الاقتراع معرّضة لذات المصير إذا لم تتسق مع مزاج البعض ولم تكن مرضياً عنها دولياً.
ولعل الأكثر مدعاة للأسف فى هذا الصدد أن المثقفين وكبار النخب فى الشقيقة مصر لم يروا في ما جري أي انتقاص من الممارسة الديمقراطية، وفى الوقت نفسه سببوا حرجاً بالغاً لنظرائهم فى السودان الذين أصبحوا فى مأزق تأييد ما حدث أم إدانته، وفى الحالتين فإن ذلك يمس منطقهم الديمقراطي.

الأحد، 7 يوليو 2013

سد النهضة

أشهد الله أنني أحب شرق  السودان حباً شديداً، ومن المؤكد أن هنالك أسباب بعضها معلوم، وأخر غير معلومة تسبب في ذلك الحب، شرق السودان بالنسبة للخرطوم إذا حاولنا أن نضع كل الخارطة السودانية في دائرة الضوء تكون مثل "خاصرة البعير" أي أضعف مكان في الجمل هذا المخلوق الذي يمتد طولاً وعرضاً أن الطعن في خاصرة البعير لا تشله وكفي ولكن تورده مورد الهلاك، ولئن كان الشرق يعاني من العطش والصحة والتعليم فذلك يرجع لتقصير الإنسان من استثمار ما حباه الله به من الثروات الطبيعية الماء العذب والأرض الخصبة ولو أحسن استغلالها لا نجوع فيها ولا نعري ولا نظمأ فيها ولا نضحي.
أدركوا تلك الجهة فهي بقرة حلوب أعطت ومازالت علي استعدد لمواصلة العطاء الوفير، وفوق هذا فإن القفزة التاريخية التي أنجزتها حكومة السودان مع الجارة إثيوبيا يمكن أن تحول تلك المنطقة إلي جنة الله في الأرض، هذا الكلام ليس فيه مبالغة وبوسع أي شخص يتاح له التجوال في إثيوبيا أن يشهد تصور سد النهضة الذي أصبح يتردد في أي حديث عن صحة دول حوض النيل في المياه ولأن الكلام بالمجان.
فلماذا لا يطلق العنان للقول، ولماذا لا يكون تسويق هذا المشروع الكبير وهو البضاعة الأكثر رواجاً؟
ولماذا لا يطالع الجميع أسطوانة "حوض النيل" التي تشكل إطاراً وعنواناً للنهضة التي نتحدث بها....فالشرق عرف بأنه "خصر الوطن" ولا داعي لإضافة تفسير لأن "التفسير" أحياناً يفسد النص، ولهذا فإن نهضة سكان السودان من الشرق.. وقد كسبت الحكومة السودانية أقوي شريك لها في حوض النيل وهي إثيوبيا، فقد كان ينبغي أن يكون من قبل مئات السنين ولكن قدر الله وما شاء فعل.
أن نافورة النيل هزمت كيد أعداء السودان الذين يعملون علي سد منافذ النهضة، ولكن إثيوبيا أعطت الشرق قبولها وسمحت بقيام السد/ وهكذا انتصرت الخرطوم علي الأعداء في الميدان وقطعت طريق المكر والتآمر، وبقيام هذا المشروع الضخم فإن السودان لو أمر الفلاحين فقط بالذهاب إلي الشرق فسوف يوفرون للمواطن السوداني لقمة الغذاء وقارورة الماء وكسوة الصيف والشتاء.
وعن "جمعية تداعي" سنحكي بإذن الله تعالي".

الخرطوم وجوبا: تكثيف التواصل الثنائي

لم يعلن عن مخرجات محددة من المباحثات رفيعة المستوي التي أجريت أبان زيارة الدكتور مشار للخرطوم مؤخراً، ومع ذلك فان الشعور العام يعكس ارتياحاً لمجرد إتمام الزيارة وهو ارتياح مستمد من الأجواء التي تمت فيها المباحثات وظهر تأثيرها من خلال تصريحات رئيسي الوفدين.
سار اللقاء على خطي اللقاءات السابقة التي التأمت بين الطرفين، مع فارق جوهري هو الغياب الحسي للوسطاء.
كانت أجندة اللقاءات السابقة من وضع لجنة الوساطة التابعة للاتحاد الأفريقي.. أما في لقاء طه مشار، فإن التناول المباشر للقضايا العالقة أتاح للجانبين حرية أوسع لطرح مواقفهما بكل وضوح وصراحة في ظل التجارب التي خاضها كل منهما في الفترة السابقة.
صحيح أن الوسطاء اضطلعوا بدور تسهيلي مهم في جولات التفاوض خلال تلك الفترة، ومع ذلك فإن التقدم الحقيقي في المفاوضات لم يكن يتم إلا في اللقاءات المباشرة التي تجاوزت الوساطة، وعلى رأس تلك اللقاءات اجتماعات القمة بين الرئيسين البشير وسلفاكير.
وإذا أصبحت اللقاءات الثنائية المباشرة هي المنبر الرئيسي لمفاوضات البلدين، كما أعلن في أعقاب لقاء طه – مشار، فان التقدم نحو حل القضايا العالقة سيحدث بخطي أسرع مما يحدث الآن.
أرسي لقاء طه – مشار مبدأ تكثيف التواصل الثنائي بين الدولتين الشقيقتين، وإذا سادت روح لقاء نائبي الرئيسين ذلك التواصل، فان المشكلات القائمة ستجد الحلول التوافقية لا محالة، وستتقلص الحاجة إلى تدخلات الوسطاء.
ما اتفق عليه في لقاء نائبي الرئيسين، في جملته، هو تأكيد على الالتزام بالاتفاقات المبرمة وبمصفوفة إنفاذها.
وقد يري البعض أن اللقاء، الذي حظي بترقب شعبي واسع، لم يأت بجديد.. لكنه – على أية حال – أزال قدراً كبيراً من الاحتقان في العلاقة بين البلدين، وأظهر رغبة قيادتي الدولتين وحرصهما على تطبيع العلاقات وإزالة العوائق من علي طريق المصالح المشتركة.
لقد خاطب اللقاء كل القضايا العالقة بما فيها القضايا التي تسبب الخلاف حولها في تعطيل منظومة الاتفاقات وحمل البيان الصادر عن اللقاء تأكيدات واضحة لالتزام كل بلد بالامتناع عن دعم المعارضين للبلد الآخر.
كما حمل التأكيد على أن الاتفاقات المبرمة تمثل حزمة متكاملة وأن تنفيذها يتم بالتكامل أيضاً.
ضعف الثقة كان دائماً هو المحك الذي تتعثر عنده مفاوضات البدين، ولقاء طه – مشار – فيما يبدو – استطاع أن يستعيد جزءاً مقدراً من هذه الثقة الضائعة.

مقترحات أمبيكي و وعد بلفور

عندما شاهدت (أمبيكي) الوسيط في النزاع بين دولتي شمال وجنوب السودان وهو يرقص (السامبا) و (الروك آندرول) مع (عمو إبراهيم) أدركت وقتها أننا أمام شخصية هزلية وذلك من خلال وقفته وإنحناءته في الصورة التي نشرتها إحدى الصحف الإقليمية بمناسبة فوزه بالجائزة و مقدارها ( خمسة ملايين ) من الدولارات التي يقدمها (عمو إبراهيم ) كل عام لأي رئيس دولة من العالم الثالث كان نهجه في الحكم ديمقراطياً ، وهذا ما توصلت له لجنة (عمو إبراهيم) عندما حكم (أمبيكي) جنوب أفريقيا بعد (نلسون منديلا).
والمعروف أن عمو إبراهيم مهندس من حلفا أضاف لجهاز الموبايل آلية وفرت عناء اللاسلكي .ٍ
الشاهد منذ أن تولى أمبيكي ملف القضية السودانية لم يحقق نجاحاً يؤكد أحقيته لتلك الجائزة ، وكان متحاملاً على الخرطوم ومتعاطفاً مع جوبا ، وتم حسمه أكثر من مرة ليعود إلى الطريق الصحيح ولكن سرعان ما ينقلب على عقبيه وكأنما هناك من يقوده بـ (الريموت) وليس هذا مستبعداً لأن أعداء السودان من الدول الكبرى يختارون دائماً لمثل هذه المهام شخصيات ضعيفة أمام الدولار مثل (أوكامبو) بـ(محكمة الجنايات الدولية) ... وليس هذا غريباً فقد كشف الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح في برنامج هذا الأسبوع بفضائية الجزيرة أن وزير خارجية أمريكا عرض عليه خمسة ملايين دولار ليتخلى عن موقفه المعارض لشن حرب ضد العراق والمحايد من صدام حسين عندما غزا الكويت ، فقال له صالح (ولا خمسة مليارات) .
من هنا فإننا مطالبون ما دام ليس هناك فكاك من أمبيكي المحصن بالإتحاد الأفريقي سوى أن ندقق في أي مقترحات يقدمها حتى لا نقع في استشكال قضية فلسطين وهو ( وعد بلفور) الصادر من مجلس الأمن ، والذي يطالب إسرائيل بالإنسحاب من (أراضي فلسطينية) في النسخة الإنجليزية ، بينما وردت الترجمة العربية من (الأراضي الفلسطينية) ولم ينتبه المفاوضون العرب وكذلك دبلوماسيوهم في المنظمة الدولية إلى فرق (الألف واللام) وتاهت القضية الفلسطينية عقوداً في هذا الفخ الذي نصبه اليهود بعناية لخصومهم .
نقلا عن صحيفة الرأي العام السودانية 7/7/2013م

جوبا تنتظر أن تمطر سماء السياسة ذهباً!

بالطبع وطالما كنا حيال عمل سياسي يُعرَّف بأنه فن الممكن فإن من غير العسير حل الخلاف السوداني الجنوبي مهما بلغت درجة تعقيده. والتاريخ البشري ذاخر بالعديد من الخلافات الصعبة التي أمكن فى النهاية حلها بعد طول يأس وقنوط، غير أنَّ للحل وتماماً كما لعدم الحل عوامل ومسببات ووسائل؛ وعوامل الحل معروفة لا حاجة لنا لاستعراضها، فكل ما هو مطلوب من جوبا أن توقف دعمها للمتمردين السودانيين وأن توقف رهانها غير الواقعي على إسقاط الدولة السودانية كثمرة ناضجة -كما تسقط ثمار المانجو البري لديها- على يديها!
ولكن من الجانب الآخر –وهو مقصدنا فى هذا التحليل– فإن مما يؤسف له أن جوبا رغم حاجتها الشديدة لعلاقات جيدة مع السودان ورغم الأثر البالغ الصعب التبعات لوقف ضخ نفطها ما تزال تتخذ وسائلاً تباعد بين إمكانية التوصل الى حل.
وإذا أردنا تِعداد هذه الوسائل المعرقلة لإمكانية التوصل الى حل فهي تتمثل في عدة أمور. فمن جهة أولى –وهذه هي النقطة المحورية الأكثر أهمية– فإن جوبا ما تزال حتى هذه اللحظة تنكر دعمها للمتمردين السودانيين.
والغريب أن الإنكار من تلقاء رئيس الدولة نفسه الرئيس كير، ففي تصريحات له الاثنين الماضي من الأسبوع الفائت عقب محادثات أجراها وزير الخارجية الارتري الزائر لجوبا أعادة الرئيس كير إنكاره بما يشبه فى الإجراءات القضائية الرجوع عن الاعتراف، أو الاعتراف المعدول عنه!
ذلك أن من المعلوم في أي شأن لمعالجة أي قضية أن يتم الإقرار بعناصرها المتسببة فيها، فالطبيب لا يستطيع معالجة مريض ينكر أعراض المرض التى يشعر بها هو بداخله.
كما أن الأدلة الموثقة التى قدمها السودان وسلمها للرئيس كير شخصياً والتي حوت فيما حوت محادثات هاتفية لا مجال للتنصل فيها، هي أدلة كافية لا يجدي معها الإنكار، ولو كان السودان غير حريص على معالجة الأزمة لما تكبد وزير الخارجية ورئيس جهاز المخابرات مشاق السفر الى جوبا وحمل الأدلة والأحراز القانونية وتسليمها للسيد رئيس الدولة شخصياً فى قصره الرئاسي تحت بصر وسمع مساعديه وفلاشات الكاميرات!
كان يكفي أن يتخذ السودان ما يود إتخاذه دون الحاجة الى مواجهة المتهم بالأدلة التي تثبت جرمه، ففي القوانين الدولية ليس مطلوباً من الدولة المتضررة أن تلفت انتباه الجانية الى (فعلها الإجرامي) فالأخيرة بالقطع تعرف ما ظلت تقترفه يداها، ولكن كانت تلك محاولة الفرصة الأخيرة بالنسبة الى الخرطوم إذ ربما أدركت جوبا خطورة موقفها وحسبت حساباتها بطريقة مختلفة وتراجعت.
وعلى ذلك فإن الإصرار على الإنكار واحداً من أهم العناصر التدميرية لإمكانية الحل. ومن جهة ثانية فإن (تثاقل) خطى جوبا حيال الحل نفسه هو أيضاً يشي بأنها لا ترغب وليس لديها الإرادة السياسية للحل، فقد كان الأمر المتوقع أن يطير الرئيس الجنوبي على الفور ويحط رحاله فى الخرطوم، ويحسم الأمر طالما انه كما قال الوزير الارتري لا يرغب فى الحرب ولا في إلحاق الأضرار بعلاقات البلدين.
لقد بدا واضحاً أن نائب الرئيس كير الدكتور مشار كان يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، حتى مضى أكثر من أسبوع ولم تتحرك جوبا -ولو خطوة واحدة- لحل الأزمة وهذا يعني بكل بساطة أن جوبا ما تزال تلعب دور (البريء) والمظلوم، وهو عنصر ضار أبلغ الضرر بالحل.
من جهة ثالثة، فإن جوبا تراهن على عاملين مؤثرين لا يلقيان بأعباء والتزامات صعبة عليها: العامل الأمريكي باعتباره الأكثر حسماً، والعامل الصيني، باعتبار أن بكين ربما تضغط على الخرطوم – سياسياً وتقنعها بمراعاة مصالحها كمستثمر وهو ما ظلت تراقبه جوبا في غبطة وسرور.
هذه العوامل تشير الى أن جوبا غير راغبة فى الحل وحتى ولو كانت راغبة فهي غير قادرة، فهي فقط تنتظر سماء السياسة أن تمطر ذهباً!

الخميس، 4 يوليو 2013

الخلافات تجبر فصائل دارفور على الفرار من مناطق بجنوب كردفان

بدأت فصائل دارفور المنضوية تحت ما تسمى بالجبهة الثورية في الخروج من مناطق تواجدها بعدد من الجيوب التي ينشط فيها المتمردون بولاية جنوب كردفان بعد تفاقم الخلافات بين المتمردين والسكان والمحليين ، وذلك على خلفية الاشتباكات الأخيرة التي دارت وأدت لمقتل وجرح العشرات.
وأبلغت مصدر مطلع المركز السوداني للخدمات الصحفية أن قوات الجبهة الثورية تحركت على متن (52) عربة من مناطق تواجدهم في (كتل وجلد) متوجهين إلى دارفور بعد الإشتباكات مع أبناء النوبة (المورو) على خلفية الشكوك حول استيلاء متمردى دارفور على الأموال والممتلكات المنهوبة من مناطق أبوكرشولا وأم روابة مؤخراً، فضلاً عن طبيعة المنطقة الجبلية ودخول فصل الخريف الذي يعيق حركة القوات.
وكانت الإشتباكات بين قوات الجبهة الثورية وأبناء النوبة قد وقعت بعد دخول متمردى دارفور بعضقرى أبناء النوبة في مناطق أم دورين.
وأوضح المصدر أن قوات الجبهة الثورية أثناء هروبها من المنطقة في طريقها إلى دارفور بالهجوم على عدد من القرى بهدف نهب الممتلكات والمؤن الغذائية من المواطنين.

واشنطن تحصد ما غرسته فى جوبا!

من الغريب حقاً والمدهش فى آن واحد أن تعرب واشنطن عن ما وصفته (بقلقها) من تصاعد الخلافات بين قيادات الحكومة الجنوبية، على خلفية الاتهامات بالسرقة التى طالت إثنين من كبار المسئولين من الصف الأول هناك.
مكمن الدهشة -فى هذا الشعور الأمريكي بالقلق- أن المسافة التى تقف فيها واشنطن فى جوبا من كابينة القيادة تتيح لها الاستمتاع والمشاهدة ليس منذ اليوم الأول أو الأمس ولكن منذ أن تم التفكير فى خلق دولة جنوبية منفصلة تماماً عن السودان باستغلال حق تقرير المصير.
ولا يمكن بحال من الأحوال أن تكون واشنطن (غير مدركة) بما يجري هناك وما قد يجري ولهذا فإن السؤال فى الواقع إنما يتعلق بما إذا كانت واشنطن انغمست تماماً -منذ انفصال الجنوب- فى تأجيج الصراع الجنوبي السوداني ليحسم لصالح الدولة الوليدة غافلة عن الصراع الجنوبي الجنوبي؛ أم أن واشنطن كانت تلعب لعبة مزدوجة؟
الواقع من الصعب الإجابة على هذا السؤال بطريقة قاطعة ولكن هناك عدة مؤشرات يمكن الاستدلال بها على أن واشنطن أسرفت فى تأجيج الخلاف بين جوبا والخرطوم بحيث لم يتحمّل (الجسد الجنوبي العليل أصلاً) أشواط الصراع فأصبح (الفريق الواحد) هو نفسه ضحية الصراع.
المؤشر الأول أن واشنطن بدت وكأنها تختط ذات نهجها المعروف فى تعاملها مع إسرائيل بحيث تعتبر أن جوبا دائماً على حق. وهذا النهج - وإن صلح مع إسرائيل لكن الأخيرة تملك وسائل حاسمة فى صناعة القرار الأمريكي كما هو مثبت ومعروف فإنه دون شك صعب إن لم يكن مستحيل أن يصلح فيما يتعلق بدولة جنوب السودان، فالفارق بالطبع شاسع بين النموذجين أدناه لأن جوبا لا يمكنها العيش –ولو لثانية واحدة– دون الشريان السوداني، فحاجة جوبا للخرطوم هي بالضرورة حاجة واشنطن لكليهما معاً.
لا يمكن لواشنطن أن تأخذ جوبا وحدها هكذا، تفعل بها ما تشاء وشريان ووريد جوبا ملتصق بالخرطوم! هذا الأمر أنسى واشنطن وضع اعتبار تقاطع المصالح فى كابينة القيادة فى جوبا والعامل القبلي والمنطلقات السياسية.
والغريب هنا أن واشنطن بات يتعين عليها إعادة (ترميم) القيادة الجنوبية وضمان تماسكها حتى تواصل سيرها من جديد فى الصراع الجنوبي السوداني، مع أن هذا الصراع كان محتماً أن يقود الى صراع جنوبي جنوبي داخلي، وهذا ما حدث الآن.
المؤشر الثاني أن واشنطن تحمِّل جوبا (فوق طاقتها) بهذا الدفع المتواصل نحو الصراع مع الخرطوم فلربما يقع صدام على مستوى القيادة تكون أداته الجيش الشعبي -وهو أمر وارد- وربما تحتقِن الأمور لدرجة الإطاحة بالرئيس كير وهذا لن يكون فى مصلحة واشنطن بأي حساب حسبناه أو ربما تريد واشنطن التخلص من بعض الذين يعرقلون مسيرة الرئيس كير وهذا لن يحل المشكلة جذرياً لأن الصراع سيولد المزيد من الصراعات وسوف تنفتح شهية المغامرين هناك إذا رأوا الأمور تمضي على هذا النحو.
المؤشر الثالث أن واشنطن ربما أوكلت -دون إرادة منها- أمر دولة الجنوب الى حليفتها إسرائيل والأخيرة لا تعرف فى قاموسها السياسي أصدقاء أو حلفاء، تعرف مصالحها فقط حتى ولو تقاطعت مع مصالح واشنطن وخير دليل على ذلك استمرار دعم المتمردين ضد الحكومة السودانية رغم مضاره الإستراتيجية على جوبا من جهة، وواشنطن هي الأخرى من جهة أخرى لأنه يخلق حالة عدم استقرار لا تتيح لواشنطن مراعاة مصالحها.
وهكذا، فإن من الممكن القول إن إسراف واشنطن وإسرائيل فى ممالأة جوبا وإشعارها بأنها أقوى من السودان، بدأ يعطي نتائج عكسية ربما لم تكن فى الحسبان وهو أن القادة الجنوبيين تصادموا فى الكابينة القيادية فى جوبا بسبب السودان.

الأربعاء، 3 يوليو 2013

مؤشرات ضبط مؤن أجنبية فى أبو كرشولا!

لم تزد الأنباء الموثقة التى أوردتها وكالة السودان للأنباء (سونا) حول ضبط مؤن لمنظمات وجهات دولية فى مخلّفات حرب منطقة أبو كرشولا بولاية جنوب كردفان عن كونها أضافت (أدلة) إضافية لجريمة دولية معروفة ومثبتة.
فمن الطبيعي والمعلوم بالضرورة منذ بداية الحرب الداخلية المستعرة فى أنحاء السودان أن العامل الأكثر تأجيجاً وتسعيراً لها هو العامل الأجنبي الخارجي.  هذه الفرضية تجاوزتها الأحداث، فالمحرك الرئيسي لكل ما يجري فى السودان هو محرك أجنبي له أهدافه الخاصة جداً والتي لا يشاركه فيها الأشقياء الذين جعلت منهم هذه الجهات الدولية وقوداً للحريق.
وقد كانت هنالك عدة إشارات على أن ما تشنّه الثورية من هجمات هو عمل خارجي محض وإن تم بأيدي متمردين سودانيين.
المؤشر الأول الآليات وعربات الدفع الرباعي الحديثة والتي تمت بها الهجمات، فهي مشتراة بتمويل أجنبي لأن من غير المتصور أن يقوم متمردون بشراء سيارات بهذا القدر وبهذا الحجم (من جيوبهم الخاصة) ويتم شحنها لهم مباشرة الى مقر الهجوم!
من المفروغ منه أن هنالك (جهة ما) تشتري هذه السيارات من الشركات المعنية وتقوم بشحنها ببوليصة شحن تحمل جنسية لدولة معينة ومحطة وصول بدولة معينة (ميناء) ومن ثم يتم تسيلمها رسمياً بواسطة تلك الدولة ليستخدمها المتردون.
هذا الأمر ظل يتم منذ أزمة دارفور. حركة خليل اشترى لها القذافي مئات السيارات التى هاجمت بها أمدرمان مصحوبة بمدافع محملة عليها. حركة عبد الواحد تشحن لها إسرائيل من إيلات مئات السيارات والمدافع الخفيفة الحديثة لتمر عبر كينيا وتحط رحالها فى كمبالا، ثم تؤخذ براً الى الجنوب ومنه الى دارفور.
هذه أمور أصبحت معروفة ومألوفة وهي فاتورة مؤجلة فى رقاب المتمردين بكمبيالاتها وفوائدها ومستحقاتها الأخرى، غير أن ما يمكن أن يلفت الانتباه بشأن ما جرى فيها من فظائع لم يكن فقط مجرد هجوم لأغراض تكتيكية.
لقد بدا واضحاً أن هنالك (هدفاً استراتجياً) يقضي بأن تتم السيطرة على المنطقة واحتلالها بصفة دائمة. ولهذا شهدنا كيف تخلصت الثورية من أي عناصر مناوئة لها بسرعة، وتركت مواطني المنطقة يهربون ويفرون بجلدهم وقامت بحشد كل قواتها وعتادها فى المنطقة.
كل هذه الترتيبات كانت مؤشراً على نية احتلال دائمة وهذا يفسر لنا وجود هذه (المؤن) بتلك الكثافة ودون مواربة، ففي حسابات الذي زوّدوا الثورية بتلك المؤن أن هناك استحالة فى إمكانية استعادتها بواسطة الحكومة السودانية وأغلب الظن أن حسابات وعوامل المناخ، وفصل الخريف، وهطول الأمطار مع صعوبة الحركة والتكتيك كلها عناصر تعيق استرداد المدينة، ولهذا جاء اللعب بالمكشوف.
الأمر الثاني إن من المحتمل أيضاً – كما رأينا فى أحداث جرت من قبل فى النيل الأزرق – أن يكون من بين المتمردين عناصر أجنبية (مرتزقة) يعملون ضمن قوات المتمردين، ولهذا جاءوا يحملون (زادهم) فهم غير معتادين على الطعام المحلي!
وهكذا، يمكن القول إن السودان لا يواجه تمرداً مسلحاً يستهدف فقط سلطته الحاكمة؛ هنالك (عمل خارجي) واسع النطاق يجري لنيل هذه الثمرة السودانية الناضجة بأي ثمن!

خلافات الثورية.. الحقيقة المحتومة!

كأمر متوقع ربما يصل الى درجة الحتمية فإن الخلافات سرعان ما بدأت تدب بين ما يسمى بالجبهة الثورية والأحزاب السياسية السودانية المعارضة. ففي أحدث أنباء تحصلت عليها (سودان سفاري) من مصادر مطلعة داخل مكونات التحالف، فإن المتمرد عبد العزيز آدم الحلو وجّه انتقادات لاذعة للأحزاب المعارضة بحكم الرباط الذي جمعهم فيما يُسمى بميثاق الفجر الجديد.
الحلو وهو يلعق جراحه المحشوة بملاح الهزيمة التى تلقاها فى أبو كرشولا أفصح عن نوايا حقيقية حيال حلفائه السياسيين، وأصابه حنق كان ولا يزال هو أحد أبرز ما يعتمِل فى نفسه حيال المكونات السياسية للثورية فوجّه إليهم جامّ غضبه المشوب باليأس وقلة الحيلة وربما نسي الحلو وهو أصلاً لا يعد فى زمرة الساسة وإنما هو مجرد سافك دماء لمع نجمه على أيام الراحل قرنق فى تنفيذ مهام الاغتيالات الصعبة أن ما فعله بحرابه المسمومة فى أبو كرشولا ذبحاً وتقطيعاً وتعليقاً على سِنان الجزارات لرجال من مختلف الأحزاب السياسية سوف يجرّ عليه عاجلاً أم آجلاً غضب حلفائه السياسيين، فى الداخل.
هناك مصادر أخرى تقول ايضاً إن الحلو شعر بأنه (وحده) ضحى كثيراً وواجه الدماء والرصاص باعتباره قائد العمليات التى جرت وخوفاً من أن يُوصم بأنه فشل في كسب المعركة، فإنه بادر بشنّ هجوم ليس فقط على حلفائه من السياسيين فى أحزاب الداخل، ولكن طال هجومه حتى رفاقه وأبرزهم مالك عقار الذي وصفه بأنه فشل في فتح جبهة موازية ومتزامنة مع الهجوم على أبو كرشولا فى جنوب النيل الأزرق.
وفيما يبدو أن الخطة كانت تقتضي قيام المتمرد عقار بفتح جبهة متزامنة فى النيل الأزرق تخفف من الضغط على الحلو  فى جنوب كردفان وإرباك الجيش السوداني تماماً.
ومن المؤكد أن الحلو إزداد غيظاً أكثر حين رأى زعيم حزب الأمة القومي السيد الصادق المهدي يعلن عبر حشده الجماهيري الأخير مفارقة الثورية على نحو ضمني، وصل مضمون الرسالة منه الى ذهن الحلو فآلمه غاية الألم.
إن أزمة الثورية فى الواقع هي أزمة تحالف لم ينشأ على أسس متجانسة. الحلو وعقار وعرمان كانوا يريدون استخدام الأحزاب السياسية المعارضة كغطاء سياسي؛ مجرد جواد يتم اعتلاء ظهره لعبور النهر.
الأحزاب المعارضة شعرت بأنها لا تستطيع تقديم (مساعدة) من أيّ نوع فى معركة اتسمت بسفك الدماء غزيرة وذبح وتقتيل فيكفيها ما لاقته وعانته من وثيقة الفجر الجديد؛ كما اتضح لها أن الحلو ورفاقه لو قُدر لهم الوصول الى الخرطوم فإنهم سوف ينصبون (مسلخاً) للجميع، بحيث لن ينجو أحد، ففي النهاية فإن الهدف هو تمكين الثورية بأبعادها العنصرية من السلطة وبسط سيطرتها عبر قواتها المختلفة على البلاد.
لقد كان إذن من المحتم أن تقع الخلافات وتزداد وتيرتها كلما ترامى إلى مسمع الجميع أن جوبا تقترب من الخرطوم وتتقارب معها وأن من الممكن أن تضطر جوبا فى يوم ما -لدواعي مصالحها- لبيع الحلو وعقار وعرمان فى (طرف السوق) بأبخس ثمن!

الاثنين، 1 يوليو 2013

واشنطون- جوبا.. اللعب علي كرت التطبيع

ألغت الإدارة الأمريكية بلا مقدمات زيارة مساعد رئيس الجمهورية نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني د. نافع علي نافع لواشنطون وقالت دوائر الإدارة إن أسباب إلغاء زيارة المسؤول الرفيع في حكومة السودان هي تراجع عملية السلام مع دولة الجنوب وإلغاء الخرطوم اتفاقيات التعاون بعد هجوم الجبهة الثورية علي مناطق أم روابة وابوكرشولا واتهام الخرطوم لحكومة جنوب السودان بدعم الجبهة الثورية وتمكينها من احتلال مناطق في عمق الشمال.
تعليق زيارة نافع لواشنطون أو إلغاؤها لا فرق بدا غير مبرر سيما أن واشنطون ربطت أسباب إلغاء الزيارة بتعليق الخرطوم لاتفاقيات التعاون مع الجنوب ويرى مراقبون أن واشنطون أصبحت تعول علي حكومة الجنوب كمخلب قط في المنطقة لتنفيذ أجندتها وزعزعة استقرار الأوضاع في الشمال بالعب علي ورقة القضايا العالقة بين البلدين.
مطلوبات واشنطون لتطبيع العلاقات مع الخرطوم متحركة باستمرار وتضم قائمة من المطلوبات الجديدة ولكن إلغاء زيارة نافع لواشنطون التي يفترض أنها ستناقش قضايا التطبيع كشفت عن ارتفاع سقف المطلوبات لتشمل أول مرة علاقة الخرطوم بجنوب السودان ولكن الإدارة الأمريكية أصبحت ذات علاقة وثيقة بدولة جنوب السودان الوليدة لدرجة أنها تربط تطبيع علاقتها بالخرطوم بإلغاء الأخيرة لاتفاقيات التعاون وتراجع فرص السلام مع الجنوب لأسباب ليست خافية علي جميع اللاعبين في المنطقة.
واشنطون وجوبا تلعبان إذن علي كارت التطبيع في مواجهة الخرطوم التي لا تخفي رغبتها في تطبيع علاقتها بواشنطون وجوبا ولكن الوطني قلل من تأثير إلغاء زيارة نافع وحسب دوائر ذات صلة بالمكتب القيادي للحزب فان نافع لم يطلب أصلا أي زيارة ونما واشنطون هي من قدمت الدعوة للحزب ولنافع كممثل للحكومة والمؤتمر الوطني ويرى مراقبون أن جماعات الضغط في الكونغرس واللوبيات اليهودية في العاصمة الأمريكية تمكنت باستمرار من تخريب علاقات  إدارة اوباما مع الخرطوم بالسودان باستغلال الملفات العالقة مع دولة جنوب السودان ولكن هل الإدارة الأمريكية راغبة فعلا في عودة العلاقات إلي طبيعتها مع الخرطوم.
يشير د. عوض السيد الكرسني أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم إلي أن السودان ليس في حاجة لتطبيع علاقته بأمريكا لأنه تمكن منذ سنوات طويلة من بدء المقاطعة الاقتصادية في العام 98 علي التعايش مع المقاطعة وظروف الحصار الاقتصادي الذي شمل قطاعات ذات اثر مباشر علي الحياة العامة في البلاد كقطاع الطيران المدني.
في سياق العقوبات وضعت واشنطون السودان ضمن قائمة وزارة الخارجية للدول الراعية للإرهاب في العالم برغم تعاون السودان غير المحدود مع المخابرات الأمريكية علي ملف مكافحة الإرهاب الذي استمر أكثر من عشر سنوات علي عهد مدير المخابرات السابق الفريق صلاح عبد الله قوش ولكن واشنطون لن ترد الجميل للخرطوم في أي مرحلة بل تلقت الأخيرة لطمات قاسية علي الوجه وكشف التدخل الأمريكي في ملفات السودان عن سوء تدابير الإدارة الأمريكية السابقة التي تولت ملف السلام مع الجنوب كونها سعت منذ البداية لإقناع منبر شركاء الإيقاد بضرورة النصح علي تقرير المصير لجنوب السودان عبر وضع نصوص مفخخة في اتفاق نيفاشا مثل الوحدة الجاذبة.
لن تعود العلاقات مع واشنطون لطبيعتها علي الأقل قبل نهاية فترة الرئيس اوباما العام 2014م والي حين قيام الانتخابات الأمريكية التي ستحمل رئيس آخر للبيت الأبيض فان الخرطوم ستظل علي الأرجح في تفاوض مستمر مع دولة جنوب السودان وسعي مستمر أيضا لتحسين العلاقات مع واشنطون ولكن عبر بوابة الدولة الوليدة في الجنوب.

الخرطوم وسياسة سد المنافذ وصيف عبور جديد!

لو نجحت الحكومة السودانية فى إغلاق الجبهة الجنوبية تماماً كما أحكمت إغلاق الجبهة الغربية المتمثلة فى دولة تشاد، ثم أعادت إحكام الجبهة الشرقية متمثلة فى اريتريا وإثيوبيا؛ فإن الثورية وقطاع الشمال لا محالة سيصبحان أثراً بعد عين.
ومن الملاحظ هنا أنه وفى الوقت الذي أمسكت فيه الخرطوم جوبا من (ساعدها الذي يؤلمها) بمنع مرور النفط وإحكام إغلاق الصنبور بقرار سوداني، فإن الخرطوم سارعت فى ذات الوقت لإعادة إحكام الحدود الشرقية حتى تتفرغ فيما يبدو للجبهة الثورية، إما بمواجهة حاسمة لا مفر منها وإما عبر عملية سياسية تثوب فيها جوبا الى رشدها وتلتزم بقواعد اللعب الدولي ومقتضيات حسن الجوار.
هذه الخطة السودانية -غير المعلنة ولكنها مبذولة ومتاحة لمن يقرأ ويتابع- لا تخلو من حذاقة وذكاء أكسبتها لها الأحداث والمفاجآت التى ما فتئ أعدائها يلاحقونها بها. فقد أدرك صناع القرار فى الخرطوم أن من الاوفق سد المنافذ أولاً وتجفيف (أماكن توالد اليرقات) وهذا تطور استراتيجي هام للغاية إذا كنا بصدد دولة تحاول بناء نفسها ولكن الحروب تعيقها وتذري الرياح ما تبني.
فإذا خصمنا من مجموع التحديات السياسية التى تواجهها الدولة السودانية قوى المعارضة الحزبية الداخلية والمتمركزة بصفة أساسية فى الخرطوم على أفضل الأحوال باعتبارها قوى حزبية متآكلة - لسبب أو لآخر- وما تزال أسيرة ماضي لن يعود ولا تملك أدوات جماهيرية للفعل السياسي، فإن ما يتبقى للحكومة من تحديات ينحصر بصفة خاصة على جبهتين :
جبهة غرب السودان المتمثلة في دارفور وجبهة الجنوب السوداني المستحدث ممثلة فى جنوب كردفان وبعض تخوم النيل الأزرق. ويمكن أن تنحصر هذه الجبهة فى ما يسمى بالجبهة الثورية المكونة من قطاع الشمال وحركات دارفور المسلحة.
الجبهة الثورية هي صناعة جنوبية سواء تمت فى كمبالا أو فى جوبا فالمواد الخام والماكينات كلها جنوبية حين أدركت جوبا أن قطاع الشمال غير قادر (لوحده) على القيا م بالمهمة بعد هزيمة الحلو فى جنوب كردفان وهزيمة عقار فى النيل الأزرق، جرى التفكير فى صناعة (خطة عسكرية) على طريقة (خلطة الأعشاب) الأفريقية المعروفة.
كان الخاسر الأكبر فى هذا الحلف هو حركات دارفور المسلحة، لأن الهزائم المتكررة التى مُنيت بها الثورية وآخرها هزيمة أبو كرشولا حُسبت على هذه الحركات الدارفورية -فهي جزء منها- وهذا بدوره جعلها تفقد قادة مهمين مثلما حدث لحركة العدل والمساواة التى انشق عنها عدد مقدر جراء حالة التوهان والتذويب الفاشلة فى الثورية، ولعل أفضل ما يؤكد تألم حركة العدل من الانشقاق قيامها بتصفية المنشقين على طريقة (عليَّ وعلى أعدائي) فهي خسرتهم برصاصاتها حتى لا يستفيد منهم خصومها وما درت أنها بذلك فتحت باب الانشقاقات المتوالية على مصراعيه، وتجاهلت التداعيات القبلية الخطيرة وقضايا الثأر والانتقام.
إذن أمام الخرطوم فقط مواجهة الجبهة الجنوبية وهو ما تفرغت له تماماً حين تأكدت من تأمين بقية المنافذ، ويبدو أنه (صيف عبور) جديد رتبت له بعناية متزامناً مع عمل سياسي شاق مع جوبا أمسكت الخرطوم بأوراقه جيداً في يديها من اللحظة التى قررت فيها غلق صنبور النفط الجنوبي وتركت جوبا (تقوم ولا تقعد).
ومن المؤكد أن صنبور النفط الجنوبي بات هو المفتاح السحري والشفرة الخطيرة لإرغام جوبا على إغلاق الجبهة الجنوبية تماماً إذا أرادت الحياة وهذا سيترتب عليه عاجلاً، تمزق الثورية، ففي السياسة وحالما يجف الضرع تنتهي تماماً عملية النمو ويبدأ الجسم فى التراجع والتدهور.
الثورية لن تعيش طويلاً بعد هذه المعطيات حتى ولو احتضنتها كمبالا، فالأخيرة لا تجمعها حدود مباشرة مع السودان وهناك محاذير إستراتيجية تحول دون حلولها محل جوبا. باختصار وضع السودان منشاره القاسي والحاد على العقدة الأمنية والسياسية وبدأ فى عملية النشر والتقطيع!

مشار في الخرطوم .. للنفي أو التطمين

تفاؤل بدا يكتنف دوائر الخرطوم ومجالسها، وربما حواريها، على خلفية تجديد حكومة الجنوب على زيارة د.رياك مشار نائب الرئيس في محاولة لإنقاذ الاتفاق بين البلدين، ونقلت تقارير اعلامية عن برنابا مريال بنجامين وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم حكومة جنوب السودان تصريحه عن أن زيارة مشار تأتي ضمن اتفاق مسبق بين الرئيسين البشير وسلفاكير على تكوين لجنة عليا مشتركة يرأسها من جانب جوبا رياك مشار ومن جانب الخرطوم علي عثمان طه، كاشفاً عن مرافقة رياك وفد رفيع من وزراء حكومة الجنوب.
ارتياح الخرطوم واندياحها مع برنامج الزيارة وتوقعاتها حيال النتائج بدا مرتبطا الى حد بعيد بسيرة الرجلين التي تتسم بالحكمة وقدرتهما التفاوضية في كبح جماح العدائية والانفلات التفاوضي المعطل للعديد من الاتفاقات..
المراقبون اعتبروا أن مبررات التفاؤل غير مرتبطة البتة بشخصية الطرفين بقدر ارتباطها بتوقيت الزيارة والبيئة المشحونة التي تحيط بها والضغوطات التي تخضع لها الدولتان جراء ظروفهما الداخلية وحاجتهما لانقاذ اتفاقات التعاون، ويشيرون الى تصريحات وزير اعلام الجنوب وتوقعاته حيال الزيارة وقوله إن الزيارة يمكنها النظر في القضايا الخلافية، وأن ملف النفط لا يزال معلقا بين الخرطوم وجوبا ولم تحدث فيه اختراقات، معرباً عن أمله في الحل وأن الخلاف ليس أمرا مستعصيا. وأكد الوزير أن بلاده راغبة في حل خلافاتها مع الحكومة السودانية عبر الحوار والتفاوض وأنه لابد من استثمار الوقت لصالح أعمال إيجابية.
تجديد اعلان زيارة رياك مشار اعتبرها الكثيرون حفظاً لماء وجه الخرطوم، بعد اهدارها له بخطأ دبلوماسي تكتيكي فادح، ويذهبون الى أن اعلان الخرطوم اغلاقها لانبوب النفط ما دفع جوبا لتسمية نائب رئيسها للتفاوض مع الخرطوم وبالتالي فإن الاخيرة في الموقف الأفضل سياسياً، ليتجلى الضعف في اعلان الخرطوم قبولها مقترحات الوساطة قبيل اعلان جوبا وقبل وصول رياك مشار للخرطوم ، ما خلق تشويشاً في قراءة وتفسير تأجيل زيارة مشار أو تأخرها، بيد أن تجديد الاعلان مثل انقاذاً سريعاً لخطأ الخرطوم..
مخاوف كثيرة اكتنفت الخرطوم الرسمية من جراء أن تكون زيارة الرجل محملة على أجندة خلافاته مع الرئيس سلفاكير بحثاً عن تحالف يقيه وطأة العزل والتجريد من الصلاحيات التي اعلنها سلفاكير في حقه خوفاً من منافسته انتخابياً، وهو الامر الذي رجحه متشائمو الحزب الحاكم وأعتبروه ظاهراً للعيان، متوقعين أن يشكل الصراع الجنوبي الجنوبي معوقاً أمام احداث اختراق حقيقي في ملف الازمة لصالح الاستخفاف والتقليل من وزن مشار ..
دوائر صنع القرار في الدولة الجنوبية بدت مدركة لتخوفات رسميي الخرطوم ، وكشفت عن أن سقف التفاوض الممنوح لرياك مشار أكبر مما تسرب عن خلافاته مع قيادته، وهو ما اكده بنيامين بتوضيحه بأن مشار يأتي إلى الخرطوم بأمر مجلس وزراء حكومة بلاده وبتفويض مباشر من المجلس وينبغي على حكومة الجنوب أن تحترم قراراتها وتلتزم بما يتوصل إليه مفوضها رياك مشار.
مشار بحسب المحلل السياسي والقيادي الاتحادي صلاح الباشا يحظى بتقدير خاص في الخرطوم ووضعية مميزة في نفس الرئيس البشير ونائبه الأول علي عثمان طه، بحكم الصدقية التي يتمتع بها بالاضافة لمشاركته الانقاذيين منذ وقت مبكر وسبق ذلك أن أمتهن التدريس بكلية الهندسة جامعة الخرطوم، وله علاقات تاريخية رسمية وشخصية مع القيادة السياسية السودانية حيث شغل مناصب عدة أبرزها منصب مساعد الرئيس البشير عقب توقيعه اتفاق الخرطوم للسلام مع الحكومة السودانية في العام 1997م، بالاضافة لعدم مشاركته ضمن لجان التفاوض تحت لواء الوساطة الافريقية التي يتم النكوص عن اتفاقاتها ..
البرلمان السوداني في شخص نائب رئيس مجلس الولايات د.اسماعيل الحاج موسى ، أبدى تفاؤله عن اختيار الجنوب لمشار في التفاوض مع الخرطوم حول الازمة الاخيرة ، واعتبر موسى في حديثه لـ(الرأي العام) أن الزيارة المشارية تأتي لتقريب وجهات النظر بين الطرفين وكبح جماح الازمة الحالية ، باعتبار أن الخرطوم وجوبا لا يمكنهما الاستغناء عن بعضهما بحكم الجغرافيا والتاريخ والحدود المشتركة التي تعد من أطول الحدود بين دولتين .. وقال( ما يضاعف أهمية زيارة مشار كون الدولتين تحتاجان لتركيز جهودهما على قضايا التنمية باعتبارها القضية الاهم والاحوج للجهد ، وهو ما لا يحدث بدون استقرار وبدون سلام بالتالي فالزيارة ذات أهمية قصوى).
وحمّل نائب رئيس برلمان الولايات الجنوب مسئولية تردي الموقف وتدهوره واعتبره مصدر الزعزعة والمبادرة بالتحرش فارضاً على الجنوب وجوب الامتنان للحكومة الحالية لأن الجنوب ومنذ الاستعمار لم يتم منحه حق تقرير المصير الا من الانقاذ التي التزمت بوعودها في الاستفتاء وفي الاعتراف بالنتائج وبالانفصال وبالدولة الجديدة، وقال( في المقابل لم يفِ الجنوب بأي وعد).
اسماعيل توقع بروز نتائج ايجابية للزيارة مراهناً في ذلك على شخصية مشار الوفاقية والمقبولة من القيادة السودانية وكونه محل ثقة مقارنة بغيره من مفاوضي الجنوب، واصفاً مجيئه للخرطوم بأنه يأتي لمزيد من الحوار والتفاهمات ولإعادة ترتيب الاولويات التي ترى الخرطوم الأمن في مقدمتها ، بينما يراها الجنوب نفطاً وانابيب، وتوقع أن تحمل حقيبة الرجل ما يطمئن الخرطوم على ايقاف الدعم أو تبرير لما تم سابقاً ، بالاضافة للاتفاق على منح أبيي وقتها كاملاً كقضية دون تعجل في حسم ملفها .
من جانبه اعتبر الباشا أن الزيارة تأتي لاحتواء الموقف ، باعتبار أن الدخول في حوار مباشر بين الطرفين دون الوساطة من شأنه كسب الوقت ويمكن الجميع من التوغل بعمق في لب المشكل ، واتفق صلاح مع اسماعيل في ان تكوين رياك مشار يجعله ملماً بالذهنية السياسية في الخرطوم وجوبا خاصة وانه لم يسبق له الاشتراك في لجان التفاوض التي تعمل تحت رعاية الوساطة ، وطالب الباشا الخرطوم بتوسيع واتاحة الفرصة لجهود رياك مشار مع نظيره في الخرطوم علي عثمان ليعملا بجديتهما في الوصول لنقاط مشتركة وايجابية تنزع فتيل الازمة مستقبلاً ليس في النفط فقط ولكن لفتح بوابات التعاون التام بين الدولتين وكأنهما لايزالان تحت مظلة الدولة الواحدة.
بعيداً عن حسابات السياسيين وتوقعاتهم إلا أن توقيت الزيارة وشخوصها واجندتها مهما بدت خافية ، الا أنه من حيث مبدأ الحوار جعل الكثيرين في الخرطوم يتنفسون الصعداء باعتبار أن الحوار بمبادرة وزيارة جنوبية يعني بشكل أو بآخر انتزاع زمام المبادرة من تيار الصقور وجنرالات الحرب لصالح تيار السلام أو التيار المرن في حكومة جوبا، ما يجعل تحقيق اختراق في المشهد أمراً يتوقف على حقيبة مشار السوداء وأوراقه البيضاء وخط السلام الذي سيكتب عليها ..