الأحد، 7 يوليو 2013

جوبا تنتظر أن تمطر سماء السياسة ذهباً!

بالطبع وطالما كنا حيال عمل سياسي يُعرَّف بأنه فن الممكن فإن من غير العسير حل الخلاف السوداني الجنوبي مهما بلغت درجة تعقيده. والتاريخ البشري ذاخر بالعديد من الخلافات الصعبة التي أمكن فى النهاية حلها بعد طول يأس وقنوط، غير أنَّ للحل وتماماً كما لعدم الحل عوامل ومسببات ووسائل؛ وعوامل الحل معروفة لا حاجة لنا لاستعراضها، فكل ما هو مطلوب من جوبا أن توقف دعمها للمتمردين السودانيين وأن توقف رهانها غير الواقعي على إسقاط الدولة السودانية كثمرة ناضجة -كما تسقط ثمار المانجو البري لديها- على يديها!
ولكن من الجانب الآخر –وهو مقصدنا فى هذا التحليل– فإن مما يؤسف له أن جوبا رغم حاجتها الشديدة لعلاقات جيدة مع السودان ورغم الأثر البالغ الصعب التبعات لوقف ضخ نفطها ما تزال تتخذ وسائلاً تباعد بين إمكانية التوصل الى حل.
وإذا أردنا تِعداد هذه الوسائل المعرقلة لإمكانية التوصل الى حل فهي تتمثل في عدة أمور. فمن جهة أولى –وهذه هي النقطة المحورية الأكثر أهمية– فإن جوبا ما تزال حتى هذه اللحظة تنكر دعمها للمتمردين السودانيين.
والغريب أن الإنكار من تلقاء رئيس الدولة نفسه الرئيس كير، ففي تصريحات له الاثنين الماضي من الأسبوع الفائت عقب محادثات أجراها وزير الخارجية الارتري الزائر لجوبا أعادة الرئيس كير إنكاره بما يشبه فى الإجراءات القضائية الرجوع عن الاعتراف، أو الاعتراف المعدول عنه!
ذلك أن من المعلوم في أي شأن لمعالجة أي قضية أن يتم الإقرار بعناصرها المتسببة فيها، فالطبيب لا يستطيع معالجة مريض ينكر أعراض المرض التى يشعر بها هو بداخله.
كما أن الأدلة الموثقة التى قدمها السودان وسلمها للرئيس كير شخصياً والتي حوت فيما حوت محادثات هاتفية لا مجال للتنصل فيها، هي أدلة كافية لا يجدي معها الإنكار، ولو كان السودان غير حريص على معالجة الأزمة لما تكبد وزير الخارجية ورئيس جهاز المخابرات مشاق السفر الى جوبا وحمل الأدلة والأحراز القانونية وتسليمها للسيد رئيس الدولة شخصياً فى قصره الرئاسي تحت بصر وسمع مساعديه وفلاشات الكاميرات!
كان يكفي أن يتخذ السودان ما يود إتخاذه دون الحاجة الى مواجهة المتهم بالأدلة التي تثبت جرمه، ففي القوانين الدولية ليس مطلوباً من الدولة المتضررة أن تلفت انتباه الجانية الى (فعلها الإجرامي) فالأخيرة بالقطع تعرف ما ظلت تقترفه يداها، ولكن كانت تلك محاولة الفرصة الأخيرة بالنسبة الى الخرطوم إذ ربما أدركت جوبا خطورة موقفها وحسبت حساباتها بطريقة مختلفة وتراجعت.
وعلى ذلك فإن الإصرار على الإنكار واحداً من أهم العناصر التدميرية لإمكانية الحل. ومن جهة ثانية فإن (تثاقل) خطى جوبا حيال الحل نفسه هو أيضاً يشي بأنها لا ترغب وليس لديها الإرادة السياسية للحل، فقد كان الأمر المتوقع أن يطير الرئيس الجنوبي على الفور ويحط رحاله فى الخرطوم، ويحسم الأمر طالما انه كما قال الوزير الارتري لا يرغب فى الحرب ولا في إلحاق الأضرار بعلاقات البلدين.
لقد بدا واضحاً أن نائب الرئيس كير الدكتور مشار كان يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، حتى مضى أكثر من أسبوع ولم تتحرك جوبا -ولو خطوة واحدة- لحل الأزمة وهذا يعني بكل بساطة أن جوبا ما تزال تلعب دور (البريء) والمظلوم، وهو عنصر ضار أبلغ الضرر بالحل.
من جهة ثالثة، فإن جوبا تراهن على عاملين مؤثرين لا يلقيان بأعباء والتزامات صعبة عليها: العامل الأمريكي باعتباره الأكثر حسماً، والعامل الصيني، باعتبار أن بكين ربما تضغط على الخرطوم – سياسياً وتقنعها بمراعاة مصالحها كمستثمر وهو ما ظلت تراقبه جوبا في غبطة وسرور.
هذه العوامل تشير الى أن جوبا غير راغبة فى الحل وحتى ولو كانت راغبة فهي غير قادرة، فهي فقط تنتظر سماء السياسة أن تمطر ذهباً!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق